الملحن ربيع الزموري للوثائقية: الموسيقى واحدة من أهم أبطال الفيلم
حوار: بلال المازني

حاول أن تشاهد فيلما من دون موسيقى، هنا ستكتشف أن أحد الأبطال قد غادر الفيلم، وأن السيناريو منقوص، ونصف أحاسيسك فقدت توهجها، كل هذا لمجرد أن الموسيقى قد غابت عن الصورة، لنرى في الأخير أن فيلم “تايتانك” أو “قراصنة الكاريبي” أو “الرقص مع الذئاب” أو “دكتور جيفاقو” أو “أسطورة الخريف”.. أفلام يمكن أن تفقد الكثير بمجرد أن تكون الموسيقى غير موجودة.
نعم إنها الموسيقى التصويرية أحد أهم أبطال الفيلم، والعنصر المهم الذي تفطّن إليه كبار المخرجين منذ فجر السينما وأولوه من الأهمية الكثير.
في عالمنا العربي لم ترتق الموسيقى التصويرية لتلك المرتبة التي نجدها في السينما الأمريكية أو الإيطالية أو الروسية، رغم أن لنا مؤلفين كانت لهم أعمال خالدة تجاوزت الفيلم في حد ذاته، مثل أعمال عمار الشريعي وعمر خيرت وكمال الطويل وطارق الناصر.
في تونس كان المؤلف الموسيقي ربيع الزموري هو أحد كبار هذا الفن، وذلك بمسيرة حافلة بالأعمال التي خلّدتها ذاكرة المشاهد، فنحن نحاول في هذا الحوار الدخول مع ربيع الزموري عالم الموسيقى التصويرية وعلاقتها بالصورة وأهمية توظيفها في السينما.
- إلى اليوم بقيت العديد من تترات الأفلام والمسلسلات التي ألفها ربيع الزموري تُعاد وتُكرر في التلفزيونات والراديوهات، وأصبح اسم الزموري لامعا في هذا المجال، لنبدأ في معرفة من هو ربيع الزموري، تكوينه ومسيرته وأهم أعماله الموسيقية في مجال السينما؟
ربيع الزموري مؤلف موسيقى أفلام ومسلسلات منذ 1995، حاصل على شهادة “الدبلوم” من المعهد العالي للموسيقى في تونس، وكنت قد ألّفت الموسيقى التصويرية لأفلام تونسية عديدة مثل فيلم “عرائس الطين” للمخرج التونسي نوري بوزيد سنة 2004، وفي العام ذاته قمت بتأليف الموسيقى التصويرية لفيلم “الأمير” للمخرج محمد الزرن.
سنة 2005 كانت لي تجربة مع المخرجة سلمى بكار في فيلم “خشخاش”، وسنة 2006 ألفت موسيقى فيلمي “بين الوديان” للمخرج خالد البرصاوي وفيلم “التلفزة جاية” الذي أخرجه المنصف ذويب. وكانت لي تجربة مع التلفزيون من خلال مسلسل “كمنجة سلامة” للمخرج حمادي عرافة سنة 2007، ومسلسل “صيد الريم” لعلي منصور سنة 2008، و”ناعورة الهواء” للمخرج مديح بلعيد سنة 2014.
وقد سبقت هذه التجارب أعمال أخرى، مثل سيتكوم “فرحة العمر” للمخرجة سلمى بكار سنة 2002، و”عند عزيّز” للمخرج صلاح الدين الصيد سنة 2003. كما كانت لي تجربة في المسرح من خلال مسرحيتي “رهائن” للمخرج عز الدين قنون سنة 2006، و”عطيل” للمخرج محمد إدريس سنة 2007.
