جمانة مناع في فيلم “حَبّ بري”.. من خراب سوريا إلى خراب العالم

حوار: محمد موسى

المخرجة جمانة مناع تجمع بين الفن التشكيلي والسينما التسجيلية، وتتنقل بشكل دوري بين هذين الوسيطين الفنيين

لا يبحث الفيلم التسجيلي “حَبّ بري” للمخرجة الفلسطينية -المقيمة حالياً في برلين جمانة مناع؛ عن مجازات بعيدة لعكس قسوة الموضوع الذي يتناوله، فهناك مجاز قوي في جوهر هذا المشروع التسجيلي الخاص الذي يتناول على نحو ما الخراب الذي تمثله الحرب السورية، عبر مرافقة عمليات حفظ حبوب زراعية في لبنان والنرويج يضطلع بها مركز إيكاردا الدولي الذي ربما فقد بنك الحبوب الخاص به، والذي كان يحتفظ به في مدينة حلب السورية قبل أن تدهم الحرب العنيفة المدينة قبل بضعة أعوام.

كما أن ضبابية ما حصل لخزين الحبوب الزراعية في حلب هو ترميز لمصير سوريا المعلق بخيوط المصالح الدولية، كما أن القتامة والخوف اللذين يغلفان فيلم “حَبّ بري” هما انعكاس للقنوط والحزن واليأس الذي وصل إليه العالم مما يجري في هذا البلد العربي.

يرافق الفيلم عمليات حفظ حبوب برية في لبنان التي يفصلها أميال قليلة فقط عن سوريا الغارقة بدمائها، كما يسافر الفيلم إلى جزيرة سفالبارد في القطب الشمالي حيث يقع أحد مراكز حفظ حبوب المزروعات من حول العالم تحسبا لكوارث كونية، إضافة لنشاطه الجدلي كثيرا بتعديل خصائص بعض البذور الزراعية لتكون صالحة للزراعة المكثفة.

تطبع المخرجة رحلتها التسجيلية في هذا الفيلم بمناخ سوداوي يقترب من التأملي في مواضع، وتمنح عبر المشاهد التي تصور العمليات التقنية لحفظ البذور في مركز إيكاردا في لبنان فرصة للتفكير بسوريا والمنطقة والعالم.

 

ترافق المخرجة سوريين لاجئين أثناء عملهم في حقول زراعية في لبنان، وتركز على مزارع سوري اسمه وليد ينتمي بنمط عمله وحياته إلى عالم سابق، كما تسجل بشاعرية خاصة يوميات فتيات سوريات يعملن في حقول زراعية في البلد الجار الذي لجأن إليه.

تجمع مناع بين الفن التشكيلي والسينما التسجيلية، وتتنقل بشكل دوري بين هذين الوسيطين الفنيين، وتتميز أفلامها بحساسية فريدة، فهي وإن تُقارب في أفلامها قضايا آنية أو تاريخية، فإن أسلوبها الخاص يضيف ديمومة وجماليات لافتة على الفئة السينمائية الشائعة، وتتلاشى في أفلامها الحدود بين الأنواع الفنيّة، كما تتكثف اللحظات الإنسانية العابرة، ويصبح لها أكثر من سياق، وتتعدى قيمتها المجردة العابرة.

عُرض فيلم “حَبّ بري” في الدورة الأخيرة من مهرجان برلين السينمائي، وبعدها في عدد من المهرجانات الدولية، وفاز بجائزة “رؤية جديدة” في الدورة الأخيرة لمهرجان كوبنهاغن التسجيلي الدولي في الدانمارك، كما فاز بجائزة البيئة في مهرجان شيفيلد البريطاني، وجائزة في مهرجان “دوكوفيست” (Dokufest) في كوسوفو الشهر الماضي.

