الناقد السويسري جيونا أنزارو للوثائقية: السينما العربية وخاصة الوثائقية تسافر عبر العالم

حوار: محمد علال

جيونا أنزارو تربطه علاقة خاصة بالسينما العربية، فهو على مدار نحو عشرين عاما متابع لأهم ما تنتجه من أفلام، ومهتم بحركة ونشاطات المهرجانات العربية

تربط المندوب العام للأسبوع الدولي للنقد السينمائي بمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الناقد السويسري جيونا أنزارو علاقة خاصة بالسينما العربية، فهو على مدار نحو عشرين عاما متابع لأهم ما تنتجه من أفلام، ومهتم بحركة ونشاطات المهرجانات العربية.

يطل جيونا أنزارو على آخر الأعمال العربية من خلال نافذة العديد من المهرجانات العالمية على غرار مهرجان تورنتو بكندا ومهرجان داي بوبلي الإيطالي ومهرجان لوكارنو السينمائي، إضافة إلى المهرجان الدولي للفيلم بروما، وهي التي يتعامل معها في اختيار الأفلام.

أجرت “الجزيرة الوثائقية” حوارا معه على هامش مشاركته عضوا في لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة والقصيرة في الدورة الـ29 لمهرجان “أيام قرطاج السينمائية” في تونس في الفترة من 3 حتى 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، ليقدم أنزارو خلاصة تجربة لقائه بالأفلام العربية من زمن سينما الأبيض والأسود وحتى أفلام ما بعد “الربيع العربي”.

 

  • على مدار نحو 20 عاما وأنت متابع للسينما العربية، ويصفك النقاد بصديق الفن السابع العربي والمهرجانات العربية، كيف تجد هذه التجربة؟

ليست الجغرافيا وحدها من تحدد مفهوم السينما العربية، فما تقدمه السينما الناطقة باللغة العربية يعكس تنوعا ثقافيا كبيرا بين المشرق العربي وأفريقيا الشمالية، حيث تحمل الأفلام العربية الحوار المباشر مع التاريخ أحيانا، وهناك أفلام تحمل ملامح الواقع الذي يختلف تماما عن واقعنا في أوروبا، فالأمور التي تحدث في البلدان العربية تدفع المخرج العربي نحو طرح الأسئلة العميقة والمواضيع المختلفة، فأسئلة السينما العربية مختلفة عن أسئلة السينما الأمريكية أو الأوروبية، وهذا أمر مهم جدا بالنسبة لمستقبل الأفلام العربية.

  • هل يعني أن هذا الاختلاف أنتج سينما عربية قوية أم جعلها معزولة؟

الحوار بخلفية الطبيعة البيولوجية والجغرافية والتاريخية هو حوار الأسئلة بالدرجة الأولى، والسينما العربية تحمل الكثير من الأسئلة، حيث نلمس شغف المخرجين لطرح الأسئلة في أفلامهم، فهم يحاولون تفكيك الواقع من خلال أعمالهم، وهو ما يجعل من أفلامهم أصيلة ومختلفة، إنها أعمال سينمائية تعكس حقيقة ما يحدث في منطقة جغرافية معينة، فهي أفلام لها خصوصيتها وتاريخها وملامحها الفريدة من نوعها.

كمتلقٍ أجنبي للأفلام العربية أشعر أحيانا بأنني أتواصل مع واقع أوروبا في الخمسينيات، فبعض الأفلام العربية التي تفكك الواقع العربي تطرح أسئلة الماضي الذي عاشته أوروبا خصوصا عندما يتعلق الأمر بالحرية والديمقراطية، أشعر بالفاشية والعنصرية التي عاشتها أوروبا قبل خمسين عاما.

 

  • هل تتذكر المرة الأولى التي شاهدت فيها فيلما عربيا، كيف أثّر فيك؟

لا أتذكر العناوين إنما أتذكر المشاعر، لقد تأثرت بأفلام يوسف شاهين، فالأفلام الجيدة تترك لدى المشاهد مشاعر يعيش بها مدى الحياة ويمكنها أن تغير نظرتنا للحياة، فلا يمكن أن أعيش اليوم متجاهلا  حجم المشاعر القوية التي زرعها في داخلي فيلم “المصير” ليوسف شاهين، لا يمكن أن أتحدث اليوم دون التوقف عند مشاعر قوية زرعتها في شخصيتي أفلام المخرج الفلسطيني ميشال خليفي والتونسي نوري بوزيد. كل تلك الأفلام القديمة بالأبيض والأسود تحمل مشاعر تشبه السينما الإيطالية، فبالنسبة لي هي الضفة الجنوبية للبحر المتوسط للسينما الإيطالية، وعندما نتحدث عن أيقونات السينما الإيطالية فإننا نشير إلى النجمة الإيطالية سيلفانا بامبانيني (1925-2016)، فنحن نتحدث أيضا عن فاتن حمامة “صراع في الوادي 1957” ليوسف شاهين. العناوين مختلفة لكن المشاعر هي التي تبقى.

