المنتج التونسي عماد مرزوق يتحدث للوثائقية عن هموم الإنتاج السينمائي

حوار: بلال المازني

الوثائقية تزور عماد مرزوق في رحلة الأرقام والفن، فهو أحد أهم المنتجين التونسيين

عندما يكون الفيلم فكرة في وجدان المخرج يبدأ في الانسياب إلى قلمه ثم إلى الورقة، ليكوّن سيناريو ومشاهد ولقطات مكتوبة. وكم من أقلام جفّت على سيناريوهات بقيت على الرفوف يأكلها الغبار أكلا، وأحلام مخرجين تبددت كموجة ارتطمت بصخرة؛ صخرة التمويل والإنتاج.

هنا يكون المنتج كطوق نجاة يسحب السيناريو من على الرفّ، ويجعل كلمات المخرج المكتوبة قابلة للتنفيذ، وتصبح تلك الصورة التي نراها اليوم. فالمنتج هو تلك الحلقة الأهم في تنفيذ أفكار المخرج، وهو اليد التي تقود السفينة جنبا لجنب معه.

وفي متابعة لرجال الظلّ والمحاربين في كواليس السينما العربية؛ تزور الوثائقية عماد مرزوق في رحلة الأرقام والفن، فهو أحد أهم المنتجين التونسيين، وصاحب مسيرة العقدين وعشرات الأفلام المتوجة عربيا وعالميا، وقد أجرينا معه الحوار التالي:

  • رغم صغر سنك فإنك أصبحت واحدا من أهم وأنجح المنتجين التونسيين، عماد مرزوق كيف تقدم نفسك للجمهور العربي؟

أنا منتج تونسي دخلت عالم السينما صدفة، فقد درست في المدرسة العليا للتجارة، ونلت شهادة الدراسات المعمّقة في التسويق، وبدأت بإعداد رسالة الدكتوراه وخضت تجربة التدريس، إلى أن التقيت المخرج التونسي نجيب بلقاضي في شهر سبتمبر/أيلول 1992، وأصبحنا أصدقاء منذ ذلك الوقت، وتقاسمنا حلما بإنشاء شركة اتصال وإنتاج.

خاض نجيب بلقاضي تجربة سينمائية حينها مع المخرجة سلمى بكار، وبدأ يخطّ مسيرته في المجال السمعي البصري باشتغاله مع قناة الأفق، وذلك في البرنامج الشهير “شمس عليك“.

انقطعتُ عن التدريس ولم أكمل رسالة الدكتوراه، وفي عام 2000 خضت تجربة مسؤول عن الإنتاج في برنامج “شمس عليك” الذي كان يبث على قناة الأفق، وعند إغلاق القناة عام 2001 قررت أن أفتح صحبة نجيب بلقاضي شركة إنتاج، وبدأنا العمل معا.

لم تكن الصدفة وحدها هي التي أدخلتني إلى عالم الإنتاج فحسب، بل عشق هذا المجال وصداقتي مع المخرج نجيب بلقاضي أيضا.

المخرج نجيب بالقاضي والمنتج عماد مرزوق

  • كيف تحوّل هذا العشق إلى احتراف رغم أنك لم تدرس مهنة الإنتاج أكاديميا، وأصبحت بعده من أكبر المنتجين في تونس؟

لم تكن لي أيّ تجربة أو معرفة بهذا المجال الفني، ولم أدرس هذا الاختصاص في المعهد المغاربي للسينما، والذي كان المدرسة الوحيدة التي تُدرّس السينما في ذلك الوقت. وفي المقابل تعلّمت بمجهود شخصي، فأنا أؤمن بأنه من الممكن التعلّم من تجارب أيّ شخص.

في البداية كنت أجهل التقنيات الأساسية للإنتاج، وكنت أجهل طريقة إعداد فاتورة إنتاج مسلسل أو ومضة إشهارية، لكنني كنت محاطا بأشخاص استفدت من تجربتهم، وكانت التجارب في العمل هي مدرستي.

  • هل ارتكبت أخطاء في عملك؟

طبعا أخطأت كثيرا، فلا يوجد شخص معصوم عن ذلك، لكنني تعلمت من أخطائي، وأعتقد أن الثقة المفرطة في النفس تجعلك ترتكب أخطاء، لكن الشخص الذكي فقط هو من يعترف بالخطأ ويتعلم لتفاديه، وشيئا فشيئا أصبحت شركة “بروباغاندا” بالمستوى الذي هي عليه الآن، وأصبحت أنا بهذه المسيرة والتجربة الثرية.

  • ما هي أبرز الأعمال التي أنتجتها؟  

كان فيلم “كحلوشة” للمخرج نجيب بلقاضي هو أول تجربة لي في مجال السينما، وهي المناسبة الأولى التي أعمل فيها مع بلقاضي في هذا المجال، وشخصيا أعتبر هذه التجربة مميزة جدا، فهي التي قدمتني صحبة نجيب بلقاضي إلى الجمهور، فأصبحت أسماؤنا معروفة بعد عرض الفيلم لدى جمهور السينما وأهل الاختصاص أيضا.