وفيما يلي حوار مع المخرجة جمانة مناع عن فيلمها الأخير:

  • تُخيم على الفيلم فكرة سوداوية ثقيلة، ويبدو أن الحرب في سوريا قد قربت العالم من الدمار والفناء، هل ما حدث لبنك الحبوب التابع لمركز “إيكاردا” في حلب هو الذي أطلق مشروع هذا الفيلم؟

بالتأكيد كان موضوع الثورة السورية والأحداث فيما بعد نقطة أساسية لهذا العمل. هذه الثورات أتاحت الفرصة لنا أن ننظر لعالمنا العربي دون أن تكون فلسطين هي القضية المركزية كما كان الحال في السابق. أما بالنسبة إلى بنك الحبوب في حلب فليس من المعروف إذا كان قد دُمر في الحرب، فالمنظمة كانت قد تركت حلب ولا يُعرف ماذا حلّ بالحبوب التي كانت تخزنها هناك، ربما لا يزال البنك الذي أنشأته موجودا أو ربما دُمر.

على كل حال، بدأ مركز “إيكاردا” بنقل الحبوب إلى أمكنة أخرى، وأصبحت حلب رمزا للدمار، وهذا ما كان يعكس الواقع، إذ إن سوريا دخلت في حرب منذ عام 2014، كما أنني كنت مهتمة بفكرة “الآخرة” والهوس الذي يحيط بهذه الفكرة في العالم الغربي والعالم العربي الإسلامي على حد سواء، لذلك مثّل بنك الحبوب الذي يُكنى بـ”بنك يوم القيامة” تعبيرا مركبا عن مزيج ديني وعلمي، لأنه يمثل من جانب مشروعا علميا يهتم بخزن حبوب المزروعات في حالة حدوث كوارث مناخية أو كوارث أخرى من صنع الإنسان، وهناك أيضا جانب آخر ديني، وهو تخيُّل “الآخرة” كحدث قادم والذي من الضرورة أن نعد أنفسنا له في سردية هذا المشروع.

مناع: في عام 2016 أنجزت مشروعا فنيا عن مجموعة النباتات المجففة والأعشاب من القرن التاسع عشر، والتي تم جمعها من "سوريا الكبرى" وسيناء بواسطة مبشر أمريكي وعالم يدعى "جورج بوست"

  • كيف سمعتِ بموضوع مركز “إيكاردا”؟

في عام 2016 أنجزت مشروعا فنيا عن مجموعة النباتات المجففة والأعشاب من القرن التاسع عشر، والتي تم جمعها من “سوريا الكبرى” وسيناء بواسطة مبشر أمريكي وعالم يدعى “جورج بوست”. هذا البحث في علم النبات وتصنيف النباتات دفعني إلى التفكير بالقضايا المعقدة عندما تواجه شيئا شديد الجمال والذي يحمل معه عنفا تاريخيا واستعماريا. ومن الأعشاب المجففة انتقلت إلى بنوك الحبوب وهو موضوع فيلم “حَبّ بري”.

زادت هذه القضايا اهتماماتي بتناقضات هاجس الحداثة مع ممارسات الأرشفة. بشكل أكثر تحديدا، لقد كنت أبحث في ظاهرة أن كل محاولة للحفاظ على -أو جمع- شيء ما يأتي مع محو معين كما هو الحال في مجال علم الآثار.

من خلال بحثي واهتمامي وصلت إلى مركز “إيكاردا” الذي كان موقعه بحلب واضطر أن ينتقل إلى لبنان. كما هو معروف فإن كل دولة يوجد فيها بنك بذور، ولكن مجموعة “إيكاردا” هي من أهمهم في المنطقة.

قصة بنك الحبوب في حلب تم تغطيتها بشكل واسع في الإعلام حينها، كما أن استخدام قبو البذور العالمي بـ”سفالبارد” (الجزيرة التي تقع في القطب الشمالي وتخضع إدارتها للسيطرة النرويجية) حظي أيضا بتغطيات إعلامية جيدة حينها.

بالنسبة للنرويج، تربطني علاقة مع هذا البلد لأنني درست الفنون هناك في العاصمة أوسلو، وأتكلم اللغة النرويجية، كل هذه التفاصيل كانت نقطة انطلاق مثيرة لمشروع تسجيلي يتم بين لبنان والنرويج، وهما البلدان اللذان أعرفهما جيدا نسبيا رغم أنه لا علاقة بين البلدين، إذ إن جزيرة سفالبارد تقع قريبا من القطب الشمالي، ولا ترتبط بلبنان إلا عن طريق نقل البذور.

