“الوثائقية استطاعت أن تُغير ذائقة المُشاهِد العربي”.. حوار مع مدير الوثائقية بذكرى انطلاقتها

حاورته: شدى سلهب

15 عاما مرّت على تأسيس أول قناة عربية متخصصة في الفيلم الوثائقي، لتكون الجزيرة الوثائقية هي العلامة الفارقة في عالم الوثائقيات في الوطن العربي، مؤسسة بذلك لنموذج فريد من إعلام وثائقي يخدم المشاهد العربي ويزيد من حجم معرفته، مُساهمة بذلك في بناء فهم عالمي أفضل للمنطقة العربية إنسانا وحضارة.

15 عاما مرّت ولا تزال الجزيرة الوثائقية تروي لنا حكايات من وراء كل صورة، فتأخذنا في جولة لنعرف خفايا عالمنا في “أسرار الكون”، ثم تنقلنا لنتعرف على ثقافات وعادات جديدة في “من وحي الشعوب”، إلى أن يشاركنا منتجوها العرب بـ”عدستهم الحُرة” قصصا بأعينهم من زوايا فريدة، مرورا بشخصيات عربية تركت أثرا واضحا في “هذا أنا”، ثم تعود بنا إلى “أصل الحكاية”، حيث الأفلام ذات الطابع الإنساني والتاريخي المرتبط بالأشخاص والأحداث، ولن ننسى “قصة فلسطين” التي تحطّ بنا إلى القدس وحاراتها ومسجدها الأقصى.

كل هذا جعل الجزيرة الوثائقية اسما صعبا يُنافس بأفلامه ويشارك بمنتجيه ومخرجيه في مهرجانات عربية ودولية، حاصدا بذلك الجوائز العالمية التي جعلته في صدارة الوثائقيات.

 

في الأول من يناير/كانون الثاني الجاري احتفت الجزيرة الوثائقية بمرور 15 عاما على تأسيسها تحت شعار “15 عاما من الوثائقيات”، وبهذه المناسبة تحاور الجزيرة الوثائقية مدير القناة أحمد محفوظ ليُطلعنا على أهم الإنجازات والإنتاجات والجوائز على مدار 15 عاما، إضافة إلى تطلعات الجزيرة الوثائقية وبرامجها لهذا العام الاستثنائي لرياضة كرة القدم تحديدا ورؤاها للأعوام القادمة. وكان الحوار كالآتي:

  • 15 عاما مرت منذ تأسيس الجزيرة الوثائقية كأول قناة عربية متخصصة في الفيلم الوثائقي، كيف تقيّمون مسيرتها خلال هذه السنوات؟

في البداية وجب القول إن الجزيرة الوثائقية ليست مجرد قناة تعرض أفلاما وثائقية فقط، بل هي مشروع ثقافي متعدد المنافذ خرج من بوتقة عربية ليخدم الإنسان العربي بشكل أساسي، فالجزيرة الوثائقية هي مشروع ثقافي، وليست قناة تلفزيونية تعرض أفلاما وحسب.

بالنسبة لتقييم المسار، فقد استطاعت الجزيرة الوثائقية صناعة التأثير على مدار 15 عاما، بمعنى أنها استطاعت أن تؤثر في المشاهد العربي وتغير من ذائقته، واستطاعت كذلك أن تُعيد الروح إلى صناعة الفيلم الوثائقي.

فيما يخص الجانب الكمي، فقد استطاعت الجزيرة الوثائقية على مدار 15 عاما إنتاج أكثر من ألفي عنوان فيلم وثائقي، إضافة إلى بث ما يزيد عن 2500 ساعة تلفزيونية، وهو رقم ليس بسيطا، خصوصا إن وضعناه في إطار قلة الميزانيات المتوفرة، إضافة إلى العناصر التي تتحكم في صناعة الإنتاج على مدار السنوات التسع الماضية.

صورة جماعية لفريق قناة الجزيرة الوثائقية في ذكرى انطلاقتها الخامسة عشر

 

أما فيما يتعلق بالأفلام المُشتراة أو المنتقاة، فهي تشكل حوالي 60% مما يُعرض على الشاشة، وقمنا ببث حوالي 15 ألف ساعة تلفزيونية خلال 15 عاما.

