ياسمين شويخ للوثائقية: الجمهور الجزائري بإمكانه التمييز بين العمل الجيد والرديء

حوار: ضاوية خليفة

كتبت ياسمين وأخرجت "الباب" عام 2006، و"الجن" عام 2010 في صنف الأفلام القصيرة

ركبت عائلة “شويخ” قطار الفن فرادى ثم جماعة، وأورث الوالدان المخرجان محمد شويخ ويمينة بشير ابنتهما ياسمين حُبّ سابع الفنون، ففي البداية ظهرت كممثلة في أفلامهما، غير أن التمثيل لم يكن سوى منطقة عبور لتقترب بعدها من حلم “الإخراج السينمائي”.

كتبت ياسمين وأخرجت “الباب” عام 2006، و”الجن” عام 2010 في صنف الأفلام القصيرة، وأنجزت للتلفزيون سلسلة “أستوديو 27″، ثم أعادها الفيلم الروائي الطويل “إلى آخر الزمان” إلى السينما، وظهرت لجمهور الفن السابع بعد سبع سنوات من العمل والاشتغال بفيلم جاهز، وموضوع جديد تجاوز الطرح التقليدي الذي عودتنا عليه السينما الجزائرية.

نجاح جماهيري وتتويج دولي كبير قوبل به العمل في مهرجانات الجزائر ودبي والأقصر وسلا وفيسباكو وبروكسيل وباريس وعمان، ومروره لترشيحات الأوسكار في الطبعة الـ91.

في مدينة تخيّلتها كاتبة السيناريو وشيّدتها وأطلقت عليها اسم “سيدي أبو القبور”، نشأت قصة حب بين “علي” حفار القبور الرجل السبعيني، و”الجوهر” المداوِمة على زيارة قبر أختها والتي بلغت من العمر عتيا، هذه الأخيرة تطلب من علي أن يهيئ لها قبرها ويعد جنازتها فيرد عليها بالقبول، ومن المكان الذي تنتهي فيه حياة الإنسان تولد حياة جديدة لعلي والجوهر، وفي خلفية الأحداث يظهر المجتمع الذي يعيب حبّ كبار السن، وترافقه المخرجة بعدد من القصص والأحداث التي تتداخل فيما بينها، محاولة تفكيك بعض العقد والغوص في النفسيات، ودعوة الفرد لاستحضار إنسانيته التي غيبتها بعض السلوكيات، وألغاها بنفسه متحججا بالأعراف وتقاليد المجتمع.

وفيما يلي كان الحوار مع هذه المخرجة.

  • اهتمت أغلب الأفلام المنجزة في العشرين سنة الأخيرة بمواضيع الثورة التحريرية والعشرية السوداء، بينما منحت “ياسمين شويخ” السينما والمشاهد موضوعا جديدا في “إلى آخر الزمان”، أو عندما يُبعث الحب والحياة من المقابر، كيف تَحدد هذا التوجه واختيار الموضوع؟

عندما شرعتُ في بناء قصة الفيلم لم أكن أفكر في موضوع محدد، تركيزي انصب على كتابة قصص لأناس بسطاء، وكنت كلما تقدمت في الكتابة أجد أن تلك القصص والشخصيات تتفاعل وتلتقي فيما بينها، أدركت أن كل ما يحدث في المجتمع مهم من أبسط القصص إلى أعقدها، فعندما نتمعن في طبيعة المجتمع وتركيبة الفرد الجزائري نجد أنه يتعامل مع الحب بكثير من الحذر والحشمة أيضا، حتى إننا لما نتحدث عن الحب نربطه حتما بالزواج، ونلغي باقي المشاعر التي تربط الأفراد عموما، ولا ننظر إليه كتجربة إنسانية قد تتوج بالزواج وقد لا تنتهي به، وإن كان الحب امتدادا لأجمل وأنبل المشاعر ولا يجب حصره في خانة واحدة.