مناع: قصة بنك الحبوب في حلب تم تغطيتها بشكل واسع في الإعلام حينها، كما أن استخدام قبو البذور العالمي بـ"سفالبارد" حظي أيضا بتغطيات إعلامية جيدة

  • يقوم الفيلم على أفكار مجردة معقدة وكبيرة، كيف وضعت البنيان التسجيلي لهذه الأفكار، ما هي الخطوات التي اتبعتِها؟

البناء بدأ من فكرة سيرورة البذرة نفسها، وفعل وضع البذرة تحت التراب، والذي يشبه الموت والدفن، لكن من هذا الموت تولد الحياة من جديد، في دورة الموت والبعث الأزلية. بناء الفيلم ارتبط كثيرا بعملية نقل البذور أيضا، والتي بدأت بنقل البذور المخزونة في سفالبارد إلى لبنان وزراعتها هناك، ومتابعة عملية النمو حتى الحصاد، ثم التجميد بالبنك الجديد الذي تم تأسيسه في لبنان.

تابعت أيضا في الفيلم فصول السنة، فبدأت من الشتاء ثم الربيع ثم الصيف والخريف، وفي عملية المونتاج خرجنا عن ترتيب المواسم، وركزنا أكثر على تشبيك حكايات الشخصيات والمزروعات المختلفة وربطها ببعضها البعض. أثناء الاشتغال على الفيلم حاولت أن أفهم تاريخ مركز “إيكاردا” وتاريخ تصنيع الزراعة في العصر الحديث، والذي تسبب بكل التغييرات المناخية والاجتماعية (تفكيك المجتمع الريفي) التي نشهدها اليوم.

بكلمات أخرى، فإنه إلى جانب تتبع حياة البذور التي نقلت من النرويج إلى لبنان، حاولت أن أفهم تاريخ تطور الزراعة في المنطقة، وكيف يمكن من خلال مركز مثل هذا قراءة التغييرات البنيوية التي حدثت في المنطقة العربية خلال الأجيال الأخيرة، حيث إن ناس هذه المنطقة كانوا يحافظون على البذور من عام إلى آخر، وكانوا يخزنون بذورهم بأنفسهم ثم يعودون ويزرعونها في العام التالي، والآن هم يشترون البذور من المؤسسات التي تصدر بذورا محسنة حديثة، والتي تحتاج لنجاحها إلى سماد وطرق ريّ مختلفتين عن البذور التقليدية التي كان الناس يستعملونها في الماضي.

تطلّب البحث في تاريخ مؤسسة إيكاردا -وقبو سفالبارد أيضا- جهودا كبيرة، وذلك لعدم وجود معلومات كافية لدينا عن تأثير مثل هذه المؤسسات على سوريا والمنطقة العربية.

هذه المؤسسة وغيرها من مؤسسات البحوث الزراعية هي جزء من الحلول الاقتصادية والبيئية، وهي جزء من المشكلة في الوقت نفسه. المفارقة أن هذه المؤسسة التي تحافظ على البذور وتسعى لحفظها وتطويرها هي أيضا من ساهمت باستبدال أصناف بذور عديدة فُقدت من حقول المزارعين، وهذا ما يحصل كثيرا في العالم الرأسمالي، حيث إن المنظمات التي تدعم بحثيا هي نفسها من يُدمر لكن بأساليب أخرى، لذلك سيكون صعبا الفصل بين النتائج الجيدة والسيئة.

كنت أحاول أيضا أن أصل إلى نتيجة عن علاقة الثورة الخضراء (حركة في الإنتاج الزراعي عجّلت في تحويل أجزاء واسعة من العالم من المجتمعات الزراعية التقليدية إلى منتجي سلع أساسية موجهة للسوق، وكل هذا يحدث بتنسيق مع الحكومات والمؤسسات المختصة التي تدير شؤون هذه المجتمعات) بالثورة أو الحرب السورية الأخيرة، على اعتبار أن الثورة السورية قامت على أكتاف أبناء الريف الذين عانوا من إهمال نظام الأسد، وهو النظام الذي كان يدّعي لعقود أنه نظام يُمثل الفلاحين.

الفيلم يحاول أن يربط بين كارثتين، واحدة عن الزراعة العالمية ونتائجها الواضحة والخطرة على مناطق عديدة في العالم، والأخرى ما يحدث من دمار وحروب في المنطقة.

