رياضات تأبى النسيان.. بوابة الشعوب للتمسك بالتاريخ والعادات والتقاليد

كرة القدم والسلة والتنس وغيرها من الألعاب يمارسها الصغار والكبار في كل العالم، ورغم انتشار هذه الرياضات المشهورة، فإن هناك إرثا رياضيا في دول عدة تعبّر عنه الشعوب بممارسة رياضاتٍ تعود لمئات السنين، ويحرصون على الحفاظ عليها باعتبارها بوابتهم للتمسك بتاريخهم وعاداتهم وتقاليدهم ونقل الأمانة الرياضية إلى الأجيال القادمة.

يأخذنا وثائقي “رياضات تأبى النسيان” في جولة إلى تركيا وأيرلندا والبرازيل والهند لنتعرف على رياضات لا تحظى بتغطية واسعة من وسائل الإعلام العالمية، رغم أن بعضها يعود إلى مئات السنين، ولا تزال تمارس إلى اليوم بكافة تفاصيلها.

مصارعة الزيت.. رياضة ضاربة في عمق التاريخ التركي

تقام هذه المسابقة في تركيا منذ 654 عاما، وتعد رياضة ” كيركبينار” وتعني بالعربية “المصارعة الزيتية”، وهي ثاني أقدم فعالية رياضية نشطة بعد المونديال.

يقوم المئات من المصارعين بطرح بعضهم أرضا وقد غطوا أجسادهم بزيت الزيتون، وفي هذه الرياضة يختلط الزيت بالماء، فأما زيت الزيتون فيستخدم لعرقلة تحركات الخصم وحماية المصارع من الحشرات والاحتكاك بالعشب، وأما الماء فهو ملاذ هؤلاء المصارعين الذين يواجهون بعضهم تحت أشعة الشمس الحارقة في حلبة مدينة أدرنة.

يقول المصارع “قدير بيرليك”: ما بقي لنا من تراث رياضي في تركيا بالوقت الراهن هو مصارعة زيت الزيتون هذه، علينا المحافظة على استمرارها لأنه تقليد نظهره للعالم ونحيا من أجله.

ويشرح المصارع مصطفى متطلبات اللعبة القاسية قائلا: قد تستمر المباريات لساعات تحت درجة حرارة يمكن أن تصل إلى 45 درجة مئوية، وتمتد 5 أو 6 جولات، وهذا يتطلب قدرا كبيرا من الالتزام، وعلينا أن نأكل ونشرب وفقا برنامج محدد، وأن نحظى بقدر وافر من النوم والاعتناء بأنفسنا بشكل جيد.

تدعى بمصارعة الزيت لأن أجساد المتصارعين تدهن بزيت الزيتون

أما المصارع “غونغور أكين” فيقول: يجب أن نتدرب بشدة ونبذل قصارى جهدنا كي نصبح مصارعين جيدين، فالجميع يريد أن يصبح مقاتلا جيدا، ومن الصعوبة الجمع بين هذه الرياضة وعمل آخر، لأنها تتطلب التصميم والالتزام الكامل.

“أحمد تاش”.. مصارع بطل يحمل 3 أحزمة ذهبية

يعد المصارع “أحمد تاش” (56 عاما) أيقونة متحركة تجول بمدينة كارامورسيل التركية، فقد فاز 3 مرات بالحزام الذهبي، ولكن نصره الأعظم هو المكانة المعنوية التي تبوأها لدرجة أن وصف المقاتل لا يكفي لوصف مكانته العظيمة، فوفقا لثقافة البلاد إن الرجل الذي يجمع القوة والشرف والحكمة يسمى “المصارع البطل”.

