مخرج الفيلم السعودي “شمس المعارف” للوثائقية: لا أتعمد كسر القواعد لأنني لا أعرفها أصلا

حاوره: أيوب واوجا

ارتبط اسم “شمس المعارف” بين الناس بالخوف والهلع، لأنه اسم كتاب يُشاع أنه يحتوي على طلاسم وتعويذات سحرية من العالم السفلي، وظلت تُنسج قصص وحكايات تتناقل بين الناس -خصوصا المراهقين- عن أشخاص قرأوا هذا الكتاب وأُصيبوا باللعنة. والكتاب عبارة عن مخطوطات تُنسب لأبي أحمد البوني المتوفى في القرن السابع هجريا، وقد حرّم عدد من الفقهاء قراءته وحيازته، لأن في ذلك شركا بالله، غير أن الكتاب فقد كثيرا من الرهبة المحيطة به بعد إصدار فيلم سعودي كوميدي للمخرج فارس قدس يحمل عنوان الكتاب نفسه.

فيلم ” شمس المعارف” (2020) جاء ليكون من أوائل الأفلام السعودية الصادرة في مرحلة الانفتاح على الفن السابع، وذلك بعد السماح بإنشاء دور عرض للسينما في السعودية.

تدور أحداث الفيلم في سنة 2010، أي في ذروة اهتمام الشباب العربي بصناعة المحتوى في يوتيوب، ويحكي عن الشاب حسام الذي يدرس في المرحلة الثانوية، ويسعى مع أصدقائه لإنتاج فيلم رعب في حدود إمكانياتهم المادية، وهذا ما يجعلهم يقابلون عددا من العقبات والتحديات والرفض من حولهم في فترة كانت صناعة فيلم تُعتبر فيها بالنسبة للمجتمع السعودي حلما بعيدا المنال.

 

هذا الرفض الذي يُصوره الفيلم بقالب هزلي، يعكس الرقابة الدينية والمجتمعية التي تُطوّق الإبداع في السعودية في تلك الفترة، حيث يجد البطل حسام نفسه، ونجد نحن كمشاهدين أنفسنا معه في غمرة من المشاعر المتدفقة من شاب يعشق السينما، لكن حلمه يصطدم بالواقع.

لمسة الكوميديا.. قصة سعودية تجوب آفاق العالم

في الفيلم تتناقض عدة مشاعر بين الرعب والطموح والفشل، إلا أن الانفراجة الوحيدة للبطل لإنتاج فيلمه هي عندما يتدخل أستاذه عرابي (الممثل صهيب قدس)، فالأستاذ عرابي عاشق للسينما ويفتخر بكونه لعب دور كومبارس في مسلسل “طاش ما طاش”.

يحمل الأستاذ عرابي على عاتقه مجمل المشاهد الكوميدية في الفيلم، ويحاول مساعدة حسام في تصوير فيلمه ولو بالطريقة التي يراها هو مناسبة. هذا التصادم بين الأستاذ والتلميذ ينعكس على الهوة التي تتوسع بين الجيلين في المجتمع السعودي بسبب اختلاف الأذواق الفنية والوسائط الثقافية.

حقق الفيلم نجاحا كبيرا بين الجماهير العربية بعد عرضه في السينما وإعلان مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي برمجته كفيلم الافتتاح للدورة الأولى التي تأجلت بسبب فيروس كورونا، كما قامت “نتفليكس” بشراء حقوق بث الفيلم لتعرضه على منصاتها.

وقد شارك الفيلم في مهرجان مالمو للسينما، ويقدم علامة بارزة لمستقبل السينما السعودية اليوم، ويشكل نظرة مستقبلية متفائلة للشباب السعودي المبدع الذي وجد في منصة “يوتيوب” مكانا لصناعة المحتوى والالتفاف على الرقابة الإبداعية التي بدأت في الانفراج.

لقطة من الفيلم السعودي “شمس المعارف”

 

في هذا الحوار يحكي المخرج السعودي فارس قدس لموقع الجزيرة الوثائقية ظروف إخراج الفيلم وأفكاره حول السينما السعودية والإخراج.