- هل يمكن القول إن ربيع الزموري صنع بصمة متميزة في التأليف الموسيقي وارتقى بهذا الفن، خاصة وأن المشاهد التونسي والعربي عامة لم يصل بعد إلى إعطاء موسيقى الأفلام القيمة التي تستحق؟
ربما لا يسعني الإجابة عن هذا السؤال من زاوية نظري الذاتية لأعمالي الموسيقية، فالبصمة الموسيقية التي تميز أعمال كل مؤلف موسيقي هي نتيجة تفاعل المتلقي مع تلك الأعمال، وهي استنتاج انطباع شخصي نشعر به لكن لا يمكن وصفه.
في الواقع، أعتقد أن البصمة هي خاصية تلقائية للعمل الإبداعي، فلا يمكن تكوينها تقنيا أو عقلانيا بقدر ما تعبر عن مدى صدق ذلك الفعل الإبداعي.
لقد كانت لي تجارب مختلفة في السينما والتلفزيون والمسرح وجميعها حققت إضافة لمسيرتي، وكانت تجارب مميزة أيضا في المشهد الفني في تونس. ما يمكنني قوله إن انطباع الجمهور والنقاد يؤكد لي أن الموسيقى التي ألفتها في أعمال كثيرة لا تزال في البال.

- على الرغم من أن الأدوات والتقنيات هي نفسها، فإن التأليف الموسيقي للسينما يختلف لحنيا عن التلحين الموسيقي العادي، كيف ترى هذا الاختلاف وما هي أسبابه برأيك؟
لا يكفي أن يكون المؤلف موسيقيا لامعا كي تكون له القدرة على التأليف للصورة، إذ في نظري لا بدّ أن يتوفر عاملان أساسيان لنجاح الموسيقى التصويرية: أولا أن يكون للمؤلف الموسيقي القدرة على الرواية الموسيقية انطلاقا من لحن يكون أحيانا بسيطا جدا قد لا يتجاوز بضع درجات موسيقية. وثانيا؛ يجب أن يكون للمؤلف الموسيقي إحساس خاص بالصورة أو المشهد، بحيث يمكنه حلّ شفرة الإيقاعات والتوازنات التي في داخله ثم ترجمتها، أو وضعها في تآلف مع البناء الموسيقي الذي سيرافقها، ويمكن تلخيص هذه الخاصية بالقدرة على “سماع” الصورة.
- لنغص أكثر في العلاقة بين اللحن والصورة، عند تأليف موسيقى الأفلام هل يتحكم المشهد أو اللقطة في اللحن، أو أنه يكون مجرد إضافة جانبية لتجميل الصورة؟
مع التطور الكبير للأنظمة المعلوماتية وبرامج التصميم الصوتي والبصري؛ أصبح التأليف الموسيقي المباشر بالتوازي مع قراءة اللقطات والمشاهد أمرا ممكنا ومألوفا على المستوى العالمي، حيث تطورت هذه الأنظمة بشكل غير مسبوق خلال العشريتين الأخيرتين، لا سيما ما يسمى “تكنولوجيا الأستوديو الافتراضي” (Virtual studio Technology)، والتي تمكّن المؤلف الموسيقي من سماع موسيقاه بشكل نموذج موسيقي افتراضي مباشر مع المشاهد المرئية، ويحاكي الآلات الحقيقية التي يقع تسجيلها في مرحلة متأخرة من إنجاز الموسيقى التصويرية للعمل.
لكن بالرغم من تطور هذه التقنيات يبقى جوهر التأليف للصورة في نظري ثابتا لم يتغير منذ نشأة الفن السينمائي، حيث احتلت الموسيقى موقعا أساسيا منذ البداية في صياغة خطابه، إذ يتجاوز دور المؤلف الموسيقي إيجاد مجموعة من القطع المتآلفة مع المشاهد المرئية إلى خلق قيمة موسيقية مضافة تنطلق من جملة لحنية رئيسية، والتي لا بدّ أن تحمل فكرة كي تكون قادرة على التطوير نحو بيئة لحنية وصوتية وبناء أوركسترالي مميز للعمل السينمائي عن غيره من الأعمال الأخرى. إن الموسيقى بما أنها تتميز عن سائر الفنون كونها فنا مجردا بامتياز، يمكنها أداء هذه الوظيفة بنجاح.

