حوار مع المخرجة السنغالية عائشة تيام
على المخرج الأفريقي أن يحول البؤس إلى فن..
حوار – حسن مرزوقي
المخرجة السنغالية عائشة تيام من مواليد 1979 تخصصت في المونتاج ثم انطلقت نحو الإخراج وكتابة السيناريو. في رصيديها عدة أفلام وثائقية كلها تهتم بقضايا السنغال وأفريقيا. أول أفلامها كان فيلما روائيا قصيرا بعنوان “في سبيل الله” (2003) تناولت فيه قضية أطفال الشوارع في العاصمة السنغالية دكار. ثم في 2005 أنجزت فيلما وثائقيا عن الطقوس السحرية في إحدى القبائل وأسمته “غابيل.. الرداء السحري”. وفي 2006 أخرجت فيلما وثائقيا قصيرا بعنوان “أبي” تناولت فيه حنينها إلى المرحوم أبيها من خلال ربط علاقة ثلاثية طريفة بينها وبين البحر وبين أبيها.
وشاركت هذه السنة في مهرجان الجزيرة الدولي للأفلام التسجيلية بفيلم يحمل عنوان “صرخة البحر” يتحدث عن الهجرة السرية. وهي بصدد إنجاز فيلم عن إحدى النساء الأفريقيات التي قتلت في بلجيكا لأسباب عنصرية. وتزامن يوم وفاتها بيوم الاحتفال بذكرى وفاة الفنان العالمي المشهور بوب مورلي نصير الفقراء. فتحاول أن تربط بين فنه المناهض للعنصرية والقصة الحزينة لهذه المرأة التي ذهبت ضحية بشرتها السوداء.
![]() |
عائشة تيام
*****************
* الأخت عائشة المحترمة مرحبا بك في الدّوحة، في البداية هل يمكنك أن تقدّمي نفسك للجمهور العربي ثم تعطينا بسطة عامّة عن السّينما السنغاليّة ؟
اسمي “عائشة تيام” وأنا مخرجة من السّنغال. لقد عرفت السّينما السّنغاليّة ماضيا عريقا وعرفنا مخرجين كبارا على غرار “سامبان عصمان” و”دوري دجورمان بيتي” و”جونسون تراوري” كما عرفنا كتّابَ سيناريو كبارا. وبالنّسبة إلينا نحن الجيل الجديد فإنّنا واعُون بأنّهم تركوا لنا إرثا عظيما ونحن نبذل ما بوسعنا لنضع حجرا في البناء الذي شيّدوه.
* متى بدأت السّينما السّنغاليّة بالضّبط ؟
حسب معرفتي فإنّ أوّل فِلْم هو ““ “لـ“سامبان عصمان” الذي يتحدّث عن الحياة الأفريقية.
* ما معنى بورم سارات ؟
نعم صاحب العربة وبالأولوفيا (لغة محلية) فإن “بورم سارات” يعني صاحب العربة وحسب ما أعلم هو أول فِلْم سنغالي وهنالك أيضا “توكي بوكي” …
* متى كان ذلك ؟
لا أتذكّر السّنة بالضّبط، وفي كلّ الأحوال لنا مرجعان في هذا المجال هما “بورم سارات” لـِ”سمبان عصمان” و”توكي بوكي” لـِ”دوري دجورمان بيتي” . و إذا نظرنا مليّا اليوم نحن في سنة 2010 يتحدّث فِلْم “توكي بوكي” عن الهجرة ونحن الآن في 2010 لا يزال فيلمه معاصرا و”بورم سارات” يتحدّث عن نزوح كاري عربة يسعى للعيش في المدينة وإذا نظرت مليّا تجد أنّها إشكاليّات تهمّ النّاس مازالت تشغل السينما السينغالية إلى اليوم, ونفهم بالتّالي أنّها بدايات السينما كانت مميزة لأنّه عندما تنجز فِلْما وبعد أربعين سنة الآن في سنة 2010 لا يزال معاصرا فذلك يعني أنّه فِلْم ناجح وفيه رسالة هادفة.
