رؤيا سادات: قصة أول مخرجة أفغانية

إنه فيلم روائي يدين، عبر حكاية مستوحاة من الواقع الصعب، مناخ الإفلات من العقاب المستمر في البلد ويطرح قضايا المرأة ومشاكلها في المجتمع الأفغاني اليوم. ثريا رئيسة قسم مكافحة الجريمة تسعى بإخلاص لتطبيق القانون في بلدها. حين تقرر إنقاذ حياة امرأة شابة مدانة بالزنى من قبل إحدى القبائل ومحكومة من المحكمة بالرجم، فإن الأمور لاتسير معها على مايرام. تُهدّدُ ثريا ويتم توقيفها بعد سلسلة من الأحداث تقود إلى مقتل زوجها ويحكم عليها بالإعدام ظلما. تقرر من سجنها توجيه رسالة لرئيس الجمهورية المخوّل الوحيد بإصدار حكم بالعفو عليها، لتشرح له ملابسات القضية. لكن، هل سيسمع شكواها؟ بل هل سيقرأ الرسالة في الوقت المناسب؟ وإن قرأها هل سيكون بمقدوره اتخاذ القرار مجابها ضغوط الأعراف المحلية والتيار السائد والمافيا المتحكمة بالمجتمع؟
ولدت رؤيا سادات عام 1983 في هرات ودرست القانون والسياسة في جامعتها، ثم نالت منحة من أكاديمية الفيلم في بوسان في كوريا الجنوبية. في العشرين من عمرها حققت “ثلاث دوطات”، أول فيلم قصير لها حاز على عدة جوائز في مهرجانات دولية. أسست في نفس الفترة مع شقيقتها “دار رؤيا فيلم”، وهي أول شركة إنتاج نسائية في أفغانستان، كما نظّمت فيما بعد أول مهرجان دولي لسينما المرأة. تعمل رؤيا أيضا للتلفزيون الأفغاني وأخرجت وأنتجت عدة مسلسلات.
“رسالة إلى الرئيس” فيلمها الروائي الأول، خرج بجائزتي الجمهور والطلاب في مهرجان فزول الدولي للسينما الآسيوية الذي عقد مؤخرا في فرنسا كما نال تنويها خاصا من لجنة التحكيم الدولية ومن لجنة تحكيم الفيلم الآسيوي في نفس المهرجان لما يقدمه من “لوحة آخاذة لنساء يكافحن ضد تقاليد السلطة الذكورية في بلد محكوم بالفساد والرشوة والفوضى ولايسمح وياللأسف بتمرير أي أمل بالتغيير في السنوات القادمة”! كانت رؤيا مبتهجة بالطبع بحصول فيلمها على كل هذا التقدير هي التي جاهدت لصنعه.
كنا قررنا الحوار معا في القطار العائد من فزول إلى باريس، بعد أمسية اختتام المهرجان. كانت الطبيعة مغطاة بالثلوج والقطار على وشك التوقف لصعوبة الوصول لباريس بسبب تراكم الثلج على السكك… لكنها كانت سعيدة وظلت هادئة على الرغم من إمكانية تفويت موعد الطائرة!

ماشعورك وأنت عائدة بهذه الجوائز وشهادات التقدير إلى أفغانستان؟
مندهشة! ربما كنت أتوقع واحدة إنما ليس ثلاث! أرى في هذه الجوائز تعويضا ومكافأة لعملي ولاسيما في هذه الظروف حيث كثير من المخرجين غادر أفغانستان، وحيث لاتقدم لنا الدولة أيا من أشكال الدعم للسينما وكذلك تفعل شركات الإنتاج العالمية التي لا ترغب بالمغامرة في بلد كبلدنا بسبب الظروف الأمنية السائدة. هذه الجوائز هي إنجاز كبير للسينما الأفغانية وخصوصا للسينمائيين الشباب أولئك منهم على وجه الخصوص الذين بقوا في البلد ويسعون لعمل الأفلام. إضافة إلى كل هذا أنا مهتمة لتعريف الناس على أفغانستان ومايحصل فيها من خلال السينما.
ماهي ظروف الإنتاج السينمائي في أفغانستان اليوم؟ وكيف استطعت تحقيق فيلمك؟
الاستثمار في صناعة السينما ضئيل جدا في في أفغانستان، وهذا منذ فترة طويلة فالمنتجون من العالم كانوا يخشون الاستثمار في البلد بسبب الظروف الأمنية بينما الحكومة الأفغانية بعيدة عن إدراك أهمية السينما ولهذا لم تخطط لأي برامج أو خطط في هذا المجال. وكما سبق ذكرت غادر الكثير من صانعي الافلام البلد لنفس الأسباب. بالنتيجة بات إنتاج فيلم طويل شديد الصعوبة بل مستحيلا. مع “رسالة إلى الرئيس” اخترنا قصة جديدة عن مجتمع متعدد الانتماءات حيث يتقابل الناس في أرض وسط، مجتمع حيث العنصرية والتمييز هما في قلب كل عائلة، مجتمع حيث القيم والأخلاق دمرت بسبب الحرب. ولكن مع تراجع القيم الاجتماعية هناك دائما أناس يهبون الأمل، يضيئون الطريق ويفتحونه. التصوير بحد ذاته مشقة لانعدام الامن والتظاهرات على النظام، وانسحاب القوات الدولية كما أن وقوع عدة مناطق في يد المتمردين، شكلت كلها وعلى الدوام خطرا حقيقيا لفريق العمل. الفيلم يحكي لنا عن آلاف الرسائل غير المقروءة وهذه تحكي عن كفاح المرأة ضد الظلم. أعجبت بهذه القصة وعشت نفس التجربة خلف الجدران وأنا كمخرجة ومنتجة حاولت تحقيق رؤية السيناريست لها. إنها رسالة من أفغانستان للعالم الواسع.
هذا هو فيلمك الروائي الأول لكنك على ما قرأت أنجزت عدة أفلام قصيرة.
حققت فيلمين قصيرين وفيلم وثائقي كان ذلك في 2001 و2003. ثم أسست في 2004 مع أختي وهي مخرجة وثائقية شركة “رويا فيلم هاوس” التي أنتجت أربعين فيلما. عملت أيضا في التلفزيون الأفغاني وحققت بعض المسلسلات، ليس حبا بهذا ولكن لأسباب اقتصادية ولأن هذا النوع من الأعمال غير متوفر في أفغانستان. أخرجت أيضا فيلما وثائقيا للتلفزيون.