ينظر الناس للمصارعين نظرة احترام وتقدير، ويعاملون معاملة خاصة من قبل أصحاب المتاجر والمطاعم والجزارين، لأن المصارع يتناول الطعام في المطعم مجانا، وهذا يشكل دافعا كبيرا لأي صبي أن يصبح مصارعا، فعليه فقط أن يخوض نزالات وينتصر في بعضها، وحينها يكسب مكانة متميزة. فكيف يصبح المرء بطلا؟

يجيب البطل “أحمد تاش”: على المصارع اجتياز سباق 100 متر وحمل الأثقال وسباق الماراثون، ويجب أن يقوي جسده كله، وعليه أن يكون رشيقا وخصره وعنقه ومؤخرة عنقه قوية، كما يجب أن تكون ذراعاه وقدماه قوية، فمصارعة الزيت زلقة جدا، وقد تدوم المعركة ساعات أو يوما كاملا حتى، لذا فإن التحمل هو أمر مهم وخاصة في هذه الرياضة.

قواعد اللعبة.. طريق مرهقة للوصول إلى النصر

تتطلب هذه المصارعة الصبر وتطويق الخصم بدلا من الحركات المفاجئة، ويتحقق النصر في الحالات التالية:

عندما يُسقط المصارع خصمه أو يسقط من تلقاء نفسه على ظهره أو مؤخرته. إذا استطاع المصارع حمل منافسه من رجليه ورأسه للأسفل وإلقاءه على الأرض. إذا سقط أو تمزق سروال أحد المصارعين. حين يصيح أحد المصارعين “بيس” (pes) وتعني بالعربية الفصحى “يكفي”. إذا حمل المصارع منافسه رافعا رجليه عن الأرض ومشى به لثلاث خطوات.

يتعين على المصارع كي يفوز على خصمه أن يحقق شرطا صعبا من شروط الفوز

ويستغرق كل نزال 30 دقيقة، وقد يمتد وقتا إضافيا مدته 10 دقائق، لكن إذا استمر التعادل، فعندئذ تحتسب النقاط لتحديد الفائز، فالمصارع الذي يحصل على نقطتين يفوز، وإن وقع التعادل بين المصارعين 1-1 تمدد المباراة حتى الحصول على النقطة الثانية.

ويرتدي المصارعون سراويل تغطي المنطقة بين أسفل البطن وأسفل الركبة، وهي مصنوعة من الجلد ويسمى “كسفت” أو كسوة. ويقول الخياط “عرفان شاهين”: على من يرتدي الكسفت التحلي بالشجاعة، لأن هذا الزي رمز للصدق والكبرياء والقوة، فبمجرد أن يرتدي الرياضي الكسفت ويضع الزيت على جسده، فلن يكون هناك عودة أو مجال للتراجع.

“أقوى رجل في تركيا”.. تقاليد اللعبة ودروس الإنسانية

يقول المصارع “أحمد تاش”: من التقاليد الهامة في هذه الرياضة الركوع وإمساك القليل من التراب وفرك الجبهة به، وهذا يرمز إلى أننا مخلوقون من التراب وإليه سنعود. وتنطوي رياضة أسلافنا هذه على الأخلاق والثقافة والتقاليد وهناك أيضا دروس في الإنسانية.

المصارع أحمد تاش (56 عاما) أيقونة مصارعة الزيت.. فاز باللقب ثلاث مرات

ويعود “رجب غورمان” محافظ أدرنة إلى التاريخ ليقول: أقيمت منافسة مصارعة الزيت في سامونا عام 1361، واليوم تقع هذه المنطقة ضمن حدود اليونان، وقد بدأت تاريخيا نزالات المصارعة في عصر السلطان مراد الأول الذي كان يقاتل لاحتلال مدينة أدرنة.

ويعتبر المصارع أحمد تاش أن مصارعة الزيت ميدان ذو تاريخ وثقافة تتجلى فيهما قوة الأتراك أمام العالم بأسره بتاريخ يمتد لأكثر من 650 عاما، وربما هذه الرياضة هي الأقدم في العالم.

وبعد يومين من النزالات التي تجرى في 15 فئة لن يبقى سوى مصارعين ونزال واحد والكثير من الآلام، ولكن كله يهون من أجل الفوز بالحزام الذهبي ولقب “أقوى رجل في تركيا”.

