الفنان المغربي إدريس الروخ: يمكننا إنعاش السينما المغربية بجوائز كبيرة عندما نميل إلى البساطة وتمجيد الهوية

حوار: المصطفى الصوفي

الروخ فنان متعدد المواهب فخلال تجربته الفنية قام بالتشخيص والإخراج والاقتباس وتنفيذ الإنتاج والكتابة الدرامية

نَظْرته من خلال ذلك المشهد الذي امتطى فيه صهوة جواد أصيل بضواحي مراكش تقول الشيء الكثير، حتى لو لم ينبس ببنت شفة، فهو قوي حينما يغضب، وحنون حينما يمسح دمعة البؤس على خدّ صبية تسكن العراء، لكنه في أحيان أخرى يجعلك لا تكتم أنفاسك فتضحك أو تبتسم. هذا هو الممثل والمخرج إدريس الروخ الذي يعد من الممثلين المغاربة البارزين، الذي بصم تجربته الفنية بكثير من العطاء والتميز من خلال أعمال مختلفة لعب فيها دور البطولة، وحقق فيها انتشارا واسعا.

الروخ ابن مدينة مكناس التي تشتهر بتاريخيها العريق في المجال الفني والتراثي وكذلك الثقافي والحضاري، فهو من مواليد نهاية ستينيات القرن الماضي، وتدرج عبر الكثير من المحطات الفنية والمهنية داخل المغرب وخارجها، مما أهّله ليصبح من الممثلين البارزين في المغرب.

خلال تجربته الفنية قام بالتشخيص والإخراج والاقتباس وتنفيذ الإنتاج والكتابة الدرامية، وغير ذلك من جوانب الممارسة الإبداعية في المسرح والسينما والتلفزيون، وهو ما يجعله فنانا متعدد المواهب، فهو خريج المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالعاصمة الرباط، والمعهد الوطني العالي للفن الدرامي بباريس “الكونسيرفاتوار”، فضلا عن دورات تأهيلية دولية خاصة.

يتذكر الجمهور الكثير من الأفلام التي تألق فيها الممثل، نذكر منها “أصدقاء الأمس” للمخرج حسن بنجلون، و”عبدو في عهد الموحدين” لسعيد الناصري، و”ملائكة الشيطان” لأحمد بولان، فضلا عن “حياة” لرؤوف المصباحي، و”أكادير بومباي” لمريم باكير، و”الطفل الشيخ” لحميد بناني، ومسلسلات وأفلام تلفزيونية عديدة.

وقد أهلته تجربته وتألقه وتتويجه في الكثير من المهرجانات، فضلا عن أدوراه المتعددة والقوية التي تختلف بين السلطوي والعنيف والكوميدي في بعض الأحيان، إلى خوض تجربة جديدة مع مخرجين أجانب من خلال أفلام ممتعة نذكر منها “بابل” للمخرج المكسيكي أليخاندرو كونزالس أناريطو، و”سريانا” للمخرج الأمريكي ستيفن كاكان، و”ذهب أسود” للفرنسي جان كا، وغيرها من الأفلام لمخرجين من ألمانيا وإسبانيا والولايات المتحدة وغيرها.

وخاض الروخ أمام هذا الثراء تجربة أخرى في إخراج أفلام قصيرة وأعمال تلفزيونية، ومنها فيلمه القصير “رقصة الريح” و”الضربة القاضية” و”نهاية سعيدة” و”بوغابة” و”حليب السلطان” وغيرها.

