مهرجان أوروبا الشرق للفيلم الوثائقي بأصيلة

المصطفى الصوفي

تشهد مدينة أصيلة المغربية غدا الأربعاء انطلاق النسخة الثالثة من مهرجان “أوروبا الشرق للفيلم الوثائقي” والذي ترعاه الجمعية المغربية للدراسات الإعلامية والأفلام الوثائقية منذ النسخة الأولى، تتخلل برنامج هذه السنة منتديات وتكريمات وندوات وورشه تكوينية وبانوراما خاصة حول عدد من الأفلام الوثائقية، وفقرات متميزة، بالإضافة إلى استضافة أسماء لامعة على المستوى العربي والدولي، فضلا عن جعل السينما الوثائقية في متناول الجمهور وعامة الناس.

 

ملصق المهرجان

يعقد المهرجان هذا العام دورته من الفترة بين 14 إلى 17 أكتوبر الجاري، بحضور دولة بولندا كضيف شرف، وبدعم من مؤسسة منتدى أصيلة والمركز السينمائي المغربي ومجلس الجالية المغربية بالخارج والجزيرة الوثائقية وبلدية أصيلة والجماعة الحضرية لطنجة ووكالة إنعاش وتنمية الشمال ومجلس جهة طنجة تطوان. حيث تشارك فيها أفلام منتقاة بشكل دقيق من قبل لجنة متخصصة للتنافس من اجل الظفر بجوائز المهرجان، وهي الجائزة الكبرى، وجائزة الإخراج، وجائزة السيناريو، وجائزة النقد، فضلا عن جائزة خاصة تحمل اسم(الجزيرة الوثائقية)، وتحكمها لجنة مكونة من المخرج التونسي جمال دلالي والباحث في مجال الصورة والأدب مدير مركز الصورة استاذ التعليم العالي المغربي عبد الرحيم الإدريسي، والإعلامي والناقد السينمائي المصري جمال جبريل.
اما المسابقة الرسمية، التي سيرأسها الكاتب والسيناريست المغربي محمد العروسي، فتضم المنتج والإعلامي الفلسطيني نبيل العتيبي، والمخرج والسيناريست والأكاديمي التونسي احمد القاسمي، اضافة الى الممثلة والمنتجة الفرنسية اني غونزاليز، والكاتب والرسام والنحات البولندي كوميك كافياك.

افلام الدورة المشاركة في المسابقة هي ” نساء الساعة”، للمخرجة رجاء الصديقي، و”ياسين ذهب إلى سوريا” للمخرج ياسين الإدريسي من المغرب، اضافة الى فيلم” مرسيدس” لمخرجه هادي زكاك من لبنان، و”الأمير عبد القادر”، لمخرجه أكرم عدواني من تونس، و”إضراب عن الطعام” لمخرجه أشرف مشهراوي من فلسطين، ثم ” الذهب الأحمر” لمخرجه الفرنسي فيليب بارون، والفيلم البريطاني” جزيرة ألف كمان” لمخرجه مارك كيدال، و”عداؤو المسافات الطويلة للاسباني إيزابيل فرنانديز، و” الملجأ” للمخرج السويسري فرناند ميلغر، وفيلم” الجهة اليسرى من الوجه”للمخرج البولندي لوا بولوا توارزي.. ومن اجل تسليط الضوء على فعاليات هذه الدورة، التقت الجزيرة الوثائقية مدير المهرجان المهندس المنتج صهيب الوساني، فكان نص الحوار:

 ما الذي يميز الدورة الثالثة عن سابقتيها؟

 

 