ما مواضيع الأفلام التي حققتها شركتك؟
حققنا أفلاما قصيرة عن المرأة والأطفال والفساد. نحاول ومنذ خمسة عشر عاما أن نحافظ على نشاط شركتنا ولكن، كم هذا شاق! والأسباب معروفة. فكم من منتجين أغلقوا شركاتهم و”رويا فيلم هاوس” هي الشركة الوحيدة للإنتاج في أفغانستان، نحن نسعى للعمل وللاستمرار على وجه الخصوص…ولكن كم هو صعب العمل هناك! صعب جدا!
هل توجد صالات سينما في أفغانستان؟ هل يمكن لفيلمك “رسالة إلى الرئيس” أن يعرض هناك؟
تتوفر أربع أو خمس قاعات ولكنها مخصصة للرجال فقط! وتعرض أفلاما من بيشاور وأفلاما هندية. وأكرر أن الحكومة لاتقدم الدعم للسينما. لعل هذا بسبب الوضع المعقد وظروف الأمن.
حديثنا عن المشاق التي واجهتك للعمل في السينما كونك امرأة تعمل في بلد يعاني الحروب وتحكمه الأعراف.
حين قررت عام 2001 تصوير أول فيلم قصير لي، صدر أول رد فعل عن عائلتي. قاطعنا عمي خمس سنوات رافضا القدوم لبيتنا. لكن أبي دعمني وتفهم اختياري لأنه يدرك جيدا مدى تعلقي بهذه الهواية منذ الصغر. حين بدأت وكنت في حوالي العشرين، جمعت طاقم العمل في “هرات” (غرب أفغانستان قريبة من الحدود الإيرانية)، في هذه المدينة لم أكن فقط أول امرأة تعمل بهذا المجال بل حتى الرجال لم يعملوا فيه، كنت الوحيدة! أخذني والدي على حدة وشرح لي الوضع، مازلت إلى اليوم أتذكر المشهد تماما، حذرني من مخاطر عمل كهذا. لم أنمْ ليلتها ونهضت للمشي وأنا أفكر وأقلّب الأمر في رأسي… قال أبي في اليوم التالي “حين رأيت رؤيا هكذا أدركت أننا لا نستطيع منعها عن هذا العمل”.

