محمد نبيل: أسئلتي السينمائية أساسها فلسفي

المصطفى الصوفي – الرباط

يعد المخرج السينمائي المغربي محمد نبيل المقيم بالديار الألمانية، من المخرجين المغاربة المغتربين، والذين بصموا على تجربة سينمائية مهمة خاصة في مجال الفيلم الوثائقي، أكدت حضوره في الكثير من المهرجانات المغربية والعربية والدولية، ما يجعل من تجربته السينمائية التي توجت في الكثير من المهرجانات الوطنية والدولية واحدة من التجارب السينمائية المهمة، التي تتسم بالبحث عن ذلك المعادل الاجتماعي، والذي يؤرق بال الكثير من المتتبعين، بطرحه لقضايا إنسانية، كقضية المرأة مثلا، برؤية سينمائية لا تخلو من إبداع خلاق، ومسحة فنية، تحيل الصورة السينمائية في معجمه السينمائي، مشهدا حقيقيا للتأثير والتأثر، وطرح السؤال الجوهري والفسلفي العميق، تجاه الآخر، حول ضرورة تغيير الصورة النطمية تجاه المجتمع والإنسان بشكل عام، مع ضرورة جعل السينما وسيلة فنية لتغيير الأنساق الاجتماعية، ورفع الضرر عن الدراويش والمهمشين، والطبقات المسحوقة التي تعيش ظروفا قاسية هنا وهناك. ويعتبر فيلمه الوثائقي “جواهر الحزن”، أسئلتي السينمائية تستمد مادتها من الفلسفة الذي حاز جوائز دولية، من الأعمال المهمة في تجربة هذا المخرج، والذي يحكي قصة مؤثرة عن الأمهات العازبات، ومعاناتهن مع النفس والمجتمع، وذلك في قالب فني مشوق، يجعل من الفيلم الوثائقي، العمل الإبداعي الذي يستحق أن يعاش بمرارته وحلاوته.

المخرج المغربي محمد نبيل

محمد نبيل المخرج والإعلامي درس الفلسفة ودرّسها لطلبته في المغرب قبل أن يطلق التدريس بالثلاثة، ويهاجر بحثا عن الحلم في عوالم أمريكا وأوروبا، الحلم هو تحقيق الإبداع بكل حرية، حيث اختار السؤال النسائي والحب قضية في أعماله السينمائية.. في هذا السياق استضاف مختبر “الفلسفة والمجتمع” بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة ابن طفيل بالقنيطرة ضواحي العاصمة الرباط، عرض ومناقشة هذا الشريط الوثائقي، بمشاركة الكاتب والناقد السينمائي محمد اشويكة، والأكاديميين عبد الله هرهار وفوزي بوخريص. الآتي حوار خاص مع المخرج محمد نبيل:

محمد نبيل يعد من بين المخرجين السينمائيين العرب، الذي أنتج العديد من الأعمال في المهجر، ترى كيف استقبل الجمهور أعمالكم؟

في كل مرة التقي فيها الجمهور في المغرب أو في ألمانيا وأوروبا أجد تفاعلا كبيرا، في القارة العجوز ألاحظ أن هناك اهتماما ملحوظا بالأعمال السينمائية العربية، أسئلة الجمهور الكثيرة والنقاش بيني وبين من يحضر عروض أفلامي يكشف لي بشكل ملموس شغفا مميزا ورغبة في المعرفة، فالفن السابع إلى جانب دوره الجمالي والفني والتربوي هناك دور آخر يتجلى فيما يحققه من تواصل بين الثقافات، أستفيد من الجمهور وأسئلته المثيرة أحيانا بل هي من يقدم لي مؤشرات ومعطيات مهمة لإنتاج عمل جديد، وهنا أتحدث عن النقد الذي يوجهه الجمهور للسينما ولأعمالنا أساسا، الحضور الفاعل ينتج ثقافة ومعرفة لابد للمخرج أن ينصت إليها ويستغلها في أعماله المستقبلية.

من كواليس أحد الأفلام

يعد فيلم” جواهر الحزن” إحدى التجارب السينمائية الوثائقية المتميزة في مسيرتك، ما قيمته الابداعية والسينمائية، خاصة أنها تطرح موضوعا اجتماعيا وإنسانيا يهم الأمهات العازبات؟

هناك سؤال نسائي أطرحه في أفلامي منذ مدة طويلة. وأعتبر أن شريط جواهر الحزن هو أول عمل سينمائي في ثلاثية المرأة المغربية. حاليا سأنتهي من اللمسات الأخيرة لشريطي الجديد والثاني في هذه الثلاثية، “صمت الزنازين” ، والذي يحكي عن تجربة النساء المغربيات في السجن. إنه السجن بصيغة المؤنث.  أما قيمة جواهر الحزن فهي في بداية الثلاثية، والسؤال والإشكالات التي يطرحها الشريط سياسيا واجتماعيا وحتى اقتصاديا. الشريط واجهته عراقيل وقرصنة …لكن أعتبره خطوة ناجحة في تجريب عناصر سينمائية جديدة والاشتغال على الصورة بطريقة تختلف عما قدمته في شريطي أحلام نساء.