رياضة القذف في إيرلندا.. أسرع رياضة ميدانية في العالم

لا توجد رياضة أخرى تخاض مبارياتها على مثل هذا الملعب المفتوح ضخم الحجم، فملعب هذه الرياضة يبلغ طوله ضعفي ملعب كرة القدم، وهناك الكثير من الأحداث التي يمكن أن تقع في مساحة كهذه، ولهذه الرياضة قوانين، ولكنها عبارة عن نزال مفتوح، فهي رياضة لا تناسب ذوي القلوب الضعيفة.

يبلغ عرض الملعب 90 مترا وطوله 140 مترا، ويوجد 15 لاعبا في كل فريق، فإن دخلت الكرة في المرمى يحصل الفريق على 3 نقاط، أما إذا مرت فوق العارضة فينال الفريق نقطة واحدة، وتقسم المباراة إلى شوطين مدة كل واحد منهما 30 دقيقة.

يبلغ طول ملعب لعبة القذف مرتين طول ملعب كرة القدم

يقول المؤرخ “ساموس كينغ”: إنها رياضة رفيعة المستوى، ونحن نعتبرها أسرع رياضة ميدانية في العالم ورصيدا كبيرا في هويتنا الوطنية. أبلغ من العمر 77 عاما، ولم أعد أشعر بالحماس الشديد تجاه أي شيء، ولكن حين يُحرز هدف في هذه الرياضة أشعر أنني أتفاعل بشدة معه وكأنني شاب يافع.

حشود الجماهير.. رياضة تتفوق على نهائيات كأس العالم

الإعجاب بهذه الرياضة مسألة نسبية، لكن معظم وجهات النظر تتفق بأن لرياضة القذف معالم بارزة، إذ استقطب ملعب كروك بارك (المشيد منذ 100 عام) في دبلن 83 ألف متفرج، متفوقا على ملعب ماراكانا في نهائيات كأس العالم.

ويقول اللاعب “كيرن جويس”: قد يكون الفارق بين الفريقين 10 نقاط، لكن هذا الفارق قد يعوض في 5 دقائق، ويكمن جمال رياضتنا في أن المباراة لا تنتهي أبدا.

ولا يشارك أي لاعب في سوق انتقالات اللاعبين، ولا يختار اللاعب الذي يلعب ضمن صفوفه بل يختاره النادي، ويلتزم اللاعب بنادي المكان الذي ولد فيه ويلعب لتحقيق المجد لقريته.

وتتركز رياضة القذف في إقليم لينستر في جنوب شرق أيرلندا، وخاصة في مدينة كلكيني التي يملك فريقها الرقم القياسي بعدد الألقاب، وهو 35 لقبا بينها 11 في السنوات الـ15 الأخيرة. ويبلغ عدد سكان المدينة كليكني نحو 80 ألفا، وهو نفس سعة الملعب، وعندما تتجول في أنحاء هذه المدينة تتأكد من أن هذه اللعبة جزء من ثقافة وتقاليد المدينة.

مبارة الختام لعبة القذف يحضرها قرابة 80 ألف متفرج

يعتبر اللاعب “هنري شفلن” أفضل لاعب قذف على الإطلاق، وقد تقاعد عام 2015 عقب فوزه بـ10 ألقاب من 15 مباراة نهائية. ويقول متحدثا عن اللعبة: نمارس هذه الرياضة بسبب حبنا للعبة فقط، فجميع الإيرادات تذهب إلى خزينة المنظمة التي هي رابطة ألعاب الكرة الغيلية، وهذه الأمور تنفق على دعم وتطوير هذه الرياضة ومرافقها، وهذا يسمح لأطفالي وأطفال أخرين بممارسة هذه الرياضة.