كان الثنائي مرزوق/بلقاضي مجهولين لدى المهتمين والمحترفين في مجال السينما، لأننا لم نكن من خريجي مدارس الاختصاص أو قريبين من أهله، وكانت فكرة إنشاء شركة إنتاج سينمائي دون أن تكون قد خضت تجربة سابقة في هذا الحقل الفني مغامرة.

باختصار، كنّا بالنسبة لـ”أهل الميدان” شابين مجهولين قبل فيلم “كحلوشة”، وواجهنا خلال الخمس سنوات الأولى من نشأة الشركة صعوبات كبيرة بسبب ذلك.

ممثلو فيلم في عينيا لنجيب بالقاضي من أيام قرطاج السينمائية

  • هل تسبّبت شخصية نجيب بلقاضي المُشاغِبة التي ظهر بها في برنامج “شمس عليك” في صعوبة اقتحام ميدان السينما، خاصة في السنوات الأولى من عملكما معا؟

في الواقع أفتخر كثيرا بعدم قربنا من النظام خلال فترة حكم بن علي، وإلى غاية الآن لا يمكنني الادّعاء بأننا كنا مناضليْن، لكن في المقابل لم تربطنا علاقة صداقة مع السلطة، وأحيانا تمّت مضايقتنا بسبب بعض المواقف غير الموالية للنظام، ورغم ذلك عملنا بجدّ لنصل إلى المستوى الحالي دون مساعدة أي طرف، باستثناء سيدة فرنسية فتحت لنا الباب من أجل المشاركة في مهرجان كان الدولي.

حين بدأت الشركة بنحت اسمها في مجال الإنتاج السينمائي، وقف إلى جانبنا أشخاص معروفون مثل المنتجة التونسية درة بوشوشة.

  •  هل تعتبر أنّ العمل مع المخرج نجيب بلقاضي ساعدك على النجاح في مجال الإنتاج؟

أكيد، فقد كان الانطلاق الفعلي بالنسبة لي مع الفيلم الوثائقي “كحلوشة” الذي أنتجته شركتنا، ورغم أن إنتاجه لم يكن عملا هيّنا ولقي صعوبات كبيرة، غير أننا لم نندم على تلك التجربة.

وقبل ذلك أنتجنا برنامج “ديمة لاباس” للتلفزة التونسية عام 2002، ثمّ مررنا بفترة ركود، ليفتح لنا باب الإنتاج في مجال الإشهار عام 2005 بعد نجاح الفيلم.

لقد استفدت من تجربة نجيب بلقاضي المخرج والسيناريست، وأنتجت شركة “بروباغاندا” فيلم “باستاردو” الذي أخرجه بلقاضي عام 2013، وبدأنا بالانفتاح على أعمال مخرجين آخرين، وقمنا بإنتاج العديد من الأفلام.

وقد حقّق فيلم “باستاردو” نجاحا كبيرا، وكان نقطة تحوّل فعلية في السينما التونسية من جهة، وفي مسيرتي المهنية في مجال الإنتاج السينمائي من جهة أخرى.

أعتقد أن هذا الفيلم هو نقطة فاصلة في المجال الفني، حيث فتح الباب لجيل كامل من المخرجين الشبان مثل المخرجة ليلى بوزيد والمخرج علاء الدين سليم؛ ليصنعوا الاختلاف في مجال الصورة أو الفكرة في حد ذاتها، بعد أن كان الوسط السينمائي يعيش صراعا بين الأجيال.

 

  • ما هي الصعوبات التي واجهتها في إنتاج فيلم “باستاردو”؟

وجدت صعوبة كبيرة في التمويل، حيث كان هناك فارق كبير بين كلفة الفيلم وبين قيمة تمويله، كما كانت هناك خسائر مادية كبيرة تكبّدناها.

فعلى الرغم من أنّ الفيلم لقي رواجا واستحسانا لدى النقاد، إلا أننا واجهنا مشكلة في تصنيفه عند بيعه، ففي فرنسا مثلا لم يقدر ولم يشأ البعض أن يصنفه كفيلم عربي.

  • هل تقصد أن التجديد في السينما التونسية التي خرجت من الصورة النمطية التي صنعها جيل سابق يمكن أن تفشل عند الغرب؟

المشكلة أن النقاد في الغرب تعوّدوا على مواضيع معينة في السينما التونسية، مثل المرأة الضعيفة والمعنّفة التي تواجه مجتمعا منغلقا. هي صورة واقعية من المجتمع، لكنها ليست الوحيدة.

أفلام الجيل الجديد من المخرجين مثل وليد مطار وليلى بوزيد تناولت مواضيع مختلفة، مثل العولمة والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية في تونس وفرنسا والثورة.

ورغم الإنتاج السينمائي القليل في تونس إلا أن الأفلام التونسية تجد رواجا كبيرا في المهرجانات العالمية مقارنة بدول أخرى عربية إنتاجها السينمائي أوفر، إذًا فالسينما في تونس نوعية وليست كمية.

