الوثائقية تحاور المنتجة الجزائرية أمينة بجاوي حداد
ضاوية خليفة

على عكس الكثير من المنتجين السينمائيين الذين يفضلون الطرف الفرنسي شريك الهم في أعمالهم، اتجهت المنتجة الجزائرية “أمينة بجاوي حداد” إلى عقد شراكة جزائرية برتغالية في أحدث إنتاجاتها السينمائية بفيلم “زوس” للمخرج البرتغالي”باولو فيليب مونتيرو”.
يتناول العمل حياة الكاتب وسيرة الرئيس البرتغالي الراحل “مانويل تيكسيرا غوميز” (1862-1941) مع تركيز على الفترة التي عاشها بمدينة بجاية في الجزائر إلى أن دُفن فيها. وسبق عرض الفيلم في الجزائر عرضٌ أول بالبرتغال سنة 2016، وبحضور الرئيس الحالي”مارسيلو ديسوزا”.
صحيح أن الفيلم يقتفي أثر شخصية سياسية وأدبية، لكنه يأتي أيضا ليصحّح بعض الروايات المتداولة كتلك التي تشير إلى أنه دفن في المغرب، ويستعرض صور التعايش الذي جسدته علاقات إنسانية وصداقات طويلة نشأت بين أصحاب الأرض والوافدين إليها على الرغم من اختلاف المجتمعين الجزائري والبرتغالي في الدين واللغة وغيرها، كل هذا ورد في شكل لوحات فنية ثلاث جاءت تباعا، أهمها تلك التي أظهرت اهتمام مانويل تيكسيرا غومير بثقافة البلد وأهله وتعلقه بالجزائر أرضا وشعبا، على الرغم من أن الجزائر كانت وقتها تحت نير الاستعمار الفرنسي (1830-1962) فكانت وجهته ومنفاه الاختياري بعد أن قدم استقالته وتنحى عن الحكم الذي لم يستمر فيه سوى 26 شهرا (5أكتوبر/تشرين الأول 1923 – 11ديسمبر/كانون الأول 1925).
في هذا الحوار مع المنتجة أمينة بجاوي حداد سنتطرق إلى خصوصية الشراكة البرتغالية، والقيمة التي تضيفها للسينما الجزائرية ومدى استفادة التقنيين الجزائريين منها، وسيكون لنا حديث أيضا عن إنتاج فيلم “عاهدتك” للمخرج محـمد يرقي، وهل ستتجه زوجة مخرج فيلم “عطلة المفتش الطاهر” لكتابة عمل يتناول سيرة “موسى حداد”؟
- ما الذي شجعكم على خوض هذه التجربة، وما الإضافة التي قدمتها الشراكة البرتغالية للعمل وللفريق الجزائري خاصة التقنيين؟
زار المخرج البرتغالي باولو فيليب مونتيرو عدة مرات مدينة بجاية التي عاش فيها الرئيس الأسبق للبرتغال مانويل تيكسيرا غوميز (1862-1941) مدة عشر سنوات إلى أن توفي هناك. وفي سنة 2010 شرع مونتيرو في جمع المعلومات والمراجع، وتواصل مع المنتجة والمخرجة “نادية لعبيدي” التي أنجزت سابقا وثائقيا عن الشخصية الرئيسية، وأمدّته بما توفر لديها من تفاصيل تعزز الروايات المتداولة عن منفاه الاختياري بإحدى أجمل مدن البحر الأبيض المتوسط “بجاية”.
ساعده في بحثه أيضا أحد السينمائيين الذين ينحدرون من المنطقة وهو “حكيم عبد الفتاح”الذي عمل معنا فيما بعد كمنسق عام في الفيلم، الفكرة تطورت وأصبحت مشروعا يبحث فيه الطرف البرتغالي عن شريك جزائري.اقترح حكيم عبد الفتاح المشروع علينا فرحبنا به، وعاد المخرج فيليب مونتيرو إلى الجزائر سنة 2014 بالسيناريو كاملا وجاهزا، اجتمعنا مع بعضنا لأول مرة شهر سبتمبر/أيلول السنة نفسها.
وبالعودة إلى سؤالك ما الذي شجعنا على خوض هذه التجربة، فهو أن العمل يأتي بين نظيرين أو طرفين اثنين لا أكثر، وسيمنح الفيلم توزيعا ورواجا أوسع يمتد لمناطق يصعب على المنتج الجزائري وصولها كدول أمريكا اللاتينية، وككل منتج قدمنا المشروع للجنة القراءة في وزارة الثقافة، وهذه الأخيرة سجلت بعض الملاحظات والتحفظات على الصيغة الجزائرية وليس كل السيناريو، بمعنى أن التناول الجزائري جاء سطحيا، فطُلب من المخرج تعزيز النص وإعادة كتابة الجزء الجزائري كاملا،وهو ما تم فعلا.