تكوينك الأكاديمي الفلسفي هل أثر نوعا ما في الأفلام الوثائقية التي تنتجها؟

طبعا، كل مخرج يتأسس عمله على خلفياته المعرفية والثقافية والفكرية وتجاربه الذاتية. الفن السابع هو تعبير عن هذا الكل. تجربتي المتواضعة لا تنفصل عن تكويني الفلسفي والسوسيولوجي وكذلك رحلاتي في بلدان عدة والاحتكاك بالثقافات المغايرة. أنا مدين لعلاقاتي النسائية من مختلف الثقافات بدء من المغرب إلى كندا وروسيا وأوروبا . هؤلاء النسوة أضفن لي خلفيات معرفية فريدة، بالرغم من مغادرتي للمغرب منذ 15 عاما وتركت الفصل الدراسي والتدريس، ما زلت أتابع واقرأ وأطلع على كل ما يتعلق بالإنتاج الفلسفي والأدبي وكذلك كل ما يتعلق بالعلوم الإنسانية. فعندما نقول الخلفيات الفلسفية وكما أعرفها منذ أن درست في جامعة محمد عبد الله في فاس والمعروفة بظهر المهراز، هي كل ذلك التراكم المعرفي من فلسفة وعلومها الحقة والإنسانية. الإبداع لا ينفصل عن هذه التجارب مع الكتاب والاطلاع. محظوظ لأنني درست في فترة زاهية من تاريخ المغرب التربوي والتعليمي. الواقع الحالي ينذر بالكوارث وعنوانه الجهل والرداءة.

وكيف تفلسف السينما في هذا السياق، وهل توجد علاقة بين الجانبين؟

العلاقة وطيدة ومتصلة، الفلسفة هي تاريخ الإنسان الفكري والتأملي، الفلسفة هي مرآة التطور البشري، الفلسفة هي محبة الحكمة بل هي الحكمة ذاتها، الفلسفة مصباح ينير لي الطريق، لكن الفلسفة ليست تخصصا معزولا عن تاريخها وأبنائها من التخصصات التي جاءت فيما بعد، بل هي كل ما أنتجه الفكر الانساني من معارف وتجارب. أسئلتي السينمائية تستمد مادتها من الفلسفة، الصورة لغة والفن السابع فن وإبداع وكيف للإبداع لا يكون مصدره السؤال والسؤال هو مهد الفلسفة.

ملصق فيلم "جواهر الحزن"

من وجهة نظرك كسينمائي مغترب، هل توفق السينمائيون العرب المغتربون في تقريب الصورة عن هموم المهاجرين ومواجعهم وأحلامهم في بلاد الغربة؟

الأمر نسبي للغاية نوعا ما، المخرجون في المهجر يعدون على رؤوس الأصابع ، ويحاولون التعبير عن بواطنهم وهمومهم بواسطة الصورة . الطريق ما زالت طويلة، وسؤال الفنانين والسينمائيين العرب ما زال لم يتشكل بعد في مشاريع سينمائية كبرى نظرا لاعتبارات وظروف ذاتية وموضوعية. بالمقابل هناك محاولات للتعبير عن واقع العرب سينمائيا في المهجر. هي بداية وككل الأحلام تنطلق الأشياء مع البدايات.

هل فعلا مهمة المخرج في بلاد المهجر محفوفة بالصعوبات؟

طبعا، هناك منافسة قوية وشرسة من طرف السينمائيين الذين هم أبناء بلاد المهجر ورهانات الإنتاج في أوروبا مثلا محفوفة بالكثير من المزالق. السينمائي يجب أن يدافع عن استقلاليته الفكرية والإبداعية بطرق مرنة وذكية حتى لا ينكسر عوده. مسؤولية الفنان المبدع كبيرة لكن أمامه هوامش للتعبير عن ذاته. الصعوبات والمنافسة تزيد المبدع طاقة وحيوية ورغبة في الارتقاء بإبداعه ومشروعه السينمائي.

