الوثائقية تحاور رائد “سينما الوسط” الإيرانية هومن سيدي

رائد “سينما الوسط” الإيرانية هومن سيدي للجزيرة الوثائقية:

  • لا أبحث عن السياسة في السينما، السينما هي ما يهمني
  • المخرج الإيراني يثير حنقي حين يكون نظره موجها لمهرجانات مثل كان وبرلين
  • السينما الإيرانية لم تقدَّم كما يجب، لأن المهرجانات الغربية لا تنتظر منها أعمالا تشدّ المشاهد، بل تنتظر أشياء أخرى

المخرج الإيراني هومن سيدي هو ممثل للسينما الإيرانية "الوسط" كما يسميها، تلك التي لا تسعى للمهرجانات الغربية ولا تركز على الإيرادات فقط.

حوار: ندى الأزهري

المخرج الإيراني هومن سيدي هو ممثل للسينما الإيرانية “الوسط” كما يسميها، تلك التي لا تسعى للمهرجانات الغربية ولا تركز على الإيرادات فقط. فيلمه الأخير “عقول صغيرة صدئة” لمس قلوب الجمهور، فأعطاه الجائزة في مهرجان “فجر” الوطني في طهران في شباط/ فبراير الماضي، كما نال جائزة السيناريو عليه أيضا. الفيلم يذهب في عمق العالم السفلي والطبقات المهمشة، حيث تسيطر الجريمة والمخدرات. أسلوب سيدي المتأثر بأفلام العصابات الأمريكية يُعطي لأفلامه نكهة “إيرانية” غريبة.

التقيناه في معهد السينما الذي أسسه منذ ثماني سنوات “لتقديم جيل جديد من الممثلين” في حي راق شمالي طهران، وأجرينا معه الحوار التالي:

  • قدم نفسك لقارئ عربي لا يعرفك!

أنا هومن سيدي، متعدد الوجوه، مهنتي السينما وحيثما أجد حيزا فيها أنطلق، قد أكون خليطا من الحكمة والجنون مما يساعدني على تأدية أي عمل في مجالي، كما أنني ممثل ومخرج وكاتب سيناريو وقريبا سأكون منتجا. أنجزت خمسة أفلام كمخرج. أما كممثل (هنا يتوقف عن الكلام محاولا العدّ ثم يبتسم ويتابع).. ربما عملت نحو 35 فيلما في السينما والتلفزيون، وشرعت في الإخراج بعد 13 عاما من عملي في التمثيل.

  • هل مثلّتَ في فيلم لأصغر فرهادي؟ ولمَ اخترت هذه المهنة؟

أديّت دور زوج تهرانه في “احتفالات الأربعاء”. كنت دائما أودّ أن أصبح ممثلا حيث جاء هذا من رغبتي بالظهور والشهرة في المدينة كي أحقق هذا الهدف، وأنجزت فيلما قصيرا في البداية ثم تابعت مع عدة أفلام أخرى وقمت بأدوار صغيرة فيها. جاء احترافي في السينما مع كمال تبريزي في “قطعة من الخبز” وكان عمري آنذاك 21 عاما، أما اليوم فأنا أبلغ 38 عاما.

 

 

 

  • كيف ساعدك عملك ممثلا على التعامل مع الممثلين في الأفلام التي تُخرجها؟ وهل تتدخل كممثل في عمل المخرج؟

خبرتي في التمثيل جعلتني أعرف تماما ما لا يتوجب فعله مع من يعملون معي، فالذي يغضبهم ويستفزهم أتجنبه، أسعى كذلك للابتعاد عن كل ما أكرهه في عمل المخرج حين التعامل مع الممثلين في أفلامي، في الوقت نفسه ثمة ناحية إيجابية أخرى، فأنا أعرف تماما متى يغشون، وهل يعطون حقا ما لديهم ويؤدون الدور كما يجب أم أنهم يتحايلون.

أما حين أكون ممثلا فلا أتدخل في عمل المخرج على الإطلاق، وحين أناقشه أحاول أن أكون في مكاني ودوري كممثل، وبالتأكيد لا أتصرف وكأنني أتقن عمله أكثر منه. بدوري لا أسمح للممثلين بالتدخل في عملي حين أكون مخرجا.

  • كممثل متى تشعر بضيق من المخرج؟

حين لا يعرف حقا ما يريده أو يلعب دور العارف المثقف، أيضا حين تكون أنظاره موجهة للمهرجانات كمهرجان “كان” أو على التلفزيون الإيراني، فهذا يثير حنقي.

  • أي عمل تفضّل؟

الإخراج طبعا. فأنا كممثل لست إلا جزءا صغيرا من الفيلم، إنما في الإخراج أنا “ديكتاتور” متحكم في كل شيء.