صهيب الوساني

الدورة الثالثة من مهرجان الفيلم الوثائقي بأصيلة، والتي ستنعقد ما بين 14 و 17 أكتوبر المقبل، هي امتداد في العمق وفي التصور لسابقتيها، والذي يميزها هو مبادرتنا بكل فخر إلى  تكريم أحد أعلام الفيلم الوثائقي في المغرب والعالم العربي: المخرج أحمد المعنوني، تجسيدا منا ودعما لثقافة الاعتراف بكل الذين أسدوا خدمة كبيرة لهذا الوطن العزيز.
كذلك ما يميز هذه الدورة، هو تأكيدنا على الأنشطة الموازية للمهرجان، والتي نحسبها عصب المهرجان، ذلك أننا نؤمن بأن المهرجان يجب أن يصل إلى الناس، قبل أن يصل إلى المتخصصين وصناع الأفلام. ولذا برمجنا – كما في الدورات السابقة – أفلاما في الهواء الطلق حتى نكسر ذلك الحاجز بين الناس وبين قاعات السينما، وأفلاما في المؤسسات التعليمية والسجنية. ورفعنا من عدد الورشات إلى ثلاث ورشات عوض اثنتين: ورشة تحت عنوان “وثائقي الموبايل” بشراكة مع مركز الجزيرة للتدريب والتطوير، والتي ستؤطرها المخرجة اللبنانية نادين الديماسي، وورشة “الأرشيف في الفيلم الوثائقي” والتي سيؤطرها المخرج المغربي رشيد القاسمي، وورشة “الطفل المبدع” التي سيؤطرها المخرج المصري مصطفى محفوظ. كل هذه الورشات سيستفيد منها أبناء مدينة أصيلة وأطفالها، إلى جانب طلبة السينما والوثائقي بسلك الماستر من جامعة عبد المالك السعدي بتطوان. ويبقى الجديد الأكبر هو إحداث “مختبر للفيلم الوثائقي” الذي سيعرف أول دورة له، من أجل دعم صناع الأفلام المغاربة المبتدئين في مجال صناعة الأفلام الوثائقية.
اي افق جديد لسينما وثائقية جديدة في اوربا والشرق تحملها الدورة؟
يتجلى هذا الأفق الذي نطمح إليه في توفير مجال حقيقي ملموس للحوار الحي المتبادل من أجل البحث عن أرضية مشتركة، وكذا التعبير عن هموم الإنسان من حيث هو جوهر حيثما كان، إضافة إلى توسيع نقط التلاقي والترابط لإشاعة ثقافة السلام. غير أن هذا لا يلغي اختلاف الرؤى الفكرية والفنية، وتقنيات الإخراج، والإضافات الفردية تبعا لاختلاف التكوين والبيئات الثقافية. وهذا هو هدف مهم من أهداف المهرجان، لأن المخرجين سيستفيد بعضهم من بعض، ويضيء بعضهم آفاق بعض. وبهذا فإن الطلبة والمتابعين والمهتمين سيلاحظون عناصر التميز والاختلاف، وعناصر التشابه والائتلاف، وكيف أننا نتحاور لأننا مختلفون، حتى وإن كنا ننتمي إلى نفس الضفة، ولهذا نحن موجودون. لكن يبقى الجوهر واحدا هو كينونة الإنسان.
بولونيا/بولندا ضيف شرف، هل تشكل بولونيا احدى السينمات الأوربية المضيئة التي تحمل نوعا من التوجه الابداعي الاوربي في مجال السينما الوثائقية؟
اخترنا بولندا لأنها دولة رائدة في مجال السينما والمسرح عموما، وفي الفيلم الوثائقي خصوصا. ويتوفر البلد على مدرسة rLeon Schille، وهي المدرسة الوطنية العليا للسينما والتلفزيون والمسرح الموجودة بمدينة وودج البولندية، والتي تعتبر واحدة من أهم المدارس الأروبية المتخصصة في السينما، قام بإدارتها في بدايتها المخرج والكاتب المسرحي Leon Schiller. فضلا عن ذلك فالجيل الأول لأفضل مخرجينا المغاربة، كانوا قد تخرجوا في بولندا.

 

هل اختيار 10 افلام عربية واجنبية ضمن مسابقة المهرجان، كافية لرصد مختلف القضايا الواقعية والمهمة سينمائيا في منطقة الشرق وأوربا؟
إن تركيزنا في المهرجان يتوجه نحو الكيف وليس الكم. فليس الهدف هو الإحاطة الشاملة ولا رصد مختلف القضايا الواقعية سينمائيا في منطقة الشرق واوربا، لأن هذا شيء مستحيل ولو بمئات الأفلام، بقدر ما هو المشاركة في التعريف بها، وتسليط الضوء على بعض المواضيع وإثارة النقاش حولها. ولذا فالأهم، حسب تقديرنا هو قوة ونوعية وقيمة الأفلام، ومعلوم أن كثيرا من المهرجانات العالمية لا يفوق عدد أفلامها في المسابقة الرسمية العشرين فيلما.. 10 أفلام إذا تم اختيارها بعناية ودقة، سوف تشاهد كلها وتبقى مرسومة في أذهان المشاهد، في حين ما الفائدة من عرض 50 فيلما ولا يراها أحد..

