قصار هوليويود.. حكاية منسيّة
محمد موسى
يستعيد الفيلم التسجيلي “قصار هوليويود” (The Hollywood Shorties) للمخرج الأمريكي راين ستفين غرين سيرة فريق لعبة كرة سلة أمريكي خاص جَمَع بين الرياضة والعرض الكوميدي، وبزغ نجمه بين سنوات الستينات وحتى منتصف الثمانينات من القرن الماضي، تألف الفريق الذي حمل إسم “قصار هوليويود” من مجموعة من الممثلين والرياضين المجهولين من قصار القامة حصراً، وسعى في عروضه الناجحة الى إطلاق ضحكات الجمهور عبر اللعب ضد لاعبين بأطوال عادية، والأداء الكوميدي للاعبيه، والذي جعلهم يحصدون شهرة كبيرة قبل أن يتوقفوا وتختفي ذكراهم.

لا يكتفي المخرج يتقديم حكاية الفريق الرياضي، إذ يتناول في مقدمة طويلة مُثيرة ارتكزت على بحث أرشيفي واسع حال الممثلين والممثلات من قصار القامة في الولايات المتحدة، والغبن الذي يلاحقهم منذ بدايات إنطلاق السينما كفن وصناعة، والذي مازال متواصلاً بشكل او بآخر حتى اليوم، فعاصمة السينما العالمية لم تكتفي بالضحك عليهم في أفلامها، بل لم تهتم حتى بتسجيل حضورهم أحياناً في الأعمال التي لعبوا أدواراً فيها، ليشكل الفيلم التسجيلي “قصار هوليويود” رَدّ إعتبار أولي لهذه الفئة من الفنانين المهمشين.
يعود المخرج بأسلوب حيوي مشوق، وعاطفي في مواضع، إلى بدايات تشكيل فريق “قصار هوليويود”، ويمر بشكل تلقائي على قضية تهميش قصار القامة في صناعة الترفيه في الولايات المتحدة، كنموذج للمعاملة التي يلقاها المختلف مهما كان نوعه من قبل الصناعة الترفيهية. ويستذكر المخرج مع الأحياء الباقين من فريق “قصار هوليويود” ذكرياتهم عن تلك السنوات.
عرض الفيلم في مهرجاني: ” SXSW” و Jerome Indie Film & Music Festival” في الولايات المتحدة.
عن الفيلم كان هذا اللقاء مع مُخرجه الأمريكي راين ستفين غرين

كيف سمعت بقصة “قصار هوليويود” وماالذي وجدته مثيراً بقصتهم؟
ولدت في لوس أنجلس، وعشت حياتي كلها هنا، والسبب الذي جعلني أعرف بقصة “قصار هوليويود” أن عمي من قصار القامة، وكان ضمن فريق “قصار هوليويود” لما يقارب العشرين عاماً، وظهر أيضاً في الفيلم، وكمحصلة كانت قصة الفريق معروفة لي منذ الصغر، والدي كان يعمل مدرس في مدرسة حكومية وكان يضع صورة لفريق “قصار هوليويود” في مكتبه، لذلك لم أكن غريباً عن القصة التي كانت تشبه القصص العائلية التي يتداولها أفراد العائلة من جيل الى آخر.
أما عن شطر سؤالك الثاني، فالحقيقة ولاني كنت مُعتاداً على القصة لم تثرني في البداية رغم ما تملكه من عناصر رائعة لعمل فيلم تسجيلي عنها، وحتى السنوات الأخيرة عندما بدأت أنظر بشكل مختلف لها، أنا أعمل منذ عشرين عاماً في صناعة الأعمال التسجيلية، وصادف أني كنت أشتغل على المراحل النهائية لفيلمي السابق، وكنت في حالة ذهنية تبحث عن مشروع جديد، وبعد عدة محادثات مع أفراد من عائلتي، لفت إنتباهي القيمة الفريدة لفريق “قصار هوليويود”، وتعجبت أني لم أبحث في هذا الموضوع من قبل، بعدها، بدأت أسأل أسئلة، وكل مرحلة قادتني الى الآخرى، وهنا نحن بعد ثلاث سنوات مع فيلم تسجيلي كامل عنهم.