![]() |
سمبان عصمان
* وماذا عن الفِلْم الوثائقي السّنغالي؟
بالنّسبة إلى الفِلْم الوثائقي السّنغالي ليست لنا مراجعُ كبيرة والمرجع الإخراجي في مجال الفِلْم الوثائقي هو “سامبا فيليكس” الذي غادرنا هذه السّنة نحو السماء، لقد توفِّي ذلك المخرج العظيم.. كان شيخا قدّم الكثير للفلْم الوثائقي السّنغالي وقد اختار أن يتّجهَ إلى هذا المجال وينجزَ الأفلام الوثائقيّة. ومن أفلامه ” رسالة إلى سنغور” وهو فِلْم يتحدّث عن “ليوبولد سنغور” وقد طبع السّينما الأفريقيّة الوثائقية بطابع خاص.
* هذا فيلمه الحديث… لأنني شاهدته شاهدته في تونس في الأسبوع الفيلم الوثائقي الذي انعقد في شهر أبريل الماضي واثار إعجاب الكثيرين..
– نعم ليس قديما.. ما شاهدته وأثار إعجابك هو آخر ابداعات “سامبا فيليكس” الذي قدّم الكثير للفِلْم الوثائقي السّنغالي. لقد كان “سامبا فيليكس” بالنّسبة إلينا نحن الجيل الجديد أبا لأنّه دعمنا. لقد فهم أن الفيلم الوثائقي هو وثائقيّا وبالقليل من المال الذي كان يملكه ساهم في مساعدتنا لإنجاز أفلام.. لقد توفّي هذه السّنة رحمه الله وهو فعلا رجل السّينما الوثائقية السّنغاليّة.
![]() |
من فيلم رسالة إلى سانغور
* حسب معرفتنا غير العميقة بالسّينما السّنغاليّة التي هي عموما تمثل عمق السّينما الأفريقيّة، أنتم تتناولون غالبا المواضيع نفسها خاصّة في الأفلام الوثائقيّة.
– هذا صحيح، لأنّنا مازلنا نعيش المشاكل نفسها، والسينما غير معزولة عن تلك المشاكل..وكلّ الشّباب من جيلي منشغلون بتلك المشاكل لذلك نصنع أفلاما عن قضايا عصرنا التي لم تتغير منذ زمن واهتمام السينما المتواصل به أمر عادي ومشروع .
* لكن أليس في الأمر تكرارا والفن ينفر من التكرار..؟
ما أريد أن أقوله أننا جميعا واعون بدورنا الذي يجب أن نضطلع به في مجتمعنا، لذلك يقول النّاس إنّنا نتناول تقريبا المواضيع نفسها، ولكن، شخصيّا لا أعتقد أنّها نفس المواضيع ففي جيلي هناك البعض أنجزوا أفلاما حول الهجرة السّرّيّة والبعض الآخر حول العنف ضدّ المرأة وآخرون حول الموسيقى وآخرون حول السّينما في حدّ ذاتها بصياغات مختلفة، إذن هنالك تنوّع في الشكل والمضمون وكلّ جيل يأخذ على عاتقه إشكاليّات جيله .وأنا أرى أنّ ذلك أمر طبيعي في مسيرة الفن في كل مجتمع .
* أفريقيا تحمل وجهين متقابلين وجه البؤس والمشاكل ولكن لنا دوما نظرة عن أفريقيا الثريّة بمواردها وثقافتها ورموزها وفنها ويرى البعض أن هذا الوجه الثاني لا نجده كثيرا في الأفلام التي بقيت حبيسة مواضيع الهجرة والمَيْز العنصري والمرأة… ؟
– نعم لأنّك ربما تعيش في الخارج ولا تعيش في دواخل المجتمع الأفريقي. فنحن الذين نعيش في الدّاخل نتناول المشاكل التي نعاني منها. التي تطغى على التصور الثقافي والفني والسياحي لأفريقيا. الإنسان الإفريقي يعش المشاكل بشكل يومي ولا وقت لديه للسياحة. وهي مشاكل متنوعة فهي بيئيّة واجتماعيّة واقتصاديّة. ومهمتنا كسينمائيين أن نحول تلك الهموم إلى مادة فنية.
