نجوى النجّار و”عيون الحرامية”

الضاوية خليفة – الجزائر

 

لقطة من فيلم “عيون الحرامية”

لم تنشغل يوما المرأة الفلسطينية أديبة كانت، شاعرة أو سينمائية عن قضيتها، بل اتخذّت من الكلمة والصورة سلاحها، محاولةً الانتصار بهما لوطنها، والدفاع عن انتماءها وأرضها، كالمخرجة “نجوى النجار” التي لم تخرج في أفلامها عن هذا الإطار ولم تبتعد عن هذه الرؤية، سواء في “المرّ والرمان” (2008) أو “عيون الحرامية” (2014)  الذي شاركها فيه كل من النجم المصري “خالد أبو النجا” والمغنية الجزائرية “سعاد ماسي”.

 

“عيون الحرامية” فيلم مستوحاة أحداثه من قصة واقعية تعود تقريبا إلى بداية الألفية (انتفاضة الأقصى)، عندما أقدم أحد الشباب الفلسطينيين على اغتيال عدد من الجنود الإسرائيليين، مشاهد امتعضت لها الكثير من الأطراف الأجنبية واشترطت على المخرجة حذفها مقابل الحصول على الدعم والتمويل، كما تطرّق الفيلم إلى موضوع الخيانة التي وُجدت في كل ثورات العالم، ولكن بشكل مختلف، فالحالة التي قدمتها النجار كانت تسعى لخدمة الشعب الفلسطيني، إلا أن مرورها على السلطات الإسرائيلية للحصول على تراخيص إجبارية قلّص من نيتها، وحتى تُظهِر مخرجة العمل بساطة الحياة الفلسطينية والبُعد الجمالي لنابلس التي صورت بها نسبة كبيرة من الفيلم اعتمدت على اللقطات الطويلة، ومن خلال هذا الحوار ستتحدث “نجوى النجار” عن الصداقة التي تربطها بالفنانة الجزائرية “سعاد ماسي” والتجربة السينمائية التي خاضتها هذه الأخيرة لأول مرة في “عيون الحرامية” الذي رُشِّح للأوسكار كأفضل فيلم أجنبي.

كيف تمكنّت “نجوى النجار” من إقناع واستدراج “سعاد ماسي” لتكون بطلة فيلمها الجديد ؟
سبق وعرضت على الفنانة “سعاد ماسي” التي أعتز بصداقتها المشاركة في فيلمي الأول “المرّ والرمان” ولكنها لم تتقبل الفكرة، ولما شاهدت العمل بعد إنجازه قالت لي “أنت لا تطلبي من الممثل أن يبذل جهدا كبيرا بل أن يلبس الدور ويبقى على طبيعته” فأجبتها بأني أريد روح “سعاد ماسي” التي نلمسها من صوتها الجميل، ولما قدّمت لها سيناريو “عيون الحرامية” وطلبت أن تطلِّع عليه أُعجبت به وتحمست كثيرا، بدليل أنها كتبت له ثلاث أغاني وأدّتها بنفسها، وأنا أقترح عليها المشاركة في أحد أفلامي كنت متأكدة من نجاحها، فمستحيل أن يكون وقوفها باتجاه الكاميرا أمام أربعين شخص مربك وغير موفق، وهي تقف يوميا أمام مليون شخص لتغني ولها روح وبصمة خاصة في صوتها تُريح وتمتع من يستمع إليها، طلبت منها أن تكون عفوية وطبيعية وكانت كذلك، وبدوره أبدى الفنان “خالد أبو النجا” تعاونه الكبير وإعجابه بالعمل، وبالفعل كان تعاون جيد وتجربة مثمرة أتمنى أن تتكرر.

 

 

 

نجوى النجار

 

سجلت الجزائر حضورها في الفيلم بلهجتها وأغانيها التراثية، وكان لثورتها التحريرية مرور أيضا ؟