  • يقول البعض إن “الربيع العربي” غيّر كثيرا من السينما العربية، فهو جعلها سينما ملتزمة وفاقدة لسحرها..

 لا أعتقد أن ما حدث في الدول العربية جعل السينما العربية تفقد سحرها، ماذا نعني بـسحر السينما، وماذا نقصد بالإبهار؟ الإبهار لا يزال موجودا في أفلام الشباب الذين يحملون مواضيع مميزة، مثلا فيلم المخرجة الجزائرية صوفيا جاما “السعداء” عندما يحاور الواقع الجزائري ويمضي إلى الأسئلة ويقدم رؤية نقدية للواقع، فهو ليس فيلما تجاريا لكنه مبهر، يشبه أفلام المخرج الإيطالي الراحل روبرتو روسيليني تحديدا فيلم “روم مدينة مفتوحة” (1945) عندما خلق لغة جديدة تحمل الأسئلة والنقد. عندما نتحدث عن سحر السينما لا يجب أن نتوقف فقط عند تلك الأفلام التي تشبه أفلام المخرج البريطاني رديلي سكوت فقط.

 

  • وماذا عن المهرجانات العربية التي زرتها، كيف تلمس الفرق بين الأمس واليوم؟

 لست زبونا دائما على المهرجانات العربية، فعلاقتي أكبر بالسينما العربية من خلال الأفلام التي تصلني وأشاهدها عن بُعد، ورغم ذلك فقد زرت العديد من المهرجانات العربية في المغرب وتونس ومصر ودبي، ألاحظ أن هناك فرقا كبيرا واختلافا شاسعا بينها وبين المهرجانات الأوروبية، لهذا أقول إن اللغة العربية لا تجمع الأفلام في موضوع واحد أو رؤية واحدة بقدر ما تفرقهم الجغرافيا، فالمسافة بين مصر وتونس مثلا قد تبدو للبعض ليست بعيدة مقارنة بالمسافة مع أمريكا اللاتينية أو الولايات المتحدة مثلا، لكن الاختلاف السينمائي كبير، فالأفلام المصرية لا تشبه الأفلام التونسية أبدا رغم أن اللغة واحدة، لهذا لا يمكن أن نضع السينما في قالب اللغة العربية فقط، هي جزء بسيط للتواصل مع الجمهور وليست هوية الأفلام، فالهوية جغرافيا معقدة بين التاريخ واللغة والدين والعادات والتقاليد وأيضا اللغة.

  • هل صحيح أن العديد من المهرجانات العربية تعيش انغلاقا، هل هي معزولة أحيانا وغير قادرة على المنافسة الدولية؟

أهمية المهرجانات في الدول العربية وأهمية الفعاليات السينمائية بشكل عام، أنها تنحصر في جغرافيا تواجه تحديات كبيرة في منطقة تشكل مادة سينمائية دسمة يسيل لها لعاب أي سينمائي. فالسينمائي العربي يدفع بالمهرجانات العربية إلى فتح المجال لعرض الأفلام التي تتطرق إلى الموضوعات التي تعتبر خطا أحمر.

من وجهة نظري فإن أهمية المهرجانات العربية تكمن ليس في دعوة نجوم هوليود، فالمهم هو تلك النافذة. هناك في قرطاج السينمائي نجد نافذة لعرض الأفلام التي لا يمكن عرضها في تونس أو الجزائر أو أي بلد عربي خارج إطار المهرجانات. دون شك هناك من يحارب ذلك بكل الطرق، ولا تزال بعض الأصوات تعلو ضد المهرجانات العربية في الداخل، هناك من يختفي خلف الأسباب الأيدولوجية والأسباب الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، وهناك من يعلن الرفض علنا.

لقد حدث وأن واجهتْ عدة أفلام عربية حملة شرسة وتعرضت للمنع في المهرجانات العربية، وفي النهاية يتم منع مرور بعض الأفلام حتى عبر المهرجانات العربية، مثل الأفلام التي تتحدث عن المثلية الجنسية (الشذوذ)، لكن العديد من المهرجانات العربية لا تكتفي فقط بإعطاء مساحة لعرض تلك الأفلام، وإنما تدفع نحو طرح الأسئلة عن المحظور بكل شجاعة، وهذا هو الأهم من وجهة نظري.