 

وبمناسبة تكريمه مؤخرا في العاصمة باريس واشتغاله على أعمال جديدة، التقته الجزيرة الوثائقية في الحوار التالي:

  •  يرى الكثير من المتتبعين لأفلامك أن إدريس الروخ ممثل مثير للجدل، أين يكمن هذا التفرد، وهل فعلا ترى في نفسك هذا التوصيف؟

عندما نتحدث عن الإثارة والجدل في الفن فإننا نتحدث أيضا عما نقدمه من أدوار في السينما المغربية والعربية والدولية تجعلنا نكون ذلك أو قريبين منه، وذلك بحكم اشتغالي مع عدد من المخرجين الأجانب ومن خلال طريقة التعامل وتقمص الشخصية وفهم ما يحدث في الساحة الفنية المغربية العربية والعالمية بشكل عام، وبالتالي يمكننا الحديث عن طريقة التفكير واستقبال المواضيع وتناولها واختيار الأدوار، أو الدور الرئيسي الذي تلعبه، فضلا عن طريقة التعامل والتفاعل مع الحدث سواء كممثل أو مخرج أو كإنسان.

وأعتقد جازما أن الإثارة تكمن في كيفية التعامل مع النص بطريقة احترافية، وفهمها وتناولها وتقديمها إلى الجمهور، وفي هذا السياق أنا اشتغل بطريقة تمكنني من فهم الشخصية وتناولها بطريقتي الخاصة، وهذا الأمر قد يمنح المتلقي نوعا من الإثارة، خاصة في الأدوار الشريرة مثلا أو ذات السلطة والقوة والنفوذ، وقد يصنع مني شخصية متفردة، لكن السرّ يبقى لدى كل فنان كيف يقدم التشخيص وكيف يتفاعل معه، وكيف يصنع من الدور موضوعا مهما للإثارة وصنع الفرجة الحقيقية التي تبحث عنها السينما، وهذا هو رهان رؤية المخرج.

  • بمعنى أنك تعيش داخل الشخصية لتقديم الأفضل كما حصل مثلا في أفلام سينمائية وتلفزيونية عدة؟

إن تناول الشخصية من الناحية السيكولوجية والوجدانية بالرغم من انعكاساتها الذاتية والاجتماعية يُمكّنني من فهم الدور وتقمصه بالطريقة الصحيحة التي تريح المخرج والمشاهد. وأعتقد أن العيش داخل عالم الشخصية كالذي حصل في فيلم “كاريان بوليود” لياسين فنان، أو في فيلم “عايدة” لإدريس المريني، أو مع المخرج نور الدين لخماري في فيلمه “كازانيكرا”، أو في أفلام أخرى وليس خارجها؛ قد يصنع من المشهد فسحة للإثارة وإضفاء الطاقة الإيجابية على المشهد، والتي تمكن البطل الذي أكونه من صنع الجمال السينمائي الذي يبحث عنه الروخ في مختلف أفلامه.

وفي جانب آخر من الإثارة، هناك أيضا تعدد الاشتغال سواء في السينما أو المسرح أو التلفزيون، فضلا عن مستويات تدريس وتلقين الطلبة طرق الأداء والمكونات الأخرى المصاحبة أمام الكاميرا، أو الاشتغال على الضوء أو الديكور والملابس إلى غير ذلك، وأعتقد أنه حينما نقول “تثير الجدل” فهنا تكون الإثارة بمعنى تعدد الاستعمالات الأخرى المصاحبة للعمل الفني عموما.

صورة تجمع الفنان المغربي إدريس الروخ مع الممثلة والكوميدية سكينة درابيل

  •  قضايا التمثيل بالمغرب متعددة، لكن كيف يراها الروخ كممثل خاض تجارب عدة منذ أكثر من ثلاثين سنة؟

إنها قضايا شائكة ومتشعبة لكنها مغرية ومثيرة في بعض الأحيان، وأعتقد في هذا السياق التأكيد على أن التمثيل مدرسة وفن قائم بذاته.

