حوار مع مديرة مهرجان طريفة للسينما الأفريقية
يدشن مهرجان طريفة للسينما الأفريقية دورته السابعة هذه السنة وتمتد من 21 إلى 29 مايو.. وهو مهرجان يعنى بالتعريف بالسينما الأفريقية وقضاياها. ويتميز هذا المهرجان باستقلالية كبيرة عن النظام الأوروبي الرسمي ويحاول أن يعرف من خلال السينما بمبدعي القارة الأفريقية دون فرض أجندة سياسية عليهم تصب في ترسيخ صور نمطية حول القارة..
كانت لنا فرصة اللقاء مع مديرة المهرجان لدى حضورها كضيفة في مهرجان الجزيرة الدولي للأفلام التسجيلية…
************
* لو سمحت سيدة مارن لو تشرفيننا بالتعريف بنفسك للجمهور العربي سمحت عرّفينا بنفسك و في نفس الوقت تقدمين قدّمي لنا المهرجان
أعرّفك بنفسي اسمي “مان سيزنيروس” مؤسّسة مهرجان السّينما الأفريقيّة في طريفة في إسبانيا و مديرته و هو مهرجان يحتفل بدورته السّابعة وُلد هذا المهرجان في وضع دقيق يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ إسبانيا ليست لها علاقات تاريخيّة وطيدة تربطها بأفريقيا كغيرها من الدّول الأوروبيّة فتاريخ أفريقيا و القارّة الأفريقيّة عموما غير مألوف بالنّسبة إليها كما أنها بلاد لها “كليشيهات” صارمة و محكمة إزاء أفريقيا فمهرجان طريفة اقترنت ولادته بثنائيّة الوفاق و الهدف فهناك من ناحية هدف جمالي لأنّنا مع السّينما باعتبارها فناّ ، إضافة إلى هدف أخلاقي فنحن إذن عبر السّينما نحاول أن نقدّم للجمهور الإسباني صورة بنّاءة و إيجابيّة عن قارّة مثل أفريقيا فهذه القارّة لا تقتصر فقط على الحروب و الأمراض و الأوبئة و الدّمار و الكوارث..
![]() |
مان سيزنيروس
* لو نبدأ من مكان المهرجان الذي تترأسينه لماذا تم اختيار مدينة طريفة بالذات ؟
موقع المدينة الجغرافي في جنوب أوروبا و قرْبُها من أفريقيا جعلنا نختار هذا المكان و هذه المدينة لتكون طريفة رمزا و جسرا بين قارّتين و عالميْن بفضل السّينما..
* فعلا ، لقد أوحيت لي بسؤال خطر نوعا ما، ففي دول الجنوب وفي أفريقيا وفي العالم العربي نرتاب دائما في أمركم و لنا مآخذُ كثيرة عليكم..
طبعا و لكن يرجّح أنّنا نفكّر كثيرا في هذا الموضوع أرى أنّ المشكل يكمن أساسا في مدّ يد المساعدة، لا يجب أن نمدّ يد المساعدة ولا يمكن أن نقدّم المساعدة فنحن نستطيع أن نرافق مسيرة المخرجين أو يمكننا أن نساند ونتعاون ولكن لماذا نهَب ؟ من نحن حتّى نقدّم هِبات للآخرين وهذا الأمر أيضا ينعكس كثيرا على مهرجاننا فأحيانا يغضب منّا مخرجون لأنّهم لم يفهموا أسباب عدم اختيارنا لأفلامهم و دائما أجيب الإجابة نفسها فمهرجان طريفة لا يساند الطّريقة الأبويّة في التّعامل والرّؤية غير الواقعيّة لأفريقيا فنحن هنا لنكون إلى جانب أفريقيا ولنبنيَ صورة حقيقيّة.
* أليس هناك خطّ تحريري تختفي وراءه إيديولوجيا معيّنة وعدّة مشاريع ؟
طبعا من المؤكّد أنّنا نساند نخبة صاعدة وعندنا مصالح ونحن شديدو الاهتمام بمساندة المبدعين الجدد والشّبّان و نبحث عن وجهات نظر في مجال التّقنيات الحديثة، إنها أشياء تشدّ انتباهنا ونهتمّ بها ولكن نحرص مثلا على تقديم دور المرأة عبر السّينما أمّا عن دور المرأة الأفريقيّة فأفريقيا عَالَم مؤنّث و المرأة تشغل دائما حيّزا هامّا في مهرجاننا..
