المخرجة اللبنانية ريم صالح للوثائقية: “الجمعية” كسر الصور النمطية عن الأحياء الشعبية العربية

حوار: رشا حسني

ريم صالح: ما دفعني لصناعة الفيلم هو أن والدتي مصرية، وقد عاشت خارج مصر أكثر من ثلاثين عامًا

فيلم الجمعية (طالع مادة سابقة عن الجمعية”.. سواعد المرأة وأثقالها) هو فيلم وثائقي طويل للمخرجة اللبنانية ريم صالح، وشهد عرضه العالمي الأول شهر فبراير/شباط الماضي في قسم البانوراما بمهرجان برلين السينمائي الدولي. ومنذ العرض الأول للفيلم مرورا بعرضه في مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثانية سبتمبر/أيلول الماضي، ووصولًا لعرضه في الدورة الأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فإنه ما زال يلقى ردود أفعال متباينة، وذلك لخصوصية موضوعه وشخصياته وحتى خصوصية المكان الذي تدور فيه أحداث الفيلم وهو حي روض الفرج في القاهرة.

لم ينجح الفيلم في الحصول على أيّ من جوائز مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في نسختة الأربعين، إلا أنه يبقى رغم كل شيء أحد التجارب المهمة والمختلفة التي عُرضت في المهرجان هذا العام، ونجح في وضع مخرجته في مصاف المخرجين الواعدين.

لكن لا يمكن إغفال إثارة الفيلم لحالة من الجدل الواسع عند كل مرة يُعرض فيها، وللحديث عن الفيلم وطبيعته وعن ردود الفعل المتباينة حوله، أجرت الوثائقية الحوار التالي مع مخرجة الفيلم ريم صالح.

  • ما الذي دفعكِ للتفكير بصناعة فيلم الجمعية؟

ما دفعني لصناعة الفيلم هو أن والدتي مصرية، وقد عاشت خارج مصر أكثر من ثلاثين عامًا، لكنها قبل أن تُتوفى أوصتني أن تُدفن في القاهرة، وبالتحديد في منطقة روض الفرج؛ المكان الذي أحبّته كثيرًا والحيّ الذي نشأت وعاشت فيه.

فبعد أن توفيت والدتي في ديسمبر/كانون الأول عام 2009 اعتدت الذهاب إلى القاهرة، وتحديدًا منطقة روض الفرج حيث قضيت وقتًا كبيرًا هناك، وكنت أعلم بنظام الجمعية خاصة وأنه منتشر جدًا في تلك الأحياء، ففكرت أن أراقب مجموعة من الأشخاص من خلال فكرة الجمعية وأتابع ماذا يفعلون بعد حصولهم على أموال الجمعية، وكيف يمثل لهم هذا التقليد الاجتماعي نوعا من التكافل والتضامن، وتلك كانت بداية الفكرة.

  • ما رأيكِ في التهمة الجاهزة الآن لمثل هذه النوعية من الأفلام؛ الإساءة لسمعة مصر؟

لقد صنعتُ الفيلم بنية أو بغرض عرض هذا النظام الاجتماعي الذي يصرّ هؤلاء الأشخاص على ممارسته رغم أيّ ظروف صعبة وقاسية يعانون منها، وفي الوقت نفسه بغرض عرض المكان؛ حي روض الفرج بشفافيته ومميزاته وعيوبه بكل مصداقية نابعة بالأساس من حبي لهذه المنطقة وأهلها، وتعلقي بهم وإعجابي بطرقهم للتعايش مع ظروفهم القاسية بشكل جميل، ووجدت أننا بحاجة إلى أن نراه ونفهمه وألا نُلقي بأحكامنا المسبقة على الفقر، وأنه يجب علينا فهمهم، فهم في النهاية أناس يشبهوننا بمشكلاتهم وأفراحهم، بل أيضًا يمكن أن يزيدوا عنا بتضامنهم الاجتماعي بهذا الشكل الجميل.