لقد مررت في عدة محطات سواء في المعهد من أجل التكوين أو من خلال الورش، أو مع فرقة المعمورة الشهيرة التي أفرزت الممثل الباحث والمكوّن المشتغل على نصوص مختلفة، فضلا عن مدارس عديدة من خلال ترجمات عالمية، وهذا ما ساهم في فسح المجال للممثل المغربي دخول غمار التمثيل، خاصة على مستوى الإذاعة التي لعبت دورا أساسيا في ترسيخ الأسس الأولى لعمل احترافي قوي ليس في المغرب بل أيضا في العالم العربي، مثل مدرسة في الإلقاء والاشتغال على الصور ثم التلفزيون ثم السينما، كما قدمت أجيالا من الفرق المسرحية التي تكونت بطرق مختلفة، كما أن الممثل مرّ بمراحل عدة خاصة من المسرح الهاوي والمدرسي والجامعي، واستطاع العديد من الممثلين المغاربة أسوة بنظرائهم العرب والخليجيين أن يخلقوا لأنفسهم نموذجا للإبداع سواء في التمثيل أو الكتابة أو الإخراج.

وبعد تأسيس المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط وكذلك المعاهد الخاصة بالدار البيضاء، وورش المرحوم عباس إبراهيم بالمسرح الوطني محمد الخامس، تم إفراز جيل جديد من الممثلين، وهناك من انخرط في مدارس أوروبية من أجل صقل موهبته، وكان من اللازم إنشاء من يدافع عن أحلام هؤلاء المبدعين، فكانت في الأول غرفة الممثلين مع المرحوم حسن الصقلي والشعيبية العدراوي، وبعدها النقابة الوطنية لمحترفي المسرح، وبعدها نقابة المهن المغربية التي أسست لفعل قانوني للدفاع عن حقوق الفنانين والممثلين من خلال التغطيات الصحية والعقود وبطاقة الاحتراف وغيرها، وبالتالي فإن الممثل المغربي قطع أشواطا طويلة حقق من خلالها إنجازات ومكتسبات مهمة، وأبرزها قانون الفنان الذي يعترف بوضعية الفنان كممثل مهني واحترافي.

ومن هنا أؤكد ثانية أن قضايا التمثيل في المغرب هي قضايا ترتبط بجوانب عدة في المجال، لكن يمكن القول بأنها تسير في الطريق الصحيح، خاصة في ظل القوانين والدعم الذي أوجدته الدولة من أجل تطوير وتنظيم المجال.

  • هناك من الممثلين من يشتكي من العطالة أو البطالة، كيف ترى هذا الموضوع في ظلّ وجود تطور نوعي في المجال من خلال مشاريع الدعم المالي للسينما مثلا، وكذلك حركية مهمة على مستوى تصوير الأفلام الأجنبية بالمغرب وما إلى ذلك؟

الأمر هنا له علاقة بجودة الإنتاج والشركاء، خصوصا المنتجين الحرفيين الذين لديهم علاقة بالممارسة الفنية والإبداعية، ويفكرون في استقطاب ممثلين محترفين ونجوم، والاعتماد عليهم سواء بالسينما أو التلفزيون وخاصة الموجهة لشهر رمضان.

بخصوص الممثلين هناك من يعرف كيف يسوّق نفسه ويبني مستقبله المهني، وكيف يطور طريقة اشتغاله وشخصيته، وأعتقد أن الممثل المغربي لو فهم اللعبة جيدا وطبعا بالإضافة إلى احترافيته فلن يبقى عاطلا طول العام. صحيح أن هناك ثراءً في العمل التلفزيوني والسينمائي مقارنة بالسنوات الماضية، لكن ليست بالكثرة التي تشغل كل الفنانين، والعائدات المالية للممثل غير كافية، فلا بدّ من ضرورة إيجاد أعمال أخرى واستثمارات أكثر والاشتغال على عقود ذات أهمية، وهذا لا يتحقق مع الجميع، فكل شخصية وقيمتها ونجوميتها، وهنا يكمن الاختلاف.

ما نعانيه في المغرب هو أن أغلب الممثلين ليس لهم وكلاء أعمال أو قوانين خاصة. أعتقد أن على الممثل أن يقدم ما لديه من إبداع، وينظم ويطور نفسه تواصليا وعلى مستوى العقد والسيناريو والمخرج، وهذا قد يعطي نتائج مهمة وإن كنت أراها صعبة للغاية.