صنعت فيلمك بقصة محلية تدور تفاصيلها في مدينة جدة السعودية، لكن الفيلم لاقى صدى عالميا وشارك في مهرجان مالمو، كيف يمكنك تفسير هذا التألق الذي لاقاه الفيلم بعد عرضه؟

ارتباطي بجدة هو ارتباط وطيد له أثر لا ينفك عن جميع أعمالنا، ومع ذلك لا نحصر جمهورنا على جدة فقط، فرغم تشبّع الفيلم بالثقافة الجدّاوية، فإننا نحرص كل الحرص على أن لا يكون هناك أي جزء من القصة يصعب فهمه على أي مشاهد من أي مكان، فالهدف هو أن يشعر المشاهد أنه يزور جدة دون أن يحس أنه غريب فيها.

أما عن مشاركة الفيلم في مالمو ومشاهدته هناك فهو حدث أسعدني جدا، خصوصا عندما لاحظت أن حِسّ الكوميديا لم يتأثر في مالمو عنه في دبي أو الرياض أو جدة، وتفسير ذلك من وجهة نظري هو الفضول العالمي حاليا الذي يحيط الأفلام السعودية والفن السعودي، ولا بد لهذا التطور السريع والمبهر أن يجذب الأنظار.

نكتشف في الفيلم أسلوبا إخراجيا متمردا على القواعد السينمائية الكلاسيكية، فنشعر بأنك مرتاح في صناعة هذا الفيلم، وتحاول ممارسة فعل التجريب داخل الإطار السينمائي والحبكة. هل هذا الأسلوب السينمائي راجع لخلفيتك في صناعة الفيديوهات في “يوتيوب”، أم أنك تحاول أن تُؤسس لموجة سينمائية سعودية جديدة تعتمد على التسلية والإبهار البصري لجذب المتلقي؟

أشبّه صناعتي للأفلام والإخراج بشخص تعلم لغة ما بسبب سماعه وممارسته لتلك اللغة بشكل مستمر، لا بسبب حضور الدروس حول السينما، فأنا في الحقيقة لا أتعمد كسر القواعد، لكنني لا أعرفها أصلا حتى أتبعها.

لقطة من الفيلم السعودي “شمس المعارف”

 

أتبع حسي بشكل كبير، وأحاول أن أتابع الأعمال والأفكار التي تشبه ما أعمل عليه، وهذا فعلا نابع من صناعة المحتوى لسنوات لمنصة “يوتيوب”. لا أحاول صناعة موجة، لكن أعتقد أنني جزء من موجة تكونت بسبب ثقافة الإنترنت وثورة صناعة المحتوى.

نعرف أن السينما في السعودية ولوقت قريب كانت مجالا مقيدا يصعب الولوج إليه، ما السبب الذي جعلك تدخل هذا المجال، وما هي التحديات التي واجهتها في البداية؟

كان مصدر الترفيه الوحيد المتاح للسعوديين لفترة طويلة هو التلفزيون وكرة القدم وأفلام الفيديو، لم أهتم بكرة القدم، وتركز كل اهتمامي في الأفلام، ومع موجة صناعة المحتوى لاحظت أنا وأخي صهيب قدس أنه بإمكاننا تقديم شيء مختلف، وفعلا وُفقنا في صناعة محتوى متأثرين بالأفلام، ومن ثَم انتقلنا من صناعة المحتوى إلى الأفلام القصيرة ومسلسلات التلفزيون. ولما جاءت فرص التمويل كنا مستعدين الحمد لله.

طبيعة الفيلم توحي بأنه سعودي تماما، من طريقة اللبس والأثاث والتعامل مع الجنس الآخر. كيف حاولت في فيلمك أن تجمع بين فيلم محلي وفيلم موجه للجمهور العالمي في الوقت ذاته؟

إنها مزاوجة نحاول ضبطها باستمرار، وهي فعلا صعبة، فالمطلوب هو إضافة قصة جديدة إلى مكان كل شيء فيه متوفر، وفي وقت فيه كل الأفلام من كل الدول من كل السنوات على بُعد ضغطة زر على الإنترنت.

صورة تجمع المخرج السعودي فارس قدس مع مصوّر فيلم “شمس المعارف”

 

لكن مع المحاولة المستمرة لفهم الثقافة المحلية (البيئة والذكريات الشخصية) ومتابعة الثقافة العالمية (العولمة، السوشيال ميديا، الوباءات.. إلخ) تصبح العملية أسهل، أعتقد أنها عملية تحدث بشكل لا واعٍ.

