حوار مع مدير مهرجان خريبكة للفيلم الوثائقي

د.حبيب الناصري باحث وأكاديمي متخصص في النقد الأدبي ولكن هاوه سينمائي مأخوذ بالوثائقي عقلا ووجداننا. أسس مع نخبة من السينمائيين والباحثين المغاربة مهرجان خريبكة الدولي للفيلم الوثائقي. في تلك المدينة التي تنخرها مناجم الفسفاط في وسط البلاد يقام هذا المهرجان سنويا ويطرح على نفسه رسالة تتجاوز حجم المهرجان ولكنهم مصرون على إتمامها بكل عزيمة. التقيناه مؤخرا في مهرجان الجزيرة للأفلام التسجيلية وأجرينا معه حوارا مطولا حول السينما والثقافة والوثائقي.

********

 

د. حبيب الناصري

 

 

*د. حبيب أنت مدير المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي في خريبكة ولكن قبل كل شيء أنت أكاديمي وباحث لو تحدثنا عن اختصاصك ومشاغلك المعرفية.. د . حبيب :  دكتور حبيب الناصري  باحث و ناقد في مجال الفنون عامّةً و السينما خاصة و رئيس المهرجان الدولي للفِلْم الوثائقي في المغرب و لي مجموعة من الدراسات والمقالات و البحوث المنشورة وآخرها ” سؤال الهجرة في الإعلام و السينما ” و هو بحث  جماعي، كما صدر لي كتاب هو “جماليّة الحكي في التراث العربي” و تحت الطبع “سؤال الجمال في السينما العربية “. وأنا متحصل على دكتوراه في الآداب ، تخصّص في النّقد.

 

 

* الآن لو تعرفنا بمهرجانكم المتخصص في الفيلم الوثائقي والذي يبدو أنه يحمل ميزة مختلفة عن بقية المهرجانات في المغرب ؟
المهرجان الدولي للفِلْم الوثائقي في مدينة ” خريبكة ” ولد من رحم الرغبة  في الاهتمام بجنس تعبيري، علاقتنا نحن به كعرب مازالت علاقة جنينية وهو الفيلم الوثائقي.. الذي أراه  شكلا تعبيرياًّ فنياًّ جمالياّ له مجموعة من الوظائف من أبرزها تطوير الذوق العربي، وتطوير قدرات المواطن العربي وجعله ينظر إلى الأشياء ويفسّر الحياة ويحاول ما أمكن أن تتشكّل رؤيته من أجل تفكيك طبيعة ذاته في الماضي والحاضر والمستقبل وطبيعة هذه الذّات العربية في العلاقة مع الآخر. وبالتالي الكتابة بالصورة من خلال الانتباه إلى مجموعة من الموضوعات ذات الطابع الهامشي سواء في المجال التربوي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الإنساني بشكل عام، من هذا الموقف فكّرنا كمجموعة من الباحثين في تنوّعات مختلفة في علم الاجتماع، في الطبّ ، في الآداب، في القانون، إلى غير ذلك، أن ننشئ هذه الفكرة، فكرة المهرجان الدولي للفلْم الوثائقي، على الأقلّ أن تكون مدينة ” خريبكة ” فضاءً للتّلاقح، لتقاسم أفكار، لتقاسم تصوّرات إلى غير ذلك.
فكرة المهرجان قائمة على البعد التبسيطي في كلّ أشكال تدبير المهرجان لأنّ الغاية هي غاية ثقافية وبهذا يمكن القول إننا نسير في هذا الأفق، إلى أي مدى يمكن للمهرجان الدولي للفلْم الوثائقي أن ينخرط في سؤال الفيلْم الوثائقي، في ثقافة الفيلم الوثائقي. وهدفنا الاستراتيجي هو نشر هذا الفيلم الوثائقي في المؤسّسات التعليمية في أفق علمي يدفع التلاميذ والطلبة إلى إعادة صياغة علاقتهم بالتلفزيون من خلال تتبع أفلام وثائقية، أوّلاً لأنها نافعة على مستوى الفعل التّربوي  وعلى مستوى الفعل الثقافي وعلى المستوى الإنساني ولها قيمتها الجمالي والتّحسيسية .

