كاظم السلوم للوثائقية: السينما العراقية تعاني من تركات أزمات العراق

حاوره: عبد الكريم قادري

كاظم السلوم: ما زالت السينما العراقية تعاني من تركات الأزمات التي مرّ بها العراق من حروب وحصار

يُصوّب الناقد السينمائي العراقي كاظم السلوم مجهره تجاه الفعل السينمائي العراقي الذي بدأ يلفت النظر في السنوات الأخيرة، وهذا بعد أن حرّك بعض الشباب المتحمس والعاشق لهذا الفن مياهه الراكدة بإمكانيات بسيطة خلقت جوا حماسيا جعلت عجلة السينما دائمة الدوران.

كما أن هناك تجارب أخرى يقول كاظم السلوم إنها شكّلت تميزها وفرادتها رغم محدودية الدعم الذي تلقّته، كما أن هذا الفعل السينمائي يمتد إلى المهرجانات التي تكاثرت هي الأخرى، وأصبح لكل منطقة في العراق مهرجانها، ولكل صحيفة ملحقها، لتكتمل فسيفساء السينما العراقية وتُعبّد طريقها نحو طريق صناع الغد، والنجاح لو توفرت الآليات المناسبة.

يقدم كاظم السلوم في الحوار الذي خصّ به “الجزيرة الوثائقية” خلاصة تجربته النقدية والبحثية التي اكتسبها عبر سنوات من العمل والاجتهاد، ومن خلال أجوبته يمكن اكتشاف هذه المعرفة والخلاصة بواقع السينما العراقية بسهولة، بعين الناقد لا بعين المتعاطف، وبعين العقلاني لا بعين المتحامل، هي نقاط عدة تطرق لها في هذا الحوار وكشف عنها النقاب.     

 

  • كيف تشخّص لنا وضع السينما العراقية الحالية بشكل عام؟

ما زالت السينما العراقية تعاني من تركات الأزمات التي مرّ بها العراق من حروب وحصار، وكذلك من فوضى ما بعد التغيير الحاصل في أبريل/ نيسان 2003، حيث أُغلقت جميع صالات العرض وتوقف الإنتاج السينمائي للقطاعين العام والخاص بشكل تام، إلا من بعض محاولات فردية لمخرجين شباب مثل عدي رشيد مخرج فيلم “غير صالح”، ومحمد الدراجي الذي أخرج فيلم “أحلام”، ومن ثم فيلمي “ابن بابل” و”تحت رمال بابل” اللذين عُرضا في العديد من المهرجانات العربية.

بعد ذلك وضمن فعالية بغداد عاصمة للثقافة العربية؛ أُتيحت الفرصة لإنتاج العديد من الأفلام السينمائية بنوعيها الروائي والوثائقي، لكن معظم هذه الأفلام لم تكن بالمستوى المطلوب رغم الميزانيات الضخمة التي خُصصت لها. السينما الآن تعاني من أزمة إنتاج رغم وجود الحماس الكبير لصنّاع السينما من الشباب .

  • هل توقف دعم الدولة للإنتاج السينمائي وانحصر هذا الدعم في المناسبات فقط، مثل مناسبة بغداد عاصمة للثقافة العربية؟

نعم، الدعم انحسر إلى حدّ كبير بحجج واهية، كالتقشف الذي تلا ظهور (تنظيم الدولة الإسلامية) داعش في الأراضي العراقية، لكن الدولة تصرف مبالغ طائلة على فعاليات لا تساهم بأي مقدار بإشاعة الفعل الثقافي الذي تُشكّل السينما أحد روافده المهمة.

  • هل هناك معطيات معينة تشي ببروز مخرجين شباب يمكنهم أن يُخرجوا السينما العراقية لفضاء أرحب؛ فضاء المهرجانات الكبرى والمحافل الدولية؟

نعم، هناك العديد من المؤشرات التي تُبشر ببروز مخرجين شباب لديهم القدرة على صناعة أفلام مهمة فيما لو توفر لهم رأس المال اللازم لذلك، بدليل أنهم وبإمكانات بسيطة استطاعوا إنتاج أفلام مهمة حازت على العديد من الجوائز في المهرجانات التي شاركت به سواء في داخل العراق أو خارجه، فأفلام مثل “مصور بغداد” لمجد حميد، و”شيخ نويل” لسعد العصمامي، و”ليلة دافئة” لمهند الشطري، و”الساعة الخامسة” للمخرج نفسه؛ حصلت على اهتمام الصحافة والنقاد في المهرجانات التي شاركت فيه.