- كيف تم تعزيز أحداث الفيلم في الجزائر، وهل طلبت اللجنة حذف أو إضافة مشاهد معينة مثلا؟
نعم، من بين المشاهد التي طلبت اللجنة من المخرج دمجها في السيناريو هو إظهار الجزائر تحت نيران الاستعمار الفرنسي، وذلك من خلال بعض المشاهد والأحداث التاريخية التي وقعت في فترة تواجد غوميز بالجزائر. الشق التاريخي أُسندت مهام مراجعته للكاتب والصحفي نبيل زياني، وتعمدنا إبراز فترات هامة من تاريخنا بعدما أهملتها أفلام ثورية أخرى، بالإضافة إلى خصوصيات دينية واجتماعية دعت اللجنة لاحترامها ومراعاتها، بالتالي أعدنا صياغة وكتابة السيناريو بشكل يليق بالجمهور والسينما الجزائرية، وركزنا على الحوار وإدارة الممثلين، وكذا كبناء الشخصيات بطريقة تظهر خصوصية أهالي المنطقة وتقاليدهم وتعدد لهجاتهم، طبعا مع إبراز البعد السياحي للجزائر في شكل لوحات امتدت من الساحل إلى الصحراء، إذ صورنا بولايتي “بجاية” و”جانت”، وعملنا على إظهار مدى ارتباط الشخصية الرئيسية بالناس والأرض،وقدرتها على التأقلم والاندماج معهم في مجتمع مختلف تماما، فالاشتغال على هذه التفاصيل أثرى الفيلم و قدم وجها آخر عن الجزائر الغنية بتاريخها وجغرافيتها وموروثها الثقافي.
وهنا في نظري تكمن أهمية الشراكة مع الأجانب، خاصة هذه الدول التي لا تربطنا بها شراكات واسعة، الطاقم البرتغالي مثلا جاء متخوفا من بلد لا يعرفه بل يسمع عنه أخبارا من هنا وهناك،لكنه في النهاية وجد بيئة حاضنة ومتعاونة جدا و تسهيلات كبيرة من مؤسسات الدولة.
مكسب آخر تحقق للفنيين والتقنيين الجزائريين في هذا التعاون المشترك هو الخبرة والممارسة الميدانية، فالسينما الجزائرية انتاجها ضعيف و تفتقر إلى مراكز التكوين السينمائي، أيضا هذا التعاون -كما سبق وذكرت- يمنح الفيلم توزيعا أكبر إذ يصعب على منتج جزائري عرض فيلمه في المكسيك أو البرازيل أو غيرها من دول أمريكا اللاتينية مثلا، بصراحة لا يمكن عد المكاسب التي خرجنا بها من خلال هذا التعاون المشترك.

- كل ما سبق ذكره عن تعزيز السيناريو في شقه الجزائري كان واضحا من خلال الإضاءة المستعملة والطبيعة العذراء التي أظهرها المخرج فمنح العمل نفسا آخر، وكذلك مظاهر التعايش السلمي والمواقف الإنسانية التي جمعته بشخصيات جزائرية بالرغم من الفوارق والاختلافات لدرجة أنه كان يريد تعلم الأمازيغية.
صحيح أن مانويل تيكسيرا غوميز قبل أن يصبح رئيسا للبرتغال كان من أشهر الكتاب هناك، وفي الفترة التي كان فيها دبلوماسيا وسياسيا كبيرا عاش حالة من الانغلاق، نلاحظ هذا من خلال المعالجة والإضاءة التي تشير إلى الحالة النفسية المعقدة، إحساس قد ينتقل للمشاهد وهو يتابع تطور القصة وتأزم الأحداث التي تنتهي بتقديم الرئيس لاستقالته، لكن بمجرد أن دخلت كاميرا باولو فيليب الجزائر من صحراء “جانت” أو ساحل “بجاية”،يحدث العكس وتصبح الإضاءة والألوان أكثر انفتاحا وبهاء.
لوحات تعكس قيمة الحياة وتستمد جمالها وطاقتها من الطبيعة والناس أيضا،فتتجدد الروح في الكاتب تيكسيرا غوميز، ويصبح إنتاجه كتابة ومطالعة غزيرتين، بمعنى آخر هذا الشخص الذي ولد وعاش في بيئة أوروبية متفتحة مختلفة تماما عن المجتمع الذي انتقل إليه فيما بعد، ترك بلاده وعائلته لأنه شعر بالانغلاق هناك، وفضّل اللجوء إلى بلد آخر يختلف معه في الديانة والثقافة واللغة والانتماء، وفوق كل هذا مستعمر فرنسيا، كل هذا لم يلغ فكرة القبول والتعايش، بدليل أنه كوّن صداقات وعاد إلى حياته الأولى وتفرغ للأدب وابتعد عن السياسة، بل جعلها ماضيا ميتا يصعب بل يستحيل العودة إليه مادام يخفي هويته كرئيس عن الجميع.