* إذًا وظيفتكم أكبر من مجرد مهرجان فهي معرفية وبيداغوجية تربوية وحتى وظيفة تأسيسية لأنك أنت الآن عرّفت الفيلم الوثائقي تعريفا جيّدا  يرتقي على كثير من التبسيطات التعريفية .
بكلّ صدق لدينا هذا الهاجس لأننا لا نشتغل في المهرجان فقط، المهرجان في مدينة “خريبكة” نعتبره بمثابة حصاد نهائي، خلال السنة، في أكتوبر ولكن نقوم بأنشطة موازية خلال السنة  تتمثّل في عقْد ندوات فكريّة من خلال مشاهدة أفلام وثائقية ومحاضرات، كما ننظّم بعض الورشات التكوينية لفائدة التلاميذ والطلبة والمهتمّين على مستوى تقنية الكتابة، كيف أكتب، كيف تتولّى فكرة الفيلم الوثائقي، كيف تتحوّل الفكرة إلى مشروع كتابة، نطرح أسئلة، في كل الاتجاهات حول الفيلم الوثائقي، ما الرسالة المراد تبليغها إلى غير ذلك… نحاول ما أمكن أن نمدّ يد المساعدة للتلاميذ والطلبة ونشجّعهم على أن يشغلوا  أدواتهم  الرقمية في مجال ثقافي فلْمي وثائقي عوض توظيفها في أشياء أخرى جانبية .

* يبدو أنّ الفرق بين مهرجانكم ومهرجانات أخرى هو أنّ القائمين عليه نقّادٌ وليسوا سينمائيّين بمعنى الاحتراف ولكن تساؤلنا حول النّظري و التأسيسي .
نعم، نشتغل على هذا المجال لأننا نريد أن نؤسّس ونخلق  نوعاً من التراكمات وبالتالي ندفع باتّجاه أن يحتلّ الفيلم الوثائقي مكانته  ضمن النّسق الدنيوي  الثقافي، الفكري مثلما نهتمّ بالفيلم الروائي في شقَّيْه الطويل أو القصير أي علينا أن نواكب الفيلم الوثائقي، وأحدثنا جائزة في المهرجان هي “جائزة النّقد للفلْم الوثائقي”  بغية  الدّفع بالمتابعة النقدية للفلْم الوثائقي ،لا نريد أنْ  تبقى المتابعة النقدية للفلم الروائي الطويل و القصير فقط، ولكن، أن نؤسّس أيضًا لأعراف ثقافية للفلْم الوثائقي.

* الفيلم الوثائقي المغربي كيف تقيّمه ؟  أين تراه ؟ أين يذهب الآن ؟
بكلّ موضوعية، علاقة المغرب بالفيلم الوثائقي، نسبيًّا هي علاقة جنينيّة، على مستوى التلقّي وحتّى على مستوى صندوق الدّعم، على مستوى المركز السينمائي المغربي إلى حدود 2010 أظنّ أو بداية سنة 2011 كان صندوق الدعم يذهب إلى دعم الأفلام الرّوائية الطويلة والقصيرة في إطار ترسانة قانونيّة تهدف إلى تأسيس فكرة مفادها أنّ الدعم يذهب إلى هذا الجنس التعبيري وهو الفيلم الروائي بشكله المتداول. طبعًا انطلاقا من مجموعة من الاهتمامات وانطلاقًا من كون الفيلم الوثائقي يكون عبْر بعض الفضائيّات التي بدأت تشتغل في هذا الميدان من بينها ” الجزيرة الوثائقية ” بدأت محاولات إنتاج الوثائقي تتتحرك وتكتسب أهميّتها. وعلى المستوى الرسمي بدأ الوثائقي يفرض نفسه على الجهات ىالرسمية الراعية للسينما فالمركز السينمائي المغربي بات واعيا بضرورة دعم هذا الجنس التعبيري وأعتقد أنّ النصوص القانونيّة الأخيرة بدأت تسمح للمخرج بأن يقدّم مشروعا من أجل الحصول على الدّعم في المركز السينمائي المغربي يتعلّق بالفيلم الوثائقي، أعتقد أنّ هذه خطوة قانونيّة أساسيّة لأنه ينبغي السّير في في هذا المجال بخطى أسرع، ونزع ما يمكن تسميته بالهويّة، الهويّة الفيلمية، وتفضيل بعضها على بعض وبالتالي دعم المخرج الروائي وحرمان الوثائقي. مخرج الأفلام الوثائقية مثل مخرج الأفلام الروائيّة، الطويلة والقصيرة له بطاقة مهنيّة ويسمّى مُخرجاً، وبالتالي له نفس الحقوق ونفس والمسؤولية.