مناع: علاقتي مع العالم العربي هي أقوى من علاقتي مع النرويج، لذلك كان تركيز الفيلم بشكل أكبر على سوريا ولبنان رغم أن جزيرة سفالبارد هي المكان الثاني في بناء الفيلم

  • في الجزء الخاص بالنرويج، أصبح الفيلم أكثر تقشفا من ناحية الصورة، كيف حضّرت لهذا الجزء، هل قضيت فترة طويلة في الجزيرة النرويجية قبل أن تصوري هناك؟

زرت جزيرة سفالبارد قبل فترة من بدء تصوير الفيلم، وقابلت وأجريت مقابلات مع مجموعة من الناس هناك، حاولت من خلالها أن أفهم طبيعة الحياة في الجزيرة، هذه الجزيرة التي لها وضع خاص، إذ إنها آخر المناطق الشمالية في العالم التي يعيش فيها بشر طوال السنة.

سفالبارد تتحدى القوانين الدولية السائدة، كون هذه الجزيرة تعد مكانا مفتوحا لمن يستطيع الوصول إلى هناك، وبعد الوصول والحصول على مكان عمل ومأوى لبدء حياة جديدة لا يمكن لأحد أن يطردك من هنا، فالجزيرة هي خارج القوانين الدولية التي تَفرض على الناس الحصول على تأشير الدخول (فيزا)، والمثير في هذا المكان أيضا أنه لا يسمح للناس هناك بإنجاب الأطفال أو الموت والدفن على أرض الجزيرة. فالفيلم هو بالنهاية عن العلاقة مع الأرض، وعن هجرة الناس والنباتات من مكان إلى آخر، والتي تثير جزيرة سفالبارد أسئلة خاصة حولها.

تواجه الجزيرة آثار المشاكل المناخية كالانهيارات الثلجية، وهناك من يموت كل عام بسبب هذه الانهيارات، حيث تشكّل التغييرات المناخية تحديات قاسية. رغم المشاكل، يعيش سكان الجزيرة حياة مريحة جدا، إذ تتوفر لهم كل وسائل الحياة العصرية (مستشفى، مدارس، مسرح)، هذا رغم أن عدد سكان الجزيرة لا يتعدى ألفي شخص، لذلك يُعتبر المكان هادئا كثيرا مقارنة بمنطقة البقاع في لبنان، وهو الاختلاف الذي عكسه الفيلم بشكل واضح.

علاقتي مع العالم العربي هي أقوى من علاقتي مع النرويج، لذلك كان تركيز الفيلم بشكل أكبر على سوريا ولبنان رغم أن جزيرة سفالبارد هي المكان الثاني في بناء الفيلم.

بخصوص المشهد الطويل للرجلين في الجزيرة فأحدهما هو قسّ الجزيرة، والآخر مدير المعهد القطبي النرويجي. في البداية التقيت بهما كل على حدة، لأنني كنت مهتمة بشخصيتيهما القوية والرمزية، اكتشفت بعد ذلك أنهما في الحقيقة صديقان، عندها فكرت بجمعهما معا وتصوير محادثتهما، هذه المحادثة دارت حول مستقبل الكرة الأرضية وعن تحرك النباتات من مكان إلى آخر، وكيف يغير هذا من طبيعة الأرض من وجهتي نظر رجل دين وعالم.

مناع: الفيلم يحاول أن يربط بين كارثتين، واحدة عن الزراعة العالمية ونتائجها الخطرة على مناطق عديدة في العالم، والأخرى ما يحدث من دمار وحروب في المنطقة

  • تتجنبين المقابلات المباشرة في أفلامك، وتركزين على تسجيل ما يحدث، هل تخططين بصورة مفصلة لكل يوم تصوير؟

الأمر في الحقيقة مزيج من الأشياء التي ذكرتها، أكتب سيناريوهات لأفلامي، لكن السيناريو أشبه ما يكون بالعمود الفقري إذ لا يضم حوارات أو مشاهد مفصلة. كنت أعرف في هذا الفيلم أنني أتابع دورة سنوية لنمو المزورعات وكل الناس الذين لهم علاقة بذلك، لذا كان يهمني تصوير مشاهد مختلفة لما يجري في الحقول الزراعية، ومن هم الذين يقومون بالأعمال هناك.