هذا المعتقد يجعلنا بطريقة أو بأخرى نحرم كبار السن من هذا الشعور ونجردهم من الحق في الحب، من هنا بدأ التساؤل: إذا كان الحب الذي زرعه الله فينا واحد مهما تغيرنا وتقدم بنا العمر، فلماذا يحدده الإنسان بسن معين، لماذا نجرد رجلا ستينيا أو سبعينيا من هذا الشعور وندّعي أنه ملك للشباب وحدهم؟

كإنسانة بالدرجة الأولى تهمني كثيرا هذه المواضيع، حين نتحدث عن المجتمع باعتباره مجموعة الأفراد ونحن منهم نشعر بأننا لا نفرض منطقنا وقيودنا على من فيه فحسب، بل نكتب لهم سيناريوهات ونوزع الأدوار بينهم كما نريد، نفكر ونقرر مكانهم ونقحم أنفسنا في تفاصيل حياتهم ونعيش حياة هي من المفروض ملكا لهم ونلغي وجودهم تماما، فالضغط الذي يُمارس علينا نمارسه بدورنا على الآخرين.

أما تناول السينمائيين لثورة التحرير والعشرية السوداء، فهي ممارسة جدا طبيعية، ندعي أن اهتمامنا اتجه كله لهذه المواضيع، لكن في الأساس لم ننتج بالقدر الكافي والكمّ الذي يعكس حجم وأهمية تلك المراحل خاصة ما تعلق بحرب التحرير، تاريخنا يحتاج ويتطلب منا الوقوف عنده أكثر من مرة وبأكثر من فيلم في السنة كي نحميه من التزييف، ونساهم في فهم ما حدث حتى تكون مهمة نقل الحقيقة أصدق، هذا لا يمنعنا من الالتفات والاهتمام بمواضيع أخرى موجودة في مجتمعاتنا.

  • وُفقتِ إلى حد كبير في أول أفلامك الطويلة، كثيرون أشادوا بأداء الفنان “جيلالي بوجمعة” صاحب تعاونية الموجة، والفنانة “جميلة عراس” التي اكتشفناها هذه المرة بعيدا عن التلفزيون، ربما الاستعانة بوجوه لم نعهدها في السينما أعطى للفيلم قيمة مضافة أيضا، أليس كذلك؟

الحياة ككل هي مجموعة من العلاقات والمعاملات، الفنان “جيلالي بوجمعة” لم أكن أعرفه شخصيا، وكنت أجهل حكايته مع الفن ومواقفه، لكن سمعت كثيرا عن تعاونيته المسرحية “الموجة” ورأيت الطاقات التي قدمها وأشرف على توجيهها وتكوينها تكوينا جيدا، التقيته على هامش إحدى العروض المسرحية بمدينة مستغانم، وفي الثواني الأولى للحديث الذي جمعنا تيقنت بأنه الأنسب للشخصية الرئيسية التي كتبتها في “إلى آخر الزمان”.

أظنها كانت اللحظة المناسبة لكلينا، حيث عَرضتُ عليه الفكرة والدور فقبل بعد اطلاعه على السيناريو، أما الفنانة “جميلة عراس”، في البداية كنت أعرفها كمتفرجة، وزادت معرفتي بها عن قرب بعد مشاركتها في فيلم قصير أخرجته والدتي، أعجبت كثيرا بتمثيلها وعرضتُ عليها الدور، وبعد اطلاعها على النص شرعنا في التصوير، سعدت كثيرا بالقبول الذي لقيه الفيلم من قبل صناع السينما في العالم والجمهور الجزائري الذي تجاوب مع الشخصيات واستوعب مضامين العمل، وكان في كل مرة يشارك في النقاشات التي تلي العروض.

ياسمين شويخ: الشيء الوحيد الذي شجعني ومنحني القوة هو لحظات الحب والسعادة التي كنت ألمسها عند نهاية كل عرض

  • تحدثتِ عن الفرد الجزائري وكيفية تعامله مع قصص الحب، وبين رافض لعلاقة الحب التي تجمع كبار السن ومتقبل لذلك يكون الاختلاف، كيف قابل الجمهور الجزائري -خصوصا المتصالح مع سينما الآخر الحاملة لنفس أفكارك- طرحك، هل كان متحفظا ورافضا لهذه المواضيع؟

