حوار مع مدير المهرجان الدولي لفيلم الهوا

مهرجاننا هو الأعرق عربيّا وإفريقيّا على هديه سارت مختلف التظاهرات السينمائيّة
 
حوار أحمد القاسمي

 

ينظّم هذه الأيام مهرجان قليبية أعرق المهرجانات الدولية في العالم العربي والإفريقي في دورته الخامسة والعشرين، نعني المهرجان الدولي لفيلم الهواة. فكان لنا هذا اللقاء مع مديره ورئيس الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة، وهي الجهة التي ترعى المهرجان، السيد عادل عبيد، عسانا نعرف قراء موقع الجزيرة الوثائقيّة من هواجس متابعيه وتطلّعاتهم. 

 

 

 

عادل عبيد

* أعلنتم في الندوة الصّحفيّة للمهرجان أنّ هذه الدورة استثنائيّة. ما الاستثنائيّ فيها؟
القرار بتحويل المهرجان إلى تظاهرة سنويّة يجعل من دورتنا هذه دورة استثنائيّة على أكثر من مستوى. فمثل هذا الأمر يتطلّب تفرّغا تامّا وعملا دؤوبا على مدار السنة بحثا عن الأفلام التي تستجيب إلى فلسفتنا والأنشطة التي تحقق تطلّعاتنا. لقد جعل هذا الإجراء الاهتمام بمهرجاننا متزايدا على المستوى الوطني كما على المستوى العربي والإفريقي، إعلاميّا وسينمائيّا على حدّ سواء، فإيران وحدها، على سبيل المثال، أرسلت  ستين فيلما انتقينا منها ما رأيناه جيّدا، مما وفر لدينا قاعدة ثريّة وهامشا واسعا للاختيار.
لقد بلغ مهرجاننا 25 دورة ونحو نصف قرن من العمر ممّا يستدعي وقفة تأمل لا تثمن المنجز فحسب وإنما تستقصي ما قد ينصف من الهنات وتستشرف المستقبل وهذا أمر مقرّر ضمن لقاء ينتظم على هامش المهرجان.

* أيّ خصوصيّة لمهرجانكم ضمن خارطة التظاهرات السينمائيّة العديدة محليّا وعربيّا؟
ثمة أكثر من خصوصيّة تجعل مهرجاننا فريدا. فهو أقدم مهرجان سينمائيّ عربي وإفريقي على الإطلاق. لقد تمّ تأسيسه سنة 1964 ثم تأسس مهرجان قرطاج بعد سنتين ثم تتالت المهرجانات العربيّة والإفريقيّة لتكون ما هي عليه اليوم. وعلى امتداد مساره مثّل سندا للسينما المستقّلة والهاوية وتحوّل إلى نموذج تسير على هديه مهرجانات عديدة مثل مهرجان أصلية بالمغرب لسينما الهواية، وإن ظل وطنيّا، ومهرجان بروجكتور ببجاية الجزائريّة وإن كان يجمع بين أفلام الهواية وأفلام الاحتراف.
أما الخصوصيّة الأبرز في اعتقادنا فتتمثل في عروضه التي تكون في الهواء الطّلق أمام  1300 متفرّج على الأقل، مما يوفر طقوسا للتّقبل تختلف عن تلك التي ألفناها في القاعات المغلقة.
 
* مهرجان قليبية من المهرجانات النادرة التي تعرض أفلامها في مسارح الهواء الطلق.
وما كان لهذا المهرجان أن يتواصل بكل نجاحاته هذه لو لم يكن تابعا لمؤسسة ترعاه وتسهر على استمراره هي الجامعة التونسيّة للسينمائيين الهواة التي جعلت أشقاءنا في المغرب يحلمون بجامعة مماثلة بعد تأسيسهم لمهرجان أصيلة كما أن الأشقاء في الجزائر بصدد بعث جمعية شبيهة سيقع اعتمادها رسميّا هذا الصيف بسكيكدة حتى تسهر على مهرجان مثيل. ولكنّنا لا ندّعي فرادة مطلقة فهناك مهرجانات شبيهة بمهرجاننا الآن في أمريكا اللاتينيّة وأوروبا وآسيا، نحاول أن نوطّد معها علاقاتنا وأن نتفاعل معها إفادة واستفادة شأن علاقتنا بمهرجان الفيلم البديل في إسبانيا أو الجامعة الفرنسيّة للسينما والفيديو أو جمعيّة الشباب السينمائي بإيران.

 

 

* ذكرت الجامعة التونسيّة للسينمائيين الهواة راعية المهرجان.. ألا يبدو هذا الهيكل أحيانا، ضحيّة لتسميته بما في عبارة الهواية من تهجين للفعل السّينمائي؟
هذا سؤال متواتر يستدعي بحثا معمقا سنطرحه في ندوات سنة 2012  بمناسبة الاحتفال بخمسينيّة الجامعة.
ومع ذلك فمن المهمّ أن نبيّن أننا لا نستعمل من “الهواية” معناها البسيط الحاف أو التهجينيّ. إن الهواية في فلسفتنا تصوّر يستند إلى حبّ السينما وانتصار إلى حريّة التّعبير دون الخضوع إلى إكراهات الإنتاج وتعقيداته المرتبطة بضوابط السّوق ومسالك التوزيع التجاريّة.
يمكن وسم جامعتنا “بجامعة السينما المستقلة” وهو اسم يكون أمينا في التعبير عن خصوصيتنا التي تتجسّد في حب السينما باعتباره شرطا من شروط  الإنشاء. كما أن وسمها بالسينما غير المحترفة أو البديلة من شأنه أن يسقط اهتمامنا بالإنسان وقضاياه باعتباره هدفنا الأسمى من كل عمليّة إبداعيّة. أضف إلى ذلك أنّ السينما اليوم، على المستوى العالمي، تشهد هجرة من عالم الاحتراف إلى عالم الهواية وتثمينا له بالنظر إلى الأهداف التي ذكرنا.

