المخرج أحمد راشدي للوثائقية: يجب حماية السينما العربية قانونيا من طغيان الأفلام الأمريكية
حوار: زبيدة الخواتري
هو عاشق للفن السينمائي ومحبّ للصورة، فمنذ بداية السينما في الجزائر منتصف الستينيات وطوال مسيرته الفنية؛ ارتبطت بالمخرج أحمد راشدي نجاحات مهمة كمخرج وكاتب سيناريو ومدير ومنتج، ومن أفلام الإنتاج المشترك فيلم “زاد” لكوستا غافراس الذي حصل على الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي، وله أيضا عدد من الأفلام المهمة منها “الأفيون والعصا” و”مسيرة شعب” و”فجر المعذبين” و”تحيا الجزائر” و”الطاحونة” و”مصطفى بن بولعيد”.
المخرج أحمد راشدي من رواد السينما الجزائرية الذي تستهويه الصورة لتجعل منه إنسانا آخر؛ يتوق لتحويل المشاهد واللقطات إلى رسائل مشفرة تحمل في طياتها بوحا سينمائيا، تتيح للمتتبع أن يغوص في عوالم الأمكنة والأزمنة والمعاني لتتولد لديه لذّة المشاهدة.
زار أحمد راشدي المغرب مؤخرا وأجرت الجزيرة الوثائقية معه الحوار التالي.
- أستاذ أحمد راشدي، هل تعتقد أن السينما العربية بخير؟
من وجهة نظري كسينمائي عربي، فإن كل فيلم يعرف فيه المخرج صعوبات من بداية إنتاجه إلى أن يُعرض للجمهور؛ هذا بنظري بمثابة إنجاز في حد ذاته. أما على الصعيد العربي فنعرف جيدا العراقيل الكثيرة الموجودة مثل انعدام الدعم ومساحات الحرية وغير ذلك مقارنة بالغرب. وأكثر من ذلك ليس لدينا أسواق للسينما من أجل الترويج للأفلام، فكيف للمستثمرين أن يأتوا للاستثمار في هذا المجال؟ علما بأن الاستثمار في السينما العالمية هو استثمار ضخم، وبالتالي فهناك صناعة قائمة بذاتها.
في حين أن السينما في عالمنا العربي لم تصل بعد مرحلة الصناعة، فمثلا نجد أن الشباب المهتمين بالمجال السينمائي يواجهون صعوبات كبيرة أمام غياب هياكل مؤطرة للمجال، سواء من طرف الحكومات أو من طرف جهات مستقلة لمرافقتهم في أعمالهم.
ورغم كثرة قنواتنا في العالم العربي فإنها لا تهتم بقطاع السينما، عكس الغرب التي يوجد به قوانين تلزم القنوات الوطنية بضرورة الاستثمار في السينما، وهذه أمور تشجع كثيرا السينما نحو التألق.
- هل سبق وعملت مع مخرجين من المغرب، وما هو تقييمك للسينما المغربية خصوصا والمغاربية عموما؟
أنا أحب المغرب كثيرا، وحقيقة لم يسبق لي أن عملت في أعمال مغربية، لكن في مصر نعم شاركت في إنتاج بعض الأعمال السينمائية، وفي المغرب صراحة لاحظت القدرات الهائلة التي يتوفر عليها المخرجون المغاربة، والتي انعكست على إنتاج أفلام تميزت بالجرأة في المضامين. رغم أن الإنتاج السينمائي المغربي لم يصل بعد إلى مرحلة الصناعة على اعتبار أن هذا العمل له آليات كثيرة. علما بأن المنطقة المغاربية فيها من الإمكانيات ما يجعل منه أمرا واقعا، زيادة على الصناعة؛ فهي لا تتوقف فقط على إمكانيات المخرجين وكفاءاتهم بقدر ما تتكامل مع أمور أخرى لتوزيع واستغلال القاعات السينمائية. وهذه في نظري هي الطريقة المثلى نحو صناعة سينمائية، في حين نجد بمنطقتنا اهتماما كبيرا بثقافة المهرجانات، هذا الأمر يعتبر صحيحا وإيجابيا للترويج للأفلام، لكن ليس بديلا وليس آلية نحو الصناعة السينمائية.
إذن أعود وأقول وبصراحة إن السينما المغربية في تقدم ملحوظ منذ سنوات لأنها فرضت نفسها في العالم العربي، فهي تشتغل على ثيمة الإنسان وتعالج مواضيعها بعمق. أما السينما في الجزائر فهي ذات قيمة لكنها تراجعت، والمغرب له تجربة مهمة حاليا، ويمكن اختيار أربعة أو خمسة أعمال لإدراجها في خانة الأعمال المتميزة.
- لماذا تراجعت السينما في الدول المغاربية والعربية؟
ليس هناك وضوح في السينما العربية ولا المغاربية أمام صعوبة ميكانيزمات الإنتاج، فالعمل السينمائي متعِب جدا، بالإضافة إلى انعدام الوضوح من طرف الجهات المهتمة بالمجال، بالإضافة إلى أن هناك طغيانا للمناسباتية في التعامل مع الأفلام مثل الأعياد الوطنية وغيرها، إذن ليس للسينما المغاربية سوق لأنها فقدته للأسف، فدور العرض لم تعد تشتغل، وذلك لأنها تكبدت وتتكبد خسائر مادية كبيرة.
