جعفري: “أمينة” تكشف وحشية داعش

محمد موسى

يتناول الفيلم قصة لإحدي ضحايا داعش وما تعرضت له.

“السينما هى كيفية أن تعيش أكثر من حياة .. حياة جديدة مع كل فيلم تشاهده” هذا ماقاله المخرج روبرت ألتمان، وحققه المخرج الإيراني مرتضي جعفري في فيلمه ” عروس داعش “. فلا يخفي علي أحد الأفعال التي يرتكبها هذا التنظيم بحق الأبرياء في المناطق التي يسيطر عليها، فكان لابد من تسليط الضوء علي المأساة التي يعيشها هؤلاء ومساعدتهم علي الحياة.  فبعد أن أخرج عدداً من الأفلام التسجيلية في السنوات الأخيرة، يخوض المخرج الإيراني مرتضى جعفري في فيلمه “عروس داعش” في السينما الروائية لأول مرة. يستند الفيلم إلى قصة حقيقية لامرأة سورية كانت ضحية وحشية تنظيم داعش في بلدها الذي قتل زوجها في إعدام عام كانت هي نفسها شاهدة عليه، ويبرز الكابوس المتواصل الذي تعيش فيه المرأة حتى بعد وصولها إلى اليونان، البلد الأوروبي الذي لجأت إليه، هاربة ليس فقط من “داعش”، بل من أهلها أيضاً ومن العقاب الذي ينتظرها على أيديهم، لو اكتشفوا أن الجنين الذي تحمله في أحشائها، غير معروف الأب، وبعد أن تعرضت لعدة اغتصابات من رجال التنظيم المتطرف.

يركز الفيلم الذي عرض في مهرجان سالونيك السينمائي في اليونان على عالم البطلة الذي تهيمن عليه المخاوف والكوابيس، ويبرز تقاطعاتها مع يونانيين قابلتهم في طريقها، أو في المستشفى الذي تقضي فيه أغلب وقتها بانتظار ولادة طفلها. هناك في الفيلم شخصيتان نسائيتان يونانيتان تلعبان دوراً مهما في حياة البطلة. يتجه الفيلم في ربعه الأخير إلى مزيد من السوداوية، ويَدفع قرب موعد الولادة البطلة إلى مزيد التأزم، وعندما يسوء وضعها الصحي، يجسد الفيلم هذيانها وكوابيسها التي لا تتوقف في سلسلة مشاهد مخيفة.

وفي الآتي حوار مع المخرج مرتضى جعفري عن فيلمه “عروس داعش”:

مخرج الفيلم مرتضي جعفري.

لماذا أردت أن تخرج فيلماً عن ضحايا تنظيم “داعش”، ومتى بدأت بتطوير مشروعك السينمائي هذا؟

لم يكن يخطر ببالي إخراج فيلم روائي عن صعود تنظيم داعش في الشرق الأوسط. كل شيء خرج من لقائي بامرأة سورية صادفتها في مستشفى يوناني قبل عامين، حيث كنت هناك لإجراء بحوث تخص مشروع فيلم تسجيلي كنت أشتغل عليه. أخبرتني المرأة تلك والتي سأسميها من الآن أمينة عن اسم الشخصية الرئيسية في الفيلم وعن حياتها بعد دخول داعش إلى مناطقهم. مباشرة شعرت أن هذه القصة يجب أن تصل إلى العالم. عندها طلبت من “أمينة” السماح لي بسرد قصتها في فيلم وافقت لحسن الحظ، لأبدأ بعدها كتابة السيناريو. سبعون بالمائة من الفيلم يستند إلى قصة أمينة وكما وقعت، والباقي هو تفاصيل خيالية أدخلتها إلى الفيلم.