في البداية لم أكن أتوقع ردة فعل الجمهور، انتظرت كثيرا العرض الجزائري باعتبار أن القصة والأحداث والمضامين الجزائرية قد يصعب في البداية على مشاهد آخر فهمها بكل بساطة ويسهل على الجزائري استيعابها، ما يجب أن يعرفه العام والخاص أنني لم أدخر أي جهد في فيلمي “إلى آخر الزمان”، هذا الصدق الذي أعتبره التزاما يلحظه المشاهد بسرعة، مما ساعدني في الوصول إلى وجدانه ومخاطبة فكره، وإن بلغت العرض المئة أو أكثر سأبقى متخوفة ومنتظرة ردة فعل الجمهور على اختلاف مستوياته، حتى الظروف التي يعرض فيها الفيلم متغيرة، وهذا يجعلني دائما في حالة ترقب.

الشيء الوحيد الذي شجعني ومنحني القوة هو لحظات الحب والسعادة التي كنت ألمسها عند نهاية كل عرض، ذاك التجاوب والنقاش يشعرني أن الفيلم أوصل ما كنت أريد قوله، لهذا على صاحب العمل أن يكون صادقا مع القصة ويحترم المشاهد. أما كمخرجة فأنظر له بعد كل عرض بعين ناقدة، غير أن ردة فعل الجمهور تعيد المخرجة إلى القصة من جديد، وأتأكد أن كل شيء ممكن في أي لحظة من العمر ما دام القلب ينبض بالحياة والحياة لا تستقيم دون حب.

في الأخير يمكن القول إن قصصا إنسانية كهذه، أثرها عميق عَكَس التقنية التي تبهر المشاهد ويزول أثرها ومفعولها بعد حين.

  • بدأت “ياسمين شويخ” الكتابة في عمر الـ14، وأول تجربة احترافية نصا وإخراجا كانت بالفيلم القصير “الباب” سنة 2006، هل تفضلين كتابة أفلامك بنفسك؟

حبي للكتابة تماما كحبي للإخراج، وأنا أكتب أتصور أحداث الفيلم في مخيلتي، وهذا ساعدني على تطوير القصة والسيناريو، هذا لا يعني أنني أرفض إخراج أعمال لم أقم بكتابتها، فقد سبق وقمت بذلك، في البداية شعرت بالغرابة لأنني لم أتعود إخراج نص لم أكتبه بنفسي، لكن بعدها تقبلته وتعاملت معه بصدق وكأنه نصي، أما أن أكتب سيناريو وأقدمه لشخص آخر يقوم بإخراجه للسينما أو التلفزيون فلا أظن أن الأمر وارد.

شويخ: صحيح أن الفيلم القصير بمثابة المخبر التجريبي للكثير من السينمائيين، لكنه أيضا فن سينمائي قائم بذاته وأدواته الفنية التعبيرية

  • الكتابة للفيلم القصير عملية معقدة مقارنة بالكتابة للفيلم الطويل، هل كانت تجربتك في كتابة سيناريو الأفلام القصيرة بمثابة المخبر التجريبي؟

صحيح أن الفيلم القصير بمثابة المخبر التجريبي للكثير من السينمائيين، لكنه أيضا فن سينمائي قائم بذاته وأدواته الفنية التعبيرية، هناك مخرجون اكتفوا بتقديم أفلام قصيرة فقط ويقومون بذلك عن قناعة، بالنسبة لمخرجين مثلي لم يدرسوا السينما كتخصص، فسيكون الفيلم القصير حتما مخبرهم التجريبي، حتى فيلمي الطويل الأول أعتبره كذلك، ثم الكتابة للفيلم القصير تكون أصعب وأعقد، كل لقطة أو مشهد يجب أن يكون مدروسا جيدا ومتحكما فيه، عكس الفيلم الطويل أو الوثائقي الذي يمنحنا والمشاهد مساحة زمنية وتعبيرية أكثر، والتي تسمح للمتفرج بالاندماج مع الممثلين وعيش أحداث الفيلم.

