الوثائقية تحاور مخرج أول فيلم رعب تونسي
حوار بلال المازني

أحيانا نرى السينما بعيدة المنال صعبة الإرضاء ومتعالية علينا كأنها واحدة من آلهة الإغريق القديمة، ونحن أولئك الذين نطمح لها وتتحطم أمانينا على صخور الإنتاج والتكلفة والموازنة، وتصبح الأحلام ببساطة في صراع مع الأرقام.
هنا نجد الكثير من الشباب يخشى الخوض في تجربة السينما إخراجا وإنتاجا خوفا من مغامرة لا يعلم عواقبها. وهي نفس السينما التي يراها عبد الحميد بوشناق بعين مغايرة، فهو يراها مغامرة أو لا تكون، مغامرة الكتابة بنمط مختلف وإخراج فيلم طويل وإنتاجه دون دعم أو تمويل.
نحاور عبد الحميد بوشناق صاحب أول فيلم رعب تونسي، وهو الفيلم الذي لقي استحسانا من النقاد والجماهير في واحد من أشهر المهرجانات في العالم “فانتاستيك فيست” ((fantastic fest، نغوص معه في كواليس مغامرة سينمائية مختلفة ومتميزة.
- كيف تقدم نفسك للجمهور الذي لا يعرف عبد الحميد بوشناق؟
عبد الحميد بوشناق مخرج ومنتج تونسي، تخرجتُ من المدرسة العليا للسمعي البصري والسينما بقَمّرتْ، ثم واصلت الدراسة في مونتريال كندا، وبعدها فتحت شركة الإنتاج خاصتي واسمها “شكون”. بدأت الرحلة بفيلم وثائقي هو باكورة أعمالي ثم اتسعت التجربة لتشمل سلسلة على الشبكة العنكبوتية ثم التلفزيون اسمها “هاذوكم” والتي كان لها صدى عميقا وطيبا. أما بالنسبة لتجربة السينما فقد بدأت بفيلم قصير اسمه “كعبة حلوى” وشاركت به في العديد من المهرجانات العالمية، وفي العام الماضي 2017 أتممت أول فيلم طويل لي، وهو أول فيلم رعب تونسي واسمه “دشرة”.

- مغامرة الإنتاج والإخراج والكتابة بدأت بتجربة ناجحة أجمع النقاد على تميزها داخل الوطن وخارجه، وهو فيلم “كعبة حلوى”، ماذا لو تعطينا لمحة عنه؟
الفيلم بدأ باستنتاج خرجت به من العديد من الأمثلة في عالمنا العربي، حيث إن الشخص الطيب الخلوق يكون في العادة خلف الأضواء وربما مهمَل في كثير من الأحيان، ولا يمكن لهذا الشخص أن يكون ذي قدر وقيمة إلا إذا أخرج ما به من عنف وشر.
ومن هنا بدأت تتكون عندي ملامح الشخصية التي تمتهن مهنة العدل المنفِّذ الذي هو في العادة شخص مكروه، والدارج عند العامة أنه لا يأتي إلا بأخبار السوء والمصائب، فكيف يمكن لشخص أن يتعامل مع فكرة أنه مكروه أصلا وغير مرحب به وربما يقضي حياته منبوذا.
وجاءت القصة بأن أتابع حياة “عدل منفِّذ” في ثلاثة أطوار من حياته، واخترت في الفيلم أن لا نرى ملامح الشخصية أبدا بل نبقى نتابعه من الخلف فقط. وقد نال الفيلم استحسان العديد من النقاد والمشاهدين في إسبانيا وإيطاليا والولايات المتحدة وهنغاريا ومصر، خاصة أن الفيلم مختلف عما نراه عادة في السينما التونسية الكلاسيكية.
- بعد فيلمك القصير الأول اخترت أن تخوض تحديين: الأول تحدي تصوير فيلم طويل، والثاني أن يكون فيلم رعب وهو أول فيلم رعب تونسي، وكانت التجربة، وكان فيلم “دشرة”..
نعم فكرة الفيلم كانت تراودني منذ مدة، ولم يكن سوى فقرة مكتوبة على ورقة. وعندما ذهبت إلى مهرجان لوس أنجلوس السينمائي وجدت مخرجين من نفس عمري ولهم فيلم أو فيلمان طويلان، وأدركت أنني لست أقل شجاعة منهم فاتخذت القرار بالبدء.
وقد فرض الفيلم نفسه علي، ففي البداية لم أكن بصدد كتابة سيناريو فيلم رعب، وكانت مجرد فكرة فيلم يتضمن استقصاء عن جريمة، لكن الكتابة تطورت لتصبح فيها مقومات السيناريو الأمريكي لأفلام الرعب. وعندما أنهيت الكتابة اجتمعت مع أصدقائي وبدأنا الحلم والمغامرة، خاصة أنني لا أملك الإمكانيات الكافية لتصوير فيلم طويل. وبدأت التحدي في إنتاج أول فيلم طويل لي، والأكثر من ذلك أنه من دون تمويل أو دعم داخلي أو أجنبي. وبعد سنة من انتهاء الفيلم تيقنت مدى جنون هذه المغامرة التي لا يمكن أن أنجح فيها إلا بجهود الفريق الذي كان معي، وخاصة حاتم الناشي مدير التصوير وإلياس بن صابر مدير الإنتاج.
الفيلم يتحدث عن ثلاثة أصدقاء يدرسون في المعهد العالي للصحافة، ويقومون بمشروع تخرجهم الذي يجب أن يكون تحقيقا استقصائيا وحصريا وكان عن حادثة لامرأة وُجدت مرمية بطريقة بشعة على حافة الطريق دون أي وثيقة أو أي معلومة عنها، ومن هنا يبدأ التحقيق الذي يأخذهم لـ”دشرة” (أي قرية نائية)، وهناك يبدأ كل شيء أو ينتهي كل شيء.