سيدي: أردتُ في فيلم "عقول صغيرة صدئة" أن يشعر المتفرج بعدم الارتياح، وأن يوائم أحاسيسه مع الفيلم ويتعامل معه على هذا الأساس.

  • في فيلم “عقول صغيرة صدئة” لا تكاد تجد لحظات صمت على الإطلاق! هل كان الأمر مقصودا؟ كما نلاحظ أن “الثرثرة” توجه جديد في السينما الإيرانية بعد مرحلة كان يغلب عليها أسلوب الصمت والتأمل والعمل على المشهد على حساب الحوار.

في أسلوبي انتقاد لتوجه مهرجانات غربية مثل “كان” في الابتعاد عن سينما كهذه، مفضلا وضع سينما بعينها في الواجهة. لقد تطلّبتْ طبيعة فيلمي وشخصياته اعتماد هذا الأسلوب وفرضت قصته هذه المعالجة، على خلاف فيلمي السابق حيث تواجدت لحظات صمت طويلة، إلا أنني في”عقول صغيرة صدئة” أردتُ أن يشعر المتفرج بعدم الارتياح، وأن يوائم أحاسيسه مع الفيلم ويتعامل معه على هذا الأساس.

  • ماذا قصدت بإشارتك للمهرجانات الغربية “كان” وغيرها؟

لا أبحث عن السياسة في السينما، السينما هي ما تهمني. مهرجانات مثل كان وبرلين يمكن أن تلعب دورا مهما جدا في مستقبل المخرج، إلا أننا حين ننظر إلى أفلام الأربعين عاما الأخيرة، نتساءل: هل هذه سينما حقا؟

هناك عوامل غير فنية تتدخل في عروض هذه الأفلام، أتكلم الآن عن السينما الإيرانية، وما فعلته بها هذه المهرجانات وما فرضته على المخرجين الشباب الإيرانيين الذين يريدون أن يكون لهم مكانهم فيها بأسرع وقت ممكن. فيأتي النسخ عن كيارستمي أو فرهادي أو عمل فيلم يكون مقبولا منها. هم في هذه الحالة ليسوا على حقيقتهم، يريدون ما يناسب هذه المهرجانات ونظرتهم موجهة إلى ما ينال رضاها.

  • هل تعتقد أن هناك سينما موجهة للداخل الإيراني وأخرى لخارجه؟

نعم، كما توجد سينما “وسط” بين الاثنين ويمثلها جيلي، وهي سينما مبتكرة لا تضع نصب أعينها المهرجانات أو صناديق الإيرادات كما يفعل بعض السينمائيين الذين ينشغلون فقط بالمشاركة في المهرجانات وينتقدون السوق المحلية. يمكن القول إن أصغر فرهادي ممثل أيضا لهذه السينما الوسط التي قد تنال رضا النقاد والجمهور المحلي والمهرجانات لكنها لا توجه كل أنظارها منذ البداية نحوهم.

  • هل سيتجاوز المخرجون الإيرانيون أصغر فرهادي؟ أعني هل سيبتعدون عن تقليده ويبحثون عن أسلوبهم الخاص؟

في الحقيقة برز عباس كيارستمي وأصغر فرهادي لأن كلا منهما احتفظ بشخصيته وابتكر أسلوبه. قد ينجح من قلدهما بالحصول على مكانة وجوائز لكنه يتوقف بعدها ولا يتابع، لأن سينماه مصطنعة لا تأثير لها. قد نتجاوز مرحلة فرهادي مع مخرجين يحبون السينما ويتمتعون بالابتكار، حتى لو لم يكن عملهم كاملا، فالمهم أن يبقى المرء نفسه ويعطي من داخله، وكما قال دالي “لست كاملا ولكنني متفرد”! أنا أعجب بهذا ويجب أن نطبقه.

سيدي: السينما الإيرانية لم تُقدّم كما يجب لأننا نحن من هم في الوسط نعمل كثيرا، ولكن لا نستفيد مثل هؤلاء الذين لهم شعبيتهم في الداخل أو الخارج.

  • كتب المخرج المخضرم كيانوش عياري “أفلامنا ومخرجونا قُدموا للعالم، وما نحتاجه اليوم هو الاتجاه المعاكس” أي أن الفيلم العالمي والمخرجين العالميين يجب أن يأتوا لإيران. سؤالي بشقين: من وجهة نظرك هل قُدمت السينما الإيرانية كما يجب للعالم؟ والثاني: ألن يؤثر وجود الفيلم الأجنبي في الصالات على انتشار الفيلم الإيراني؟

قوله مهم جدا وأوافقه خاصة في التعاون. أعرف كيف نذهب للطرف الآخر من الحدود ولكن المشكلة أن لا جسور بيننا. أما عن عروض الأفلام الأجنبية في الصالات فلا يشكل بنظري خطرا، فتلك السينما متوفرة بشكل كامل على الأقراص المدمجة ويمكن مشاهدتها في البيت وكذلك السينما الإيرانية، لكن الجمهور يأتي ليشاهدها في الصالات.