في فيلمك تتكرر التحايا والإشارة للمسلسلات العربية والأفلام العالمية، ويظهر فيلمك بأن الشباب السعودي على اطلاع كبير بالسينما العالمية، على عكس الجيل السابق الذي يظهر في الفيلم بأنه لا يهتم بالسينما والفن. فهل هذا نقد منك للهوة بين الأجيال في المجتمع السعودي؟

لم نفوت فرصة الحديث عن الفن في قصة تدور حول صناعة الأفلام، وأرى أن هذا نابع من حبنا الشخصي للأفلام والسينما، لم يكن الهدف نقد المجتمع، وإنما أحببنا تعريف الأشخاص بأذواقهم، وهو أسلوب يعطيهم بُعدا وعمقا يُشعر المشاهد أنهم أشخاص حقيقيون. مشاهد نقاش الأعمال الفنية هي من أكثر الأحداث المأخوذة من واقعنا، فهي تمثل حياتنا اليومية، كما أنه لا شك أن تشترك بعض الشخصيات ببعض الناس الحقيقيين في حبها أو تحريمها للفن.

كثيرا ما يتساهل النقاد مع السينما السعودية في هفواتها بدعوة أنها سينما فتية وسينما مبتدئة. هل ترى أن هذا الأمر يترك مساحة للتجريب في السينما السعودية، أم أنه يجب التعامل معها كباقي مدارس السينما العربية؟

في الوقت الحالي أستمتع شخصيا بالأفلام السعودية، وخصوصا التجريبي منها، بمحاولة فهم رؤية المخرج والغوص فيها أكثر من الاهتمام بالجانب التقني للتطبيق.

هناك تقاطعات بين صناعة المحتوى للإنترنت وصناعة السينما، وينعكس هذا على الجانب التصويري والتقني للسينما، لكنه في الوقت ذاته لا يعكس بالضرورة عمق الأفكار التي قد يجري تصويرها، هل ترى بأنه من الضروري للمخرج أن تكون له خبرة وتكوين في المجال، أم أن عالم السينما مفتوح لمن يريد؟

في نظري أن إغلاق الدائرة وحصرها على النخبة من الفنانين أمر يقتل الهدف الذي أنشئت السينما لأجله، كما أن تجاهل هذا الإرث البشري الفني تماما، والخروج من الصندوق تماما، دون استكشافه أصلا هو أمر مجحف، وهي مهمة كل فنان لاكتشاف وزنه.

 

شخصية عرابي في الفيلم كانت هي الشخصية الأكثر كوميديا في المَشاهد، لكنها تحولت لشخصية درامية مع تقدم القصة، هل ترى أن هناك خللا في السيناريو جعلكم تُحمّلون الشخصية أكثر من طاقتها في الجانب الكوميدي؟

لا أرى أن هناك خللا في السيناريو، بل هي طريقتنا في التعامل مع الدراما، فتطور الشخصية مهم، والقصة هي قصة نضج حسام، ونحن نرى عرابي من عيونه، ففي البداية هو شخصية سطحية كوميدية، ومع تقدم الأحداث يقترب حسام أكثر، ويستوعب أبعاد مُدرّسه.

عنوان الفيلم يحيل إلى الشعوذة والسحر، هل اختياركم لهذا العنوان مرتبط بمحاولتكم جرّ المشاهدين لمتابعة الفيلم، أم أنه اختيار ساخر من العادات القديمة؟

عنوان الفيلم يدل على أكثر من معنى، فمن معنى فلسفي يلمح إلى سحر السينما، ومن ناحية القصة فهو يشير إلى الفيلم الداخلي الذي يصنعه الطلاب، والذي يدور حول السحر والشعوذة، وهي فكرة يهتم بها كثير من صناع المحتوى الصغار، وتوجد لقطة في الفيلم تعبر عن هذا الفضول يتشارك فيها الشخصيات قصصهم مع الجن.

بوستر فيلم “شمس المعارف” للمخرج السعودي فارس قدس

 

حاولتم في الفيلم تسليط الضوء على عدة عادات وممنوعات في المجتمع السعودي، لكن لم تركزوا على هذه المحرمات بالعمق الكافي، فهل هذا راجع للرقابة في السعودية، أم هو اختيار إخراجي؟

ليست طريقتنا في الكتابة بالبحث عن الممنوعات وإثارة الجدل، بل هي محاولة سرد قصة بأصدق شكل ممكن، مما قد يزعج البعض، فيتوهم أن الهدف هو إثارة الجدل.

من هم المخرجون العالميون الذين تأثرت هويتك الإخراجية بهم؟

هناك أسماء عدة تخطر على البال أبرزهم “مارتن سكورسيزي” و”ستيفن سبيلبرغ” و”ستانلي كوبريك” و”كوين تارانتينو”، والقائمة تطول.