وماذا عن المجتمع المحيط، الناس الذين لايعرفونك؟ كيف استقبلوا وجودك في موقع للتصوير؟
حين بدأت العمل ولمست رد فعل الناس أدركت تماما مخاوف أبي. كانوا منزعجون من تواجدي خلال التصوير بل غاضبون. ماذا؟ امرأة تصوّر؟! وفوق هذا مع كل هؤلاء الرجال!! في إحدى القرى لحق البعض بي ورموني بالحجارة… لكن، ثلاثة أيام بعدها تبدّل الوضع بعد أن شهد الناس على جديتي وانهماكي في عملي، فصدقوني. لقد عانى المجتمع كثيرا من الحرب وماعايشناه من ظروف قاسية لم يسمح لهم بمعرفة قيمة المرأة، لكنهم حين يقفون وجها لوجه أمامها وأمام إصرارها وجديتها تتغير مواقفهم وقناعاتهم لدرجة أن رئيس القرية جاء ليقول لي بالحرف “إذا كانت ابنتي على مثل جديتك ومثابرتك واجتهادك فسأتركها تذهب للمدرسة”!
كانت تجربة جيدة ومفيدة لي واكتسبت خبرة منها إذ تيقنت أنه في بلدي من المهم في البدء إظهار جهدك وعملك وقلبك المحب وحينها سيؤمن الناس بك.
وما كان موضوع فيلمك القصير الأول هذا؟ وهل عرضته في أفغانستان؟
عنوانه “ثلاث دوطات “The three dots، حين أنهيته عام 2003، كانت السفارتان الفرنسية والألمانية تنظمان أول مهرجان للسينما في كابول بعد الحرب، كان اسمه “روزانة” أرسلت الفيلم لهم فقبلوه. عرضوا حينها خمسين فيلما لكن فيلمي هو الذي ربح الجائزة! كانت مفاجأة لي لأني لم أكن غير معروفة فحسب بل آتية من مدينة لا سينما فيها! لقد ساعدت الجائزة الفيلم على المشاركة في عدة مهرجانات أوربية ونال المزيد من الجوائز. هو قصة حصلت في عهد طالبان عن امرأة تعيش مع صغيرها على الحدود الإيرانية الأفغانية، تتاجر بالأفيون لكسب العيش كما كانت تفعل نساء في هذه المنطقة خلال حكم طالبان. الفيلم يشرح وضع النساء الشابات عند الحدود حيث كان الناس وخاصة النساء يأتون للعمل في المدن…كنت التقيت بالعديد منهن القادمات من هذه المنطقة.
كيف اخترت موضوع فيلمك “رسالة إلى الرئيس”؟ وهل الممثلون من أفغانستان ويعيشون فيها حاليا؟
لينا علم البطلة الرئيسية، عملت مع برمك أكرم في فيلمه الأول “أطفال كابول” ثم في “المجهول”، كذلك شاركت في مسلسلات تلفزيونية أفغانية. كانت تعيش في الولايات المتحدة الأميركية ثم بعد انتهاء حكم طالبان أخذت تقيم معظم الوقت في أفغانستان. باقي الممثلين يعيشون في البلد. أما عن فكرة الفيلم فجاءتني من أجواء المجتمع المحيط بي. عملت أبحاثا عن النساء في السجون خلال دراستي العلوم السياسية في جامعة هرات، وجاءتني الفكرة من سنوات عدة، لكني كنت أنتظر التمويل. خلال فترة انتظاري تغيّر الرئيس! إنما على أية حال لم يكن هدفي التركيز على رئيس محدد. لقد أضافت السنوات لخبرتي ولتجاربي كي أغني الفيلم. إنه أول فيلم يحكي عن الحياة التقليدية والحياة المعاصرة في أفغانستان، عن المرأة في القرى وفي المدن، المرأة القوية العصرية والمرأة التقليدية…
نعرف أنه يلفّ المهرجانات، فهل لفّ أفغانستان؟
عرضته في سينما وحضره رجال أيضا! وبعد العرض في كابول كتبت “نيويرك تايمز” مقالة عن ردود أفعال الحاضرين… لقد كان اهتمام الناس بعملي إنجازا كبيرا لي.

هل كانت السينما مختلطة أم للرجال فقط؟
عرض الفيلم حينها في كابول فقط حيث لاسينما مختلطة. إنما حاليا هناك تجمع تجاري فيه سينما تفتح أبوابها للعائلات. ولا توجد دور عرض في المدن الأخرى. في الماضي كانت هناك واحدة في هرات فحولتها طالبان إلى مسجد. وبقيت الساحة في المدينة تسمى “ساحة السينما” ولكن بدون سينما!
زوجك عزيز ديلدار بطل الفيلم والمشارك في كتابة السيناريو يعمل أستاذا في كلية الفنون الجميلة قسم السينما في جامعة كابول، هل هناك طالبات في هذا القسم؟
( يجيب زوجها الجالس معنا) قسم السينما موجود منذ ثماني سنوات في أفغانستان، لكن منذ 2014 يفضّل الشباب دراسة فروع جامعية تؤمن لهم مستقبلا أفضل والسينما ليست بينها! في العادة يسجل سنويا حوالي 35 طالب وحاليا لايوجد أي طالبة بينهم. يدرس في القسم الإخراج فقط، لكن في قسم المسرح ثمة أقسام للكتابة والتمثيل والإخراج.
ماذا تأملين من العمل في السينما؟
– أن يحصل تغيير في نظرة المجتمع وأن يشجع فيلمي الآخرين على العمل وإنتاج أفلام أفغانية، على الرغم من أن الأفلام التجارية الأفغانية مثل أفلام سليم شاهين هي السائدة. حاليا لدي سيناريو جاهز عن قصة حب وأريد تصويره على الحدود بين باكستان وأفغانستان. فيلمي “رسالة إلى الرئيس” صورت معظمه في كابول في بيوت الأصدقاء!