* هنالك اتّهام يوجَّه إلى كتّاب السّيناريو الأفارقة عامّة وحتّى في شمال أفريقيا بأنّهم يقدّمون أفلاما حسب الطّلب لإرضاء الفرنسيّين والأوروبيّين فتظهرون دائما أفريقيا تعجّ بالمشاكل والسّحر والشّعوذة حتّى تقدموا للغرب دليلا على الصورة التي في أذهانهم عن أفريقيا؟
لا أريد أن أذهب بعيدا في هذا النّقاش ولكن، أقول شيئا واحدا فقط ، بالنّسبة إليَّ شخصيّا كلّ مخرج له مطلق الحرّيّة في أن يفعل ما يريد ويجب أن يفهم النّاس أنّ التّمويل لا ينزل من السّماء والأنظمة والحكومات الحاليّة في أفريقيا لا تساهم في تطوير السّينما الأفريقيّة والثّقافة الأفريقيّة عموما فأين سنذهب لنبحث عن المال..؟ وإذا كانت الفرنكوفونيّة تعطينا المال فإنّنا مجبَرون على الاستجابة للمقاييس التي تضعها .
لا يريد أيّ فنّان في العالم أن ينجز عملا على مقاس المنظّم أو المموّل، فعندما نتحدّث عن الفنّ فإنّما نتحدّث عن حرّيّة التّعبير وعندما يتجاوز المخرج الحدود يتمّ قتله فنيا وفي أفريقا أحيانا جسديا.
ولو كانت لديه الإمكانيّات فسيختلف الأمر بالتّأكيد وهو أمر مفهوم فعندما تأتي النّقود من الشّمال فإنّ أفلام الجنوب يجب أن تستجيب للمقاييس التي وضعها الشّمال . وبكلّ بساطة لأنّ حكوماتنا لم تساهمْ في تطوير السّينما .
* لنتحدّثْ الآن عن فِلْمك الذي شارك في مهرجان الجزيرة الدولي للأفلام التسجيلية، هل يمكن أن تعطينا فكرة عنه؟
جئت هذه السّنة بفِلْم يتحدّث عن الهجرة السّرّيّة لأنّ هذه الظّاهرة صدمتنا كثيرا منذ سنوات في السّنغال فعديد الشّبّان يرغبون في الهجرة إلى إسبانيا عبر ما اصطلح على تسميته “بقوارب الموت”. وقد لقي الكثير منهم حتفهم.
يدور موضوع الفِلْم حول امرأة فقدت ابنها الوحيد الذي حاول خوْض هذه المغامرة ولكنّه للأسف لقيَ حتفه. واليوم معركة هذه المرأة يمكن اختصارها على مستويين : فهي تساهم في النّهوض بقريتها بإيجاد أنشطة تدرّ مداخيل للنّساء الضّحايا اللاّتي فقدن أزواجهنّ أو أبناءهنّ.
كما تمارس أنشطة تحسيسيّة تستهدف الشّباب وتحثّهم على عدم المغامرة بأرواحهم وتوعيتهم بأنّ النّهوض بأفريقيا يتمّ عبرهم ومن خلالهم وإذا هاجر الجميع فمن سيبني السّنغال .
وقد لعبت في عنوان الفيلم “صرخة البحر Cri de la mer ” على كلمة البحر فعندما ننطق بالفرنسيّة كلمة بحر ” mer” فإنها تعني الأمّ “mere ” كما تعني أيضا البحر. أي أن “mer” هي البحر الحقيقي الذي أخذ الشباب بلا رجعة تقابله” mere ” الم وهي البحر المجازي الذي يمكن أن يعيد بأمواجه ما ضاع واختفى وهو السنغال وأفريقيا.