الجمهور متقدم على السينمائيين، ووصول الفيلم الأجنبي سيساعد السينما الإيرانية على الانتشار بشكل أوسع وعلى التوجه أكثر نحو دور العرض، جمهورنا يحب السينما جدا وحتى قبل الثورة كان فيلم كـ”قيصر” لكيميائي (مسعود) يبيع أكثر من الأفلام الغربية.

أما عن الشق الأول من السؤال فالسينما الإيرانية لم تُقدّم كما يجب لأننا نحن من هم في الوسط نعمل كثيرا، ولكن لا نستفيد مثل هؤلاء الذين لهم شعبيتهم في الداخل أو الخارج. نحن نعمل حقا لنبدي حبنا للسينما، ولنُظهر السينما الإيرانية الحقيقية. لا أظن أنها قُدمت بشكل طبيعي لأن المهرجانات الغربية تنتظر صورة أخرى من السينما الإيرانية، لا ينتظرون من إيران سينما بها حبكة وتشدّ المشاهد، بل ينتظرون أشياء أخرى هي بالمناسبة لا تهمني أبدا.

شارك فيلم هومن سيدي الأول "13" في عدة مهرجانات مثل بوسان وشنغهاي وبولونيا.

  • مثلا؟

لكل مهرجان نظرته عن السينما الإيرانية من برلين والبندقية إلى كان. أدرك هذه النظرة ولا أريد عمل فيلم منتظر من قبلهم. لقد أراد موزع فيلمي عرض فيلمي الأخير في مهرجان كبير، لكنني نصحته ألا يفعل فهو لا يهتم بهذه المهرجانات. انظري نحن الثلاثة هنا (هو والمترجمة وأنا)، قد تضعين الكاميرات في زاوية سيئة وتتناولين الحوار من جانبه السيئ وتعالجين المشكلة من ناحية سيئة، ومع هذا قد يتم قبول الفيلم من مهرجان كان، قد يكون كل شيء مأخوذا بنظرة سيئة وكل شيء غريبا ولا تنطبق عليه معايير السينما الحقيقية إلا أنه قد يكون فيلما مقبولا في كان.

  • في فيلمك شخصيات غريبة عقولها صدئة كما تصفها، معتوهة في عالم معتوه.. هل هي واقعية؟

ليست السينما بالنسبة لي تجسيدا للواقع وتعبيرا عن الحقيقة كما هي، بل هي إبداء لصورة الحقيقة من خلال نظرتي ورؤيتي، وأنا مثلا أتعامل بطريقتي مع شخصيات تثير اهتمامي من الواقع، ولهذا فإن سينماي ناجحة وموفقة.

  • ناجحة بالنسبة لمن وأين؟

بالنسبة لي أولا فأنا راض عنها، وهي تحظى بإقبال في إيران، وقد حصل فيلمي هذا في مهرجان “فجر” الأخير على جائزة الجمهور وجائزة السيناريو، وأيضا جائزة قسم “فن وتجربة”.

  • هل تشارك في المهرجانات؟

شارك فيلمي الأول “13” في عدة مهرجانات مثل بوسان وشنغهاي وبولونيا..

  • كيف ترى توجهات الجيل الجديد في السينما الإيرانية بعد كيارستمي وفرهادي؟ هل ثمة تيار جديد؟

أظن أنه حتى لو حققنا أنواعا مختلفة فإن القضايا الاجتماعية تبقى هي محور أفلامنا، فتلك تشغلنا وتقلقنا وهي ما نريد الحديث عنه، ولا أعتقد بوجود توجه جديد، هي دائما نفس السينما. حين يرغب أحدهم بعمل سينما مغايرة للتيار السائد وللأفلام المنتشرة فسوف يُتهم بأنه يريد عمل فيلم غير إيراني. لا أدري من أين أتى هذا الإتيكيت؟ ما الذي يمكن اعتباره فيلما إيرانيا أو غير إيراني؟ في فيلمي الأخير مثلا تم اتهامي بأنني أعطيت صورة غير واقعية، مع أنني قمت بتصوير الناس الحقيقيين، وهذه الطبقة الممثلة في الفيلم صورت عنها فيلما وثائقيا كنت أريد إدراجه في العمل ثم قررت إزالته. إن لم نسرد الحقيقة التي شاهدناها بعيوننا فإننا كمن ينكرها. لقد شرحت لمصصمي الأزياء نوعية الملابس وحالتها -أي وسخة وممزقة- وأحضرتهم ليروا الناس الحقيقيين لأنهم لم يروا مثلهم في حياتهم.


إعلان