  • تعرض الجزيرة الوثائقية أفلاما من إنتاج “بي بي سي” و”إي آر تي” و”ناشيونال جيوغرافيك” و”نتفليكس” وقنوات عالمية أخرى، لكن ما الذي يجعل أفلام الجزيرة الوثائقية التي تنتج داخليا مميزة؟ ولماذا لا يمكن الاستغناء عنها رغم كلفتها الكبيرة؟

هذا يُعيدنا إلى رؤية قناة الجزيرة الوثائقية، فهي مشروع ثقافي لا يمكن أن تتحقق رؤيته من خلال أفلام يُنتجها الآخر، صحيح أننا نشتري عددا كبيرا من الأفلام المنتقاة، لكن هدفنا في الجزيرة الوثائقية هو إنتاج أفلام تحمل “جينات” خاصة بالقناة، وهذه الجينات يجب حفظها في ذاكرة بصرية على شكل فيلم.

لقد جاء تميز الجزيرة الوثائقية متراكما في الخبرات ومتطورا، فقد كنا نستقرئ بالتعاون مع المخرجين والمنتجين والعاملين في الجزيرة الوثائقية من خلال رؤية موحدة لإعطاء النكهة العربية للقناة، وكانت هذه هي نقطة الانطلاق إلى المحافل الدولية، وهذا ما يميزها الآن، فقد أصبح هناك خواص مُحددة لأفلام قناة الجزيرة الوثائقية التي غيّرت ذائقة المشاهد، وغيّرت كذلك كيفية التعامل مع اللغة السينمائية من خلال المنتجين.

  • من ينافس الوثائقية اليوم على الساحة العربية؟

لا يوجد منافس حقيقي للوثائقية، صحيح أن هناك كثيرا من إنتاجات الأفلام الوثائقية، وصحيح أن هناك كثيرا من القنوات العربية التي تُنتج الوثائقيات أيضا، لكن الجزيرة الوثائقية تتميز بنوعية الإنتاج واستمراريتها وطموحها في الارتقاء بمستوى إنتاج الوثائقيات عربيا، فقد وضع هذا النوع من الإنتاج الجزيرة الوثائقية بوصفها مشروعا ثقافيا عربيا يساهم من جهة في إنتاج الوثائقيات، ومن جهة أخرى في دعم صُناع الأفلام على الساحة الدولية، فهناك كثير من منتجينا ومخرجينا قمنا بالاستثمار فيهم للنجاح دوليا.

 

  • برأيك، ما سبب عدم وجود منافس حقيقي للجزيرة الوثائقية اليوم؟

لأن هناك ملعبا خاصا تلعب فيه قناة الجزيرة الوثائقية.

  • ما هي خطط الجزيرة الوثائقية للتوسع رقميا في المستقبل، وهل يمكن أن نشاهد يوما منصة رقمية على شاكلة نتفليكس؟

أصبح التوسع الرقمي فرضا على كل المؤسسات الإعلامية، فالتوجهات الرقمية أصبحت فرض عين وليست رفاهية، فقد أصبحت لها تقنيات معينة وطريقة تفكير وأبحاث، ولعلنا رأينا في الفترة الماضية كيف كثرت المنصات، وكيف أثرت تأثيرا هاما في المُشاهِد وطريقته وأسلوبه، وكيف غيّرت في طبيعة تلقي المُشاهد للمعلومة، فالمُشاهد اليوم أصبح هو من يُخطط ويُجدول، وأصبح هو المُتحكم الأساسي بتوقيت مشاهدة الفيلم واختياره، فهو لديه الحُرية المُطلقة بذلك، لقد أصبح المُشاهد اليوم هو المُتحكم بالمحتوى كمّا وكيفا ووقتا.

الديجيتال أيضا يؤثر، ويتراكم هذا التأثير في تغيير اللغة السينمائية على الشاشة، فطريقة التعامل مع عقلية المشاهد تتغير، الديجيتال أيضا يُغير من اللغة السينمائية على المُشاهد الكلاسيكي.

فيما يخص منصة رقمية على شاكلة نتفليكس، فكنا قد بدأنا قبل حوالي سبع سنوات عمل منصة خاصة بالجزيرة الوثائقية، لكن ما زالت هذه الفكرة لم تُطبق، نظرا لأن طبيعة الفيلم الوثائقي في العالم العربي لا يجني ربحا كبيرا، بالإضافة إلى شُحّ الأموال التي تُساهم في إعداد هذه المنصة، فما زال هناك عدم إيمان كامل بأهمية الفيلم الوثائقي في العالم العربي.

  • هل ترى أن المُشاهد الكلاسيكي سيتقبل هذا التغيير في اللغة السينمائية؟

اللغة السينمائية كلاسيكيا جاءت بهذا الشكل، وتراكميا أصبح هناك قواعد لهذه اللغة، غير أن هذه القواعد تتغير اليوم بسبب الديجيتال الذي فرض نفسه على جميع المنصات، وفرض على جميع المنصات أن تدخله، لكن بالنسبة لي أرى أن الديجيتال يُشكل تحديا كبيرا بالنسبة للفيلم الطويل فكيف يمكنني مُشاهدة فيلم طويل على الديجيتال؟ هناك جماليات معينة لا تظهر على الشاشة الصغيرة مثل الصوت وغيره.