* تعولون على مساندة وزارة الثقافة كليّا، ألا تؤثر هذه التبعيّة المادية على استقلالية قراركم؟
إن منحة الوزارة للجامعة وللمهرجان قارة غير مشروطة. هذا هو اتفاقنا المبدئي مع سلطة الإشراف وذلك لقناعتنا بأن استقلاليتنا هي الشرط الحقيقي لاستمرارنا وأننا متى تنازلنا في هذا الإطار إنما خطونا الخطوة الأولى نحو اندثارنا. وتنظيم المهرجان نفسه يتم بكامل الاستقلاليّة. وإذا ما سبّب نشاط ما من أنشطتنا أو استدعاء ضيف غير مرغوب فيه رسيما ولكنه مبدع فإن السلطة تكتفي فقط بالتعبير عن عدم رضاها أو بعدم الحضور. ولكنّ بالمقابل فإننا لا ننكر صعوبة الجمع بين الإعلانات والاستقلاليّة مما جعلنا ننأى عن مصادر التمويل التي تملي شروطها بالمقابل حتى نحافظ على الهواية في مفهومها السامي الذي حدّدته آنفا.

*  لقد هجرتم الشريط المغناطيسي إلى المحمل الرقمي ممّا سطّح الصورة السينمائيّة وأثّر في نوعيتها.
هذا يعود أساسا إلى كلفة العلب الخام والعمليات المخبريّة. وهذا التحدي تواجهه مختلف الأفلام ذات الميزانيات المحدودة. وفي المقابل أصبح المحمل الرقمي متاحا ممّا شجعنا على محاولة استغلاله لتمكين منتسبي جامعتنا من فرصة إنتاج الأفلام والتعبير الحر عن أفكارهم وفق رؤاهم الجمالية. ولكننا بالمقابل نقرّ بأن هذا الاختيار يدفع أحيانا إلى السهولة سواء على مستوى التصوير أو المونتاج ممّا يؤثر على مضمون الفيلم نفسه. على كل اختياراتنا في هذا المستوى ليست نهائيّة بل قابلة للمراجعة المستمرّة.

* يصنّف المهرجان نفسه بكونه حضنا للسينما المناضلة. ما وجوه هذا النضال؟ وكيف للسينما أن تكون مناضلة؟
نحن نتحدّث عن النضال في بعده الشامل. فكل حركة تدافع عن قداسة الفكرة وعن علوية قيم الحرية والجمال إنما هيّ من منظورنا حركة نضال. كما أن كل سينمائي يتحدى ظروف الإنتاج ليعبّر عن هواجس الإنسان في كلياتها أو في جزئياتها يعدّ من المنظور نفسه سينمائيّا مناضلا. على أن هذا البعد الشامل لفهمنا للنضال لا ينفي تدعيمنا لسينما تحرير الوطني من براثن الاستعمار كما الحال بالنسبة إلى القضيّة الفلسطينيّة أو تحرير الإنسان من قيود الاستعباد. سبيلنا إلى ذلك محاولة الجمع بين الجميل والمفيد، لأن الانتصار المطلق للفكرة أو القضيّة على حساب أساليب التعبير والمعايير الجماليّة من شأنه أن يضر بها بدل أن يخدمها.

 

 

عادل عبيد يفتتح المهرجان معلنا الأفلام المشاركة

* على مستوى المسابقات، هل ترى من الوجاهة الجمع بين الوثائقي والروائي في نوع واحد والحال أن لكل جنس جماليته وانتظارات متفرّجيه؟
نحن نصدر عن رؤية تعتقد أنّ السينما واحدة رغم اختلاف الأجناس أو المقاربات.  ففيلم عطر الأرض لعبد العزيز بوشمال مثلا هو بالأساس فيلم وثائقي ولكن طريقة معالجته جعلت الأشخاص الواقعيين ممثلين وأضفت  على الفيلم نزعة روائيّة مما يدفعنا إلى الإقرار بأن الفصل الصارم بين الأجناس لا يخلو من تعسّف واعتباط ومن هذا المنطلق نفهم لماذا نافس فيلم مايكل مور الوثائقي حول أحداث سبتمبر2001 الأفلام الروائيّة في مهرجان كان وفاز دونها بالسعفة الذهبيّة ذات دورة.

* متى نرى الجامعة التونسيّة للسينمائيين الهواة تنتج بالاشتراك مع بلدان أو مؤسسات عربيّة أخرى؟
نحن نرحّب بهذا المسعى ونعمل على تحقيقه. لقد أنتجنا فيما مضى مع الجزائر بل حينما توفرت فرصة التعاون مع الأرجنتين لم نمانع وكان ذلك مع المخرج بابلو سيزار عضو لجنة التحكيم للمسابقة الدوليّة هذه السنة. وحينما تتوفر فرص شبيهة فسنبادر بما يحقق برامجنا ويعرّف بأهدافنا.


إعلان