في الواقع؛ السينما التونسية بصدد إعادة تشكيل هويتها من قبل جيل جديد من السينمائيين الذين يحمل كل طرف فيهم رؤية مختلفة. هناك تنوّع في الأفكار وفي زوايا تناول المواضيع في حدّ ذاتها، فرغم أنهم ينتمون لجيل واحد، إلا أن رؤاهم تختلف وتتنوع.

  • هل يمكن أن يفتح التجديد في السينما التونسية مجالا للتمويل العالمي؟

كان يمكن للمخرجين الشباب اقتناص فرص من أجل الحصول على تمويل أجنبي، واستغلال الوضع الذي عاشته تونس خاصة خلال عامي 2011 و2012، لكن أضاع أغلبهم تلك الفرصة.

كلمة العرض الأول لفيلم في عينيا

  • كيف تصوّر العلاقة بين المنتج والمخرج؟

يجب أن تكون علاقة ثقة متبادلة قبل كل شيء، فالثقة هي الأرضية الأساسية من أجل عمل مثالي، وعند انعدامها لا يمكن أن يعمل المخرج والمنتج معا.

من جهة أخرى، يجب أن يكون هناك نوع من الإيمان بموهبة المخرج، فالمسألة ليست مسألة تقنية روتينية كأن تقدم ملفا لتمويل عمل ليتم قبوله، ومن ثم تبدأ العمل دون أية خلفية أو علاقة بالمخرج أو قناعة بأنه يملك مشروعا فنيا. فالسينما التونسية ترتكز على الموهبة، وهي ليست سينما تجارية، فتونس ليست هوليود حتى يحكم العمل الفني الوازع المادي البحت.

من المهم جدا أن يكون المخرج والمنتج منسجمين خلال العمل، لأن انعدام ذلك بينهما وبين كامل فريق العمل بصفة عامة؛ سيخلّف خللا في كامل مراحل عملية إنتاج الفيلم، وقد يسبب ذلك ضررا كبيرا للعمل الفني.

  • ما هي مقاييس اختيارك لمشروع دون آخر؟

الاختيار لا يحتكم إلى جودة السيناريو فقط، فأحيانا يُعرض عليّ سيناريو جيد لكنني أرفض العمل في المشروع، لأن الفكرة لا تستهويني ولا تتماشى مع طموحي.

حين يكون للمنتج طموح وصورة معينة لدى أهل الاختصاص والجمهور، فإنه من الضروري أن يُحسن اختيار المشاريع الفنية التي سينتجها، وأن يكون واقعيا لتجسيد تلك المشاريع، ففي تونس مثلا لا يمكنك إنتاج فيلمين طويلين في الوقت ذاته، فالمنتج يجب أن يكون له حسّ المخرج والسيناريست معا حتى يتمكن من اختيار المشروع الفني الجيد، وهو شيء تتعلمه وتكتسبه.

  • في بعض المشاريع نجد إنتاجا مشتركا بين طرفين أو أكثر، كيف تقيّم هذه الشراكة خاصة إن كانت بين تونس وبلد أجنبي، هل يمكن أن يسيطر المنتج الأجنبي على المنتج التونسي؟

المسألة تعود لصاحب المشروع الفني، أي المنتج الرئيسي، والذي يكون غالبا هو من يتحكم بدرجة أكبر في العمل، وهو أمر لا يحتكم إلى جنسية المخرج أو هويته.

شخصيا، أفرض أن يكون لي الرأي الغالب في العمل المشترك بطرقي الخاصة، فلا يمكن أن يكون المنتج الأجنبي الذي أعمل معه هو المسيطر على عمل تونسي، لذلك غالبا ما أكون أنا المقرّر.

في المقابل، العمل المشترك ليس سباقا أو صراعا بين من الذي سيسيطر أو سيكون في موضع قوة، لأن كليهما يتقاسمان مشروعا مشتركا، وعكس ذلك سيؤثر في جودة العمل الفني.

المخرجة ليلى بوزيد في أيام قرطاج السينمائية

  • ما هي أبرز المشاكل التي يمكن أن يواجهها المنتج؟

أعتبر أن المشكلة المادية هي العائق الأساسي الذي يواجهه المنتج، فالتمويل الجيد هو الحل الوحيد لبقية المشاكل. ومن المهم أن يضع المنتج ميزانية ملائمة للفيلم، ومن الضروري أن يناقش بصراحة مع المخرج الإمكانيات المادية المتاحة لإنتاج الفيلم، وما يمكن أن يقدمه وما لا يمكن أن يقدمه أيضا.

  • ما هي نصيحتك للمنتجين الشباب؟

أنصحهم بعدم التسرع، والتعلم من الأخطاء التي يرتكبونها. شخصيا انتظرت عشر سنوات لأقوم بإنتاج أول فيلم طويل، فمن المهم التعلم في بداية مسيرتك وإنتاج مشاريع صغيرة، حتى تكون الخسائر أخفّ عند ارتكاب أخطاء، وهذا لا يعني أنه لا يجب أن تغامر، بل أن تكون واعيا جيدا بالعواقب، وهو ما حصل معي في فيلم “باستاردو”. في النهاية الإنتاج هو أن تكون المادة في خدمة الفن.


إعلان