روجينا بسالي: لست “فيمينست”

روجينا بسالي
 
فاطمة نبيل
بمناسبة عيد ميلادها الذي يحلّ في السابع والعشرين من أبريل / نيسان من كل عام، عُرض في دار الأوبرا المصرية الفيلم الوثائقي “حكاية سناء”، والذي يروي السيرة الذاتية للفنانة “ثريا يوسف عطالله” الشهيرة بسناء جميل.
لاقى الفيلم استحسانا جماهيرا كبيرا عند عرضه، وكان قد عرُض قبل ذلك في مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية.
الفيلم من إخراج “روجينا بسالي” والتي وصفت الفيلم بأنه تجربة مهمة في حياتها المهنية والتي بدأت قبل سبع سنوات.
روجينا تروي لـ “الجزيرة الوثائقية” عن كيف بدأت رحلتها لتقديم فيلم عن حياة سناء جميل، وعن أعمالها السابقة التي قادتها إليها. 
 
– ما الذي جذبك في حياة “سناء جميل” كي تقدمِّي عن سيرتها الذاتية فيلمك الوثائقي الطويل الثاني؟ 
لازلت أذكر يوم وفاة سناء جميل عام 2002، كنت وقتها لازلت في الثالثة عشر من عمري أو أصغر قليلا، وأتذكر بوضوح مشهد زوجها الكاتب الصحفي “لويس جريس” وهو يبكيها، ويطلب من عمال المدافن ألا يدخلوها قبرها، ولفت نظري بشدة هذه العلاقة المثالية رغم صغر سني وقتها.
وقتها صممت على القيام بعمل فيلم عنها إذا عملت بالإخراج السينمائي.
كما أذكر أنني كنت لازلت طالبة في المعهد العالي للفنون المسرحية حين قابلت لويس جريس لأول مرة، وبحت له برغبتي الشديدة في تقديم فيلم عن حياة زوجته الراحلة، وقتها تحمس للفكرة بشدة كعادته في حماسه  لأي مشروع يقدمه شاب.
لكن الأهم من كل ذلك أن حياة سناء جميل ذاتها درامية جدا وملهمة للغاية، بداية من عائلتها الذين ألحقوها بمدرسة داخلية مدفوعة المصروفات حتى انتهاءها من المرحلة الثانوية واختفوا من حياتها للأبد دون أن تعلم لماذا، وحتى بداية عملها بالتمثيل حين كانت تعيش على الكفاف واضطرّت للنوم على ملابسها حين كانت لا تملك ثمن “المرتبة” وحتى أصبحت نجمة كبيرة يذكر اسمها مصحوبا بالفخر والتبجيل لكنها بدون أطفال في قرار ندمت عليه حين امتدّ بها العمر. 
 
– ما أهم المعوقات التي واجهتها أثناء تنفيذ الفيلم؟ 
معظم المعوقات كانت مادية، مثل طلب إحدى الفنانات أجر مادي نظير ظهورها في الفيلم، الأمر الذي صدمني بالمقارنة مع المحبة الخالصة التي لاقيتها من كل المشاركين في الفيلم.
والأمر الثاني بالطبع أن المرحلة الأولى من حياتها مجهولة تماما حتى بالنسبة لها هي شخصيا، وحتى عندما استطعت الوصول لبعض أفراد عائلتها في مسقط رأسها في قرية بالمنيا رفضوا تماما التواصل معنا وإمدادنا بأي معلومات.
لكن هناك شخصين سأظل دائما ممتنة لهم عند الحديث عن هذا الفيلم، الأول هو الكاتب “لويس جريس” الذي دعمنا في كل مراحل الفيلم بداية من البحث والكتابة وحتى خروج الفيلم للنور، كما دعمنا ماديا في المراحل الأخيرة للفيلم رافضا أن يذكر اسمه على تيترات الفيلم. 
أما الشخصية الأخرى فهي الفنانة منى زكي والتي علمت بتوقفي في مرحلة ما عن تنفيذ الفيلم بسبب مروري بأزمة نفسية وحالة اكتئاب فدعمتني وأصرّت على مساعدتي لإخراج أحسن ما لدي ولازالت تدعمني حتى هذه اللحظة.
 
– هل هناك أي شيء قمت باكتشافه عن حياة سناء جميل أثناء مرحلة البحث ولكنك لم تورديه لأية أسباب اجتماعية؟
نعم، لكن أثناء مرحلة التصوير، وتحديدا مع “لويس جريس” حين روى لي عن إحدى الفنانات والتي كانت تربطها صداقة قوية بسناء جميل لكنها اعتزلت الفن وارتدت الحجاب، وعندما حاولت سناء الاتصال بها كالمعتاد جاءها الرد عن طريق بعض الأصدقاء المشتركين أن هذه الفنانة ترفض استمرار صداقتهن بسبب أن سناء جميل مسيحية، الأمر الذي أدخل الأخيرة في موجة جارفة من الاكتئاب.
وقد رأيت حذف هذا الأمر عند عرض الفيلم احتراما لذكرى سناء جميل وحقها في إعلان ذلك أم لا.
 