  • أفلام كثيرة أُنجزت عن أبطال الثورة أقصد الرجال، بينما المرأة المناضلة مغيبة تقريبا في السينما الجزائرية، ولا فيلم يستذكر بطولة حسيبة بن بوعلي ووريدة مداد ولويزة إيغيل حريز وأخريات، هل من مبرر لهذا التقصير؟

ليست السينما فقط من ظلمت المرأة المناضلة وهمّشت بطولاتها التي تساوت فيها مع أخيها الرجل، منظومة كاملة قصرت في ذلك، حتى كتب التاريخ والمقررات الدراسية لم تعط النساء المجاهدات والشهيدات المكانة التي تليق بهن، ولم تبرز دورهن في الدفاع عن الوطن وتشييده من جديد، والمشكلة الأكبر أنه لم يتم إشراكهن في صناعة القرار، أو منحهن مناصب هامة ومؤثرة في المجتمع، وبالتالي التقصير اتخذ أشكالا ومستويات عدة.

اليوم لا نعرف من النساء المناضلات سوى المجاهدة “جميلة بوحيرد” فهل هذا كل ما لدينا؟ هذا لا يلغي اعترافنا بالتقصير في حقهن جميعا، أتمنى أن نتدارك هذا الخطأ مستقبلا، صحيح أن هناك أفلاما وثائقية على قلتها استعرضت نضالهن، لكن تبقى مبادرات فردية واجتهاد من مخرجات نساء، وأنا ضد أن يقتصر النضال أو الانشغال النسوي عليهن فقط، أتمنى أن يمتد لكلا الجنسين، وعلى المرأة أيضا أن توسع من نضالها ليمتد إلى كل فئات المجتمع دون تمييز.

  • يوحي كلامك أنك ضد تصنيفات أدب المرأة وسينما المرأة وغيرها، أليس كذلك؟

أحترم التظاهرات المهداة والمخصصة للمرأة، لأنها تعكس قلة الإنتاج والاهتمام بها كعنصر فاعل في المجتمع، للأسف هذه الصورة ليست حكرا على الجزائر أو المجتمعات العربية، حتى في هوليود لا نجد مخرجات كثيرات، عكس الرجال. مؤخرا سجلت فيلمي “إلى آخر الزمان” في أحد المهرجانات الدولية، وبعدما قبلته لجنة التنظيم وجدت أنه بُرمج للعرض في مسابقة النساء، انزعجت كثيرا من تصنيفه في هذه الفقرة، فلا موضوعه يندرج في إطار سينما المرأة ولا المهرجان يخص فقط المخرجات النساء، لكن بما أنني أرسلت نسخة من الفيلم وكالتزام أخلاقي فضلت عدم الحضور، واكتفيت بقبول عرضه على جمهور المهرجان، وبالتالي هذه التصنيفات لها وعليها، فقد تخدم المرأة وقد تسيء إليها، فحضور المرأة شكليا لا يخدمها نهائيا.

ياسمين شويخ: الجمهور الجزائري يثبت في كل مرة أن بإمكانه التمييز بين العمل الجيد والرديء

  • كيف تنظرين إلى لجنة مشاهدة الأفلام، هل هي لجنة مراقبة الأفلام أم مشاهدة فحسب، مع العلم أن السنوات الأخيرة شهدت منع عرض عدد معتبر من الإنتاجات الفنية، مثل فيلم فيصل حموم “فوت أوف”، و”العربي بن مهيدي” لبشير درايس، وفيلم بهية بن شيخ الفقون “شظايا الحلم” الذي سُمح بعرضه منذ أسابيع قليلة فقط؟

حجّتهم في ذلك أن لجنة مشاهدة الأفلام موجودة في كل الدول، هذا الكلام صحيح لكن هذه اللجان مهمتها تصنيف الأفلام وليس منعها، كأن تقول هذا الفيلم لا يسمح بمشاهدته لمن هم أقل من 18 سنة، أو يتضمن مشاهد عنيفة أو لقطات جنسية، لكن أن تقرر وتقضي لجنة تضم 10 أشخاص أو أقل بمنع عرض هذا الفيلم أو ذلك، فهذا يُعتبر منعا ورقابة مجحفة وتعديا على حرية الإبداع، فعلى أي أساس يقرر هؤلاء عن 42 مليون جزائري، لماذا تتخذ هذه اللجنة قرارات وتنسبها للشعب؟ دع الناس تشاه�� وتصدر أحكامها ولها أن تقرر إما أن تشجع المخرج أو المنتج أو تقاطع مجمل أعماله.