الروخ: إن تناول الشخصية من الناحية السيكولوجية والوجدانية بالرغم من انعكاساتها الذاتية والاجتماعية يُمكّنني من فهم الدور وتقمصه بالطريقة الصحيحة التي تريح المخرج والمشاهد

  •  وكيف ترى معي تحول العديد من الممثلين إلى مخرجين ومنتجين في الوقت نفسه، هل العملية فيها نوع من المبالغة لتحقيق أهداف شخصية؟

يعيش المخرج في المغرب تحولات مختلفة على مستويات، فهو يعيش أوضاعا مختلفة بين طموحه وما يودّ تقديمه وينتجه ويبدعه، وذلك على مستوى الفكرة والرؤية والطموح والأحلام والوسط الذي يعيش فيه بعوالمه الخاصة فلسفيا وفكريا ووجدانيا.

على المستوى الفني والتقني على المخرج أن ينخرط في أي عمل يقدم له، فهناك من المخرجين من أصبح منتجا لضرورة ما، وبالتالي هم يصبحون في صراع مرير مستمر بين المبدع الذي يعيشه، وهذا يشكل عرقلة وصعوبة على مستوى الإبداع، وأعرف الكثير منهم يحاولون التوفيق بين التمثيل والإخراج والإنتاج، إنه أمر صعب لكنه ممكن، ففي حالة إذا ما توفر العمل الإبداعي يغيب الطابع الربحي، وهناك مخرجون يعملون مع المنتجين. إن العمل الربحي يفسد الإبداعي ويشكل مفارقة بين الإنتاج والتسويق وتمرير خطابات معينة. الجمع بين كل ذلك ممكن، لكن ليس على حساب العملية الإبداعية والفرجوية التي ينتظرها الجمهور.

في العملية يوجد صراع فكري ومادي لدى أولئك الحالمين بهذا التحدي، وهذا العمل أسهل في السينما لأن المخرج لديه قوة إبداعية حاضرة، وذلك انطلاقا من كتابة السيناريو والتصوير والمونتاج، لكن في التلفزيون الأمر أصعب.

  • رغم حضور السينما المغربية في مهرجانات دولية كثيرة، فإن فوزها بجوائز يبقى ضئيلا، ما السبب في نظرك؟

صحيح أن السينما المغربية تحضر في كثير من المهرجانات مثلها مثل باقي سينما الوطن العربي، وبالتالي فإن حضورها وعرض أفلامها يعد مكسبا، لكنني أرى عكس ذلك، فالفيلم المغربي حصل على عدة جوائز وتم تكريمه في أكثر من مناسبة دولية، وبالرغم من كل ذلك فإن الفيلم المغربي بحاجة إلى مجهود إضافي ووقت كبير لتحقيق الأفضل، وضرورة تركيزه على نوعية المواضيع التي تغازل عقول وقلوب وأفكار لجان التحكيم والقائمين على تلك المهرجانات، علما بأن لكل مهرجان ميزته.

صحيح أننا في المهرجان الدولي في مراكش دائما ما تخرج المشاركة المغربية بخُفّي حُنين، وبالتالي كما قلت فإن الفيلم المغربي بحاجة إلى بذل مزيد من الجهد للظفر بجوائز قيّمة خاصة في مهرجانات عالمية مثل مهرجان كان وبرلين وسان سبستيات وفنيزيا، فعندما نميل إلى البساطة وتمجيد الهوية والإحساس الداخلي وعمق الكتابة التي لها صلة بالإنسان، فإننا يمكننا أن ننعش الخزانة السينمائية المغربية بجوائز دولية كبيرة.