قررت أن أخرج فيلماً عن ضحايا داعش لأني أؤمن أن الجميع يجب أن يعرفوا ماذا حصل في ذلك الوقت في سوريا والعراق، والظروف التي كان يتوجب على الناس في هذين البلدين التعايش معها. الحرب يُمكن أن تغير الناس في دقيقة واحدة، وأن ترى الحرب بعينيك هو أمر يختلف عن السماع بها. من المحبط جداً قتل البشر لبعضهم لسبب ديني أـو لأي سبب آخر. أؤمن أن الناس يجب أن يحترموا حياة ومعتقدات بعضهم.

في افتتاحية الفيلم، نشاهد مشهداً طويلاً للشخصية الرئيسية تحت حكم داعش في مكان ما في الشرق الأوسط، بعدها أخذت القصة والفيلم إلى اليونان. هل كانت هذه الانتقالة في بالك منذ بداية تخطيطك لهذا المشروع السينمائي، ولماذا اليونان؟ هل تعيش هناك؟

نعم أعيش في اليونان منذ سنوات. بعد المشهد الأول أخذت القصة الى اليونان، لأن الأخير تحول إلى بوابة اللاجئين من الشرق الأوسط إلى أوروبا. المرأة التي قابلتها في المستشفى هي ضمن اللاجئين الذين دخلوا اليونان على أمل الوصول إلى وجهتها النهائية في بلد أوروبي آخر. أبقيت هذا الجزء من حياة المرأة في اليونان كما هو، وبينت من حوله تفاصيل الفيلم الأخرى. كما أنني أخرجت العديد من البرامج والأفلام الوثائقية عن موضوعة اللاجئين في اليونان، وأعرف هذه القصص جيداً.

يجسد الفيلم من خلال بطلته اليونانية حياة المرأة السورية التي تعرضت للاغتصاب.

ما نوع البحوث التي قمت بها من أجل هذا الفيلم؟ وهل فكرت بعمل فيلم تسجيلي حول قصة المرأة السورية التي قابلتها وبدل الفيلم الروائي؟

نعم، في البداية أردت أن أصنع فيلماً تسجيلياً عن هذه المرأة، لكنها رفضت الفكرة، واشترطت للتعاون معي، أن أقدم قصتها في فيلم روائي، بحيث تقوم بأداء شخصيتها ممثلة، وألا تظهر هي أبداً في الإعلام. هي كانت خائفة كثيراً وفي وضع نفسي سيء. احترمت رغبتها وبدلت خططي لأعمل في النهاية الفيلم الذي شاهدته.

أما بخصوص البحوث، فالقسم الخاص باللاجئين كان سهلاً كثيراً، لأني كمخرج تسجيلي تعاملت مع هذه القصص كثيراً في السنوات الماضية. الجزء الذي احتاج الكثير من البحث كان يتعلق بالجانب الطبي. كان يتوجب علينا أن نكون حريصين ودقيقين جداً حول المستشفى التي كانت “أمينة” تتلقى العلاج فيه، وأيضاً حول الظروف النفسية التي كانت تعيش فيها.

يُبيّن الفيلم الكابوس المتواصل لامرأة هربت من الأراضي التي كان يحكمها تنظيم داعش، هل تعتقد أن الدراما هي أنسب من التسجيل في سرد قصة مُؤلمة للغاية مثل قصة أمينة؟

هذا يعتمد على الأسلوب الذي تريد أن تروي به القصة. أنا مخرج تسجيلي في الأساس وهذا هو فيلمي الروائي الأول، وأستطيع الآن أن أرى الفروق بين الصنفين السينمائيين. الفرق الأهم برأي، هو أن عليك أن تعرض الحقيقة كما هي في الفيلم التسجيلي، كل شيء يجب أن يكون حقيقياً، وأن تتعامل بموضوعية مع ما تراه بدون أي تعصب. وفي المقابل الفيلم الروائي بأيدي المخرج، ويستطيع أن يرويها كما يشاء. كما يستطيع المخرج في الفيلم الروائي أن يضع وجهة نظره الشخصية. في النهاية، لا يوجد طريق صائب او خاطئ لسرد قصة ما. كل ما هنالك هو أن عليك أن تجد الأسلوب والتكنيك الذي يلائم القصة، وما تريد للعالم أن يرووه في الفيلم.