درست الصحافة والسينما والعلوم السياسية أكاديميا فأين تحضر في أعمالك السينمائية؟

الحضور هو في السؤال والمواضيع التي لها عمق سوسيولوجي كبير، المرأة والجنس، المرأة والمجتمع، المرأة والطفل، المرأة والسجن، الخ.. هذه مواضيع لها عمق مجتمعي وسياسي كبير والحديث عن المرأة هو حديث عن الرجل بصيغة مغايرة. الدراسة في الجامعات المغربية والكندية والألمانية قدمت لي الشيء الكثير وما زالت تقدم لأن التحصيل لا نهاية له، والقراءة عالم بلا حدود أو خرائط.

هل تساهم السينما في تحسين أوضاع المهاجرين بشكل عام؟

الفن السابع يعبر والتعبير وسيلة للتفاعل مع الجمهور . لكن صناعة الصورة ليست بالأمر السهل عند الحديث عن المهاجر. المهمة صعبة لكنها ممكنة. السينما دورها ينتهي عندما تعبر عن الواقع بلغة فيها موقف السينمائي الفني والجمالية كبعد اساسي إضافة إلى المضامين. السينما لا ينحصر دورها فقط في إثارة القضايا والمواضيع الشائكة والعالقة، فإثارة الموضوع المجتمعي ليس هدفا في ذاته في السينما، بل الفن كذلك هو أداة تربوية وتثقيفية. السينما تعلمنا الحياة والتفكير وترتقي بأذواقنا.

المخرج محمد نبيل أثناء تكريمه

كسينمائي مغربي مغترب، هل الوضع السينمائي في المغرب يساعد على العمل خاصة من حيث الإنتاج؟

طبعا لا يساعد. الوضع السينمائي في المغرب في بدايته. هناك طفرة كمية لكنها لا توازيها جودة ما إلا في حالات نادرة. ما زلنا لم نصل بعد إلى تأسيس سينما مغربية بالفعل والقوة. السينما تحتاج إلى توجهات واضحة لمخرجين لهم مشاريع كذلك. الطريق طويلة. الإنتاج السينمائي في المغرب وسياسة الدعم كلها تُقصي المخرج والمنتج المغربي في المهجر لأسباب غير مفهومة.  يقال إن الدعم يمر عبر مؤسسات إنتاجية في المغرب وهذا ليس مبررا معقولا . المبدع المغربي له الحق في المساهمة في الإبداع في وطنه كسائر الفنانين والسينما في المغرب وسياستها تحتاج إلى مشروع متكامل يكون هدفه فنيا وجماليا وثقافيا وليس حرب مواقع لا تنتج في النهاية  إلا الرداءة.

ما قيمة حضور الفيلم الوثائقي في تجربتك السينمائية؟

الفيلم التسجيلي أو الوثائقي هو مادة أصيلة وأولية للتساؤل والإبداع . كما قلت أكثر من مرة، ليس هناك حدود تفصل السينما التسجيلية عن الروائية. الواقعي والمتخيل يقع في كلتا الحالتين. الفيلم التسجيلي هو مقدمة لأعمال روائية آتية. أؤمن بالإبداع أولا وأخيرا.

والسينما كصورة كونية وعالمية هل تعبر عن كثير من القضايا الإنسانية؟

الفن السابع يعبر عن القضية الإنسانية. مذهبي إنساني وديني هو الحب، هكذا أخاطب جمهوري وكل من يتفاعل مع أفلامي. أعالج المواضيع النسائية بحس إنساني يحاول طرح الأسئلة واستفزاز التفكير. الفن السابع يعبر عن القضية الكونية إنسانيا بمضامين محلية، وهنا الرهان الأكبر وهو التعبير عما هو محلي (الاختلاف الثقافي ) بلغة كونية . مثلا، كيف يمكن لرقصة مغربية أن تعبر عن قضية كونية؟

مشهد من فيلم "جواهر الحزن"

ما أهم القضايا التي تعالجها في أفلامك سواء على مستوى الفيلم الوثائقي أو الروائي، فضلا عن تلك التي عالجتها في أعمالك السابقة، وما جديدك السينمائي؟

الحب قضيتي الأساسية . المرأة سؤال خصب يقع في مركز اهتماماتي. السينما أداة وهدف جمالي و فني للتحدث عن الشغف العنيف بهذه الهموم والقناعات. الفن السابع يمكن له أن يغير مسار العالم من الهذيان إلى التوازن. العالم يحتاج إلى لمسات إنسانية والسينما قادرة على تحقيق ذلك.

على مستوى الجديد في إبداعي السينمائي، أنا الآن في المراحل الأخيرة لإنهاء تصوير فيلم” صمت الزنازين” الشهر المقبل وهو حكي عن السجن والمرأة في المغرب. تجربة جديدة فنيا وجماليا وكذلك على مستوى المعالجة.


إعلان