 

  • بصفتك المندوب العام لبرنامج الأسبوع الدولي للنقد السينمائي بمهرجان فينيسيا، كيف تجد حظ الأفلام العربية؟

هذا سؤال كبير جدا، لدينا تسعة أفلام ونختار أفلاما من كل مناطق العالم. مهمتنا هي البحث عن الفيلم الأثقل والمختلف، والفيلم الذي يحمل خصوصية مثل أفلام المخرج التونسي علاء الدين سليم الذي قدم فيلم “دشرة” بطريقة مختلفة ورؤية مميزة، لم أشاهد فيلما عربيا من هذا النوع، لهذا أحببته وكان جديرا بدخول برنامج الأسبوع الدولي للنقد السينمائي بمهرجان فينيسيا هذه السنة.

نهتم بالأفلام التي تحمل حوارا وحماسا نحو منجز مختلف، أميل إلى الأفلام التي أشعر معها أنها تحمل طاقة مختلفة تشبه الأمل والطموح. بشكل عام هناك أمور تتحقق عربيا، لكن الوصول إلى خلاصة عامة حول واقع السينما العربية ليس أمرا سهلا، ونحن نجد صعوبة في التعامل مع المنطقة العربية، كيف نتعامل مع مخرج لبناني مقيم في فرنسا مثلا؟ وكيف نتعامل مع موضوع يطرحه مخرج تونسي عن قضية أوروبية؟ هل يجب أن نضع خارطة للسينما التونسية التي يقال إن لها روحا فرنسية؟

  • كيف نجعل السينما العربية قادرة على السفر أكثر عبر العالم؟ هناك من يتبنى فكرة جلب نجوم للأفلام العربية لمنحها فرصة أكبر للتسويق..

ما ألاحظه هو أن السينما العربية تسافر عبر العالم خاصة الأفلام الوثائقية، هناك مواهب خارقة للعادة، ويجب أن تسير السينما العربية على ذلك بخطين: الأول أن تبقى السينما العربية عربية في اللغة والهوية والثقافة، والثاني أن تمدد علاقتها الإنتاجية للتعامل مع المنتجين الأوروبيين، وذلك ضمن إستراتيجية الانفتاح على العالم الآخر، حيث يمكن التعاقد مع شركات الإنتاج العالمية لكن في المقابل يجب أن تبقى السينما عربية الهوى والروح.

جلب النجوم الأجانب للأفلام العربية لا يضيف شيئا بالنسبة لي، وذلك لأننا في السينما العربية لا نحتاج لإنجاز نفس الفيلم الأمريكي الذي يشارك فيه توم كروز ممثلا، النجوم لا يضيفون شيئا للأفلام العربية، لماذا يجب أن ننجز نفس الفيلم؟

بالنسبة لي فإن الفيلم العربي الناجح هو الفيلم الذي يحمل تحديا، فالتكرار هو وصفة لوفاة أي سينما في العالم، والنجاح هو مواصلة إنجاز أعمال بكل حرية، وأن نحلم بإنجازها وفق سلطة طرح الأسئلة وحكاية الواقع، ما تحتاج إليه السينما العربية هو الحرية وإعطاء الفرصة للمواهب المحلية وسرد الفكرة بطريقة فنية.

جيونا أنزارو: ليست الجغرافيا وحدها من تحدد مفهوم السينما العربية، فما تقدمه السينما الناطقة باللغة العربية يعكس تنوعا ثقافيا كبيرا بين المشرق العربي وأفريقيا الشمالية

  • بشكل عام هل تعتقد أن المهرجانات السينمائية في العالم تساهم في الترويج للأفلام؟

تكمن أهمية المهرجانات في التواصل، بمعنى التواصل مع الأفلام ومع صناعها، عرض الأفلام هو ركن أساسي لنجاح أي مهرجان، وجَلبُ المخرجين أمر هام جدا، فبعض المهرجانات تجد صعوبة -لأسباب مالية- في توفير اللقاء مع المخرجين وعقد الندوات، لكن يجب أن ندعم المهرجانات لأنها فرصة هامة اليوم تضمن مستقبل السينما وتشجع على الحوار وتقبل الرأي الآخر. تكتمل أهمية المهرجان عندما يكون ملتقى يجمع بين صناع الأفلام والموزعين والنقّاد ووكلاء المبيعات، وهذا ما لمسته في أيام قرطاج السينمائية.


إعلان