الأوضاع التي نعيشها في فلسطين لا تخفى على أحد، وأنا أكتب “عيون الحرامية” ذهبت بخيالي إلى الثورة الجزائرية لأستخلص منها الدروس وأستمد بعض المواقف البطولية وحتى آخذ منها القوة والأمل الذي تحلّى به هذا الشعب العظيم في نضاله ضد المستعمر الفرنسي لمدة 130 عاما، فالجزائر جزء منا وثورتها قدوتنا وحضورها بالفيلم كان له قيمة كبيرة، فمن الطبيعي أن تستحضرها وأنت تسرد قصص عن المقاومة ومن غير الممكن ألا تذكر الجزائر وثورة المليون ونصف المليون شهيد في حديثك وتضرب بمقاومتها المثل في الوطنية والصبر، وما أحوجنا اليوم للعودة إليها خاصة وأن القضية الفلسطينية تمرّ بمرحلة حساسة، من الضروري أن تترجم السينما معاناتنا وتصوِّر قضيتنا حتى تصل خارج الحدود، كما فعلت السينما الجزائرية عندما رفعت التحدي وعرّفت بثورتها في الخارج من خلال أعمال سينمائية خالدة لـ”محمد لخضر حمينة” وآخرون، فضلا على أنه في الفيلم لدينا قصة “ليلى” (سعاد ماسي) فلسطينية الأب وجزائرية الأم التي كانت من بين العائدين إلى الأراضي الفلسطينية سنة 1994.

 

 

أكيد أن التصوير بالأراضي الفلسطينية يقابل بكثير من الصعوبات، كيف تمكنتم من الحصول على تراخيص الدخول والتصوير في ظل التواجد الكبير لقوات الاحتلال؟
صحيح، مدة التصوير كانت 25 يوما، 21 يوم كانت بنابلس و4 أيام في بيت لحم، في بلدية نابلس الكل رحب بنا وأمدّنا بما نحتاجه ولقينا كل الدعم والمساعدة فكل الشكر إلى الأهالي هناك، غير أن التصوير في تلك الظروف وتحت رصاص الاحتلال لم يكن سهلا وكان مهدّد بالتوقف في أي لحظة، كانت علينا مسؤولية كبيرة، فريق عمل مكون من 40 فني وتقني وأطفال، وأيضا نجوم كـ”سعاد ماسي” و”خالد أبو النجا”، ولكن إيماننا وإصرارنا على تقديم عمل يخدم القضية الفلسطينية تغلّب على هذه المشاكل والصعوبات.

تواجه السينمائي الفلسطيني أيضا مشاكل أخرى كغياب مصادر تمويل، مما يضطره للبحث عن دعم خارجي وبدوره يملي شروطه التي قد تتعارض وتوجِّه المخرج والفيلم، هل تعرّضتم لهذا الموقف في “عيون الحرامية”؟
غالبا هناك رواية معينة يريد الطرف الأوروبي سماعها وأن تُرى وفقها السينما العربية، ومن الممكن أن يُرفض فيلمك أو السينما التي تُقدِّم إذا تعارضت مع سياستهم وأهداف مهرجاناتهم، بالنسبة لنا السيناريو حظي بإعجاب كبير، وأحد البلدان الأوروبية تقدمت إلينا بدعم وبعدها بدأت تطالب ببعض الحقوق، تتدخل في صلاحياتنا وأرادت أن تملي شروطها، حينها قمنا برد الدعم الذي قدّموه لنا، وعندما أصبح الفيلم جاهزا طلب منا منتج أوروبي آخر حذف بعض المشاهد ملمِّحاً إلى أن سيصبح دونها أفضل، وبالطبع رفضنا عرضه ومقترحه بدون أي نقاش، فحين قمت بكتابة السيناريو كان هدفي تصوير المعاناة والأوضاع التي يعيشها الشعب الفلسطيني الحالم باسترجاع أرضه وعيش حياة بسيطة بدون أية تهديدات أو تكاليف، كما حاولت إماطة اللثام عن بعض الممارسات التي استفحلت لدى كثيرين بحجة أنه يجب التعامل مع سلطات الاحتلال للحصول على تصاريح وما إلى ذلك.

هل السينما اليوم قادرة على تنوير الرأي العام وتوجهيه، وما مدى استفادة القضية الفلسطينية من الصورة ؟
مشكلتنا اليوم في الصورة وقوتنا فيها كذلك، لما لها من قدرة كبيرة على تغيير الواقع وتصحيح بعض الذهنيات الخاطئة عن صورة الإنسان العربي التي أساء الكثير تسويقها خاصة الإعلام، أو عن الصورة المشوهة التي وصلت الغرب عن الإسلام، فالصورة يمكنها أن تصل إلى أماكن يصعب على الإنسان بلوغها، وللسينما دور كبير وقدرة بالغة في التعريف بقضايانا، وفيها شغفنا وغايتنا بها نسمع صوتنا للعالم، والصورة الموجودة في ذهن الإنسان يمكنها أن تتغير في أي لحظة لأنها تصله أينما ذهب، وبالنسبة لي أهم شيء أنني – بالسينما والصورة – أحاول إظهار القصة والقضية الفلسطينية والحقيقة كذلك.


إعلان