مدير قناة الجزيرة الوثائقية أحمد محفوظ خلال مشاركته في مهرجان إدفا السينمائي الدولي بدورة عام 2021

 

  • دخلت الجزيرة الوثائقية في السنوات الأخيرة على خط المنافسة في المحافل الدولية كمهرجان إدفا وغيره، وسعت وما زالت تسعى لدعم المخرجين الشباب وزيادة رصيدها في الأفلام ذات الإنتاج المشترك، وقد نجحت هذه السياسة في حصد القناة للعديد من الجوائز عالميا. هلا حدثتنا عن ذلك؟

عدد المهرجانات التي شاركت الجزيرة الوثائقية فيها كبير جدا، فهناك تراكم في الخبرات في القناة ذاتها، إضافة إلى الشركاء والمنتجين والمخرجين، وكأننا الآن في فترة حصاد لما زرعناه خلال كل تلك السنوات.

شخصيا لا يهمني فكرة حصد الجائزة، لكن ما يهمني أكثر هو الاشتراك في المهرجان، هذا هو نقل الخبرات الحقيقي الذي ينعكس إيجابا على الشاشة، لكن عموما فقد تجاوز عدد الجوائز التي حصدناها 70 جائزة خلال 15 عاما.

لقد شاركنا في السنوات الخمس الأخيرة في كثير من المهرجانات بأفلام ومشاريع ومُدربين وأفلام إنتاج مشترك، وهذا كله ينقل خبرة الجزيرة من مجرد قناة إلى كونها مشروعا سينمائيا ينقل هذه الخبرات ويصنع خبرات خاصة كذلك.

  • هل تطمح الجزيرة الوثائقية مستقبلا إلى التوسع عالميا كأن تطلق قناة ناطقة باللغة الإنجليزية مثلا؟

هذا مشروع قائم بالفعل منذ حوالي 10 سنوات، عندنا القدرة على ذلك لكنه توقف لأسباب مادية، فالجزيرة الوثائقية من حيث المضمون وعدد الساعات جاهزة لإطلاق قناة ناطقة بالإنجليزية، لكن هناك ما هو خارج عن يدنا كقناة وثائقية، وهو يخص بالدرجة الأولى المشروع المالي أو التوافقي بين القنوات الأخرى.

منتجو ومخرجو وموظفو الجزيرة الوثائقية خلال مشاركتهم في منتدى مهرجان إدفا السينمائي الدولي 2021 في أمستردام

 

  • أخبرنا عن أهم مشاريع الجزيرة الوثائقية لمواكبتها حدثا استثنائيا هذا العام وهو كأس العالم 2022؟

هناك مائدة كبيرة وضخمة جدا تُلبي رغبات مشاهدي الجزيرة الوثائقية وتتقابل مع طموحاتهم وتوقعاتهم، فهناك أفلام عن الرياضة لمن يحب الرياضة، وهناك أفلام عن الفنون والأدب لمن يحبون ذلك، لكن هذا العام ستكون الحظوة أكبر قليلا للرياضة، وذلك لمواكبة الحدث الأكبر، كأس العالم 2022.

نُجهز الآن لإطلاق عدد من السلاسل والأفلام التي ستنتجها الجزيرة الوثائقية لمواكبة هذا الحدث العالمي، أهمها سلسلة “حلم كأس العالم”، وتضم ستة أفلام تحكي قصة وصول ست منتخبات لكرة القدم إلى حلمهم في كأس العالم عبر 90 دقيقة، إضافة إلى سلسلة من سبع حلقات بعنوان “حكايات عن الكرة والحرية”، وهناك أيضا عدد من الأفلام مثل “نابولي ومارادونا” و”فريق جبهة التحرير” و”فريق العائلة”.

  • عادة ما تكون لرمضان نكهة خاصة على شاشة الجزيرة الوثائقية، ما الذي سيميز رمضان هذا العام؟

في كل رمضان هناك رسالة جديدة وخاصة للمشاهد العربي تخص تقاليدنا وموروثنا، وفي رمضان القادم سيكون هناك برمجة خاصة لهذا الشهر على شاشتنا، لدينا عدد من السلاسل والأفلام الخاصة بهذا الشهر، أهمها سلسلة “حكاية أغنية” التي تعرض لنا قصصا لأغان شهيرة في عالمنا العربي، وكيف وصلت هذه الأغاني إلى ملايين العشاق في الوطن العربي وشكّلت وجدان الأجيال، فهناك حكاية أغنية من السودان والمغرب ومصر وسوريا.