إسماعيل: السينما المغربية تنتظر رصاصة الرحمة!

المخرج محمد إسماعيل

زبيدة الخواتري

قريبا سيعرض في القاعات السينمائية المغربية، فيلم “إحباط” للمخرج المغربي محمد إسماعيل، عمل سينمائي ذو بعد سيكولوجي يسافر فيه المخرج بعيدا عن تيمة الهجرة التي سبق وتناولها في عدة أعمال سينمائية سابقة له. فيلم “إحباط” يبرز صدمات نفسية لدى شاب ناجح مهنيا، ما جعله يفقد الأمل في المستقبل وفي النساء وأثناء معالجته لدى طبيبة مختصة تدور مجموعة من الأحداث. شخّص أدوار الفيلم كل من فرح الفاسي وعمر لطفي وفهد بنشمسي ومراد إسماعيل وفاطمة هراندي، قصة الفيلم من سيناريو المخرج نفسه بمشاركة رين كانديوتي دنان. في هذا الحوار يكشف المخرج إحباطه من واقع السينما المغربية التي تنتظر رصاصة الرحمة على حد تعبيره، فيما يتأسف أيضا أمام رفض لجنة دعم المركز السينمائي المغربي لفيلمه الجديد “ريح الشمس”.

**

شاركت مؤخرا في المهرجان الدولي لفيلم المرأة بمدينة سلا بفيلمك الجديد ” إحباط”، ما هي تيمة الاشتغال الجديدة التي تناولتها؟ وكيف وجدت بقية العروض السينمائية؟

شاركت بفيلم “إحباط” في فقرة خارج المسابقة الرسمية وعرف إقبالا من طرف الجمهور، وسيكون عرض الفيلم في القاعات السينمائية المغربية في الأسابيع القليلة المقبلة. “إحباط” فيلم يتناول تيمة البعد السيكولوجي، وقد خرجت بذلك من تيمة الهجرة التي كنت أعمل عليها.

“إحباط” قصة شاب فقير كون نفسه فصار مهندسا معماريا معروفا، لكن أحداثا ماضية له مع زوجة أبيه كانت سببا في تغيير حياته، ليصبح شخصا عدوانيا تجاه المرأة. وأسعى في العمل لبيان صورة المغرب الجميل ووجهه المشرق عبر مدينتي أغادير والبيضاء، ومعالجة قضاياه الاجتماعية المُلحّة، على غرار الأفلام السابقة.

وبالنسبة لبقية العروض السينمائية فصراحة برمجة الأفلام هذا العام لم تكن في مستوى السنوات الماضية. رغم كثرة الجنسيات المختلفة التي حضرت هذه الدورة لكن اختيار الأفلام الجيدة كان ضعيفا، لم تكن ثمة أفلام قوية كثيرة. بينما في صنف الفيلم الوثائقي كانت هناك عروض قوية وأظهرت تيمة المرأة بعمق كبير.

لقطة من فيلم "إحباط"

 كما تتابع فالمغرب يشهد تنظيم العديد من المهرجانات في عدة مدن وفي كل الشهور، هل ترى الظاهرة إيجابية؟

فاقد الشيء لا يعطيه، ففي غياب القاعات السينمائية تظل المهرجانات هي المتنفس الوحيد للجمهور، إلى أي حد تخدم السينما لا أدري؟ هناك جوانب سلبية للظاهرة فعدة مهرجانات ليست لها هذه الصفة السينمائية، من خلال عدم حضور الجمهور لمشاهدة الأفلام المعروضة. صور واستعراض لكن دون حضور ملفت للعروض. فهل المهرجانات ناجحة أمام الدعم المخصص لها؟ هذا سؤال مطروح.وهناك تظاهرات أخرى تنظم في أيام قليلة جدا وفي مدن أحيانا لا تتوفر على قاعات.

تم تكريمك في عدة ملتقيات سينمائية من بينها مهرجان السعيدية ومهرجان العيون، كما تم اختيارك في لجان التحكيم في عدة تظاهرات كبيرة، من بينها مهرجان القاهرة الدولي للسينما، كيف تجد هذه الالتفاتات وحضورك في الساحة السينمائية؟

فعلا تم تكريمي مثلا في مهرجان مدينة العيون للفيلم الوثائقي، خلال الدورة الأولى للفيلم الوثائقي حول التاريخ و الثقافة و المجال الصحراوي الحساني، المنظم من طرف المركز السينمائي المغربي، وتزامن مع احتفالات الشعب المغربي بالذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء.
وكما قال المنظمون عرفانا لما قدمته من إنجازات سينمائية عن التراث الصحراوي الحساني، ولا ننسى أنني من الشهود على حدث المسيرة الخضراء التي نقلناها بالصوت والصورة للعالم كله عبر شاشة القناة الأولى. فهو تكريم كبقية المهرجانات أعتز به لأنه التفاتة ووقفة مهمة نظير ما تم تقديمه من مجهودات في عالم السينما.

وبالنسبة لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي فاختياري ضمن لجنة تحكيم المهرجان في دورته السابعة والثلاثين السنة الماضية، وبالضبط عضوا بلجنة تحكيم مسابقة الآفاق العربية للمهرجان، في إطار الاهتمام الذي يولّيه لفن الإخراج السينمائي العنصر الأهم في عجلة الإبداع السينمائي.  ولا يمكن إنكار أهمية هذه الالتفاتة أيضا لأنها تكليف في الآن نفسه أن تكون ضمن حكماء المهرجان. ما يعني أن لك مشوارا مهنيا محترما حتى خارج بلدك.