  • من كانت أكثر شخصيات الفيلم التي تأثرتِ بها إنسانيًا بشكل كبير، ولماذا؟

تأثرت بكل الشخصيات دون استثناء، ولكن أكثر شخصية كنتُ قريبة منها وتأثرت بها كثيرًا هي بطلة الفيلم “أم غريب”، لأنها مثال للمرأة والأم والزوجة والشقيقة، فهي السيدة المناضلة التي تعمل من كل قلبها والتي لا تدع شيئا يعيقها أو يقف أمام تحقيقها لما تريد، والتي لا تفكر فقط بزوجها وأولادها وعائلتها، لكنها تفكر أيضا بالناس، وهي بالنسبة لي مثال للمرأة المصرية.

بطلة الفيلم "أم غريب" مثال للمرأة والأم والزوجة والشقيقة، فهي السيدة المناضلة التي تعمل من كل قلبها والتي لا تدع شيئا يعيقها أو يقف أمام تحقيقها لما تريد

  • تعرضتِ في الفيلم بشكل ملحوظ للمرأة والقضايا الشائكة المتعلقة بها مثل الختان، فهل استطعتِ تكوين رؤية واضحة من خلال فيلمك وشخصياته عن وضع المرأة في مصر، خاصة بأحيائها الشعبية مثل حي روض الفرج، وهل يتشابه مع وضع المرأة في لبنان على سبيل المثال؟

أعتقد أن المرأة هي المرأة في كل مكان، مشكلاتها واحدة ومعاناتها واحدة وعطاؤها واحد في كل الأماكن. أما عن موضوع الختان فقد تعرضت له في الفيلم من منطلق “الجمعية” التي يقوم بها الصغار، وماذا يفعلون بالنقود التي يحصلون عليها نتيجة اشتراكهم بالجمعية، والطفلة “دنيا” هي شخصية رئيسية ومؤثرة بالفيلم، وهي من طلبت من والديها أن تخضع لعملية الختان، وهو ما يُعد دليلًا قويًا على أن موضوع الختان موضوعًا متأصلًا ومتجذرًا في الموروث الاجتماعي للمجتمع بشكل كبير أكثر مما يتخيل البعض، وأننا إذا أردنا أن نجد حلًا له فلا يمكن حله بشكل سطحي أو فوقي أو استشراقي لأن الموضوع أكبر من هذا بكثير، فكان يجب أن نفهم أبعاد الأمر أولًا قبل أن نحكم عليه.

أما عن موضوع التشابه بين وضع المرأة المصرية ووضع المرأة اللبنانية فهذا تساؤل كبير جدًا، حيث إنني تطرقت لرصد مجموعة من النساء في حيّ واحد في مصر ولا أعتقد أنني قادرة على عمل هذه المقارنة، لكن ما يمكنني قوله هو إن المجتمع المصري يتمتع بالكثير من الجماليات الإنسانية والاجتماعية، حيث لمست منها على سبيل المثال احترام الموت، وفي الوقت نفسه حب الحياة والتضامن الاجتماعي.

  • منذ بداية التفكير في الفيلم ومرورًا بكل مراحل صناعته، ما الذي تغير في الفيلم وما الذي تغير فيكِ كإنسانة وكمخرجة؟

في بداية الفيلم كان الهدف هو متابعة مجموعة من الشخصيات وماذا يفعلون بعد حصولهم على أموال الجمعية وتأثير تلك الأموال على حيواتهم، وأعترف أنني على المستوى الشخصي تعلمت الكثير وتغير في شخصيتي الكثير حيث إنني كنت أعيش في ما يشبه القوقعة، لكن وجودي مع أبطال الفيلم ووجودي في حي روض الفرج نفسه جعلني أرى الأشياء بمنظور مختلف، وجعلني أعطي قيمة لكل شيء حتى وإن كان صغيرًا وحتى لو كان من الأشياء التي لا نوليها أي اهتمام، كما أن قربي من هؤلاء الأشخاص جعلني أكوّن صورة واقعية أكثر عن الفقر والكرامة والمعاناة، فعلى الرغم من وجود الفقر فإن هناك كرامة وتضامنا بين الناس وإن هناك الكثير نتعلمه منهم.