يلاحظ غياب مشاركة السينما في منطقة الخليج بهذه الدورة، ترى ما السبب؟.
مهرجان أوروبا الشرق يفتح باب التسجيل في وجه المخرجين من كل الدول، من أروبا والشرق، وتختار لجنة المشاهدة الأفلام حسب المعايير المسطرة في قانون المهرجان، وتتحرى الموضوعية وتخصص الوقت الكافي لضمان جودة مستحقة. ونتمنى أن تعرف الدورات المقبلة مشاركات من منطقة الخليج، التي تزخر بموروث ثقافي مميز يستحق الحضور والانتشار ومحاورة الجميع. طبعا هناك مشاركات خليجية فعالة في الورشات والندوات، ويحضر معنا مثقفون وباحثون من منطقة الخليج بكل فعالية وانسجام. وهذا مؤشر إيجابي جدا سيتبلور لا شك بمشاركات سينمائية في الدورات القادمة بحول الله.

 

 

“الأمير عبد القادر” أحد الأفلام المشاركة في المسابقة

ما قيمة جائزة الجزيرة الوثائقية في منح الإبداع السينمائي الخلاق، مزيدا من الإشعاع الجميل، وطنيا وعربيا ودوليا؟
قناة الجزيرة الوثائقية شريك رئيسي للمهرجان منذ أول دوراته. والجميع يعلم أنها القناة الأولى من حيث الإنتاج في الوطن العربي، وهي معروفة ومشهود لها بتشجيعها ودعمها للمبدعين الشباب، وهذا عنصر مشترك بيننا. فإذا أضفنا إلى هذا كون المغرب يحتل الرتبة الأولى في مشاهدة قناة الجزيرة الوثائقية، فإن ذلك يفسر حضور القناة بجائزتها ومسؤوليها.
وحقيقة فإن جائزة الجزيرة الوثائقية هي جائزة ذات قيمة رمزية كبيرة، بغض النظر عن القيمة المادية، وحضورها يعطي بعدا تنافسيا قويا، فأي مخرج جاد يتمنى أن يحظى بفرصة عرض أفلامه على هذه القناة.

 

ما هي اهم القضايا والمواضيع التي ركزت عليها لجنة الانتقاء في اختيار أفلام المسابقة؟.
كما أشرت سابقا فإن هناك معايير محددة لدى إدارة المهرجان، وأهمها: الجودة، معالجة قضايا أوروبا والشرق، التنوع من حيث دول الإنتاج. وهذا ما يجعل الأفلام المشاركة ذات جاذبية، ومن ثم يكون مجال النقاش واسعا وجديا كما سجلنا في الدورتين السابقتين.

تعقد ضمن الدورة طاولة مستديرة ينشطها خبراء ومهنيون، حول إنتاج وتسويق الفيلم الوثائقي…هل تساهم هذه الندوة بشكل او باخر في كشف النقاب عن جانب مهم من هموم السينما الوثائقي؟.

طبعا، الطاولة المستديرة التي تحمل عنوان “إنتاج وتسويق الفيلم الوثائقي”، والتي يحضرها نخبة من المخرجين والمنتجين المستقلين من أوروبا والشرق، إضافة إلى مسؤولي الإنتاج في القناة المغربية الثانية والجزيرة الوثائقية، ستساهم دون شك في إثراء النقاش حول هذا الموضوع المهم والمستعصي.
فدول أوروبا خطت خطوات كبيرة في هذا المجال، والدول العربية ما زالت في بداية المشوار.وإثارة هذا النوع من النقاش في حضور قناتين رائدتين سيزيد هذه الطاولة أهمية، حيث إن النقاش حول الإنتاج لا يمكن أن يكون دون وجود القنوات التي تؤدي دورا مهما في مسألة التسويق..