خشونة اللعبة.. رياضة الشجعان تحتفل بالروح الأيرلندية

يقول اللاعب السابق “إيدي كير”: كانت المنافسات تلعب من دون ارتداء الخوذات، ولم تفرض إلا عام 1972 عندما شجعنا على ارتدائها، فالكرة التي كنا نستخدمها أخف مما هي عليه الآن، ولهذا كانت تنطلق لمسافة أطول، واللعبة بحاجة إلى مهارات، وعلى اللاعب تطويرها، وعليه ضرب الكرة يمنة ويسرة في الهواء أو على الأرض، وأيضا أن يتجنب العرقلة.

ويتحدث اللاعب “كيرن جويس” عن خشونة اللعبة قائلا: هناك نحو 110 مهارات في لعبة القذف، فلم تعد مباريات اليوم بمثل الخشونة التي كانت عليها في الماضي، لكنها لا تزال عنيفة. وحتى إن كان اللاعب ماهرا، لا يمكنه التحرك بالكرة إلا لثلاث خطوات، ولهذا عليه المناورة، لكن الأهم هو براعته في التحكم بالكرة.

وتعتمد رياضة القذف على دقة الحركات السريعة وضربات المضرب أثناء اللعب قريبا من الأرض، وعلى اللاعب استخدام مضربه لرفع الكرة قبل ضربها، ولهذا السبب فللمضرب أهمية تضاهي أهمية اللعبة نفسها، فقد يأخذ اللاعب معه 4 مضارب لخوض المباراة، وقد تتحطم كلها.

تجمع لعبة القذف بين كرة المضرب وكرة اليد وكرة القدم

وهذه اللعبة خشنة إلى درجة أن عددا من اللاعبين فقدوا أسنانهم، وآخرون أجروا عمليات جراحية في الكتف والقدم وكسور في الأصابع، ويتصادم اللاعبون في تقنياتهم وقوتهم في هذه الرياضة التي تعتبر مزيجا بين الهوكي وكرة اليد.

ومفتاح لعبة القذف هي المهارة المتقدة، وما يميز اللاعب الجيد هو إمساكه للمضرب بإحكام، وحتى أسطورة الملاكمة محمد علي اعترف بأن رياضة القذف تتطلب شجاعة كبيرة. وبعكس الفوضى التي تعم الملاعب في المنافسات الرياضية وبعد انتهاء المباريات، فإن ملعب “كروك بارك” أشبه بكاتدرائية فريدة من نوعها، فبينما تعلو هتافات 80 ألف مشجع، فإن النتيجة النهائية هي احتفال بفوز الروح الأيرلندية.

مطاردة الثيران.. رياضة رعاة البقر الأصليين في البرازيل

من رحم الحياة العادية يولد بطل يرتدي عباءة مصنوعة من جلد ولباسا من شجاعة، ويحمل البرازيل في قلبه وهو يركب حصانا بريا، فالمطاردة بين النباتات الشائكة توازي بصعوباتها تحديات رعاة البقر.

تحاكي رياضة الإمساك بالثيران ظروف الحياة الصعبة في الصحراء القاحلة. يقول “بيدرو أرتور” وهو بطل كبير في هذه الرياضة: أصبحت قاب قوسين من الستين، لكنني على استعداد لممارسة هذه الرياضة لأنني أحبها، رغم أنها نزال مؤلم وخطر جدا، وتتسبب هذه الرياضة في فقء أحد عيني الرياضي أو إصابته بكسور في عنقه، حتى أن بعض رعاة البقر غير المتمرسين فارقوا الحياة، لكن هذه مهنتنا.

يتنافس رعاة البقر على الإمساك بالثور من رقبته واقتلاع الطوق منه

ويتابع: يجب أن يكون راعي البقر ماهرا وحصانه جيدا، يمسك بعض رعاة البقر الثور من رقبته، ويقتلع الطوق منه ثم يسلمه.

وفي أحد أنواع هذه الرياضة ويسمى “من البوابة” يطارد لاعبان ثورا في سباق مع الزمن، والهدف هو إحضار الطوق الجلدي المحيط برقبته بأسرع وقت ممكن، يطرح الثور أرضا ثم يأخذ الطوق من عنقه. ويتحدث الراعي “إلينبرغ كوينديور” عن اللعبة قائلا: رياضة الإمساك بالثيران هي مجموعة ألعاب أولمبية، فهي تضم سباقات العدو السريع والحواجز، فالغابة البيضاء هي عقبة في حد ذاتها.