* أراك ركّزت على الجانب القانوني و كأنه هو المدخل لتطوير الفيلم الوثائقي المغربي، ولكن ألاَ تلاحظ أنّنا ما زلنا على الأقلّ نحن في العالم العربي بشكل عام نرى الفيلم الوثائقي الحلّ السّهل بالنّسبة إلى المبدع، الذي لا يعرف عمل  الروائي يشتغل على الفيلم الوثائقي، أقصد أنّ الحلّ القانوني لا يكفي، إذا لم تتأسس ثقافة داعمة؟
صحيح أنّ الحلّ القانوني هو لبنة من اللّبنات، هو مدخل، هو مكوّن رئيس من أجل التّأسيس لرؤية فلْمية وثائقيّة في العالم العربي، أعتقد أنّ الفيلم الوثائقي هو عبارة عن بحث وبالتالي كلّ الأفلام الوثائقية التي حقّقت نوعًا من الترقّي الجيّد سواء في المهرجانات المتخصّصة في الفيلم الوثائقي أو على مستوى الكتابة إلى غير ذلك..
أعتقد أنّ من يرى أنّ الفيلم الوثائقي شكل تعبيري بسيط هو واهمٌ، بل على العكس أعتقد أنّ كتابة السّيناريو أحيانا أسهل في الفيلم الرّوائي لأننا نشتغل في إطار المحكي(fiction) وبالتالي حينما تتولّد لديّ الفكرة، و أطوّرها على مستوى السيناريو، و أطوّرها على مستوى الإخراج من السّهل أن أكتب و أقول وأعبّر، لكن بالنسبة للفيلم الوثائقي، العملية صعبة ومعقّدة، فعلى سبيل المثال، إذا أردنا أن نبحث مثلاً في تاريخ الجدران مثلاً، الأسوار التاريخية في مدينة من المدن العربية، فليس من السّهل أن أنجز فلْما وثائقيًّا من فراغ لا بدّ من بحْث، و مصاحبة للمؤرّخ، لا بدّ من مصاحبة عالم الآثار والأنثربولوجي، لا بدّ من معرفة كيفيّة بناء السور، وموادّ البناء، لماذا هذه الألوان إلى غير ذلك بمعنى أنّ الفيلم الوثائقي في نهاية المطاف هو بحث  و بالتالي مساحة “الكذب” والأخطاء هي ضعيفة بينما الأفلام الروائيّة هي جميلة من حيث “الكذبة الفنيّة” .

 

 

معرض صور لفعاليات الدورة الأخيرة من المهرجان

* لكن، أين الجمالي إذا ما أغرقنا في البحث وفي السؤال البحثي ونحن نشتغل بالوثائقي ؟
صحيح، عندما أمسك بالفكرة من الناحية العلميّة والمعرفية، لا بدّ أن تأتي عملية إلباس ذلك عبْر الرّؤية الجماليّة وعبر الرّؤية الفنّية على مستوى الإخراج و هنا تتداخل آليّات الحكي بالصّورة من خلال الفيلم الوثائقي و من خلال الفيلم الروائي، بمعنى، حينما أريد أن أبيّن على سبيل المثال عظَمة السّور التاريخي  لابدّ من مراعاة  العيْن الملتقطة  لجماليّة  هذا السور وأولّد لدى المتلقّي جماليّة الماضي وجماليّة الذاكرة، جماليّة الأجداد وقوّتهم وعظمتهم في بناء هذا السّور من خلال موادّه، من خلال اللّون، و تلك العلاقة الرّابطة بين جماليّة اللون و البعد الطبيعي و من هنا   نضيف رؤية جماليّة على مستوى الطّرق و أعتقد أنه يمكن أن نصل إلى هذه المستويات . باختصار على المخرج في الفيلم الوثائقي أن يشتغل على جمالية الحقيقة.

* لكن هذا ينطبق على نوعٍ من الفيلم الوثائقي  الذي هو معطى علمي موجود أو نستطيع إيجاده، لكن الأفلام الوثائقية الاستقصائيّة التي تحكي قصّة بشر ولا يوجد فيها  معطى علمي ثابت أو مُجْمَع عليه، وبحسب تحليلك يصبح من غير المسموح لنا أن نعيد تركيب الواقع.
على مستوى ما يمكن تسميته الفكر  الاستقصائي ككلّ، حينما أقدّم على سبيل المثال عنف الشرّ الممارس على الإنسان كي أقنع المتلقّي بهذا بإمكاني أن أحوّل الشرّ وأوصله  إليه برؤية  فنيّة قويّة  تجعل من الرّسالة أعمق وأقوى لدى المتلقّي، مثلاً  حينما أصور العنف الممارس على الطفولة المغتصبة أو مثلاً على الخادمات في البيوت دون سنّ الشغل إلى غير ذلك من القضايا، من السّهل، أن أحكي القصّة وأشير إلى أنّ الرسالة التي تنهض عليها هي ضرورة إعادة صياغة القوانين وعدم السّماح مثلا للأطفال بتشغيلهم في البيوت إلى غير ذلك ولكن حينما أكون صاحب رؤية جماليّة، حينما ألتقط لغة العيون وأركّز بالكاميرا على اليد، وعلى بعض حركات الجسد، والتفاصيل، و حينما ألتقط العين، نحو ما يسمَّى في لغة السّينما اللقطة المصغّرة جدًّا و بالتالي أبيّن من خلالها، العنف الممارس وكيف يتحوّل إلى دموع، و كيف تتحوّل العين في الفق، أعتقد أيضًا أنه بإمكاننا أن نوظّف هذا العنصر في إطار إقناع المتلقّي بالرّسالة التي نريد طرْحها .