تخصص الدورة ايضا فقرة(ماستر كلاس) ما قيمة هذا المنتدى، ودوره في جعل الفيلم الوثائقي قريبا من الجمهور والمهنيين؟.
الدروس السينمائية هي تقليد مهم في المهرجانات السينمائية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بعلم من أعلام الفيلم الوثائقي المغربي، المخرج والمنتج أحمد المعنوني المتخصص في الوثائقي، والذي كان لنا هذا السبق التاريخي في تكريمه، بعدما حظي بكل جدارة باعتراف مؤسسة سكورسيزي فأعادت ماستر أفلامه “الحال” و “ليام أليام”، والدرس السينمائي الذي سيقدمه الاستاذ أحمد المعنوني سننشره بعد المهرجان على موقع اليوتوب حتى تستفيد منه كل الفعاليات السينمائية في الوطن. واعتقد ان تنظيم هذا المنتدى، في كل دورة من دورات هذا المهرجان، يساهم بشكل كبير، في نقل تجارب العديد من المتخصصين في الفيلم الوثائقي، مخرجين ومنتجين ومهنيين الى المهتمين، فضلا عن بسط مختلف التجارب الشخصية، والتي تعلب دروا كبيرا في تقوية المدارك الابداعية، وخلق آفاق واعدة لتطوير آليات الإبداع السينمائي، اضافة الى خلق نقاش هادف، يروم تطوير العمل السينمائي والابداعي برمته.

يقام ايضا لقاء خاص مع الرحالة المغربي الشهير محمد خموش…كيف تلعب الرحلة في منح السينما والوثائقية خاصة بعدا إنسانيا ومجتمعيا وجماليا؟.
الرحلة كانت دوما فضاء للتلاقي والتلاقح والتثاقف والحوار منذ الرحالة الأوائل من كل الحضارات وحتى عصرنا الحالي. وسيشارك معنا في هذه الدورة الرحالة المغربي المقيم بلندن محمد خموش الذي أعاد القيام برحلة ابن بطوطة وسجلها. وستكون الفرصة مناسبة لإنارة موضوع العلاقة بين الرحلة والفيلم الوثائقي، ومناقشة أبعادها الإنسانية والثقافية والجمالية. فكل وثائقي في الحقيقة هو رحالة بامتياز. ولذا كانت رسالته مهمة وقوية ولا سيما في الظروف التي يعرفها عالمنا اليوم.

تعقد ايضا فقرات عدة منها ورشات وتكريمات، وندوة علمية وغيرها…ما قيمة ذلك في إخصاب فعاليات المهرجان دورة عن دورة، والحقل السينمائي الوثائقي عامة؟
طبعا لا ننسى الندوة العلمية التي تحمل عنوان “الأرشيف في الفيلم الوثائقي” والتي ستعالج هذا الموضوع من الناحية الأكاديمية ومن الناحية التطبيقية. إضافة إلى عرض أفلام وثائقية في المؤسسات التعليمية والسجن المدني، وكذا في ساحة عبد الله كنون في المدينة العتيقة، ذات الفضاء الساحر، المميز لمدينة أصيلة، المطل على ضفاف المحيط الأطلسي بمسحة شاعرية لا تقاوم، والذي أصبح نقطة جذب كبرى للزوار، إذ لا يكاد يخلو من السياح الأجانب طيلة السنة، ليلا ونهارا. خاصة مع توفر الأمن التام وطيبة الساكنة والاهالي، وترسخ ثقافة الكرم وحسن الاستقبال لديها. وهذا بعد آخر من أبعاد المهرجان يؤكد خيار التلاقي والتحاور… كل هذه المعطيات الإبداعية والسينمائية والحوارية والسياحية والطبيعية والشاعرية، تساهم بشكل او باخر في ازهار الحقل السينمائي الوثائقي، ومنحه أفاق رحبة لاستغلال المكان والإنسان، بحثا عن كنوز تاريخية وحضارية وطبيعية وعمرانية تزخر بها مدينة اصيلة، التي تعد زينة المدن الشمالية للمغرب، والمطلة على شرفات اروبا في صورة بديعة للغاية.
وتصورنا الذي نحن بصدد تطويره دورة بعد دورة، نأمل أن يجعل من الأنشطة الموازية للمهرجان العصب الأقوى، والرابط المتين مع ساكنة المدينة والمدن المجاورة أيضا بشمال المغرب. وكما أقول دائما: نحن لا نريد للمهرجان أن يكبر عموديا فيصير بعيدا عن القاعدة قريبا من النخبة.. نريد منه أن يكبر أفقيا حتى يصير من الناس وإلى الناس. وتلك حياته الحقيقية وذلك رهانه ودوره. وذلك ما نرجو أن يبقى مشعله وضاء بمشاركة الجميع.


إعلان