أما بالنسبة لما تغير في الفيلم فأعتقد هو فكرتي عنه، ففي البداية كنت أعتقد أن الموضوع سيكون أبسط بكثير من خلال مجرد متابعة ماذا سيفعلون بأموال الجمعية، لكنني وجدت أن الأمور أكثر تعقيدًا من هذا وليست كما تخيلتها في البداية، لكنني حاولت أن أسير على نفس الخط وهو خط الجمعية والتضامن الاجتماعي من البداية وحتى النهاية.

ريم صالح: صنعتُ الفيلم بغرض عرض هذا النظام الاجتماعي الذي يصرّ هؤلاء الأشخاص على ممارسته رغم أيّ ظروف صعبة وقاسية يعانون منها

  • ما هي أهم الصعوبات التي واجهتكِ أثناء صناعة الفيلم، وكيف تغلبتِ عليها؟

أكثر الصعوبات التي واجهتني في الفيلم كانت صعوبات تقنية، حيث إن حيّ روض الفرج مزدحم وبه الكثير من الأصوات، ونحن كنا فريق عمل صغيرا ومحدودا جدًا. أما مع الأشخاص أنفسهم فلم نتلق أية صعوبات تذكر، فقد ارتبطنا معهم بعلاقات طيبة وهو ما سهّل لنا العديد من الأمور. كما كانت مصادر التمويل هي إحدى الصعوبات التي واجهت الفيلم حيث كنت الممولة الوحيدة للفيلم لفترة طويلة، ثم استطعت الحصول على منحة تمويل جاءت متأخرة بعض الشيء لكنها أيضًا لم تكن كافية، وللأسف فالأفلام الوثائقية لا تأخذ حقها من التمويل والاهتمام الإنتاجي على الرغم من طول مدة عملها وتصويرها أكثر من الأفلام الروائية.

  • هل كنتِ تشعرين بتخوف ما من عرض الفيلم في مدينة القاهرة على جمهور القاهرة، وهو الذي يختلف تمامًا عن جمهور مدينة الجونة السياحية؟ وهل هذا التخوف كان سبب عدم حضوركِ إلى المهرجان واقتصار الحضور على منتجة الفيلم فقط؟

على العكس تمامًا، سعدت كثيرًا عندما علمتُ بعرض الفيلم في مهرجان القاهرة، وذلك لأنه بعد عرض الفيلم بمهرجان الجونة تلقيت العديد من الأسئلة والاستفسارات من الكثيرين عن إمكانية عرضه بالقاهرة، ولذلك عندما علمت برغبة مهرجان القاهرة بعرض الفيلم كنت سعيدة للغاية. أما عن سبب عدم حضوري فهو ببساطة لأنني تسلمت عملًا جديدًا ولم أستطع طلب إجازة، بالإضافة إلى طبيعة القسم الذي عُرض الفيلم من خلاله وهو بانوراما السينما المصرية الجديدة، والذي لا يعتبر قسما تنافسيا لذلك لا تتم دعوة المخرج من قِبل المهرجان، ولكن في الوقت نفسه كانت تمت دعوة منتجة الفيلم كأحد ضيوف فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما، ولذلك حضرَتْ عرض الفيلم هي ومساعد المخرج المقيم بالقاهرة. وقد سعدت سعادة بالغة بردود الفعل الإيجابية التي وصلتني بعد عرض الفيلم، ونحن فخورون جدًا بعرض الفيلم من خلال مهرجان القاهرة، وأتوجه بجزيل الشكر للمهرجان على إتاحته لنا فرصة عرض الفيلم في مدينة القاهرة.