ماذا رغبت أن تكتشف بفيلمك؟
كان لدي مجموعة من البديهيات التي حاولت أن أسير عليها أثناء إخراج هذا الفيلم، أولها أن هذا الفيلم ليس عن “القزامة” ، وأعني أن الفيلم ليس منصة لنقاش مصاعب حياة قصار القامة، او أداة للضغط على زر القضايا الحساسة عنهم، او عن القوانين والعنصرية بحقهم، رغم ان هذا كله وصل بالنهاية الى الفيلم. كان إهتمامي منصباً ببحث قصة الفريق الرياضي نفسه، وهي القصة المثيرة لي، وليس موضوع قصار القامة. كل واحد منا شاهد في حياته قصار قامة، لكن قلة فقط شاهدت فريق كرة سلة متألف من قصار القامة. كنت مشغول بظروف تشكيل الفريق، وأردت البحث في شخصيات اللاعبين، ماذا يفعلون الآن، ولماذا لا يتواجدون في المشهد الإعلامي. هذه الأسئلة كانت أساسية في سعيّ للبحث في حكاية الفريق.
في بداية فيلمك، مررت على موضوع قصار القامة في عالم الترفيه الأمريكي، وعرضت مشاهد مثيرة كثيراً من أفلام، بعضها من بدايات السينما، هل تولدت لديك وقتها الرغبة لمزيد من البحث في موضوع قصار القامة في الصناعة الترفيهية بشكل عام؟
الجواب السريع هو نعم بالتاكيد (يضحك). هذا موضوع غنيّ كثيراً، لكن ما واجهته وأنا أعد قصة فريق “قصار هوليويود” أني كنت مُحدد كثيراً بالزمن الذي يجب أن أخصصه لسرد قصة الفريق الرياضي، ولكي أكون صادقاً، شعرت وقتها أن تخصيص مساحة لقصار القامة في عالم الترفيه بالمطلق ربما يكون تحويلة عن الموضوع الرئيسي، لكن ما دفعني للإحتفاظ بهذا الجزء هو أن لاعبي الفريق كانوا في الأصل ممثلين في التلفزيون والسينما.
أتحدث معك الآن وأنا محاط بمكتبي بالكثير من المواد الأرشيفية، ومنها بيانات صحفية ورسائل كان يرسلها فريق “قصار هوليويود” الى الإعلام وقتها، وفيها كانوا يشددون بأنهم ممثلين، ويمكن أن تلاحظ في تلك الرسائل بعض التغييرات الطفيفة، اذ أنهم وحسب السنة، يذكرون بأنهم قاموا في العام الماضي مثلاً بدور في فيلم سينمائي او مسلسل تلفزيوني. هذا الجانب من حياتهم، حاولوا إبرازه هم أنفسهم أثناء حواراتهم مع الفيلم، وهذا منحني مزيد من الثقة لإكتشاف هذا الجانب من عملهم. لكن هناك فرق بين نظرتهم لماضيهم في عالم الترفيه، ونظرتي النقديّة، والتي تحاول أن توجه الإنتباه الى محاولات إستغلال قصار القامة أثناء عملهم في السينما والتلفزيون.
هناك أمراً لا أعرف اذا كنت قد نجحت في لفت الإنتباه له في الفيلم، وهو أن جزءاً من أهداف فريق “قصار هوليويود” حينها، كان مواجهة الجمهور والقول له ضمنياً: “أنظر لنا نحن بخير”. لقد كانوا مثلاً يبقون بعد إنتهاء المباريات ليقابلوا الجمهور الموجود، ويعطوا تواقيع للراغبين ويتكلمون مع الأطفال. أحد التفاصيل التي لم أتناولها في الفيلم، هو عن تجارب قصار قامة من الذين لم يقابلوا قصار قامة من قبل وكانوا يحضرون مباريات فريق “قصار هوليويود” ليفاجئوا بوجود ناس مثلهم يقومون بحركات رياضية مدهشة.

يمكن تفسير ولادة الفريق بأن أعضائه والذين لم يجدوا عملاً كافياً في صناعة الترفيه، إتجهوا لهذه الفكرة كمصدر لجني الأموال.
نعم هذا صحيح، مشروع الفريق جعل أعضائه يتحكون بأقدارهم. لقد قالوا لأنفسهم بأنهم لا يستطيعون أن يحصلوا على مزيد من الأدوار، إذن لنبدأ مشروعنا الخاص.