في هذه الحالة يمكن للوزارة الوصية -أي وزارة الثقافة- أن تتوقف عن دعمه مستقبلا، وله حرية التصرف والاختيار إما أن يتوقف عن الإنتاج أو يواصل العمل، وله كل الحق في إنجاز أفلام بالأفكار التي يريدها باسم حرية الإبداع والتعبير، لا يمكن لأي مسؤول أو مؤسسة منعه من ذلك.

الجمهور الجزائري يثبت في كل مرة أن بإمكانه التمييز بين العمل الجيد والرديء، ويعبر عن رأيه بكل حرية سواء بمقاطعة العمل أو الكتابة عنه في مواقع التواصل الاجتماعي بالسلب أو الإيجاب.

  • على العكس من بعض الدول العربية التي يدعم فيها رجال الأعمال السينما، فلا وجود لمبادرات من هذا النوع في الجزائر، كيف يمكن إشراكهم في العملية لتمويل بعض المشاريع، وكمهنيين ألا يجب بذل جهود إضافية لبلوغ هذه الخطوة؟

العمل السينمائي يتطلب نفَسَا طويلا، فمثلا فيلمي الطويل “إلى آخر الزمان” كتبته سنة 2010 ولم يعرض بالقاعات إلا سنة 2017، طول المدة لا تخدم استثمارات الخواص، وعملهم يتطلب سرعة الربح والتنفيذ، لا لوم عليهم لأن هدفهم من تمويل الأعمال الفنية ككل تجاري بحت، باستثناء أولئك الذين لديهم ميول وتقدير للفن، وحتى نتمكن من إشراك الخواص في دعم الأفلام يجب أن نجد آليات وميكانيزمات جديدة، وهذا لن يكون إلا بتوفير أرضية مناسبة للعمل الجاد، وفتح كل القاعات وتجهيزها، بالإضافة إلى قرارات سياسية تُفعّل مباشرة.

ياسمين شويخ: على مستوى التقنية هناك نقلة نوعية واضحة، جهود كبيرة بُذلت من قبل الممثلين وأغلبهم قادم من المسرح

  •  كيف وجدت الأعمال الرمضانية لعام 2019، لا سيما إدارة الممثلين والإخراج والسيناريو؟

للأسف لم أتمكن من مشاهدة كل ما يُعرض على الشاشة، هذا مؤشر إيجابي ودليل بأن الكمية أصبحت موجودة أكثر من قبل، أتابع بانتظام بعض الأعمال، لكن إلى الآن كمتابعين هناك اتفاق على أعمال معينة بأنها أفضل من غيرها، وهذا شيء جيد.

على مستوى التقنية هناك نقلة نوعية واضحة، جهود كبيرة بُذلت من قبل الممثلين وأغلبهم قادم من المسرح، أستشهد هنا بمسلسل “أولاد الحلال”، فهناك اشتغال كبير على السيناريو والحوار وخاصة اللهجات، بعض الممثلين دخلوا في الشخصية والدور وأقنعوا المشاهد بأدائهم ونطقهم السليم للهجة سكان الغرب الجزائري حيث تقع أحداث العمل، مع العلم أن أغلب الممثلين ينحدرون من مدن مختلفة وكل منطقة لها لهجتها.

أما على مستوى الكوميديا فلا جديد يُذكر للأسف، هناك تكرار في الأفكار وغياب كلي للإبداع، أود أن أتحدث أيضا عن برامج الكاميرا الخفية التي تشهد انحرافا خطيرا في الفترة الأخيرة، فعلى الأقل إن لم نستطع إصلاح المجتمع لا نساهم في إفساده بمثل هكذا برامج.

