مخرج “في مهبّ الريح” للوثائقية: “أردتُ أن أرسل رسالة استغاثة أخيرة من أهالي الجولان”
عرضت قناة الوثائقية فيلم “في مهب الريح” للمخرج السوري وسيم الصفدي، وعلى غرار قصة “دون كيشوت” في رواية الكاتب الإسباني “ميغيل دي ثيربانتيس”، يجد أبطال هذا الوثائقي أنفسهم في صراع مع الهواء، إذ أن الناس هنا تجد نفسها أمام خطر عظيم هو خطر الهواء.
لكن على خلاف الرواية التي توهم فيها “دون كيشوت” بأن طواحين الهواء شياطين تنثر شرورها في الكون ليقرر محاربتها، فإن سكان قرية الجولان السورية يعانون من حصار هوائي مصدره المحتل الإسرائيلي الذي قرر إقامة مشروع توربينات هوائية في أراضيهم الزراعية ومصادرة مدخل رزقهم.
يُصور فيلم “في مهب الريح” كفاح أهل الجولان من أجل إيقاف هذا المشروع الاحتلالي، ويتبع المخرج بكاميرته سكان القرية، مستفيدا من انتمائه لهم لكي يُخرج منهم كل أصواتهم الكفاحية.
في هذا الحوار مع الجزيرة الوثائقية يحكي المخرج وسيم الصفدي عن تجربته الإخراجية النضالية وتعاونه مع الجزيرة الوثائقية لإنتاج الفيلم.
في فيلمك الوثائقي “في مهب الريح” كنت أنت الراوي، إذ لم تفصل بين الصراع الذي يعيشه أهل القرية مع الاحتلال وصراعك أنت مع القضية كلها وعودتك للوطن، كيف إذن تحاول بفيلمك أن تنخرط في هذا النضال؟
أنا ابن الجولان المحتل وفرد من هذا المجتمع، أفرح لفرحهم وأتألم لألمهم، نحن نعيش في نفس الواقع وأمامنا نفس المصاعب والتحديات، بالإضافة إلى كوني فلاحا متعلّقا بأرضي مثلهم. حاولت من خلال الشخصيات الرئيسية في الفيلم أن أظهر الخطر الداهم الذي يمثله مشروع توربينات الرياح الإسرائيلي على المنطقة، سواء من الناحية البيئية أو من ناحية الإضرار بالمحاصيل والإضرار بالمنظر العام للمنطقة وجودة الحياة فيها، وقبل كل شيء خطر الاستيلاء على الأراضي من قبل الاحتلال.
ارتبطت أعمالك الوثائقية بالحصار والعنف الذي يتعرض له سكان المنطقة من طرف إسرائيل، فهل تعتبر نفسك مخرجا مناضلا يُسخّر كاميراته للنضال؟
نعم بالفعل، أسعى لأن أسخّر كاميرتي للدفاع عن أرضي وهويتي وقضيتي، وأن أصوّر الواقع الذي نعيشه تحت الاحتلال بتعقيداته وصعوباته، وأعتبر صناعة الأفلام وسيلة للتعبير وأداة مقاومة. لا سيما في واقع يعيش أفراده تهديدا ممنهجا، لطمس هويتهم الحقيقية واقتلاعهم من جذورهم وتحويلهم إلى ظلال بشر.
الصراع في الوثائقي يدور أمام طواحين هواء، إنه صراع يُذكرنا بالصراع الوهمي الذي عاشه “دون كيشوت”، فهل هناك إسقاط على هذه القصة الروائية؟
لقد كان عنوان الفيلم في البداية “رسالة إلى دون كيشوت”، إلى أن قررت أن أختار عنوانا آخر وهو “في مهبّ الريح”. لكونه بخلاف قصة الدون كيشوت مع طواحين الهواء التي كان يرى فيها “خطرا عظيما” وهي مجرد طواحين هواء، فالخطر الذي يمثله مشروع إسرائيلي لإقامة توربينات رياح عملاقة على أراضي أهالي الجولان المحتل ليس خطرا وهميا ولا تخيّلات، بل هو تهديد وجودي ومشروع تهجير خبيث، وهو قبل كل شيء مشروع استيلاء على الأرض وطرد سكانها الفلاحين الذين لا يملكون شيئا غيرها، تحت غطاء “إنتاج طاقة نظيفة”.
بالتأكيد أن الفيلم ونضال الجولانيين في الفيلم ليس ضد فكرة المراوح الهوائية نفسها، إنما ضد إقامتها في أراضيهم الزراعية، وعلى مقربة من الأماكن السكنية، وذلك من قبل شركة إسرائيلية احتلالية طامعة ومتغطرسة.
بالرغم من معاناة الفلاحين، فإن أسلوب التصوير والموسيقى المستخدمة جعلت إيقاع الفيلم يُظهرهم سعداء ومتفائلين. ما هي الرسالة التي أردت إيصالها بهذه الاختيارات الفنية؟
أردتُ إظهار جمالية المنطقة الريفية، بتلالها وجبالها وحقولها، وضرورة منع أي محاولة للعبث بها وتحويلها إلى منطقة صناعية تملؤها المجسمات المعدنية العملاقة والضجيج، بدل الأشجار والثمار والطيور.
هل ساعد عرض الفيلم على شاشة الجزيرة الوثائقية في إيصال معاناة المزارعين للعالم؟
بالطبع، ساهم عرض الفيلم على شاشة الجزيرة الوثائقية بإيصال قصة أهالي الجولان المحتل إلى أكبر شريحة ممكنة من المشاهدين حول العالم.