- إلى جانب الإنتاجات المشتركة، هناك استثمار واهتمام كبير من قبلكم بالشباب أمثال المخرج “محـمد يرقي” الذي أنتجتم له مؤخرا فيلم “عاهدتك”وهو فيلم لا يزال يحصد العديد من الجوائز، فماذا تقولين في هذا التوجه؟
منذ بدأت العمل مع موسى حداد رسمت في مخيلتي خطة عمل، وقلت إننا إن تمكنا من تجسيدها فقد بلغت أمينة بجاوي حداد الحلم، وهي إنجاز فيلم قصير وآخر طويل وبينهما وثائقي.
أعتقد أننا نسير في الطريق المؤدي لتحقيق الأحلام والطموحات،فبالفعل منذ 2011 تفرغت شركتنا للإنتاج السينمائي فقط ولم ننجز أي أعمال أخرى، بعض المنتجين يشتغلون في السينما وينجزون كلما سمحت الفرصة إعلانات أو برامج تلفزيونية وأعمال مناسباتية وغير ذلك، لكننا فضلنا أن يكون اشتغالنا على الأعمال السينمائية لا غير.
وبالنسبة لفيلم “محمـد يرقي” اعتبره من أهم الخطوات التي قدمتها وتقدمتها في مساري المهني،تجربة هذا الفيلم القصير أظهرت لي جوانب جديدة في العمل السينمائي، البعض لا يعطي هذا النوع حقه من التعب والاهتمام والتوزيع،لكنني تأكدت أن العمل على الفيلم القصير أصعب وأكثر تعقيدا من الفيلم الطويل، 17 دقيقة تطلبت منا العمل على المشروع عامين أو أكثر، كل هذا لا يهم عندما ترى النتيجة ودرجة القبول عند الجمهور والمهنيين، والصدى الذي يلقاه فيلم “عاهدتك”يجعلني وفريق العمل نفتخر بالمغامرة الجميلة، فشبابنا اليوم قوة حقيقية يستحق أن نلتفت له ونهتم به ونرعى مشاريعهم.

- معروف عن الشخصيات الجزائرية أنها لا تكتب مذكراتها، هذا الأمر يعيق عمل الباحثين والمهتمين، نستثني هنا الفنان المسرحي “محيي الدين باشطارزي” الذي ترك لنا ثلاث كتب من مذكراته،لكن هل يقوم المخرج “موسى حداد” بهذه الخطوة مثلا، أو تقوم السيدة “أمينة بجاوي” التي تتقاسم العمل والحياة معه بتدوين أو جمع شهاداته ومحطات هامة من حياته، فمسار الرجل الذي تعامل مع قامات الفن الجزائري والعالمي كالإيطالي “جيلو بونتيكورفو” يستحق أن يُحفظ ويقدم للأجيال؟
أنا الزوجة السعيدة لهذا الرجل منذ أكثر من 17 سنة، بصراحة منذ أن تعرفت على موسى حداد وفي بالي هذه الفكرة، ففي كل مرة أقول إنه من الضروري أن نكتب تاريخه ومسيرته ونجمع شهاداته، فهو رجل أطر الكثير من الشباب وقدم للفن والوطن حبا في كل ما ذكر،وهو دائما ما ينظر إلى الواقع ومشاكل الشباب بعينهم.
كم أتمنى أن يقوم هو بهذه الخطوة، لكنني ولأنني أعرفه جيدا أستبعد الفكرة تماما، فهو أصلا لا يشعر بالزمن، فمثلا هنا كأشياء وقعت منذ خمسين عاما يظنها حدثت منذ خمس أو عشر سنوات فقط. في بعض الأحيان أشعر أنني أصبحت مثله، فأنا أشبهه إلى حد كبير ولم أعد أركز على عامل الوقت، لكن كتابة مذكرات شخص على قيد الحياة فكرة مستبعدة بالنسبة لي.وموسى لا يفكر في هذا إطلاقا، أتوقع ككل مرة أن يفاجئني بتجربة سينمائية جديدة مثلما حدث منذ سنوات مع فيلم “حراقة بلوز”، كنا نتناول قهوة الصباح ونطلع على أهم ما جاء في الصحف من أخبار، أخبرني أنه يفكر في إنجاز فيلم عن الهجرة غير الشرعية، في البداية قلت ربما هو مجرد كلام أو أفكار لكنه في المساء بدأ في كتابة السيناريو، هذا لا يعني أنني أهمل تفاصيل هامة من حياته ومساره المهني، كل شيء أحفظه في ذاكرتي،إن لم يكن لأجلنا فليكن لأجل أولادنا، ومن حق الأجيال أن تجد إرثا محفوظا وتتعرف على الشخصيات التي شيدت الوطن سياسيا وفنيا وثقافيا.