“تنقية التربة”.. معركة تطهير جسد الأرض من آثار الإشعاع النووي

هنا في تشرنوبل، كارثة مروعة ستترك آثارها السامة على الأرض لآلاف السنين، وهناك في مكان آخر يتكشف نوع آخر من التسمم الخبيث التدريجي، تربة مشبعة بمبيدات حشرية أو هيدروكربونية أو ملوثات كيميائية، في كل القارات تحولت أراضٍ خصبة لأراض قفار، وتحولت مواطن كانت ملاذا للتنوع البيولوجي إلى تربة فاسدة.

ومثل الحوادث النووية يُلحِق التلوث الصناعي والزراعي خسائر فادحة في النظم البيئية، ولذا يكافح علماء الأحياء والنبات والمهندسون ضد تراجع التنوع البيولوجي، من خلال القضاء على تلوث الأرض وإنقاذ الزراعة وإحياء النظم البيئية.

كل هذا وحّد العلماء في معركة واحدة، إنها معركة “ترميم الكوكب”، السلسلة التي بثتها الجزيرة الوثائقية، وهذه إحدى حلقاتها بعنوان “تنقية التربة”.

تشرنوبل الصغيرة.. دخول التاريخ من أفظع أبوابه

في 26/4/1986 حفرت تشرنوبل الصغيرة في أوكرانيا اسمها في التاريخ، حين شهدت أسوأ حادث نووي رئيسي في العالم، فقد انفجر المفاعل الرابع لمحطة “لينين”، واندلع حريق على السطح، فكانت مأساة لا سابقة لها، وبدأ القلب النووي في الذوبان، وكان من المحال احتواء تسرب العناصر المشعة. لقد قضى كثير من عمّال الإطفاء، في قصص مخيفة أشبه بالخيال.

في الساعات الأولى أخليت مدينة “ببريات” من جميع سكانها وبعد أسبوعين أخليت المنطقة ضمن دائرة قطرها 60 كم من مركز الكارثة، وسمِّيت “منطقة الاستبعاد”. بعد انفجار المفاعل انتشرت سحب مشعة فوق أوروبا ملوِّثةً الهواء والتربة قبل الاختفاء، وبالقرب من المفاعل انتشر الإشعاع في كل مكان وتناثرت الجسيمات المشعة، ومع الحريق انتشرت جزيئات من الوقود النووي.

لا تستقر العناصر المشعة في الهواء المفتوح، وقد تؤثر الطاقة التي تطلقها على أي كائن حي، وتؤدي إلى تلفٍ لا رجعة فيه في الحمض النووي.

توفي 31 شخصا مباشرة بعد الحادث، وأُبلِغ عن مرض الآلاف. وبعد مرور عقود على الكارثة لا تزال البيئة تدفع ثمناً باهظا، بما في ذلك الحيوانات والنباتات والتربة، كل شيء يتعرض للإشعاع.

يبلغ نصف عمر السيزيوم 30 عاما، أي أنه بعد مرور 30 عاما على الكارثة تقلصت نسبة الضرر إلى النصف فقط، وبعض العناصر تستغرق آلاف السنين كي تتحلل، وستترك هذه الكارثة بصمتها على تربة تشرنوبل لقرون، وستعيش نباتات وحيوانات مع هذا القاتل الصامت الذي يتهددها.

القوس الفولاذي المطور لحماية المفاعل النووي الرابع في تشرنوبل

مشروع القوس.. هيكل فولاذي يستر عورة المفاعل

كانت أرض المحطة القديمة الأقرب إلى المفاعل المتضرر هي أخطر البقع في تشرنوبل، ومع ذلك فهي الخبز اليومي لمهندسين وفنيين متخصصين في السلامة النووية، حيث يجب اتخاذ أقصى الاحتياطات؛ مثل تطهير المواد بدقة والالتزام بحد زمني في الموقع، فهي مسألة حياة أو موت.