*  بعْد إذنك،سأقاطعك، كما قلت لك هي دردشة،هل نستطيع الآن أن نقول إنّ الفيلم الوثائقي في ذهن  الجمهور هو فعلا عمل فنّي ؟
أوّلاً لا ننسى أنّ بعض الأنماط الإعلاميّة شكّلت نوعاَ من التلقّي البسيط والسّاذج والمتقاطع مع بعض التجديدات النمطية للفيلْم الوثائقي فهي مثلاً تختزله بعض المتابعات لبعض الحيوانات والمناظر الطبيعية، مما صعب مِنْ مهمّة مَن يشتغل على الفيلم الوثائقي في الإخراج والإنتاج، وبعض الفضائيات، وعلى مستوى النقّاد، والكتابة الإعلامية، أعتقد أن الكلّ مطالب بالانخراط في إعادة تشكيل وعي المتلقّي في أفق يرتقي هذا العمل بالفيلم الوثائقي من وظيفته التربوية والتكوينية والتثقيفية والتحسيسية والتكوينية وبالتالي أراهن على الفيلم الوثائقي أنّه صمّام الأمان وإذَا ما حقّق من يشتغل بالفيلم الوثائقي كأداة من أدوات تكوين الذوق وتطويره، الذوق ليس بمفهومه المبسّط، ولكن الذّوق كرؤية ثقافية وجماليّة  وبالتالي أعتقد أنه رهان مهمّ من الصّعب طبعا أن يتحقّق في فترة زمنيّة وجيزة، أعتقد أنّه استراتيجيّة من الاستراتيجيّات الثقافية التي على الجميع أن ينخرط فيها .

* هناك من يرى وأنا منهم، أنّ وَهْمَ قول الحقيقة هو الذي كبّل الوثائقي أي كبّله من النّاحية الإبداعيّة…
نعم، صحيح لأنّ الفيلم الوثائقي على مستوى التعريف وعلى مستوى التحديد المفاهيمي ليس هذا. ولنتذكّر أنّ السينما ابتدأت بالوثائقي وأعتقد أنّها ستنتهي به في نهاية المطاف، لأنه أصبح شبه ردّة نحو الفيلم الوثائقي في عالمنا بشكل عامّ خصوصًا في ظلّ هذه العوْلمة.. أعتقد أنّ هذه الفكرة التي طرحت لها مرجعيّتها الفلسفية وهي في الحقيقة تكبّل المبدع وبالتالي حتّى هذه الحقيقة التي نسعى إلى قوْلها في نهاية المطاف هي محاكاة نسبيّة لحقيقة لا نصل إليها أو هي موضع تأويل ووجهات نظر.

* هناك شبه قناعة أخرى، مفادها أنّ الفيلم الوثائقي اللاّ إيديولوجي، فاشل، فالأفلام الوثائقيّة عن الظلم أو عن القضيّة الفلسطينية أو حتّى عن التاريخ إذا لم تكن “سافرة ” في أيديولوجيّتها  تكون إلى حدٍّ ما غير مقبولة جماهيريا ؟
هي علاقة الفنون بالأيديولوجيا أو علاقة الثقافي بالأيديولوجيا من المباحث والمواضيع  التي نُوقِشت منذ زمن طويل ولكن لنصل إلى ما يمكن تسميته بالحدود الدّنيا في أيّ قول سينمائي وثائقي بمعنى آخر في علاقتي كمخرج بما أقدّمه كمادّة فلْميّة وثائقية لا بدّ من طرح  السّؤال التالي : ما علاقةُ ما سيقدَّم كبنية فلْمية وثائقية ثقافيّة بالواقع الذي نعيشه، حينما أدافع عن القيم الإنسانيّة هذا مكسب أساسي، وحينما أدافع عن قيم الحقّ بمفهومه النّسبي طبعًا، حينما أدافع عن القضايا العادلة، عن القضايا ذات الصبغة الإنسانيّة في  هذا الكون وبالتالي حينما أشاهد بعض الأنماط الوثائقيّة سواء على مستوى الآخر أو على مستوى الذّات المبدعة العربية لهذه الأفلام الوثائقيّة، أعتقد أنه يمكن أن نتحاور أيضًا بالفيلم الوثائقي في خلق نوعٍ من الحوار الأيديولوجي .