- كيف كانت ردة فعل الحاضرين في مهرجان “فانتاستك فيست” أشهر مهرجانات الرعب في العالم؟
بالفعل كان تقييما إيجابيا جدا خاصة عندما اكتشفوا أن الفيلم مختلف وفيه نوع من التميز عن بقية الأفلام. في البداية كان الجميع بانتظار فيلم فيه مقومات أفلام الرعب التجارية، لكنهم فيما بعد اكتشفوا تركيبة جميلة ومختلفة؛ فيها من سينما المؤلف والسينما المستقلة، ونوعا من الشاعرية والكلاسيكية مما جعلهم يهتمون بالفيلم بل وأكثر من ذلك، والذي شرفني شخصيا أن النقاد أجمعوا على الاهتمام والبحث أكثر والتقارب مع تونس التي فيها أفلام من هذه النوعية.
- أفلام الرعب ليست كغيرها من أفلام الدراما أو الكوميديا، فهي أكثر تعقيدا كتابة وإخراجا حتى يكون لها ذلك التأثير المرجو منها، ونقصد بذلك تخويف المتفرج. لماذا اخترت هذه النوعية المعقدة من الأفلام ؟
ترعرعت على السينما التونسية لكن فيما بعد أصبحت متابعا نهما للسينما العالمية وأفلام هيتشكوك وكوبريك ولينش، وأصبح حلمي أن أصل إلى ذلك المستوى، وإن لم تكن لنا نفس الإمكانيات المادية إلا أننا نملك تقنيين مهرة وأفكارا يمكن أن تنافس أفلاما عالمية.
إضافة إلى أننا نملك مخزونا ثقافيا ثريا وزخما في فكرنا الشعبي كبيرا جدا ليس للغرب معرفة به مثل بعض الطقوس الروحانية وثقافة الجن والسحر الموجودة في منطقتنا المغاربية.

- كيف خضت تجربة إنتاج فيلمك دون تمويل أو دعم؟
كان هاجسي الوحيد كمنتج أن يكون الفيلم ناجحا عند النقاد والجماهير دون أن أفكر بأي ربح مادي، حيث دخلت في مغامرة الإنتاج رغم أنه كان هناك احتمال للخسارة لكنني وضعت نصب عيني إنجاح الفيلم بأي ثمن، واخترت أن تكون عملية إنتاجه عملية ذكية وذلك بالضغط على التكاليف دون التأثير السلبي على الفيلم، بالإضافة إلى المساعدة الكبيرة من أصدقائي الذين ساعدوني وشاركوني حلم تنفيذ المشروع دون البحث عن دعم.
أخذت القرار أن يبدأ التصوير في الآن واللحظة، وكانت السرعة وليس التسرع هو محركي للشروع في التصوير. لم أكن أريد الانتظار لأشهر طويلة لأخذ الدعم والقيام بإجراءاته المعقدة والتي يمكن أن تطول، ولم أرد أن أهدر طاقتي في الانتظار فأردت إهدارها في التصوير. ولكن يجب أن أقول أيضا إن أي مخرج يحتاج دعما وتمويلا لإنجاز أفلامه، أما أنا فربما استغنيت عن هذا التمويل الآن وتركته لمشاريع قادمة تحتاج بالفعل إلى ميزانية وتكلفة كبيرتين. في الأثناء أنا أعمل على صنع اسم في الساحة، وأن أكون جديرا بثقة الجهة الممولة للمشاريع القادمة.
- كيف استطعت التوفيق بين ثلاث مهام يمكن أن تتعارض أحيانا، وهي المخرج والمنتج والسيناريست (كاتب السيناريو)؟
بالفعل هي تجربة صعبة ومعقدة لأنك ستصل إلى مرحلة الرقابة الذاتية التي سوف تمارسها في كتابة السيناريو لتجنب الرفع من تكاليف بعض اللقطات.
الشيء الجيد أنني كتبت السيناريو قبل أن أفتح شركتي الخاصة، وواصلت الكتابة على أساس أنني سأجد مُنتجا للفيلم، وحين بدأت التصوير كلفت صديقي إلياس بن صابر بمسألة إدارة الإنتاج كاملة حتى أتفرغ للإخراج، وبصراحة حاولنا أن نتجاوز كافة المشاكل المادية والإنتاجية، وذلك من تقنيين وممثلين حتى ننجح بالعمل، فاللُحمة والإيمان بالمشروع من الجميع هو الذي جعل العمل متماسكا وناجحا.
- ما هي رسالتك للشباب المتخوفين من الخوض في تجربة الإخراج والإنتاج؟
الشجاعة وعدم الخوف من المغامرة هما مفتاحا النجاح، حيث يجب أن تتقاسم الحلم مع أشخاص يؤمنون بك، ودع التفكير في الربح المادي على حدة. أيّ شاب يُفكر بهذه الطريقة سيكون مُخرجا ناجحا، وليعلم أن السينما مغامرة أو لا تكون.