حوار هادئ مع الناقد الهادي خليل

توضيحات لابد منها
بشار إبراهيم
هنا؛ في موقع الجزيرة الوثائقية، نشر الناقد التونسي؛ الأستاذ الهادي خليل، مقالاً بعنوان: «السّينما الوثائقيّة على محكّ القضيّة الفلسطينيّة»، تناول فيه بضعة أفلام وثائقية، حققها مخرجون فلسطينيون وعرب وأجانب، تتناول أطراف من القضية الفلسطينية؛ بدءاً من المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، والممثلة المخرجة البريطانية فينيسيا ريدغريف، والمخرج السويسري ريتشارد دندو، والمخرج الفرنسي جان لوك غودار.
بداية يجدر بي القول، إنني كفلسطيني، أولاً، وكمتابع مهتم بشؤون السينما الفلسطينية، وعموم الأفلام التي تتطرق للقضية الفلسطينية، ثانياً، وكقارئ، في البدء والخاتمة، أقدّر عالياً كافة الجهود النقدية، والدراسات البحثية والتوثيقية، التي تصبُّ في خدمة هدف إبراز الجهود السينمائية المبذولة فيما يخص القضية الفلسطينية، وتقديم صورة الفلسطيني، وأنظر إليها جميعاً باعتبارها مساهمات ذات شأن غير قليل في مجرى النضال الحضاري الذي يخوضه الفلسطينيون مدعومين بأخوة وأشقاء وأصدقاء وحلفاء، ممن يؤمنون بقيمة الحرية، وضرورة التخلص من الاحتلال والاستبداد والطغيان، كما يؤمنون بحق الفلسطيني بالعيش على أرض وطنه، حراً كريماً، تماماً كما سائر شعوب الأرض، كلها.
من هنا، لا يمكن النظر إلى كتابات الناقد التونسي؛ الأستاذ الهادي خليل، إلا من هذه الزاوية؛ زاوية التقدير والاحترام، ونراها تأتي من باب تعبيره الأصيل عن وجدانه النقي، واهتمامه النبيل بالقضية الفلسطينية، وما يتعلّق بها، خاصة على المستوى السينمائي، في حالتنا هذه. وما متابعاته للأفلام التي تقع في هذه الدائرة، وكتابته عنها، إلا دليلاً صريحاً على ذلك كله.
وأعتزّ، شخصياً، أنني من القراء المتابعين لكتاباته دائماً، حتى عندما يذهب للحديث عن أعلام ورواد ورموز في تاريخ السينما الوثائقية العالمية، وعن أبرز وأهم التجارب في ذاك السياق، فكتاباته مما تغني القارئ معرفة، وتقدم له خلاصات ذات أهمية، تثريه، وتمتعه، وتنفعه.
المسألة التي أودّ التوقف عندها، هنا، ولفت انتباه الناقد الأستاذ العزيز إليها، هي بعض المعلومات التي وردت في مقالته المشار إليها، والتي لابد من إعادتها إلى صوابها، وتصحيحها. وأرجو أن لا أجد نفسي بحاجة للقول إلى دافعي في هذا، إنما هو مزيج من الحب والتقدير والاحترام لشخصه الكريم، والحرص على دقة المعلومة صوابيتها، ووضعها في سياقها الصحيح، خوف أن تصل قارئاً ما، يأخذها على علاتها، فتضلله، خاصة وأنها تأتي في إطار المعلومة التاريخية، لا الرأي النقدي، أو الشخصي.
يؤثر الناقد التونسي الهادي خليل البدء بالحديث عن المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي بقدر من الإعجاب، الذي نتفق معه تماماً بصدده، ونزيد. ونرى أن المخرج رشيد مشهراوي هو أحد أبرز وأهم المخرجين الفلسطينيين الذين ينهضون بالسينما الفلسطينية، راهناً ومنذ عقدين ونيف من السنوات. وليس من المغالاة في القول إنه أنشط السينمائيين الفلسطينيين تماماً، إذ أنه ما بين لحظة بدايته السينمائية، في العام 1987، وحتى الآن، استطاع أن يحقق قرابة عشرين فيلماً، تتنوع ما بين القصيرة، والوثائقية، والروائية الطويلة، وهو ما يقم به أي مخرج سينمائي فلسطيني آخر. هذا فضلاً عن مساهماته الإنتاجية، ونشاطاته التدريبية التأهيلية لأجيال من الشباب السينمائيين، الذين أضحى البعض منهم يُشار إليه بالبنان.