لقطة من الفيلم تختزل معاناة أمينة.

هناك وإلى جانب أمينة شخصيتان نسائيتان في الفيلم لعبتا دوراً مُهماً في عالم الشخصية الرئيسية المغلق، هل أردت أن تركز على عالم النساء، وكيف يتعاملن مع الأزمات الكبيرة التي تواجههن؟

كما نعرف، اليونان يواجه منذ سنوات العديد من الأزمات الاقتصادية العسيرة. والناس هناك تحاول أن تتعامل يومياً مع مشاكل كبيرة، مثل مشكلة البطالة، والضرائب العالية والفقر.. حياة اليونانيين الآن تختلف جذرياً عما كانت عليه قبل الأزمة. في وسط أزمات اليونانيين الداخلية، عليهم أن يتعاملوا أيضاً مع مشكلة اللاجئين. ما شهدت عليه في اليونان ولم أره في أي دولة أخرى، أن اليونانيين الذين يساعدون اللاجئين يفعلون ذلك من قلوبهم، وليس لأنهم مجبرون على ذلك.

هناك ردة فعل إنسانية غير متوقعة من اليونانيين تجاه مشكلة اللاجئين، وهي السبب الذي جعلني أركز على هاتين الشخصيتين النسائيتين اليونانيتين. وجودهن في الفيلم مقصود تماماً. واحدة منهن والتي لعبت دورها الممثلة اليونانية تونيا أندرياكي فسرت موقفي في كلمتها التي أعقبت عرض الفيلم العالمي الأول في مهرجان سالونيك السينمائي، عندما قالت” أحياناً عليك أن تكون إنساناً طيباً فقط”… بهذه البساطة. وهذا يبرز كيف تعامل اليونانيون رغم أزماتهم الداخلية مع مشكلة معقدة مثل اللاجئين الآتين إلى بلدهم من الشرق الأوسط.

حقنت فيلمك ببعض الكوميديا، هل هذا بسبب ثقل الموضوع الذي تناولته؟

نعم بالتأكيد. قصة أمينة صعبة ومؤلمة للغاية، وأردت أن أحقق بعض التوازن عبر حقن بعض الكوميديا في الفيلم.

تعرض المرأة السورية للظلم من داعش وأهلها بعد تعرضها للاغتصاب.

كيف جرت عملية اختيار الممثلات والممثلين، هل فكرت مثلاً الاستعانة بممثلة عربية لأداء دور أمينة؟

بحثنا لشهرين في مركز اللاجئين في اليونان عن امرأة من سوريا يمكن أن تلعب دور أمينة، لكن لم نوفق، رفضت كل النساء اللواتي تحدثنا معهن الفكرة. كما يُمكن أن تتخيل، النساء هناك كن خائفات من موضوع الفيلم. لذلك قررت أن أعمل الفيلم وأستعين بممثلة يونانية للعب دور أمينة.

كانت الممثلة اليونانية “أفروديتي فوتري” التي لعبت دور المرأة السورية رائعة. أخذت الدور بجديّة كبيرة جداً، وعملت لوحدها بحوثاً طويلة عن الموضوع. قضت مثلاً أوقاتاً طويلة في مركز للجوء للحديث إلى نساء سوريات هناك. الذي حدث، أنه بعد انتهاء الفيلم، عادت “فوتري” إلى المخيم للعمل متطوعة هناك، ولمساعدة المهاجرين في طريقهم لبناء حياة أفضل لهم. بالطبع كادر الفيلم والمساهمين في الفيلم قاموا بعمل رائع أيضاً، وأنا ممتن لكل واحد منهم للمساعدة في إنجاز فيلم

 

 


إعلان