 

 

 

 

 

شعار الدورة القادمة لمهرجان خريبكة

*  دائمًا مع المكبّلات سواء الفنية، أو الأيديولوجية، أو الفكريّة هناك شيء مهمّ كذلك، هل تعتقد أنّنا نستطيع أن نصل إلى الصّناعة في الفيلم الوثائقي في العالم العربي؟
أوّلاً صناعة الفيلم الوثائقي هي مرهونة بصناعة الثقافة السينمائية ككلّ وهذا أيضًا مرهون بسؤال الثقافة في العالم العربي وبطبيعة المنظومات التربوية العربيّة والسّياسات العربية، ستجد نفسك في نهاية المطاف أنك أمام طبقات متلاصقة جزء هو مرتبط و مرهون بالآخر أو بلغة البنيويّة هو العمل البنيوي، يعني سلسلة متداخلة فيما بينها، أعتقد إذَا توفّرت العناصر التالية : أوّلاً، الإحساس بأنّ هذه العولمة، تقتضي من كلّ المجتمعات العربية أن تدفع بسؤال الثقافة لكي يحتلّ مكانة أساسية، منظوماتنا التربوية أيضا عليها أن تعيد برامجها و تصوّراتها في أفق أن لا تكون المتعلّم من أجل الامتحان ولكن أن تكون في أفق رؤية، و هذه تصير في أفق الاستثمارات سواء من الناحية العموميّة أو من ناحية القطاع الخاصّ، إلى أيّ مدى هناك قناعة بالاستثمار في المجال الثقافي بشكل عام، والمجال الفنّي  والسينمائي بشكل عام، و إلى أيّ مدى يمكن تحويل الثقافة إلى صناعة،  نستثمرها إلى نوع من صيانة الذاكرة و خصوصًا أننا نعيش في زمن العولمة والمتمسّك بالمحليّة هو الذي يفهم جيّدًا  معنى العولمة وكيف يمرّ إلى العولمة بمعنى أن تشتغل على المحلي وتجذّر علاقة المواطن بالمحلّي في إطار رؤية بنيويّة عامّة أعتقد أنه ممرّ أساسي و بالتالي سؤال صناعة الفيلم الوثائقي مرهون برؤية الإنسان .

*كيف تقيّم و بكلّ موضوعية ” الجزيرة الوثائقية ” ؟
بكلّ تجرد، أنا شخصيًّا، على مستوى التلقّي  أشاهد الكثير ممّا تقدّمه الجزيرة الوثائقية ومهرجان خريبكة يعتبرها سندا مهما لرسالته و قد كرّم مهرجاننا هذه السنة الأستاذ ” حمد بالحاج” المخرج في قناة الجزيرة الوثائقية.
فكرة تخصيص قناة لهذا الجنس التعبيري الذي لا يزال يناضل في المجتمع العربي ضمن سياقات كلّنا نعرفها، أعتقد أنّها خطوة أساسية، كما أعتقد أنّ ما أعجبني في الجزيرة الوثائقية هو انفتاحها  على كلّ الحساسيّات الجغرافية والثقافية داخل آسيا وأفريقيا وباقي القارّات وإنتاج  أعمال ثقافيّة خارج قناة الجزيرة وتلقّيها وتعديلها، تطويرها إلى غير ذلك وفق تقنيات وحاجيات، فهي تمنح الفرصة للجميع لعرض أعمالهم الوثائقيّة، وهذه خطوة جدّ أساسية ومهمّة وبالتالي علينا أن نتمسّك بها وندفع في اتّجاه تطويرها وأعتقد أنّ الرّابح الأوّل والأخير هو المتلقِّي العربي الذي علينا أن نفكّك العلاقة “الشبه مقدّسة” بينه وبين متابعته العديد من المسلسلات التي هي بعيدة كلّ البعد عن هويّته وثقافته، هذه المسلسلات يمكن أن تحتلّ بدورها جزءاً في البيت العربي ولكن عندما أشاهد شريطًا وثائقيًّا، أنا وزوجتي وابني و ابنتي، ونناقش الفكرة، قد نختلف، و لكن مشاهدة فلْم وثائقي يصبح مادّةً للنّقاش تعدُّ مَكْسباً في غاية الأهميّة.

 

 

 


إعلان