رغم قرب خروج فيلمك الجديد “إحباط” للقاعات السينمائية، لكنك تقوم بعمل سينمائي آخر؟

حاليا أنا بصدد إعادة كتابة سيناريو فيلم “ريح الشمس”، الذي تم رفضه من طرف لجنة الدعم بالمركز السينمائي المغربي، هو فيلم يتناول قضية الصحراء المغربية، عمل حقوقي بامتياز ويقدم للمشاهد بعض العناصر الغائبة عنه مما يدور بتندوف. أرجو أن يحظى بالدعم لأنه يؤرخ لمرحلة عصيبة من تاريخ المغرب، فهو فيلم روائي طويل يستمد قوته من أحداث المرحلة. لا أعرف صراحة أسباب الرفض رغم أن العمل يحمل في ثناياه قضية وطنية، لأنه يظهر المشاكل التي يعانيها المحتجزون في مخيمات تندوف بالصحراء. فهي قضية المغرب الوطنية الأولى، ونحن لا نمتلك فيلما يعالج هذه القضية وما أنجز لحد الساعة لم يكن في مستوى الحدث. نحتاج أن نطرح سينمائيا هذه القضية الهامة في وجدان كل مغربي دون السقوط في البروباغاندا.

لقطة من فيلم "إحباط"

تجتهد كثيرا في البحث عن مواضيع تقدمها أعمالا سينمائية، هل تبحث بالضبط عما يستهويك وترتاح له أم ما قد يجلب لك شهرة جماهيرية؟

اشتغلت على تيمات كالهجرة السرية، واشتغلت على تيمات قريبة من المجتمع والمشاكل اليومية، التي يتخبط فيها المواطن المغربي. أشتغل على مواضيع آنية تلقى إقبالا من قبل الجمهور، لأنها تلامس واقعهم اليومي، مثلا فيلمي “هنا وليه”، و”وبعد” حظيا بنسبة مشاهدة كبيرة، كما أن فيلم “أولاد لبلاد”، الذي تطرق إلى بطالة الأطر العليا حقق نجاحا متميزا. لا يمكنني تفضيل عمل عن سواه، فلكل منهم تاريخه، وقيمته الفنية والأدبية، لكن الفيلم الذي ترك صدى بداخلي هو “وداعا أمهات”، لأنه شارك في مهرجانات دولية. وطبعا لكونها نابعة من عمق المجتمع فإني أشعر بها وأعمل فيها انطلاقا من اقتناعي بالفكرة وارتياحي لها.

كيف تجد الأعمال التلفزيونية التي تبث في القنوات العمومية؟

صراحة نحن في حاجة إلى القطاع الخاص، من قنوات غير حكومية. أما القطاع العام، فأظن أن هناك تخمة من القنوات التلفزيونية غير الصالحة، والتي لا يراها أي متفرج. أما قنوات القطاع الخاص فنحتاج إليها، أعتقد إذا كان هناك شيء من الاحتكاك، فستكون هناك منافسة كي يعمل المبدعون كل في تخصصه، كتاب السيناريو والمخرجون والمصورون والممثلون. بينما حاليا في ظل هذه القنوات الرسمية فنحن نعاني من المنافسة غير الشريفة ويتم إقصاؤنا في الكثير من المناسبات، ونظل نبحث عن فرص للظهور والاشتغال في منابر أخرى.

بمعنى أنك لا تحبذ فكرة الأعمال الأجنبية المدبلجة المقدمة في كافة القنوات الوطنية؟

بالطبع فكيف نسافر خارج البلد بحثا عن الإبداع وهو بين ظهرانينا. ثم عن أي إبداع يتحدثون ويقدمون. الأعمال الأجنبية لا تربطنا معها أية ثقافة فنحن بهذا نكسر تراثنا وتقاليدنا وقيم مجتمعنا. أستغرب من أسلوب تعامل المسؤولين بالتلفزيون العمومي مع بعض الأعمال المقدمة لهم، إذ لا يتعاملون بالمنطق نفسه مع الجميع، فحينما نقدم مشروع عمل غير مسبوق، وله ارتباط بما يجري في الحاضر يوضع في الرفوف، تمر أشهر دون أن يصلني أي جواب لا بالإيجاب أو السلب، إنه حصار إبداعي.

ما هو طموحك السينمائي في ظل الإكراهات والأوضاع السينمائية الحالية؟

يتنهد ويفكر ..

شخصيا أتمنى، وليس أطمح، أتمنى أن تتاح لنا الفرصة للاشتغال والاستمرار في المجال السينمائي. يجب على السينما المغربية كسب ثقة الناس ومعالجة إشكالية العزوف عن القاعات. والواقع المؤسف أن الكثير من الأفلام التي تعرض لا تستحق تسمية فيلم. مهما قامت به الحكومة فالسينما بالمغرب تحتضر وتنتظر فقط رصاصة الرحمة. فمهما كان الدعم الحكومي فهو غير كاف أمام وفرة المواد والأعمال والمخرجين ومشاريعهم. فأين ستذهب الاعمال السينمائية المنجزة؟ أين القاعات السينمائية؟ قاعات تغلق وتغلق حاليا باستثناء بعض المركبات السينمائية الجديدة. فحسب بعض الإحصائيات سبع وثلاثون قاعة سينما بالمغرب حاليا. رقم مخيب. يجب تحفيز الناس للعودة للقاعات السينمائية وتشجيع فتحها من جديد. نحن كمخرجين ليست لنا قوة إزاء إغلاقها، والدولة هي المعنية لأنها تبني مدنا جديدة دون مركبات سينمائية أو ثقافية.