في إحدى مقابلات الفيلم، كنت تتسائل مع ضيفك عن أسباب غياب أيّ إرشيف عن “قصار هوليويود” على الإنترنيت مثلاً، هل تعتقد أن هذا مرده لموقفنا اليوم من هذا النوع من الترفيه الذي يرتكز على الضحك من الآخرين، وحساسيتنا لعدم جرح مشاعر أي أحد؟
هناك بالتاكيد حدود من مشاعر الذنب عند الجمهور الواسع اليوم، في الماضي كان موقع قصار القامة في السينما مختلفاً أيضاً، مثلاً الفيلم السينمائي “عودة الجاداي” كان قصار القامة في الفيلم مخفيين خلف أقنعة. فيلم آخر هو “محتلي الفضاء” قام بالفعل ذاته. نعم هناك جانب “الذوق” لأني لا إريد أن أستخدم وصف “الذنب” لأني أراها ثقيلة، دخل في حساباتنا عندما نتعامل مع موضوع حساس مثل قصار القامة. نحن بالتاكيد في فترة زمنية مختلفة بالعلاقة الى “الصواب السياسي” عندما نتحدث عن أيَ أقلية من أي نوع كان.
لقد قضيت وقتاً طويلاً مع الأعضاء الأحياء من “قصار هوليويود” أثناء التحضير والتصوير لفيلمك، كيف تعتقد انهم ينظرون الى تلك الفترة، هل هم فخورون بما قاموا به؟
هم يتحدثون عن تلك الفترة وكأنها حدثت بالأمس، يتذكرونها بكل وضوح وكل حب، ما أن تبدأ بطرح أسئلة عن ذلك الزمن، حتى يبدو واضحاً مدى إعتزازهم به، أعتقد أنها كانت النقطة الأهم في حياتهم، أتمنى ان يكون هذا الأمر قد وصل عبر الفيلم، ربما الشيء الوحيد الذي تغير في ذكرياتهم عن تلك الفترة، هو وصف “قزم” (midget) الذي كان شائعاً وقتها، وهو وصف تحول الى مهين ولا يجوز إستخدامه اليوم، الذي حصل أن عقد الثمانينات حمل بداية تغييرات لمجتمع قصار القامة.
هل كان صعباً العثور على أعضاء فريق “قصار هوليويود” ؟
بعد تَشكّل الفكرة لعمل فيلم تسجيلي عنهم، بدأت مباشرة بالإتصالات الهاتفية حتى أرتب لقاءات وقبل فوات الأوان، فعمي “لاري” فارق هذا العالم، وفقدنا بعض من أعضاء الفريق ذاك ومنهم مؤسس الفريق نفسه. أما بخصوص الأحياء من الفريق، فلم يكن صعباً العثور عليهم، اذ يعيش الكثير منهم في منطقة لوس أنجلس، ومازالوا على أتصال ببعضهم. كما أن الكثير منهم أعضاء في جمعية “ناس أمريكا القصار” وعبر الجمعية يتلقون في إجتماعات دورية.
بدأت مع عمي “سكوت” والذي يعتبر متوسط الطول وله دور في الفريق، والذي كان أول شخص ألتقيه من أجل الفيلم، وهو نصحني بالتوجه الى عمتي التي تعيش في ولاية ميشغان والتي كانت متزوجة من “لاري”، عمتي هذه تملك علاقات واسعة مع أعضاء الفريق السابقين وساعدتنا كثيراً. ثم بعد ذلك عثرت على “جورج” الذي أوصلني الى أعضاء آخريين في الفريق. “جورج” كان مهماً كثيراً، فهو إحتفظ بكل تفصيلة صغيرة من تالك الفترة، كل مقالة كتبت عن الفريق، كل إقصوصة تخصهم.

وماذا عن اللقطات الإرشيفية من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية؟ كيف عرفت بوجودها أصلاً ؟ واي نوع من البحث قمت به ؟
لقد قمت مع فريق صغير ببحث موسع جداً على الإنترنيت ووبالخصوص على موقع “يوتوب”.الكثير من اللقطات التي ظهرت في الفيلم تعود الى أفلام ومسلسلات لم تعد موجودة ولا يوجد سجل بها، فعناونين بعض الأفلام الصغيرة والمجهولة تم تغييرها، لذلك لا يمكن العثور عليها او معلومات عنها في مواقع الأفلام المعروفة. كما أننا حصلنا على كثير من المعلومات التي تخص الأفلام التي قام قصار القامة بلعب أدوار فيها من البيانات الصحفية التي كان يرسلها “قصار هوليويود” الى الصحافة للتعريف بانفسهم وما يقومون به من أفلام ومسلسلات.
