حوار مع محمد قناوي مخرج إمبراطورية اليبتزا
مهنتي هي توثيق ما يثيرني من أحداث الواقع بعيدا عن الشعارات
حاوره : مجاهد البوسيفي
![]() |
محمد قناوي أثناء تصوير فيلمه
فيلمك يأتي في سياق موضوع فني جمالي معلوماتي بعيدا عن الكثير من الإنتاج العربي القريب من الشعارات والقضايا السياسية المباشرة. ما تعليقك..
مهنتي هي توثيق ما يثيرني من أحداث الواقع، و الواقع ليس كله شعارات وقضايا سياسية، فهناك أشياء أخرى كثيرة في حياتنا تستحق الاهتمام طالما أنها ليست تافهة أو مضيعة للوقت. أعتقد أن فيلم “إمبراطورية البيتزا” يدخل في ذلك النوع من الأحداث ففكرته بعيدة عن ما هو متداول في أفلامنا من أفكار سياسية أو مصطلحات علمية معقدة و لكنه يتحدث عن طبق بسيط وُلد في أحد أحياء مدينة نابولي الفقيرة تحوّل فيما بعد إلى علامة مسجلة معروفة في العالم كله بنفس الاسم على اختلاف اللغات.
تقنيا الفيلم تميز بوضوح الصورة وتفاصيلها، هل يرجع ذلك إلى أن كادرك أجنبي؟
بالتأكيد أنا تأثرت بطريقة التصوير والإخراج انطلاقا من الواقع السينمائي الإيطالي الذي أعيش فيه بحكم الدراسة والعمل والمشاهدة خاصاً أن السينما الإيطالية مشهورة عالمياً بكونها سينما واقعية وكذلك مخرجيها مثال “فيديريكو فيلليني” و”بيير باولو باسوليني” و غيرهم كثيرون..
لكن هناك أيضاً جانب شخصي في الموضوع وهو أنني قبل بداية التصوير أحاول أن أتخيل (كمشاهد) كل كادرات الفيلم وكذلك رسمها على طريقة “ستوري بورد” وأعطي لنفسي الفرصة لرؤية ما يدور داخل الكادر بوضوح ومعرفة كل تفاصيله وذلك هو ما يظهر على الشاشة و هو ما أشرت إليه في سؤالك
إيقاع الفيلم بطيء بعض الشيء بينما إيقاع موضوعه – البيتزا – سريع حيث تتطلب سرعة الإنجاز كما أن إيقاع الايطاليين العام سريع في الحياة، كيف تشرح لنا ما بدا أنه مفارقة.
أنا متفق معك بأن إيقاع الفيلم لا يسير بأكمله على وتيرة واحدة، فهناك مشاهد بطيئة، وأخرى متحركة وأخرى سريعة. موضوع النقاش هو ما الذي يتحكم في سرعة الإيقاع : فعند الحديث عن الجانب المعلوماتي أو الاقتصادي هناك سرعة أقل في الإيقاع لتمكين المشاهد من متابعة كافة التفاصيل ولكي لا أُشعره بالملل كنت أنتقل إلى محور تالي سريع ومتحرك كي لا تخلّ سرعته بمدى متابعة الأحداث
أما بالنسبة إلى إيقاع الإيطاليين السريع فهو ظاهر تماماً في الفيلم فهناك مشاهد كثيرة تظهر جموع كبيرة من الناس تأكل البيتزا أثناء السير في الشارع أو حتى أثناء ممارسة أعمالهم إلى جانب مشاهد بطولة العالم لصانعي البيتزا والتي كانت السرعة هي مقياس النجاح سواء في طريقة صنعها أو الرقص بها.
![]() |
الرقص بالبيتزا دون أن تسقط
الشخصيات المشاركة في الفيلم بدت ثابتة في أماكنها وحرمت المشاهد من الاستفادة من خبراتها بشكل عملي لو أنك تجولت بها في الأمكنة التي تخص موضوع الفيلم (أسواق – محلات – ..الخ)
كل شخصية رئيسية أو ثانوية في الفيلم لها دور محدد كمصدر للمعلومات أو كممثل لفئة اجتماعية في عالم البيتزا وقد قمت بتصويرهم في أماكن عملهم : فمثلاً شخصية رئيس إتحاد صانعي البتزا هو بالأساس عمل إداري يدور داخل أروقة المكاتب و كان دوره هو تزويدنا بمعلومات و إحصاءات عن مدى تفوق صناعة البيتزا، بينما صانع البيتزا في المطعم فقد تجولنا معه في كل مكان في المطعم و محيطه الخارجي لأن ذلك هو نطاق عمله ودوره كان في إظهار الجانب الصناعي والتجاري في عالم البيتزا وكذلك السيدة ربة العائلة صورنا معها في المنزل مع كل أفراد العائلة، بداية من شراء الأغراض من السوق و حتى الإعداد وتجمع كل الأفراد و كانت تمثل الجانب الاجتماعي للموضوع، وهناك شخصية الطبيب والباحث العلمي فكنا نتنقل معه ما بين المكتب والمعمل وعمله على الأجهزة وأخيراً شخصية منظم المسابقة العالمية فكان التصوير معه في نفس ساحة التباري بين المتسابقين وهو معهم وهو ما يمثل الجانب الفني في الموضوع
كمواطن عربي مهتم بثقافة الذوق، ما تعليقك على إصرار الطليان على الاعتراف بأكلتهم عالميا، ألا يحيلك ذلك على إهمالنا لتراث الفن والأكل الذي نملكه؟
من حق الطليان الإصرار على الاعتراف بأكلتهم عالمياً طالما أن ذلك حقيقة ولا انتقاص فيها لحق الغير وما يعيبنا نحن هو إهمال تراثنا العربي الفني والاجتماعي ولكنني أتفهم ذلك نظراً لحجم ضغوط الواقع السياسي والاقتصادي علينا بما لا يدع مجالاً للتفكير في الفن ولا الثقافة بوجه عام ولكن ذلك لا يعفينا نحن (صانعي الأفلام) من التفكير في أعمال من شأنها المحافظة على ما لدينا من تراث.
سمعنا أنك أنجزت للتو فيلما عن الموسيقى.. هل من الممكن أن تعطينا فكرة موجزة عنه.. وماهو فيلمك القادم؟
أنا بالفعل انتهيت من إنجاز عمل يتعلق بموسيقيين أوربيين احترفوا عزف الموسيقى العربية و تأليفها وبآلات شرقية صرف كالعود والناي والرق والكمان، ولا يتعلق اهتمامهم بالموسيقى العربية فقط بل تخطاه إلى اهتمامهم بالثقافة العربية بشكل عام، عنوان الفيلم هو “سِحر النغم” سيعرض قريباً على الجزيرة الوثائقية وأرجو، إن شاء الله، أن أكون قد وُفقت في تقديمه.
بالنسبة لعملي القادم، فهو ليس ببعيد عن مجال الثقافة والفن: فهو يتعلق بمثقفين إيطاليين أخذوا على عاتقهم إحياء تراث شعراء صقلية العرب والفيلم هو تتبع لرحلة بحثهم حتى النتائج التي توصلوا إليها في تعريف المجتمع الغربي بهذا التراث المدفون.