وهناك أفلام شاركت في مهرجانات عربية كبيرة مثل “صمت الراعي” لرعد مشتت، و”بندقية الشرق” لبهاء الكاظمي، و”الفرقة” للباقر جعفر، و”الرحلة” لمحمد الدراجي وغيرها.. إذن السينما العراقية تحتاج لرأس المال لتكون أفلامها متواجدة في المحافل الدولية.

 

  • استطاعت السينما الإيرانية أن تتحول إلى منارة عالمية في نوعية الإنتاج والإخراج، وبما أن العراق تجمعه حدود جغرافية وتقاطعات ثقافية متنوعة، فلماذا لم يتم الاستفادة منها في هذا المجال؟

السينما الإيرانية أو السينمائيون الإيرانيون يعملون على تطوير صناعتهم للوصول إلى العالمية في أقصى حدودها، وهم الذين حصلوا على جائزتي أوسكار خلال خمس سنوات، ولا يهمهم أن ترتقي سينما جارة بمستوى أفلامها أو بالصناعة السينمائية، وربما لا تريد أن يكون لها منافس عربي قريب منها، وهذا من حقها كما أرى، لكن رغم ذلك هناك ورش فنية سينمائية تقيمها بعض المؤسسات السينمائية الإيرانية لبعض الشباب، لكن هذا وحده غير كاف لتطور السينما العراقية ما لم تسع هي نفسها -أي السينما العراقية- لتطوير نفسها.

  • تم تأسيس العديد من المهرجانات السينمائية في العراق، فما مدى احترافيتها؟ وهل ستؤثر على صناعة السينما؟

نعم، هناك العديد من المهرجانات السينمائية في العراق، لكنها ليست بمستوى المهرجانات العالمية أو حتى العربية، لأنها تُدار من قبل أفراد ومنظمات لا تتوفر على الدعم اللازم لديمومتها وتوسعتها والنهوض بها لتصل إلى مستوى المهرجانات التي تُقام في المنطقة، ورغم ذلك فإنها تستقبل أفلاما وضيوفا من دول مختلفة، مثل مهرجان النهج والقمرة وبابل وواسط والسماوة، ومهرجان ثلاث دقائق في ثلاثة أيام، كما أن المهرجانات تشكل عامل تحفيز للشباب لإنتاج أفلام تشارك وتتنافس فيها .

  • تم تكريمك والاحتفاء بك في مهرجان واسط السينمائي، كما تمت تسمية الدورة باسمك، ومن عادة المهرجانات السينمائية العربية أن تكرم الممثلين أو المخرجين، وأكثر من هذا الأموات، فلم نتعود على تكريم ناقد سينمائي في أوج عمره وعطائه، كيف تصف لنا هذا التكريم وهذه الحالة؟

التكريم الأول لي في مهرجان سينمائي كان في مهرجان وهران السينمائي الدورة الأخيرة، أما مهرجان واسط فقد تقرر تكريمي كوني أحد مؤسسيه، وكذلك يعتبرون منجزي النقدي من الأهمية بمكان، يعتقدونه مهماً، وقد رفضت هذا التكريم حين أُعلن عنه في حينه في دورة العام الماضي، لكن إصرارهم جعلني أرضخ لطلبهم، وأعتقد أن تكريم الفنان في حياته أفضل من تكريمه بعد موته أو عجزه، لأن التكريم مهما كان بسيطا فإنه سيكون عامل دفع للمُكرَّم للمضي قدما في مشروعه الإبداعي.

 

  • وسط الكم الكبير من الإنتاجات السينمائية، خاصة في مجال الفيلم القصير، هل يعكس هذا الكمّ نوعية جيدة من الأفلام؟

بالتأكيد هناك عدد كبير من الأفلام القصيرة المهمة التي أنتجت بعد العام 2003، حيث بدأ الشباب السينمائي أو الجيل الجديد من السينمائيين الشباب يعي ماهية اللغة السينمائية، وكيفية التعامل مع عناصرها، وهناك مساهمات فاعلة من قبلنا كنقاد في دعم الحراك السينمائي هذا، كذلك كان للمنافسة دور مهم وحافز لإنتاج أفلام جيدة، مثل فيلم “الهروب” لذي الفقار المطيري، و”أحمر شفاه” للؤي فاضل، وغيرها من الأفلام.

