رئيس المهرجان المغاربي بوجدة للوثائقية: المغرب الكبير موحد بسينماه

حاوره: عبد الكريم قادري

خالد سلي: الطبعة الثامنة للمهرجان المغاربي للفيلم نواصل فيها مأسسة المهرجان وتعزيز شراكاته

يعيش أفراد جمعية “سيني مغرب” المنظمة “للمهرجان المغاربي بوجدة”، وعلى رأسهم خالد سلي رئيس المهرجان والدكتور الناقد السينمائي فريد بوجيدة وآخرون هذه الأيام كخليّة نحل، وذلك بسبب اقتراب الموعد السنوي لانطلاق الطبعة الثامنة للمهرجان التي ستجري فعاليتها من 11 وحتى 15 يوليو/تموز 2019 في مدينة وجدة المغربية، حيث سيشهد هذا الحدث مشاركة الدول الخمس المشكلة للمنطقة المغاربية، وسيتم من خلالها فتح باب المنافسة للأفلام الروائية الطويلة والقصيرة الصادرة حديثا، بالإضافة إلى فتح العديد من الورش التأهيلية في فنون السينما وأبوابها، والتي يشرف عليها أساتذة مختصون.

وللحديث أكثر عن هذا الحدث السينمائي، أجرينا هذا الحوار مع الأستاذ خالد سلي رئيس المهرجان، والذي حدّثنا عن هذه الطبعة، وماهية المهرجان الذي يدفع على تقريب وجهات النظر بين شعوب المنطقة، ويساهم في مد جسور التواصل الثقافي والفني للشعوب. وكان الحوار كالتالي:

 

  • ما هو تصوركم الشامل للطبعة الثامنة من المهرجان المغاربي للفيلم؟

الطبعة الثامنة للمهرجان المغاربي للفيلم نواصل فيها مأسسة المهرجان وتعزيز شراكاته، ليصبح مهرجان مؤسسات غير مرتبط بمجموعة صغيرة من الأشخاص فقط.

لقد أصبح للمهرجان قاعدة تكونت منذ الدورات الأولى، من بينها شباب توجهوا نحو دراسة السينما في مدارس خارج مدينة وجدة وخارج المغرب، وقد تخرج بعضهم وهم الآن يشتغلون في الميدان بفضل المهرجان وأنشطته، وهذه القاعدة هي نفسها التي نأمل أن تحمل المهرجان وتعبر به إلى بر الأمان، كما أن المفارقة تكمن أنه في الوقت الذي أغلقت فيه معظم دور السينما، هناك قاعة حديثة مجهزة بُنيت على الطراز العصري ستفتح أبوابها في القريب العاجل، وقد صرح لي أحد المسؤولين بأنه لولا تحركات الجمعية وأنشطتها لما بنيت هذه القاعة.

  • في تقديرك ما الذي يمكن أن يقدمه هذا المهرجان للسينما المغاربية؟

نحن بحاجة إلى أن نجتمع ونحتكّ ونتبادل الأفكار والمعالجات للقضايا التي هي في الغالب قضايا متشابهة مع إخواننا المغاربيين، والمهرجان أخذ على عاتقه مهمة لمّ شمل السينمائيين المغاربيين، وأيضا سينمائيي الشتات الذين يشعرون خارج البلدان المغاربية بأنهم غرباء، نريد أن نُشعرهم بأنهم في بلدهم حتى ولو تغيرت لغات الأفلام وفرقها التقنية.

  • هل يساهم المهرجان في تقريب وجهات النظر وتليين المواقف السياسية بين الدول المغاربية؟

طبعا طبعا، هذا ما نلمسه دوما مع كل المغاربيين، وخاصة مع إخواننا الجزائريين المعنيين مباشرة بهذا التقريب والتليين، فأنا أظن أنه ما بين المثقفين المغاربة والجزائريين لم تكن يوما هناك قطيعة، فعلاقاتنا يملأها الحب والتقدير، بل فيها الكثير من الصداقات والتآخي والمودة، وكلها تعطي إحساسا بأننا أمام تركيبة عائلية، وفترة المهرجان التي نعيشها كل سنة هي في حد ذاتها بكل لقاءاتها وأفلامها المعروضة؛ رسالة للسياسيين بأنه لا يمكن التفريق بيننا، وعلينا نحن والإخوة الجزائريين ألا نترك المجال لمن يندس بيننا ويحاول زرع الفرقة والفتنة.