  • بالحديث عن اللهجة، الجمهور الجزائري متصالح مع كل الأعمال واللهجات العربية، ألا تشعرين بأن المشاهد العربي لا يبذل جهدا كي يفهم اللهجة الجزائرية؟

للأسف اللهجة التي يعتبرها البعض عائقا حالت دون وصول السينما الجزائرية إلى أماكن وتظاهرات تستحق الوصول إليها، فعدم فهم المتفرج بعض الكلمات هو أمر مفهوم، أما أن يتحجج باللغة ويدعي بأنه لا يفهم الفيلم بسببها، فهذه ليست مشكلة بل مجرد عذر.

نشعر أن الآخر والمتفرج العربي خاصة لا يبذل جهدا حتى يفهم لهجتنا، في الأول والأخير هي لغة عربية مثل التي يتحدث بها، لمَ لا يكون هناك اتفاق بين وزارات الثقافة لعرض أفلام جزائرية -كلما سمحت الفرصة- أو تنظيم أسابيع سينمائية حتى يتعود الجمهور العربي على لهجتنا مثلما تعودنا على اللهجة السورية والمصرية، وحتى اللغتين التركية والهندية؟

حضرت منذ مدة فيلما كرديا مترجما باللغة الألمانية، لو تعاملنا بذاك المنطق لغادرتُ القاعة وضيعت مشاهدة الفيلم بحجة أنني لا أفهم الكردية أو الألمانية، لكنني بقيت في الصالة وتابعت العرض وفهمت قصة الفيلم من لغته البصرية وتفاعل الممثلين مع الأحداث.

أتذكر أيضا يوم كنت مديرة فنية لمهرجان تاغيت الدولي (الواقعة في الجنوب الجزائري)، كان لدينا فيلم هندي مبرمج للعرض، لكن للأسف فقد وصل مخرجه لكن النسخة المترجمة تأخر وصولها، اقترح علينا المخرج أن يقدم لنا النسخة الهندية التي يحوزها، واحتراما له وللجمهور قمنا بعرضها، والنتيجة لم تكن متوقعة؛ تجاوبٌ كبير بين المخرج والجمهور. في السينما هناك أشياء تفوق لغة الخطاب، من الابتسامة وتعابير الوجه، من لغة الجسد أيضا تستطيع فهم المضامين، اللغة البصرية أو لغة الصورة متفق عليها فنيا وإنسانيا.

شويخ: نمرّ بصعوبات ومشاكل لا يمكن تصورها، مثلا هناك عشرات الأفلام محجوزة الآن لدى الجمارك الجزائرية لا تسمح بدخولها ووصولها للجمهور

  • بتصورك، إنعاش القطاع السينمائي بالجزائر ومن ثم التأسيس لصناعة حقيقية مستقبلا هو انشغال واشتغال مرهون بالجمهور والموضوعات والتنوع في الإنتاج، أم بالنقد؟

الجمهور أولا، فلمن ننجز الأفلام ولمن نتوجه بها؟ بالتأكيد للجمهور الذي يمكن أن يكون أداة ضاغطة على صناع القرار من رجال أعمال وسياسيين، حتى يرغمهم على بذل مجهود أكبر والتفكير في مخرج مناسب للأزمة التي تعيشها السينما الجزائرية.

يمكن الاستعانة أيضا بنماذج ناجحة لإنعاش القطاع، عندما يكون لدينا جمهور متصالح مع السينما يمكننا حينها دعوة الفاعلين وإشراكهم في عملنا، هؤلاء للأسف لا يدركون أن العمل السينمائي عملية معقدة جدا.

نمرّ بصعوبات ومشاكل لا يمكن تصورها، مثلا هناك عشرات الأفلام محجوزة الآن لدى الجمارك الجزائرية لا تسمح بدخولها ووصولها للجمهور، للأسف لا توجد أطر قانونية حقيقة، ولا يوجد تنسيق بين مختلف القطاعات والدوائر.

عمل كبير ينتظرنا وعلى وزارة الثقافة التعامل معنا كشركاء لا كعاملين لديها، في الأول والأخير نحن سينمائيون مستقلون، أملنا في تغيير الأوضاع كبير بعد الحراك الذي عاشته الجزائر في الفترة الأخيرة، والأكيد أنه سيمتد إلى قطاع الثقافة.


إعلان