مهرجان سيريتا.. لقاء لصناعة تذكارات الانتصار

يشارك في هذه الرياضة السكان الأصليون الذين كان يعملون برعاية المواشي، وكانوا أصحاب الأرض مثل أسلافهم، وقد اعتادوا التجول على أحصنتهم لعدة أيام بحثا عن سرج أو طقم حصان ضائع.

ويعد مهرجان سيريتا السنوي الذي يقام في الأسبوع الأخير من يونيو/حزيران من كل عام بمثابة وجهة مقدسة لرعاة البقر مع قطعانهم، ويمضون 4 أيام في مدينة سيريتا للاحتفال والتنافس وتبادل القيم المحلية، إذ تتجاوز أهميتها بالنسبة لهم الجوائز المادية التي يحصل عليها الفائزون في المسابقة، ففي العام الماضي فاز البطل بجائزة قدرها 200 دولار فقط.

ينطلق الثور في الغابة ويتبعه راعيا بقر على حصانين كي ينزعا منه طوقه

يقول الرياضي “كيكو”: لا يهمني أمر المال، بل الأهم بالنسبة لي هو الجائزة، لأن المال سننفقه، ولكن الكأس يحتفظ به ويعرض في المنزل، ويذكرني دائما بأيام شبابي في الغابة البيضاء.

وبغض النظر عن هوية الفائز، فإن الجميع يحملون على وجوههم علامات شجاعتهم، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لهم، لأن الرعاة يصابون بإصابات بعضها بليغ، ويعتبرها الراعي تذكارات الانتصار.

لباس الحرب وجيادها.. وسائل النجاة في أدغال اللعبة الشائكة

تعاني خيول المعركة أيضا من الإرهاق، ولهذا يعاملها رعاة البقر بشكل جيد، ويعتنون بها ويعدونها أمرا واجبا عليهم. وتعتبر رياضة الإمساك بالثيران وصفا مثاليا لمهنة راعي البقر التي تخضع للتشريعات الفيدرالية منذ عام 2013، ويجب على رعاة البقر تحقيق التوازن بين الحاجة للإمساك بالحيوان وواجب حمايته.

ويقول الرياضي “كيكو”: ندرب أحصنتنا ونتعلم منها في الوقت نفسه، وهذا يعني أنه في المنافسات يجب اتباعه، فإن مال أو انحنى فعلى راكبه القيام بالأمر نفسه.

واللباس يؤمن لراعي البقر حماية إضافية كي لا يتعرض لإصابات بليغة قد تؤدي إلى قتله، فحتى أفضل رعاة البقر لا يمكنهم التحكم بزمام مصائرهم. ففي الرياضة -كما في الحياة- يعتمد الفوز على الشجاعة والطاقة والقدر.

ويلخص “بيدرو بانديرا” الأمر بقوله: بمجرد أن يدخل المرء إلى الأدغال، يجب أن يعلم أنه ما من شيء سهل، إذ سيواجه الجوع والعطش والنباتات الشائكة، فإن أردت أن تكون راعي بقر فعليك أن تكون شجاعا وبطلا وتظل يصارع المواشي من الصباح إلى المساء وحتى في الظلام.

سباق القوارب.. مسابقة سنوية في ولاية كيرلا الهندية

تختفي الفروق الفردية والاختلافات في الحشد، ويجدف الجميع بالاتجاه ذاته في المسابقة السنوية التي تقام في ولاية كيرلا الهندية، ربما يتميز الرياضيون والنوادي، ولكن التألق الحقيقي هو من نصيب القوارب التي صممت من أجل الحرب، وهي بشكلها ورشاقتها تشبه الأفاعي ومن هنا جاء اسمها.