وأقولها للسنة الثامنة على التوالي: سينمائيو الدول المغاربية الخمس أثناء دورات المهرجان المغاربي للفيلم بوجدة ومنذ الدورات الأولى يزدادون تشبثا ولُحمة بينهم، يشتغلون في أعمال مشتركة، ويتبادلون الزيارات، وهم بهذا يمهدون الطريق للسياسيين ليتبعوا خطاهم، ليقلع قطار المغرب الكبير المعطل، وما شعار المهرجان إلا تأكيد على ذلك “المغرب الكبير موحد بسينماه”.

خالد سلي: نحن في حاجة إلى أن نجتمع ونحتك ونتبادل الأفكار والمعالجات للقضايا التي هي في الغالب قضايا متشابهة، مع إخواننا المغاربيين

  • العديد من ضيوف مهرجان الفيلم المغاربي من الجزائر يضطرون للسفر لساعات عبر الطائرة، وذلك من العاصمة الجزائرية إلى الدار البيضاء ومن ثم إلى وجدة لحضور المهرجان، في حين أن مدينة وجدة تربطها حدود برية مع الجزائر، ألا تعتقد بأن هذا سبب كاف لفتح الحدود بين البلدين، وتعميق الأواصر الثقافية والسينمائية بين البلدين؟ وكيف تقرأ هذه المفارقة؟

هذه مفارقة حقا، زد على ذلك المواطنين الجزائريين الذي لهم إقامة دائمة بمدينة وجدة وكل مدن المغرب، والمواطنين المغاربة القاطنين بالجزائر، والذين يضطرون للتنقل بالطريقة نفسها.

هذا الأمر في الحقيقة إدانة صارخة للسياسة التي لا تعترف بحق جزائرية لها إقامة دائمة بوجدة، وتضطر لقطع أميال عبر الطائرة لزيارة خالة لها أو عمة بالجزائر، والشيء نفسه بالنسبة للمغاربة القاطنين في وهران وغيرها من المدن، والذين يعيشون نفس الحالة.. حرام.

  • مدينة وجدة هي محطة تاريخية كبرى في تاريخ الجزائر النضالي، كوّنت واحتضنت العديد من القادة الجزائريين إبان الثورة الجزائرية، والذين تحولوا فيما بعد الاستقلال لقادة في الجزائر المستقلة، وهناك من يرى بأن هذا الدور التاريخي لم ينعكس كما ينبغي على الشعبين، أين الخلل في رأيك؟ وما الذي يمكن فعله لتعويض ما فات؟

تعويض ما فات أمر مستحيل، أتكلم عن فتح صفحة جديدة لنسيان هذه السنين من الجفاء، والتي كان من الممكن أن نقطع فيها أشواطا في طريق رخاء شعوبنا وتقدمها، وهنا أتساءل هل كان في التاريخ عداوة كما بين الألمان والفرنسيين؟ لقد طووا المرحلة من أجل شعوبهم ومستقبل أبنائهم.

التاريخ يتحدث عن هزيمة المغرب أمام الفرنسيين في معركة إسلي بسبب احتضانه للأمير عبد القادر ودفاعه عن الجزائر، زعماء الثورة الجزائرية أغلبهم تدربوا بالمغرب، وقد كان آباؤنا وأجدادنا خير معين ومحتضن لهم، إذن لماذا لم تنعكس هذه الصفحة المشرقة من تاريخنا المشترك على علاقاتنا؟

كان أوجب علينا أن نضع هذه القيم وهذا التاريخ فوق كل الاعتبارات، زد على ذلك أن جيلنا من جانبي الحدود أيضا تربى على حب الآخر، وهنا أذكر علاقتنا بالسينما الجزائرية والغناء الجزائري والتلفزيون الجزائري، كما أذكر في المقابل علاقة الإخوة الجزائريين منذ الاستقلال وقبله بالفنانين المغاربة والفن المغربي. 

جمهور الطبعة السابعة من المهرجان المغاربي للفيلم بوجدة

  • نعود إلى المهرجان، لماذا لا ينفتح المهرجان على الأفلام الوثائقية؟

لقد فكرنا في الجمعية مليا في الأمر، لكن عمر المهرجان وإمكانياته المالية المحدودة لا تسمح في الوقت الراهن، ولربما سيصير الأمر ممكنا في القادم من الدورات.