- إذن ما هو الحل وأنت صاحب تجربة ورصيد كبير في العمل السينمائي؟
في نظري الحل الوحيد هو اللجوء إلى الاستثناء الثقافي، فمثلا في أوروبا ومخافة من طغيان الإنتاج والثقافة الأمريكية قاموا بفرض قانون على القنوات الأوروبية، وذلك لتحقيق نسبة مهمة قصد دعم السينما والمشاركة في إنتاج الأفلام.
فمثلا الكثير من القنوات الأوروبية تبث أفلاما بنسبة 40% من شبكتها البرنامجية، كما يمكن أن تقل أو تزيد حسب قناة كل بلد. ففي فرنسا وحدها هناك قنوات تبث الأفلام في خريطتها البرامجية بنسبة 50% تقوم بذلك بشكل إجباري، وحصيلة ذلك أن فرنسا انتقلت من إنتاج 30 فيلما إلى 250 فيلما سنويا، لأنها أصبحت تجد سوقا لترويج أفلامها وكل ما يتعلق بهذه الصناعة فقط عبر هذا القانون.
ونحن للأسف لم نستطع التعامل بهذا الشكل من خلال فرض قوانين منظمة مشابهة لما سبق رغم كثرة القنوات من المحيط إلى الخليج، وبالتالي فالسينما العربية والمغاربية بقيت في مكانها ولم تتغير أو تتطور، وذلك لأنها تقتل نفسها بنفسها إضافة إلى غياب إستراتيجيات محكمة مشابهة للتجربة الأوروبية والتي تحمي الإنتاج الوطني من خلال ما تفرضه على القنوات الوطنية الأوروبية لدعم عرض هذا المنتج كي لا تكتسح الأعمال الأمريكية سوقهم وتقتل سينماهم، هذا الفعل الذكي لا وجود له ولا لغيره في عالمنا العربي للأسف الشديد.
- هل تعتقد أن السينما عربيا ومغاربيا كلها في الموقف نفسه؟
نعم، فالإنتاج السينمائي المغاربي لم يصل بعد إلى مرحلة الصناعة، على اعتبار أن هذا العمل له آليات ومحددات، وكما أسلفت فالعمل السينمائي متعب، وفي غياب الميكانيزمات الحقيقية ليست هناك صناعة.
- ماذا عن السينما الجزائرية، وعن فيلم “زاد” الحاصل على جائزة الأوسكار؟
منذ منتصف الستينيات كانت السينما الجزائرية تقدم أفلاما مثيرة وتؤسس بنية سينمائية، لنصل بعد ذلك لتمويل فيلم “زاد” لكوستا غافراس الذي حصل على الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام 1969، ومن قبله كان فيلم “معركة الجزائر” وهو إنتاج مشترك مع إيطاليا، هذا الفيلم فاز بجائزة “الأسد الذهبي” في فينيسا، لنمول كذلك فيلم “العصفور” ليوسف شاهين، ثم فيلم “تاريخ سنوات الجمر”.. كل هذه الإنتاجات أضافت نجاحا عالميا للسينما الجزائرية. إذن هناك تاريخ محترم من السينما بغض النظر عن الإكراهات التي تواجه القطاع على غرار باقي البلاد العربية، لكن هذا الزخم من الإنتاج بالجزائر للأسف الشديد لم يعد موجودا اليوم، ففي تلك الفترة كانت السينما الجزائرية جريئة تتناول مواضيع مهمة في عدة مجالات تهم الإنسان.
وأنا بدوري اليوم أحاول قدر المستطاع الإسهام في إعادة الروح للسينما الجزائرية، وذلك من خلال فيلم “العقيد لطفي” الذي يجسد ما قام به أحد أعضاء جيش التحرير المعروف باسمه الثوري “العقيد لطفي“، وكذلك يبين الأسباب التي دفعت الشعب الجزائري إلى حمل السلاح في وجه الاستعمار.
- هل في نظرك تعتبر السينما مجالا للتربية وخدمة الشعوب؟
لا أعتقد أن السينما تخدم الشعوب، ويجب أن لا نكلف السينما أشياء فوق طاقتها، هي رسالة وخدمة ثقافية، لكن ليس من حقنا أن نفرض عليها ما لا تطيق، فوظيفة السينما هي الفن النبيل والجميل.
أما في المجال التربوي فأنا أتفق معك، فمثلا أحاول في أعمالي تربية المجتمع على قيم الوطنية والهوية، هذا كمثال، لأنه لا يجب علينا أن نترك كتابة التاريخ للمستعمر الفرنسي الذي كتب التاريخ من وجهة نظره، فبين المقاومة الجزائرية والمستعمر الفرنسي أفلام تتناول الثورة ورموزها مثل “الأفيون والعصا”. إذن في نظري أن السينما لها دور في تعميق الذاكرة التاريخية للأجيال.