 

  •  بالإضافة إلى بعض إشكاليات السينما المغربية التي تُضاف إلى مشكلة القرصنة وقلة الدعم وأزمة الإنتاج وضعف الكتابة السينمائية، هناك إشكالية أخرى تتعلق بقلة صالات العرض، ألا ترى بأن ذلك قد يقوض مختلف التجارب السينمائية؟

فعلا، الكثير من المخرجين والمنتجين يعانون من شبح القرصنة التي تأتي على الأخضر واليابس، وهناك الكثير من المنتجين الذين صرفوا أموالا طائلة على أعمال سينمائية، لكنهم صُدموا لأن أعمالهم وأحلامهم صودرت، لكن في السنوات الأخيرة تدخلت الدولة بحزم للتصدي لهذه الظاهرة، وهو ما أعطى أكله وأصبح شبح القرصة أقل ضررا.

وبالإضافة إلى إشكاليات أخرى فإن السينما المغربية تعاني بالفعل من أزمة قلة صالات العرض، وهذا حديث ذو شجون، لأنه لا يعقل أن تنتج فيلما ولا تجد فضاء تعرضه فيه، علما بأن صالات العرض لا تتجاوز ثلاثين قاعة في مختلف ربوع المملكة، وتبقى المهرجانات هي الفضاء الأرحب لعرض تلك الأفلام وإيصالها إلى الجمهور والذي أصبح هو الآخر يعزف عن متابعة ما جدّ في المجال.

إن قلة القاعات تَسبب في أزمة ضعف انتشار الفيلم المغربي ومن خلاله الفيلم المغاربي والعربي عموما، وبالتالي فإن الفيلم المغربي لم يعد يشاهد إلا نادرا،  فخلال السبيعينيات من القرن الماضي كانت القاعات تقارب 300 قاعة، وعدد السكان لا يتجاوز 20 مليون نسمة، وكانت تباع ما يقارب الـ50 مليون تذكرة في السنة، بمعنى أن الجميع اعتاد مشاهدة فيلم واحد في السنة وإعادة مشاهدته، إضافة إلى الأفلام العربية والهندية والصينية وغيرها، حيث كان الجمهور المغربي متعطشا لرؤية الفيلم سواء في القاعات أو من خلال النوادي السينمائية.

اليوم في المغرب أصبحنا ننتج ما بين 18 و24 فيلما في السنة، وهذا أمر إيجابي، لكن في ظلّ قلة القاعات والثورة الرقمية والعزوف عن الذهاب إلى القاعات يصل العدد إلى ما بين 150 و200 ألف مشاهد في السنة وهو عدد قليل، وهذا يضر بالإنتاج السينمائي ويؤثر بشكل سلبي على تطوير السينما المغربية والصناعة السينمائية.

لقطة للفنان المغربي إدريس الروخ في فيلم قسم المسيرة

  •  ما قيمة حضور السينما الوثائقية في المنظومة السينمائية المغربية ككل، وكيف تراها تساهم في إثراء المجال لما لها من روح فنية وجمالية وإبداعية خلاقة؟

طبعا السينما الوثائقية حاضرة بقوة في المنظومة السينمائية المغربية ككل بل تُشكل حجر الزاوية، وذلك من خلال الكثير من الأعمال الممتعة والجيدة، والتي تألقت في مهرجانات عربية ودولية، وحضورها الوازن ترجمته الكثير من المهرجانات الدولية المتخصصة في السينما الوثائقية، أو مهرجانات أخرى تفرد حيزا كبيرا لها، وتخصص لها مسابقة رسمية سواء من خلال المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة، ومهرجان أوروبا الشرق للفيلم الوثائقي بطنجة، ومهرجان زاكورة للسينما الوثائقية العربية الأفريقية، والمهرجان الدولي لفيلم المرأة، ومهرجان العيون للثقافة والتراث الحساني الصحراوي، وغيرها من المهرجانات التي تشكل محطة مهمة للتلاقي وعرض تجارب وثائقية ممتعة.

لذلك فإن الشريط الوثائقي والتسجيلي أصبح ضرورة ملحة، وله حضور قوي واهتمام كبير سواء من قبل الجمهور أو من قبل صناع الأفلام وحتى تلك المهرجانات، وأصبحت هناك لغة فيلمية وثائقية حاضرة لدى الجمهور، خصوصا فيما يتعلق بمواضيع اجتماعية تاريخية سياسية واقتصادية، وبدعمنا للوثائقي فإننا ندعم جانبا من المشاهدة السينمائية من زاوية أخرى، وهذا جميل للغاية.