أسلوبي يعتمد على قضاء وقت طويل مع الشخصيات التي أصورها، مثلا: وليد المزارع العضوي الذي ظهر في الفيلم هو معادٍ لبنوك البذور، كما أنه ضد استخدام المواد الكيميائية في الزراعة، هو شخص يحب الزراعة الطبيعية ويؤمن بها، قضيت وقتا طويلا مع وليد ومجموعة الأصدقاء بالمزرعة التي يعمل بها، لأني أودّ فهم ما يقومون به عن قرب.

كنت مع طاقم العمل الصغير نستعد جيدا قبل كل يوم تصوير، ونراجع ما سنفعله في اليوم التالي، ونضع الخطوط العامة للعمل، ثم أتفق مع مصورة الفيلم “مارتا فولد” على طبيعة المشاهد وموقع الكاميرا من الشخصيات، وتحديد طبيعة كل كادر تصوير في الفيلم.. هذه التحضيرات لا تعني أن العمل لن يكون مفتوحا للكثير من الارتجال والمفاجآت.

فيلم "حَبّ بري" عُرض في الدورة الأخيرة من مهرجان برلين السينمائي، وبعدها في عدد من المهرجانات الدولية

  • تجمعين بين الفن المعاصر والأفلام التسجيلية، هل مقاربتك لمواضيعك بنفس الأسلوب؟

أتناول هذه الفنون بأساليب مختلفة، هناك روح واحدة للطريقة التي أعمل بها سواء في أفلامي أو أعمالي الفنية، لكن الفيلم كوسيط يحتاج إلى لغة تعبيرية مختلفة عن الفن المفاهيمي/الفن المعاصر. أسعى في أعمالي في الفن المعاصر إلى الابتعاد عن الكلام وتمثيل الأشياء في الواقع، وأحاول أن أجد علاقة بين الجسد والمحيط المكاني.

الأفلام في المقابل هي الناس والأماكن، لذلك تحتوي تجسيدا لأفكار وكلام، بيد أن الاهتمامات في المجالين تكون متشابهة، لكن في نهاية الأمر فإن الأفلام تعرض أطروحة سردية، وتعتمد على البحث والكتابة التي يمكن تشبيهها بالتأليف، بينما عمل المنحوتات والتركيب (installation) يبقى أكثر تجريدية وله اهتمامات تخص المادة والمساحة بشكل عام.

مناع: أبحث عن شخصيات في التاريخ كانت تحكي بطريقتها عن الحاضر الذي نعيشه

  • عدتِ في فيلمك القصير”آخر حفلة تنكرية لألفرد روك” إلى شخصية من التاريخ الفلسطيني، وكذلك فعلتِ في فيلمك “في أثر مادة سحريّة”، هل كان هذا مجرد مصادفة أم أنك تنقبين عن هذه المواضيع، وما الذي يثيركِ في التاريخ الفلسطيني؟

تربيت في بيت ومجتمع مهووس بالتاريخ، الشيء الآخر أن شخصية مذيع الراديو في فيلم “في أثر مادة سحريّة”، وشخصية ألفرد روك تذكرنا بالمسار الذي لم يُسلك في التاريخ، مثلما كان الحال مع المذيع الألماني لاخمن في الثلاثينيات، وكيف أن عمله يبدو لي الآن وكأنه يحاول أن ينبه الناس إلى خطر الفصل بين اليهودي والعربي من خلال دراساته الموسيقية. وتجدر الإشارة إلى أن عملي على برنامج لاخمن الموسيقي في راديو فلسطين مكنني من كشف التوجه الاستشراقي بتعميق هذا الفصل والذي شكل خطرا على المنطقة كلها.

نعم أبحث عن شخصيات في التاريخ كانت تحكي بطريقتها عن الحاضر الذي نعيشه، والتي كانت ترى نتائج التحولات حينذاك وأثرها على المستقبل الذي نعيشه اليوم، كما أن هذه الشخصيات هي صاحبة رؤية لها أهميتها اليوم، أقول رؤية وقد يكون تناقضا أيضا؛ التناقض الذي يعيشه التاريخ والذي يتواصل بأشكال متنوعة. أشعر أن العودة إلى التاريخ تساعد على فهم الحاضر بشكل أعمق، وتمنح إمكانيات تخيل للمستقبل.