“إبراهيم لطيف”.. مهرجان وهران للفيلم العربي

 

 

الضاوية خليفة – وهـران

 

التونسي إبراهيم لطيف

يرى صاحب فيلم “7 شارع بورقيبة” المنتج والمخرج التونسي “إبراهيم لطيف” الذي يمتلك رصيد سينمائي مُشرّف، أن السينما التونسية تعيش اليوم مرحلة انتقالية سمحت بظهور جيل جديد من السينمائيين، استطاع وبإمكاناته الخاصة إنجاز أفلام وثائقية جيدة وثقّت لمرحلة هامة من تاريخ البلد، وجعلت السينما الوثائقية المستفيد الأكبر فنيا من الثورة، وفي سياق آخر كشف مدير أيام قرطاج السينمائية “إبراهيم لطيف” عن انفتاح هذه الفعالية الهامة على السينما العالمية مع حفاظها على ملامحها الإفريقية وصبغتها العربية، إلى جانب التزامها بقضايا دول العالم الثالث ووفائها لسينما المؤلف، وتفاصيل أخرى كشف عنها مخرج “هز يا وز” في هذا الحوار الذي أُجريّ على هامش مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي في دورته الثامنة المختتمة منذ أيام.

 

منذ سنوات رأيتم في مهرجان وهران للفيلم العربي أرضية مناسبة وهامة لخلق تقارب سينمائي عربي، هل فعلا تمكّن من تحقيق هذه الخصوصية وانفرد بها؟

المهرجان سنة 2010 كان أكثر حميمية، وتفتّح سنة 2012 على أنواع سينمائية أكثر، وهذا العام انتقت لجنة التنظيم أفلام جيدة، مثل فيلم المخرج المغربي محمد مفتكر “جوق العميين” الذي ذكرني بأفلام تونسية تتقارب كثيرا معه كفيلم “حلفة وين” لـ”فريد بوغدير”، فمثل هذه الأعمال الجيدة في الطرح والبُعد والمضمون أهم ميزة يجب أن تنفرد بها مهرجاناتنا وتوفرها للمشاهد، وبالتالي المهرجان هو فني أساسا أما التنظيم شيء آخر يأتي مع الوقت وبالتجربة، والمؤسف أن الحميمية التي وجدت في وقت سابق بين المخرجين والحاضرين قلّت نوعا ما وتقلصت، ولكن يبقى مهرجان وهران من التظاهرات الهامة والوحيدة التي تهتم بالسينما العربية بالمنطقة، وتُجدد الوصال بين السينمائيين والشركاء في القطاع والمهنيين في ظل الأحداث السياسية والتحولات التي يعيشها الوطن العربي، أركز على حميمية المهرجان وكلي أمل في أن يمدد فرصة اللقاء والتعاون بين الأشقاء العرب للوصول إلى حلول فنية تخلص الإنسان مما يعيشه في سوريا، ولبيبا وغيرها من الدول العربية، فبالسينما والفن عموما يمكن أن نرتقي أكثر ونخلص أنفسنا وأوطاننا من هذا الواقع المؤلم الذي نعيشه اليوم.

المهرجان كان فرصة أيضا لمدراء بعض المهرجانات العربية لبحث سبل تعاون أكثر مستقبلا، ما هي الاقتراحات التي تقدّمتم بها أو ربما التوصيات التي خرجتم بها؟
للأسف لم نخرج بأي توصيات ولذا تقدمنا بطلب لعقد اجتماع ثاني، والمؤسف أن اللقاء لم يحضره مدراء أهم المهرجانات العربية، فلا يمكن أن نضع ورقة طريق أو نناقش أمور جدية في ظل هذا الغياب، هناك فرق بين مهرجانات عربية تقام بمنطقتنا وأخرى تهتم بالسينما العربية وتقام خارجها بأوروبا مثلا، فلا يمكن في هذه الحالة أن نبلور أي سياسة ومقترح أو نتبنى أي فكرة من أول لقاء، ولكن هي بداية طيبة للتفكير في العمل معا وصياغة بيان مشترك يجمع كل المهرجانات التي تعنى بالسينما العربية، وكان من الضروري وجود فنانين بالاجتماع للمساهمة كطرف فعال في صياغة السياسة المهرجاناتية، فمدراء ورؤساء المهرجانات مهمتهم تنظيمية وليس صناعة الفن.