يخطئ الناقد الهادي خليل، على أكثر من مستوى، في حديثه هذا، إذ يذكر بعض أفلام المخرج رشيد مشهراوي الوثائقية، وذلك عندما يقول: «لِنَسُقْ مَثَلاً بعض الأفلام الوثائقيّة الجيّدة التي أُنجزت عن فلسـطين. أعمـال المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، مثل “حظر التّجوّل” (Couvre-feu)، “حيفا” (Haïfa)، “مباشرة من فلسطين” (En direct de Palestine)، “تذكرة إلى القدس” (Un ticket pour Jérusalem)، “جينين” (Jenine) وغيرها من الأفلام».
ففي البداية، لابد أن ننوه إلى أن فيلم «جنين» ليس للمخرج رشيد مشهراوي، أبداً، بل في الحقيقة هناك فيلمان بالعنوان المتقارب ذاته: أولهما فيلم «جنين» من إخراج الفنان محمد بكري. وثانيهما فيلم «جنين.. جنين» للمخرج إياد الداود. ولا ندري أيهما قصد الناقد الهادي خليل في كلامه، ولكن في الحالتين ليس للمخرج رشيد مشهراوي، أي فيلم بهذا العنوان.
وتالياً، تنبغي الإشارة إلى أن أفلام «حظر تجول»، و«حيفا»، و«تذكرة إلى القدس»، هي أفلام روائية طويلة. مع ضرورة التنبيه إلى فيلم «حظر تجول» هو ذاته فيلم «حتى إشعار آخر»، وما عنوان «حظر تجول» إلا ترجمة للعنوان الإنجليزي الذي لم يعتمده المخرج عنواناً بالعربية لفيلمه، واختار له عنواناً عربياً: «حتى إشعار آخر». وهذا أمر مألوف في السينما عموماً، أي ليس بالضرورة أن يكون عنوان الفيلم باللغة الأصلية، وهي اللغة العربية هنا، هو ذاته الترجمة الحرفية لعنوانه باللغة الأجنبية.
لقد حقق المخرج رشيد مشهراوي مجموعة متميزة من الأفلام الوثائقية، دون شك، وكثير من هذه الأفلام نال العديد من الجوائز في غير مهرجان داخل الوطن العربي، وخارجه. ولكن رشيد مشهراوي أيضاً حقق مجموعة لا تقل تميزاً من الأفلام الروائية الطويلة، والأفلام القصيرة. وهي بمجموعها جزء هام جداً من التراث السينمائي الفلسطيني، وستكون ميدان دراسة، وبحث، لكل من يهمه البحث في الصورة السينمائية التي حققها الفلسطينيون عن أنفسهم، أو مناقشة آليات تناول الفلسطينيين لقضيتهم عبر السينما. من هنا تأتي أهمية المعلومة التي نكتبها، وأعتقد أن من الضروري التدقيق والتمييز، والحرص على الصحة، لاسيما وأن ثمة من سيعتمد، في يوم ما، على ما نكتب، وقد يتعامل معها باعتبارها مصادر أو مراجع، يتكئ عليها!..
ولتثبيت المعلومات في إطارها الصحيح، نجد من الضروري، التوضيح التالي:
لقد حقق المخرج رشيد مشهراوي، في مسيرته السينمائية، الأفلام التالية:
في الأفلام الوثائقية:
«دار ودور» عام 1990، و«أيام طويلة في غزة» عام 1991، «انتظار» عام 1994، و«توتر» عام 1998، و«خلف الأسوار» عام 2000، و«هنا صوت فلسطين» عام 2001، و«أخي عرفات» عام 2005، وحقق لقناة الجزيرة أطفال فيلم «حوراء بغداد» عام 2010.
في الأفلام الروائية الطويلة:
«حتى إشعار آخر» عام 1993، و«حيفا» عام 1995، و«تذكرة إلى القدس» 2002، و«انتظار» عام 2005، و«عيد ميلاد ليلى» عام 2008.
في الأفلام القصيرة؛ (روائية وتسجيلية وتجريبية):
«جواز سفر» عام 1987، و«الملجأ» عام 1989، و«الساحر» عام 1992، و«رباب» 1997، و«غباش» عام 2000، و«موسم حب» عام 2000، و«مقلوبة» عام 2000.