ريم صالح: أكثر الصعوبات التي واجهتني في الفيلم كانت صعوبات تقنية، حيث إن حيّ روض الفرج مزدحم وبه الكثير من الأصوات

  • تميز فيلمكِ بمدخله وطبيعته الدرامية على الرغم من كونه فيلمًا تسجيليًا، فهل هذا اختياركِ كأسلوب سوف تتبعينه خلال مشروعك السينمائي، أم أن طبيعة المشروع هي التي فرضت عليكِ هذا الشكل؟

قصدتُ من البداية أن يكون للفيلم خط درامي على عكس الأفلام الوثائقية التقليدية، والسبب في هذا كان طبيعة المكان الذي يدور فيه الفيلم الذي لا يحتاج إلى التفسير أو التعليق، ففضلت أن يكون كل شيء من خلال وجهة نظر الشخصيات وبأصواتها حتى لا يعطي الفيلم أحكاما مسبقة ولا يتبنى وجهة نظر معينة، لكني فضلت أن يكون الفيلم بمثابة منصة للشخصيات كي يعبروا من خلالها عن أنفسهم.

  • هل كان ببالكِ أثناء صناعتكِ للفيلم عرضه في مهرجانات دولية خاصة مهرجان برلين، أي هل تعتبرين المهرجانات هي منافذ مشاهدة الفيلم الأساسية من وجهة نظركِ أم أنها جاءت مصادفة؟

من الطبيعي أن يكون أمل كل مخرج أن يُعرض فيلمه في مهرجان كبير، لكننا في الحقيقة لم نخطط لهذا، ففي البداية قدمنا الفيلم لمهرجان سراييفو للحصول على منحة تمويلية لاستكمال الفيلم، والتي حصلنا عليها بالفعل من سلوفينيا والذين أصبحوا فيما بعد شركاء في إنتاج الفيلم، وكانت مديرة قسم البانوراما في مهرجان برلين هي أحد أعضاء لجنة التحكيم بمهرجان سراييفو وأعجبت كثيرًا بالفيلم، وهي التي طلبت منا عرض الفيلم في قسم البانوراما بالمهرجان، ومن هنا جاء عرض الفيلم في المهرجان الذي يُعتبر منصة سينمائية عالمية مهمة جدًا نفخر بمشاركتنا بها، لكننا بالفعل لم يكن لدينا خطة واضحة لمشاركة الفيلم بالمهرجانات وكان اهتمامنا الأساسي هو الانتهاء من الفيلم.

ريم صالح: قصدتُ من البداية أن يكون للفيلم خط درامي على عكس الأفلام الوثائقية التقليدية

  • هل عُرض الفيلم عرضًا عامًا، وهل شاهده أبطاله، وما رأيهم فيه وفي الشكل الذي ظهروا به في الفيلم؟

نعم لقد شاهدوا الفيلم وأحبوه كثيرًا وهو ما أسعدني كثيرًا أيضًا، وكنا على تواصل دائم معهم جميعًا خلال مراحل المونتاج بالنسبة للأشياء والمواقف التي نودّ وضعها في الفيلم والتحقق من مدى رغبتهم في ذلك، وأنا بالفعل سعيدة لسعادتهم بالفيلم ولفخرهم به، كما أنني فخورة بهم جميعًا فقد كانوا مصدر إلهام بالنسبة لي، وسعيدة بردود الأفعال التي حصل عليها الفيلم بعد عرضه في مهرجانات دولية عالمية.

كما ساهم الفيلم في تغيير فكرة الناس عن الأحياء الشعبية في البلدان العربية، وأصبح برؤاهم الكثير من التفهم بعد أن كان يشوبها الحكم والإدانة، حيث استطعنا أن نكسر الصور النمطية من خلال تقديمنا لصورة واقعية عن هؤلاء البشر وتلك الأحياء.

  • ما هو مشروعكِ القادم وهل سيكون له علاقة من قريب أو من بعيد بفيلم الجمعية أو بطابعه الاجتماعي؟

فيلمي الجديد إن شاء الله سيكون فيلما ذا طابع اجتماعي أيضًا، لكنه سيكون فيلما روائيا تدور أحداثه في لبنان، وسيكون مبنيا على قصة حقيقية، وهو مختلف تمامًا عن فيلم الجمعية.