   بعد تعيينكم على رأس أعرق وأهم المهرجانات العربية والإفريقية “أيام قرطاج السينمائية” ما هي الرؤية التي أتيتم بها لتطويره وتصوركم للمهرجان مستقبلا ؟
فعلا مهرجان قرطاج يعد من أهم المهرجانات السينمائية على المستوى العربي والإفريقي، والعام المقبل سنحتفي بخمسينية تأسيسه (1966-2016)، أهم شيء سنعمل عليه هو الانفتاح على السينما العالمية، وإعادة الطابع الإفريقي والعربي الذي بدأنا نفقده حتى يقترب أكثر من أهدافه والقضايا التي جاء ليدافع عنها وهي سينما العالم الثالث الملتزمة بقضايا الإنسان، كما سنحاول العودة بالمهرجان إلى المسار الذي أُسِّس لأجله والمتمثل في الدفاع عن سينما المؤلف أيضا، وستكون الأولوية للمخرجين والمؤلفين، واعتبارا من هذه السنة سيكون المهرجان سنويا من 21 نوفمبر إلى 28 من نفس الشهر، بعدما كان ينظّم كل سنتين منذ تأسيسه عام 1966.

كمخرج نلمس في أعمالكم شيء من الكوميديا، باعتقادكم هل أصبحت الكوميديا اليوم الأنسب لتقديم أفلام إلى جمهور عربي يعاني مشاكل وأزمات، يقوم وينام على صور الدم و الدمار التي حلت به وبوطنه ؟
شرط أن تكون جدية وتحمل هدف وخلفيات سليمة تسعى من خلالها لإيصال معاني ورسائل تثير النقاش حول موضوع مهم من جميع الأطراف، في الأصل السينما فن شعبي جماهيري، وأعتقد أن الكوميديا طريقة سينمائية ناجحة وذكية ولكنها من أصعب الأساليب، فليس من السهل أن تنجز فيلما سينمائيا ساخر يتضمن دلالات معينة ويُمرِّر خطابات هامة وتعالج من خلاله في نفس الوقت قضايا ومواضيع اجتماعية أو سياسية، فالكوميديا رغم أنها من أصعب الأنماط السينمائية لكنها في حال نجحت أدّت نفس الرسالة مثلها مثل سينما المؤلف.

يرى بعض السينمائيين والمخرجين التونسيين أن مشكلة السينما التونسية تكمن في مواصلتها العمل بقوانين وتشريعات قديمة، هل تتفقون مع هذا الكلام ؟
نعم، الطريق صعب ولكن بفضل الأعمال الجيدة الموجودة اليوم في كل الفنون التي لا تزال تعيش مخاضا كبيرا يمكننا تغيير الكثير من الأشياء ونتطلع للأفضل، سواء بإنجاز المركز القومي للسينما أو بفتح بعض القاعات، والحركية الفنية التي عرفتها تونس بعد الثورة ستعطى ثمارها ونتائجها بعد سنوات وتؤثر على المشرع حتى يُغير من هذه القوانين، لأن الإبداع يزداد وسنمرّ مع الوقت إلى تشريعات جديدة تخدم الفنان وتسهل عليه العمل.

هل هذا يعني أن السينما التونسية تعيش اليوم مرحلة انتقالية ؟
صحيح، السينما التونسية تعيش مرحلة انتقالية كبيرة ونقلة نوعية، عدد هائل من الشباب التحق بركب السينمائيين، كما أن التسهيلات الموجودة اليوم للتصوير والسينما الرقمية سمحت باكتشاف مخرجين لا ينتمون إلى المنظومة الإنتاجية القديمة المبنية على الدعم، بل هناك أعمال جيدة غير مدعمة، هذا لا يلغي ضرورة وجود الدولة كطرف في تمويل المشاريع، وليس لتقييم الأعمال واختيار السيناريوهات من باب آخر غير الإبداع والحرية.

هل صحيح أن الفيلم الوثائقي أكبر المستفيدين من الثورة ؟
أكيد، ولكن لا أظننا وصلنا إلى التحكم في الفيلم الوثائقي كما يجب، فالفكرة انطلقت فيما بعد الثورة أو قبلها بأيام حينما أخذ الكثير الكاميرا وبدأ يصور الأحداث، وللأسف وجدنا أنفسنا أمام أفلام شبه وثائقية استعجالية أو إعلامية، وهذا يدفعنا للتفكير بالتوجه إلى الفيلم الوثائقي والاهتمام به أكثر واعتباره فن قائم بذاته له تقنياته وجمالياته مثله مثل الفيلم الروائي الذي أعطيناه اهتماما كبيرا جاء على حساب الوثائقي، فمن بين مئة فيلم نجد أربع أو خمس أفلام وثائقية جيدة أنتجت بعد ثورة 14 يناير وأعطتها حقها، شخصيا لدي أمل كبير في أن يبلغ الفيلم الوثائقي مراحل متقدمة ويحتلّ المكانة التي يستحقها في السينما التونسية.


إعلان