 

 

فيلم هنا وهناك

أما إذا انتقلنا إلى حديث الناقد الهادي خليل، بصدد المخرج جان لوك غودار، فسنجده يقول: «ولقد كان المخرج الفرنسي “جان لوك قودار” (Jean-Luc Godard) سينمائيّا مؤسّسا في هذا المجال، كما يتبيّن ذلك في فيلمه الشّهير “هنا وهناك” (Ici et ailleurs) الذي صوّره سنة 1976 عن حصار تلّ الزّعتر، وعن مخيّمات اللاّجئين الفلسطينيّين بلبنان».
طبعاً هذا الكلام غريب، فإذا تجاوزنا التوقف عند حقيقة أن المخرج جان لوك غودار، هو مخرج سويسري فرنسي، فإن الكلام عن فيلم «هنا وهناك» يحتوي على كمّ كبير من المغالطات، ولا ندري من أين جاء الناقد بهذه المعلومات؟!..
من الثابت أن فيلم «هنا وهناك»، جرى تصويره بدايةّ في العام 1970، وكان اسمه «حتى النصر»، وهو فيلم يتعرض لبدايات الثورة الفلسطينية، ونشأة الكفاح المسلح الفلسطيني، وظواهر العمل السياسي، في أوساط المرأة والشباب والفتيان، والتدريبات المتواصلة للنهوض الثوري. كما يمرّ الفيلم على معركة الكراكمة عام 1968، ومشاهد من المجازر التي جرت إبّان أحداث عمان 1970.
ولقد شاء المخرج جان لوك غودار العودة إلى فيلمه، عام 1974، لينظر في الأحداث والتحولات التي جرت فيما بين هذين العامين، أي عام 1970، وعام 1974، بما فيها عملية ميونيخ، ولقاءات القمة السوفيتية الأمريكية (نيكسون، بريجينيف)، وتصريحات قادة الصهاينة (غولدا مائير، موشي دايان)، وتبيان المفارقة بين «هنا»، من خلال أسرة فرنسية، تعيش شؤون حياتها اليومية في مجتمع استهلاكي، و«هناك» حيث الفلسطينيون يناضلون من أجل التحرير والنصر، دون أن ينسى الفيلم التعامل مع القضية الفلسطينية في إطار رؤية الكفاح التحرري العالمي، بدءاً من فيتنام وصولاً إلى شرق أوروبا.
لا ذكر لحصار تل الزعتر في فيلم «هنا وهناك»، بل وليس ثمة من تصوير في المخيمات الفلسطينية، إنما في قواعد الثورة ومكاتبها. وحتى اللقطات التي أظهرت الدمار، إنما كانت في منطقة «الكرامة»، حيث دارت المعركة الشهيرة باسمها. أما الخيام الفلسطينية التي تظهر في بعض اللقطات الأرشيفية، فهي مستقاة من أرشيفات عالمية تعود إلى نكبة 1948، ونكسة 1967.
وفي وقت كان الفيلم الأصلي «حتى النصر» معايشة يومية للفدائيين في قواعدهم، وللفلسطينين في عملهم السياسي والتربوي والاجتماعي والتأهيل الشعبي للانخراط في الثورة، فإن فيلم «هنا وهناك» يذهب باتجاه أن يكون مداخلة نظرية مطوّلة، حول الآنا والآخر، أنا وأنت، نحن وهم، الصورة ومعناها، والصوت والصمت، والأغنياء والفقراء، في ثنايات تكاد لا تنتهي، كأنما هي ترجمة لعنوان الفيلم «هنا وهناك».
يبقى لي في النهاية إبداء الشكر والتقدير لجهود الناقد التونسي الهادي خليل، مع أطيب التمنيات بالتوفيق.

 

 


إعلان