  • تحول المهرجان في نظر الكثير من صناع السينما في الدول المغاربية إلى مقياس حقيقي لاختيار أفضل الأفلام المتوجة، ومن خلالها يعرفون الأجود، كيف استطاع أن يفتك هذه الميزة رغم عمره القصير؟

الجواب يكمن في الحب، فحينما تعمل في مشروع بقلب مفعم بالحب يصير الأمر مختلفا، فأنا دائما أنظر إلى وجدة المدينة المغاربية بامتياز، وهنا أستعير عبارة “أُمّنا الأرض” التي تحتضننا جميعا كمغاربيين، هذه المدينة ذات التاريخ النضالي المغربي الجزائري المشترك تريد أن تقول لأبنائها المغاربيين بأن الأم رغم قساوة أبنائها عليها فهي لا تأخذهم ولا تلومهم، بل تستضيف السينمائيين المغاربيين من مختلف بقاع العالم، وتجعل هذه المحطة السنوية عيدا للسينما نشاهد فيه أفلام بعضنا البعض، ويحل بيننا سينمائيو الشتات لنعبر لهم عن حبنا لهم وتقديرنا لأعمالهم، شريطة الاشتغال على ثيمات أفلام تتكلم عنا، ربما بمساعدة تقنيين أجانب، لا يهم ما دامت الأفلام تشتغل على قضايا مواطنينا سواء من يسكنون الدول المغاربية أو الذين يسكنون خارجها، ومن هنا جاء التميز.

المهرجان لم يمض على بدايته إلا بضع سنوات، لكن صيته بدأ يصل إلى بعض الأماكن هنا وهناك، وذلك بالمصداقية المعهودة في أعضاء الجمعية المنظمة التي أكسبته الثقة محليا وطنيا ودوليا، ونحن نترك دائما باب الانتماء إليه مفتوحا من أي مكان في العالم.

نحن لا نشتغل وحدنا، هناك مغاربيون وغير مغاربيين نقتسم معهم أحلامنا وتطلعاتنا، منهم من يساهم بالمشورة ومنهم من يعمل معنا على أرض الواقع، حيث إن الأهم في الأخير سيكون هو انتصار السينما المغاربية في عالم نريد أن تكون السينما لغته.

جانب من ضيوف سابقيين لمهرجان الفيلم المغاربي بوجدة

  • مرت عليكم خلال الطبعات السابقة مئات الأفلام المغاربية التي وصلت للمهرجان، كيف ترون مستقبل السينما في ظل ما وصل إليكم؟

أظن أنه كانت هناك دائما محاولات وأفلام تعتبر ربما فلتات، حققت بعض النجاحات هنا وهناك في العالم، لكن أطمح وأحلم أن تكون لنا سينما مغاربية ببصمة وهوية خاصة، لكن ببعد عالمي، ونحن مجتمعون قادرون على تحقيق هذا الحلم، شريطة أن ننظر إلى أنفسنا ككيان لن يكتمل إلا إذا عاضد الواحد الآخر، إضافة إلى تواجد هذا الجيل من الشباب الذي ولج المعاهد الكبرى للسينما، وأيضا بتواجد هذا التنوع الجغرافي الذي يتميز به المغرب الكبير، وفي ظل انخفاض كلفة الإنتاج مع ظهور وسائل التصوير المنخفضة التكلفة، لكن ستبقى المعضلة الرئيسية في القاعات والتي لن يكتمل مستقبل السينما إلا بها، حيث إنه من الواجب علينا أن نحرص على أن تشاهد الأفلام في قاعات سينمائية ولو كانت صغيرة، لأن مشاهدة فيلم في هاتف نقال أو في لوحة إلكترونية ستفقده متعة الفرجة السينمائية التي نشأنا عليها.

  • كلمة أخيرة يمكن أن توجهها لقراء الجزيرة الوثائقية.

أريد أن أقتسم مع قرّاء الجزيرة الوثائقية الغرّاء نظرتي التفاؤلية للمستقبل عموما، شريطة أن نربط النجاح بالعمل والإخلاص فيه، فلن يستقيم أمر الأجيال القادمة إلا بالكد والجهد والعلم في كل الميادين.