ما حصل أن أسماء الممثلين القصار لم تكن موجودة في موقع “IMDB”، رغم إنهم إشتركوا فعلياً بأدوار في تلك الأفلام. فريقنا كان من خمسة أشخاص والمهمة كانت مجهدة كثيراً للعثور على لقطات ومشاهد من تلك الأفلام. لقد بلغت الحصيلة الإجمالية للأفلام والمسلسلات التي نجحنا في ان نحصل على مشاهد إرشيفية من 72 عملاً.
من اللحظات المؤثرة في الفيلم كان الحديث عن الأدوار التي أداها الممثلون القصار والتي لم تصل الى النسخة النهائية من الأفلام.
ما حدث يشيء بالكثير عن حال الصناعة في هوليويود، والدور الذي يلعبه مدير الفنان هناك، ومعاملة هوليويود بالمطلق لقصار القامة، ففي الوقت الذي يتم ذكر كل الأشخاص العاملين في أي فيلم، وحتى مساعد طباخ الفيلم، يتم تجاهل إدراج أسماء الممثلين من قصار القامة أحياناً. كما أن سماع قصص الممثلين الذين لم تظهر مشاهدهم في النسخ النهائية هو أمر محزن حقاً، وبالتحديد في فيلم “فلييج”، عندما لعب أعضاء فريق “قصار هوليويود” أنفسهم على الشاشة.
لقد حاولت كل جهدي العثور على أيّ مشهد من ذلك الفيلم، او حتى صورة فوتغرافية لمشاهد الفريق في الفيلم، هناك أدلة كثيرة على أن تلك المشاهد صورت بالفعل، لكن لا إرشيف لتلك المشاهد. لقد سألت أعضاء الفريق الباقين عن إختفاء كل دليل عن مشاركتهم في الفيلم، فأخبروني أن التصوير كان في إستديو مغلق وقتها ولم يكن مسموحاً لهم التصوير بكاميراتهم الشخصية لما يجري أمامهم. وفي السياق نفسه، قمت بالإتصال باستديو “أن بي سي يونفرسال” نفسه الذي أنتج الفيلم، لكنهم أخبروني بأنهم لا يملكون اي صور او مشاهد من الفيلم، وحتى عندما صدرت نسخة “دي في دي” من الفيلم، لم تضم أيّ مشاهد محذوفة لأعضاء الفريق. أنه شيء مؤسف حقاً.
أريد أن أسألك عن المشهد السينمائي التسجيلي الامريكي بشكل عام، نحن نعرف أن القنوات الحكومية الاوروبية هي الوجهة النهائية لكثير من الأفلام التسجيلية الاوروبية، فما هي الوجهة الرئيسية للأفلام التسجيلية الأمريكية، بخاصة أن القنوات الحكومية الأمريكية هي أقل بأمكانياتها وشعبيتها من نظيرتها الأوروبية ؟
الوجهة الرئيسية الآن لمعظم الأفلام التسجيلية الأمريكية هي شركة “نتفليكس”، رغم أن هذه الشركة اليوم تختار بدقة الأفلام التي تريد أن تضمها الى خدمتها وبعد أن كانت تشتري تقريباً حقوق جميع الأفلام التسجيلية الأمريكية. بالنسبة الى التلفزيون الحكومي، فهو يختلف في الولايات المتحدة عن اوروبا، فهنا التلفزيون الحكومي ليس المكان الذي يتوجه إليه الكثيرين من أجل التعلم. لقد إتصلت بي قناتين حكومتين من أجل عرض “قصار هوليويود” ونحن في مرحلة التفاوض معهما. السؤال الكبير الذي يواجهه أيّ مُخرج، كيف يمكن أن تصل بفيلمك الى الجمهور الواسع، بالنسبة لنا نحاول حالياً أن نصل بالفيلم الى أكبر عدد ممكن من المهرجانات السينمائية.