يقول “بينوي” وهو أحد المتسابقين: كانت هذه القوارب تستخدم للقتال ليلا، فهي ضيقة جدا، وبالتالي يمكن إخفاؤها في القنوات الصغيرة، وحين يأتي العدو تخرج بسرعة إلى البحيرة لمواجهته والقضاء عليه.

مسابقة القوراب تقام سنويا في ولاية كيرلا الهندية ويشارك فيها 80 فريقا بواقع 103 لاعبا في كل قارب

يعيش 99% من المجدفين الذين يشاركون في السباقات بالقرب من البحيرة، وهم صيادون أو يعملون على المراكب. وتعد المسابقة حدثا كبيرا في الولاية، ويشارك فيها 80 فريقا، وتقوم على احترام التقاليد وفي الوقت نفسه تعيد صياغة القوانين، وبغض النظر عن دياناتهم ومراكزهم الاجتماعية يركب الجميع القارب نفسه، فلكل قارب 89 مجدفا و5 مرشدين و9 من ضابطي الإيقاع.

قوارب اللعبة.. إرث خالد من حروب الاستقلال

ويبلغ طول قارب الأفعى 40 مترا ويتسع من الداخل إلى 62 مترا، يجلس أول 7 رجال في الصف واحدا تلو الآخر، وبدءا من الرجل الثامن يجلس كل رجلين جنبا إلى جنب وهكذا حتى نهاية القارب، مواقع المجدفين في القارب تشبه حركات الأوركسترا، ففي وسط القارب يقوم اثنان من المجدفين بضرب القارب بعصا خشبية للحفاظ على الإيقاع، وإلى جانبهما يجلس اثنان من ضابطي الإيقاع، ويطلقان الموسيقى لدفع المجدفين للعمل بحماسة وقوة ودفعهم نحو الفوز.

وقد حلت الموسيقى مكان الأسلحة، فعندما صنعت القوارب قبل 400 عام كان هناك مدفع وسط القارب، وبعد الاستقلال أصبحت قوارب الأفعى عديمة الفائدة، لأنه لا قتال ولا حرب، ولهذا حولت قوارب للسباق.

ويقول “أوما ماهيسواران” الذي يبني القوارب: إن إتقان صنع القوارب هو امتياز نادر جدا، وتبدأ هذه العملية من اختيار الشجرة، وهي “الجاكية” الشبيهة بأشجار التين، وخشب هذه الشجرة أكثر مرونة، وهو يتضخم مع وزن 100 شخص، ثم يتقلص عائدا إلى حالته الطبيعية عندما ينزلون من القارب.

تتوارث بعض العائلات صناعة القوارب كابرا عن كابر من شجرة “الجاكية” وهي شجرة شبيهة بأشجار التين

وتحدث عن عمر القارب قائلا: يبقى القارب سليما 10 سنوات إذا حوفظ عليه، أما إرث العائلة فيستمر إلى الأبد. وإتقان هذه الصنعة هي سر عائلي نحتفظ به منذ أجيال.

يوم السباق.. مشهد مهيب يخطف الأنفاس

يبلغ طول مسار السباق نحو 1200 متر، وخلال هذه المسافة يجلس الجمهور على ضفاف البحيرة لتشجيع المشاركين، وهناك أيضا سباق خاص للإناث، ولكن القارب يكون أصغر ولا يضم إلا 40 شخصا، ولكن الرجال هم الذين يتحملون موقع المسؤولية في القارب.

يتحول يوم السباق إلى مشهد يخطف الأنفاس، وتشير الزخارف والألوان إلى موكب مبهر، فليست هناك رياضة في العالم تضم 100 شخص في كل فريق، ويتنافسون معا ويولدون قوة مذهلة.

لا يوجد في أي مكان آخر مثل هذه الصداقة والتعاون والمحبة بين الناس الذين يغمرهم الشغف بهذه الرياضة، ولهذا يبذل كل المجدفين قصارى جهدهم للفوز من أجل قراهم والجماهير التي تشجعهم.