– كيف جاء عملك بمجال الإخراج السينمائي (الوثائقي منه تحديدا) خاصة مع مع قلّة العاملات من السيدات به؟ 
تخرجت في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 2010 قسم الدراما والنقد المسرحي، وأستعد الآن لأن أنال درجة الماجستير في الأدب.
أما عن عملي بالإخراج السينمائي فقد بدأته في عام 2009، وقد قدمت الفيلم الوثائقي الطويل والقصير، كما قدمت الروائي القصير، وبغض النظر عن إني سيدة أم لا، فهذا هو المجال الذي أحبه واخترته وأرغب في أن أثبت أني جديرة بالعمل به.
روجينا بسالي أثناء تصوير أحد أفلامها
– فيلمك الوثائقي الطويل الأول “88” كان يروي حياة مجموعة من العاملات في مجالات إبداعية مختلفة وما قد يتعرضن له من مضايقات، فهل لديك أفكارا منحازة للمرأة “فيمنست”؟
عموما أرفض فكرة الانحياز للمرأة وأنها مظلومة وغير قادرة على تحقيق ذاتها فقط لكونها امرأة، وباختصار شديد أري أن السيدة التي تمتلك موهبة حقيقية تستطيع النجاح رغم كل المعوقات.
وعموما لم أمرّ في حياتي بمثل هذه الأمور، على العكس معظم من دعموني في حياتي وساندوني مهنيا كانوا من الرجال، من هنا أقدمت على تنفيذ الفيلم رغبة مني أن أكون طرفا محايدا يستمع إلى الحكاية كما قد يستمع إليها المشاهد العادي.
وكانت البداية أن طرحت الفنانة التشكيلية “ياسمين الخطيب” عليّ فكرة الفيلم على أن تنفذها مع الناقدة “شيرين أبو النجا” فأضفت لهن أخريات مثل المخرجة هالة خليل، والسيناريست مريم نعوم، وعازفة الهارب منال محيي الدين. 
وكان من المفترض أن يضم الفيلم أيضا الفنانة سيمون – والتي لم تستطع الظهور بالفيلم لمرض والدتها أثناء التصوير  – فقد واجهت الرفض المعتاد لعمل المرأة بالفن إلى جانب كونها فتاة مسيحية أيضا. 
وبشكل عام لم أمرّ بأزمات مشابهة مثل اللاتي واجهتها السيدات اللاتي ظهرن في الفيلم، غير أزمة واحدة أشارك فيها المخرجة هالة خليل وهي رفض والدها لعملها بالإخراج السينمائي، وهو ما لاقيته في بداية عملي من والدي، لكنه سرعان ما اقتنع عندما رأى أعمالي ورآها تحقق نجاجا.
 
– في تجاربك الأولى ناقشتي مشاكل اجتماعية مثل التحرش الجنسي في “ملكية خاصة” أو العادة السرية في “سرية كالعادة” أو فيلم “شهيد ثورة” الذي يروي سيرة “زياد بكير” أحد شهداء ثورة يناير لكن في الأفلام اللاحقة مثل “نجم كبير” أو “88” أو “حكاية سناء” أصبحت ميالة للموضوعات الإنسانية أكثر، فما الذي تغير في أفكارك؟
أفلامي الأولى أثارت جدلا بسبب مناقشتها لمشكلات اجتماعية مسكوت عنها، الأمر الذي أخافني أن يكون سبب نجاح هذه الأعمال يرجع لطبيعة موضوعاتها، مما جعلني أفكر في أن أقدم أفلاما تناقش أفكارا إنسانية وهو ما حاولته في الفيلم الوثائقي القصير “شهيد ثورة”، وفي فيلمي الروائي القصير “نجم كبير” ولاحقا في “88”، و”حكاية سناء”.
 
– تراوحت أفلامك بين الوثائقي الطويل والقصير أو الروائي القصير، فأي الأنواع تفضلين؟
بشكل شخصي أنا منحازة للفيلم الروائي بسبب المجهود الذي يُبذل عادة في الوثائقي في مرحلة البحث وما قبل التصوير، كما إن الجمهور بالطبع يفضل الروائي، على الرغم من وجود مُحبِّين للوثائقي بالتأكيد.
 
– لماذا لم تتجهِّي للعمل بالدراما التليفزيونية كمعظم جيلك الهاربين من أزمة السينما الحالية؟
بالفعل لدي مشروع مسلسل تليفزيوني آمل أن يدخل حيز التنفيذ قريبا، ففي ظل أزمة السينما الحالية من الصعب أن تجد منتجا يغامر بماله مع مخرج كل رصيده المهني مجموعة من الأفلام القصيرة، أما الدراما التليفزيونية فتفتح المجال لذلك وتتيح انتشارا واسعا لدي الجمهور من المشاهدين. 
 
 

إعلان