  • من خلال كل ما قدّم الروخ تمثيلا وإخراجا، هل حقق ما كان يطمح إليه، أم أنه لا يزال يبحث عن ذلك الفنان الذي يعيشه ولم يلتقه؟

من خلال التمثيل والإخراج والتدريس والتأطير أعتقد بأنه لا تزال لدي طموحات للانتشار وتأكيد الذات والاستفادة من التجارب الأخرى، فأنا أنتمي إلى جيل يعشق الفضول المعرفي، فما زلت أبحث عن وسائل أخرى للتواصل مع الذات والآخر غير ثقافة الصورة وما أقدمه سواء على مستوى الكتابة أو التمثيل أو الإخراج، فالسينما ليست إلا وسيلة تقربني إلى أهداف نبيلة وإنسانية، وما زلت أبحث عن ذلك الطفل الفنان الذي يسكنني للعب ولتقديم الأفضل والتواصل عبر السينما، والتي أعتبرها نافذة أطلّ عبرها على مشارف الحلم لأستنشق عبير الحبق من شرفات الضوء.

إدريس الروخ: جديدي على مستوى الإخراج يتمثل في فيلمين روائيين قصيرين هما "رقصة الريح" و"مكناس 1986، إم كا إس"

  •  وماذا عن جديدك الفني والإبداعي؟

جديدي على مستوى الإخراج يتمثل في فيلمين روائيين قصيرين هما “رقصة الريح” و”مكناس 1986، إم كا إس”، والثاني فيلم يتحدث عن فترة من الفترات العصيبة في فترة الثمانينيات والتسعينيات والذي صُور بمدينة مكناس، وهو من بطولة الفنان سعيد باي وفرح الفاسي، هذا فضلا عن فيلم طويل بعنوان “جرادة مالحة” ويصور بمدينة إيفران.

على مستوى التلفزيون أنا أُحضّر لبعض الأعمال الجديدة، والتي ستكون حاضرة بحول الله خلال شهر رمضان المقبل. أما على مستوى المسرح وبعد أن ابتعدت عنه لمدة، فأنا أستعد لإخراج مسرحية “دمى من ورق” و”بلادي مون بيي”، وهذا سيعيدني إلى أبي الفنون بنَفَس جديد ورؤية إخراجية جديدة ومع ممثلين محترفين.

  • تم تكريمك الشهر الماضي بالعاصمة الفرنسية باريس، ما أهمية ثقافة الاعتراف لمنح الفنان المزيد من الطاقة الإيجابية كي يُبدع، وفي إبداعه إبداع جديد؟

 فعلا إن التكريم اعتراف، ويمنحك طاقة ومسؤولية كي تضاعف الجهود، وتكون دائما عند حسن ظن الجمهور. تم تكريمي مؤخرا في باريس من قبل الجالية المغربية وكذلك المغاربية والعربية في احتفالية لا تُنسى، كما أنني كُرمت عددا من المرات، أذكر تكريمي في مهرجان سيدي قاسم السينمائي، والمهرجان الدولي للهجرة بأغادير، وفي مدينتي مكناس حين تشرفت بالرئاسة الشرفية لمهرجانها، كما سأُكرم في فبراير/شباط القادم بمهرجان الفقيه بن صالح السينمائي الدولي.

وبالمناسبة أشكر كل هذه المبادرات، وكل من يفكر بالاحتفاء بتجربتي السينمائية والتلفزيونية والمسرحية، وأؤكد من جديد بأن ثقافة التكريم ثقافة محمودة تُلقي على الفنان مسؤولية جسيمة لبذل المزيد من العطاء من أجل الفن ومن أجل السينما، هذا الحلم الأزرق الذي نطمح إليه جميعنا بأن نلمس نجومه في الأعالي حتى نضيء، وتُضاء معه شموع الحياة.