  • حسب متابعتك للمشهد السينمائي العراقي، ما الذي ينقص المخرج السينمائي العراقي حتى يذهب بمنتجه بعيدا؟ وهل هناك فَرق وميزة بين المرجعية الفكرية للمخرج وبين تمكنه من التقنيات الحديثة من التصوير والصوت والمونتاج وغيره؟

معظم الشباب المشتغل في الحقل السينمائي هم هواة وليسوا محترفين، وبعضهم قد تخرج من معاهد وكليات السينما وحصل على شهادات في تخصصه، لكن هذا غير كاف لصناعة فيلم سينمائي، فالثقافة السينمائية تعني المشاهدة والقراءة، والبعض يتوفر على هذين العاملين، والبعض الآخر لا يتوفر عليها، كذلك تعمل الخلفية الفكرية والاجتماعية دورا في خلق الفارق بين هذا المخرج وذاك، والذي ينعكس بدوره على المنتج السينمائي، لكن بشكل عام أصبحوا يتوفرون على معرفة بالتقنيات السينمائية المختلفة، ويشكلون مع بعضهم فرقا لإنتاج الأفلام .

  • بالحديث عن الفعل السينما العراقي دائما، تم تكليفك قبيل أيام بالإشراف على صفحة سينما بجريدة الصباح الجديد، ما هي رؤيتك في تسيير هذه الصفحة؟

نعم تم تكليفي بالإشراف على صفحة سينما في جريدة الصباح الجديد، وأسعى جاهدا لإشاعة ثقافة السينما من خلالها، وأن لا تكون صفحة مليئة بأخبار وصور الفنانين والنجوم، بل أحرص على نشر المقالات النقدية السينمائية والدراسات التي تهتم بفن السينما، وكذلك أكتب دائما عمودا فيها هو الآخر له علاقة بفن السينما ومعوقات عمله.

أفلام مثل "مصور بغداد" لمجد حميد، و"شيخ نويل" لسعد العصمامي حصلت على اهتمام الصحافة والنقاد في المهرجانات التي شاركت فيه

  • كيف ترى الحراك النقدي في الملاحق السينمائية في الصحف العراقية؟

الحراك النقدي السينمائي في العراق مرتبط مثل أي حراك نقدي في أي بلد بمستوى الإنتاج السينمائي، وبما أن السينما العراقية تعاني من شحّ الإنتاج خصوصا في الأفلام السينمائية الطويلة؛ تجدنا نكتب عن الأفلام العالمية والعربية، أو تلك التي نشاهدها في المهرجانات، كذلك نعاني هنا من عدم اهتمام الصحافة بموضوع النقد السينمائي، فنضطر أحيانا لكتابة النقد على صفحاتنا في فيسبوك أو غيره من مواقع التواصل الاجتماعي، أو في بعض الصحف التي تتقبله شريطة عدم المطالبة بأجر مادي مقابل ذلك.

  • كيف ترى الحركة النقدية في العالم العربي، وهل هناك أهمية عملية لما يكتبونه، وما هي الإضافة التي يمكن أن يقدمونها بكتاباتهم للمخرجين والمشاهدين والحركة السينمائية ككل؟

الحركة النقدية في الوطن العربي تشهد ازدهارا وتطورا واضحا مع تزايد الإنتاج السينمائي العربي، خصوصا من الدول التي لم يكن لها كهذا الإنتاج سابقا مثل لبنان وسوريا وتونس والمغرب وغيرها، كون النقد يساهم وبشكل كبير في دعم العمل السينمائي، لأن الكثير من المخرجين أو فرق عمل الأفلام تراقب وبدقة ما يكتبه النقاد عن أفلامهم، فهم المعيار الحقيقي لمعرفة مستوى أفلامهم، وبالتالي فإن النقد السينمائي ولكونه جزءا من الحراك السينمائي فلا يمكن إذن التغاضي عن أهميته، وأنا أتحدث هنا عن النقد العلمي المستند على معرفة تامة بعوامل الصنعة السينمائية، وليس النقد الصحفي الانطباعي الذي يكتبه البعض.


إعلان