بعد عودتك من فرنسا عملتَ على فيلم “حصار” الذي يحكي عن الاحتلال في الجولان، وعدت بعد ذلك بفيلم “في مهب الريح” لإكمال القصة، فهل ترى أن فيلمك الأول لم يقم بواجبه في إيصال الرسالة؟
من الصعب المقارنة بين فيلم “حصار” وهو فيلمي الأول، وفيلم “في مهبّ الريح”، وذلك كون فيلم “حصار” تناول موضوع الجولان المحتل والواقع الذي يعيشه سكانه من زاوية مختلفة، وهي زاوية تأثير الثورة السورية والأحداث التي عصفت بالوطن الأم سوريا على الجولانيين تحت الاحتلال، وكيف أحدثت الثورة السورية شرخا عميقا في المجتمع الجولاني، وزادت من حدة التخبّط والضياع والاغتراب الذي يعيشه الجولانيون تحت الاحتلال.
أما الفيلم الثاني “في مهبّ الريح” فقد استعرض الواقع الذي يعيش فيه الجولانيون من زاوية أخرى، وفي ظل تهديد طارئ ومستجد يواجهه الجولانيون.
يعيش سكان الجولان اغترابا فرضته إسرائيل، لكن في فيلمك لا نرى هذا الاحتلال، ولا تعطيه فرصة للظهور في الكاميرا إلا نادرا. ما سبب هذا التغييب؟
الاحتلال موجود في كافة تفاصيل حياتنا، وهو لا يأخذ شكلا واحدا، إنه في مناهج التعليم، وفي مخططات الأسرة، في أماكن العمل، وفي الأسلاك الشائكة التي تفصلنا عن وطننا الأم، وتملأ حيز الحياة لدينا.
أما في الفيلم فهو حاضر أيضا، فالاحتلال هو من يريد إقامة المراوح على أراضينا، وهو الذي يرفض الاعتراضات التي قدمها سكان الجولان ضد المشروع في المحاكم الإسرائيلية ليردّوا عنهم هذا المشروع، في حين تُقبل اعتراضات سكان المستوطنات، ويلغى المشروع عندهم.
أما في نهاية الفيلم، وبعد أن استنفذت كافة السبل القانونية لإلغاء المشروع، نرى المواجهة المباشرة بين سكان الجولان والقوات الإسرائيلية على الأرض.
في فيلميك “حصار” و”في مهب الريح” ركزتَ على فاكهة التفاح بصفتها رمزا للتشبث بالأرض، هل حاولت أن تُسوّق لهذه الفاكهة في فيلمك؟ لأن إسرائيل تُمارس في نفس الوقت حصارا على هذه الفاكهة لتأزيم الوضع الاقتصادي للسكان.
تمثل شجرة التفاح بالنسبة للجولانيين رمزا لاستقلاليتهم ولحفاظهم على أرضهم وتشبثهم بها، فتقوم إسرائيل ما استطاعت بمحاربة الجولانيين بمصادرة رزقهم واستقلاليتهم الاقتصادية، لتجبرهم على الانخراط أكثر في الآلة الاقتصادية الإسرائيلية، ليس محبّة بهم بل لحاجتها للأيدي العاملة و”العبيد” إذا صح التعبير.
لقد دعمت هذه الفاكهة صمود أهالي الجولان وحفاظهم على هويتهم العربية السورية على مدار خمسة عقود من الاحتلال.
“لم يبق أمام أهالي الجولان إلا أن يتصدوا للمشروع بصدورهم العارية”. هذه آخر عبارة في الوثائقي، وهي تُعبر عن حالة اليأس التي يعيشها السكان بعد رفض المحكمة الإسرائيلية للطعن في احتلال أراضيهم لصالح مشروع التوربينات، هل هذا اليأس الذي يعيشه السكان قد انتقل لفيلمك أيضا؟ لأن الفيلم ينتهي نهاية غامضة تفتح الأسئلة دون أجوبة.
لقد أردت من خلال فيلم “في مهبّ الريح” أن أرسل رسالة استغاثة أخيرة من أهالي الجولان إلى كل من يستطيع التأثير والمساعدة في صد وبال مشروع المراوح عن منطقتهم ولكل العالم، فقد وصل مشروع المراوح إلى مرحلة التنفيذ الفعلي على الأرض الآن، بعد أن أعطت الحكومة الإسرائيلية كل الموافقات للبدء بالتنفيذ، وقد حذر الجولانيون مرارا وتكرارا أنهم لن يتوانوا في الدفاع عن أراضيهم بكل السبل في حال تعرضها للخطر.
هل ساهم تعاونك مع الجزيرة الوثائقية لإنتاج هذا الفيلم في أن يعود الأمل لسكان المنطقة في إرجاع حقهم المسلوب؟
لقد فرح الجولانيون جدا حين عرض الفيلم على قناة الجزيرة، لأن ذلك سيساعد في إيصال أصواتهم ونداءاتهم للعالم، كما عبّروا عن شكرهم لمنصة الجزيرة التي أتاحت لهم فرصة أن يحكوا قصتهم مع شركة المراوح للمشاهدين في كل مكان، لا سيما في ظل غياب منصات إعلامية لطالما اعتبروها وطنية، ومن المفروض أن توصل صوتهم للعالم، وهم المغيبون والقابعون تحت الاحتلال.
وهنا أنتهز الفرصة هنا لأشكر قناة الجزيرة الوثائقية وطاقمها الإنتاجي والتحريري، والمشرفة التحريرية الزميلة فاطمة الرياحي والسيد جمال دلالي مدير الإنتاج اللذين واكبوا كافة مراحل إنتاج هذا الفيلم منذ تقديمه كسيناريو وحتى لحظة بثّه على الشاشة.