- كيف يمكن أن تلتقي الموسيقى مع الصورة لتتماشى مع رؤية المخرج؟
لا يمكن الحديث عن موسيقى تصويرية إذا فقدت أسباب التفاعل بين الفن الموسيقي والفن السينمائي في العمل، فالفعل الإبداعي الموسيقي لا يجب أن يكون لغاية موسيقية صرفة.
إن القاعدة الأولى هي أن تكون الموسيقى دائما في خدمة الصورة، وبالتالي فإن عدم احترام هذه القاعدة قد يكون له نتيجة كارثية على العمل السينمائي ككل. كما يجب الفصل بين ما يستدعيه الفن الموسيقي في المطلق من مهارات وبناء أوركسترالي، وبين ما تتطلبه اللقطة أو المشهد من مادة موسيقية قد لا تتجاوز في كثير من الأوقات بعض النوتات المتباعدة.
حسب رأيي، فإن الدور الرئيس للمخرج يبدأ قبل صنع الصورة، وذلك من خلال مساعدة المؤلف الموسيقي على إيجاد الاتجاه اللحني والصوتي الصحيح، وذلك حتى تكون الموسيقى في خدمة الفيلم، وكي تقوم بوظيفة محددة باعتبارها عنصرا أساسيا في صياغة الخطاب السينمائي للعمل. أعتقد أنه حين تؤدي الموسيقى التصويرية هذه الوظيفة، سوف يكون المشهد أو اللقطة متطابقين ومستوعبَين للمادة الموسيقية التي ألفت له.
- كيف يمكن تقييم حضور الموسيقى في الأفلام العربية؟ هل توليها السينما العربية قيمتها، أم أنها مجرد شيء ثانوي في الفيلم؟
كان للموسيقى حضور كبير فيما يعرف بعصر السينما الغنائية العربية بداية الثلاثينيات وحتى الستينيات، وكانت السينما رافدا مهما في تطوير أشكال وقوالب واستعمالات النص الموسيقي العربي لا سيما الأغنية، وبالتالي محاولة خلق نظام موسيقي جديد في الفن السينمائي عبر الانتقال من التطريب إلى التعبير في التأليف والغناء العربي، ثم بقيت التجارب الموسيقية في العالم العربي في رأيي متفاوتة النجاح، وأعتقد أنها كانت ضحية استحداثات مستوردة أو تجارب هجينة ظرفية أحيانا، أو غايات تجارية أحيانا أخرى.
- الموسيقى التصويرية اختصاص ربما يبدو صعبا بالنسبة للملحنين الشبان، خاصة وأنه يستوجب الإلمام بالسينما ومدارسها وتقنياتها، فما هي نصيحتك للملحنين الشباب؟
أنصحهم بأن يكونوا منفتحين على الفنون الأخرى، إذ لا يمكن أن يكون هناك إبداع في حقل فني معين أو إنشاء فكر موسيقي دون التفاعل والتأثر بالمجالات الإبداعية الأخرى سواء المعاصرة أو الموروثة، فمؤلف الموسيقى التصويرية يجب أن يشتغل في جميع الأنماط الموسيقية، ومن المهم جدا أن يكون هناك حضور للموسيقات المختلفة، وأن يكون مرجعه أيضا الموسيقى الفلكلورية.
أعتقد أن قاعدة النجاح التي يجب أن ينطلق منها الشبان الذين اختاروا السير في طريق تأليف الموسيقى التصويرية؛ أن يستوعبوا تراثهم الموسيقي، ويستلهموا منه قبل الإلمام بتراث الآخر، إذ لا يمكن التأثير في الثقافات المجاورة دون الانطلاق من ثقافتهم وهويتهم، ويجب أن يعلموا أن الموسيقى هي واحدة من أهم الأبطال في الفيلم.