سألتني عمّا إذا كانت هناك إيديولوجيا تسيّر كلّ هذا أقول.. نعم و هذا أمر لا ريبَ فيه ولكن ليست إيديولوجيا حزبية بمعنى أنها تخدم مصالح دول معينة وأنظمة وإنما هي إيديولوجيا إن شئنا تحررية ولا نتفق دائما مع ما يعتقده المخرجون الأفارقة الذين يساهمون معنا ولكننا نلتقي معهم في قيم التحرر والنهوض بالإنسان بواسطة السينما. وهي ليست إيديولوجيا استعمارية تنظر إلى أفريقيا على أنها مخزن للثروات والعجائب والفنتازيا.. نحن نرى أن أفريقيا مخزن للمبدعين والفنانين والمثقفين المهمومين بقضايا قارتهم…
![]() |
الفيلم السينغالي “رماتا” المشارك هذه الدورة
* هناك سؤال يُطرَح دائما وهو أن السّينمائي التّونسي أو الجزائري أو السنغالي أو الإفريقي يقدّم الصّورة التي يريدها الفرنسيّون عن تونس أو الجزائر أو غيرها ،مثل صورة المرأة المستكينة المشوّهة والمقهورة ، وصورة المدينة العتيقة المليئة بالخرافة والسحر… إلى غير ذلك من الصور النمطية.. في حين هناك آفاق أخرى أكثر تعبيرا عن حقيقة أفريقيا…
تماما لذلك أُصرّ دائما و أقول يجب أن نفسح المجال للمواضيع الحقيقيّة والفعليّة وفي هذه الحالة الأفارقة وحدهم هم القادرون على ذلك و يجب أن نفسح لهم المجال حتّى يعبّروا عن أنفسهم و يحكوا عنها قد نكون موافقين أو غير موافقين ولكن يجب تهيئة السّبيل لمن يملك إبداعا في التعبير عن واقعه بعيدا عن ضغوطات الداخل السياسي أو الخارج الاستعماري.. وهذا من شانه أن يكسر الصور النمطية. وأعتقد أن أهم عامل رسخ الصور النمطية عن أفريقيا هي الأدب وأدب الرحلات ثم الفوتوغرافيا ثم السينما أي الفن.. وأعتقد أن الفن أيضا كفيل بأن يغير تلك الصور التي ترسبت منذ قرون.
* ألاحظ مواضيع مستهلكة أو إذا سمحت بالعبارة ” بالية ” : المرأة /الهجرة / انعدام الأمن وغيرها ، لم أشاهد أفلاما كثيرة تهتمّ بالجانب الفنّي والجمالي و البعد الخيالي لأفريقيا..
سأذهب أبعد من ذلك، أرى أنّ هذه المواضيع تثير مشاكلَ حتّى للمخرجين والسّينمائيّين الأفارقة فليس كلّ السّينمائيّين الأفارقة ينتهجون النّهج ذاته فهناك القدامى وهناك سينمائيّون شبّان يبحثون عن وسائلَ جديدة ويدرسونها أظنّ إذن أنّ السّينما منفتحة ومتجدّدة بخطى ثابتة تعكس تطوّر شعب ما لذلك يجب أن تطْرق المواضيع ذات البعد الأزلي والعالمي المرأة موجودة ولكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب المواضيع الأخرى التي قد تؤرّق الشّباب، قد تكون مواضيع أقلّ عالميّةً و لكنّها ذات بال..
![]() |
فيلم “حراقة” لمرزاق علواش
* إذن أنتم تساهمون في إرساء الحوار و لكن عبر الصّورة ، فالصّورة حسب رأيي في التّكنولوجيا الحديثة هي خيْرُ معبّر و أفضل وسيلة للتّعبير..
بالتّأكيد و أرى أنّه على كلّ البلدان في أرجاء العالم أن تؤمن بالخطاب السّينمائي السّمعي البصري و تروّجه وهذا من شأنه أن يساعد على تأطير الشّباب و الأجيال الصّاعدة و شحذ تفكيرها لتكتسب قدرة على النّقد والاختيار السّليم والمناسب ولحمايتها من تأثير الصّورة.
ما نشهده اليوم أمر لا يصدّق فالصّورة تغزو عالمنا و شبابنا ليسوا مزوّدين بالوسائل الكافية ليبدوا آراءهم فيما يشاهدونه و ليعبّروا عن مواقفهم حتّى أنّهم ليسوا قادرين على التّمييز بين الجيّد و الرّديء وليست لهم هذه الملَكة النّقديّة الّتي تمكِّنهم من القبول أو الرّفض..
* أطرح عليكِ سؤالا “مشاكسا” ، لماذا تبتسمين وأنت تتحدّثين عن أفريقيا ؟
بالنّسبة إليّ أفريقيا هي الفرح و البهجة والأمل..
* سيدة مارن سعدت بالتّحدّث معك، أشعر أنّك مع الجنوب، مع أفريقيا والعالم الثالث، و أظنّ أنّنا نتقاسم المشاكل نفسها فالمشاكل اليوميّة للإسباني أو العربي أو غيره هي نفسها..
غالبا السّينمائيون هم مبدعو عصرنا، فهم يتناولون مواضيعَ ذات صلة بشعوبهم وعلى النّاس أن يضعوا في اعتبارهم أنّ الأزواج في أفريقيا يفترقون و الأسر تعاني مشاكل مع أبنائها مثل كلّ الأسر في العالم فتلك سمة إنسانية عامّة و لكن بفعل كثرة الحديث عن المآسي والاستبداد ننسى أنّ وراء كلّ ذلك أناسا يعيشون حياتهم اليوميّة و يتقاسمون مشاكلها
![]() |
من فيلم “احكي يا شهرزاد” ليسري نصر الله
* كنت ضيفة في مهرجان الجزيرة الدولي للأفلام التسجيلية كيف وجدت المهرجان ؟
إنّها المناسبة الأولى الّتي أُتيحت لي فيها زيارة قطر اكتشفت المهرجان بكلّ سرور ولكن ما لفت انتباهي وشدَّني أكثر هو أنّني وجدت نفسي إزاء مهرجانٍ منفتح على العالم ، مهرجانٍ ذي توجّه محايد كلّيّا، مهرجانٍ يقدّم كلّ الرّؤى في العالم وعنه. لقد توقّعت أن أشهد مهرجانا شديد الالتصاق بالعالم العربي في عدّة مفاهيم ولكن ذهلت عندما وجدت نفسي إزاء مهرجان منفتح تماما و مطلق الحياد. إنّه مهرجان يصلح فعلا لأن يكون قاعدة لكلّ وجهات النظر والرّؤى ، لقد كان رائعا.