ورغم القبة الأولى التي بنيت فوق محطة الطاقة بعد الحادث، فما يزال التسرب المشعّ مستمرا، لقد بنيت القبة في ظروف قاسية بسبب مستويات الإشعاع، وفي فترات قصيرة، أما الآن فقد تضررت بفعل الزمن والثلوج والظروف المناخية والتآكل، ومن المقرر استبدالها بعد 20 أو 30 عاما.

بُني غطاء جديد على المفاعل أطلق عليه اسم “القوس” وله وظيفتان هما ضمان عزل المفاعل، وسهولة تفكيكه مستقبلا، حيث يرتفع 108م، بطول 67 مترا، وقد نفذ على عدة مراحل بقيود صارمة، وبني على مسافة 300 متر من المفاعل ثم سُحِب بواسطة السكك. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2016 دُفعت الدعامة الأساسية البالغ وزنها 36 ألف طن -أي ثلاثة أضعاف برج إيفل- إلى مستقرها النهائي لتعزل المفاعل الرابع نهائيا.

سيدوم هذا القوس 100 عام، فهو مبني من الفولاذ المقاوم للصدأ والظروف المناخية، ودعامات خاصة للتغلب على الأعاصير، ليسمح للطبيعة أن ترتاح قليلا، لكن التربة ما زالت شديدة التسمم، فخلال 30 عاما وجد السم الوقت الكافي للتغلغل في التربة بكل طبقاتها، ويمكن لكشط هذه الأراضي الملوثة أن يكون الفرصة الأخيرة لإيجاد حل لهذه المعضلة.

هذا الحل الذي طبق في المفاعل الرابع الأوكراني جرى تطبيقه في فوكوشيما اليابانية بعد كارثة 2011 النووية.

طائر السنونو.. كيف تأثرت جيناته ونموه مع التلوث الإشعاعي

تجارب السنونو.. عبث الإشعاع بخصائص الكائنات الحية

اليوم تركت منطقة الاستبعاد في تشرنوبل لمصيرها المحزن، وقلة من علماء الأحياء يجرؤون على دخولها، فقد أصبحت هذه التضاريس بالنسبة لهم مختبرا مفتوحا، حيث وصل “نيموثي موسو” من جامعة كاليفورنيا إلى هنا منذ 15 عاما لمراقبة البيئة. يقول “نيموثي”: إذا كنا نرغب في مواجهة تحديات الاكتشاف والمعرفة فعلينا الذهاب إلى المكان عينه.

ولذا فقد قامت مجموعة من العلماء بعدة تجارب لم يعرف فحواها، والهدف منها فهم استجابة البيئة عندما تتعرض للإشعاع، ومدى تكيفها مع هذه الظروف القاسية، وهذا ضروري للوقاية من الكوارث في المستقبل.

في إحدى التجارب يضع “نيموثي” قطعا من الخشب على التربة ويعود لفحص ما تحتها بعد عام، وفي الوضع الطبيعي ينبغي أن يجدها قد تعفنت، وظهر من تحتها كثير من أنواع الحشرات، ولكنه لم يجد شيئا من ذلك، وهذا مؤشر على مدى الضرر الذي لحق بالتربة بسبب الإشعاع.

يبدو الأمر في تشرنوبل أسوأ بكثير مما توقعه العلماء، فما تزال أجهزة قياس الإشعاع تؤشر على وجود كثير منه على السطح، ومن أجل ذلك يحاول العلماء فهم ما يجري على النظم البيئية، فالسيزيوم مثلا هو نظير عنصر البوتاسيوم، ولذا تمتصه النباتات بشكل تفضيلي على المعادن الأخرى، وهذا ما سبب وجوده بتركيز عالٍ في أنسجة النبات.

كما تتراكم العناصر المشعة في الأوراق، فعندما تسقط يعود السيزيوم إلى التربة وتمتصه جذور الشجرة، وتستمر هذه الحلقة المغلقة منذ 30 عاما، ولا تحظى الحيوانات بفرصة لاستعادة نظامها البيئي.

لاحظ “نيموثي” أن 10 إلى 30% من الحشرات غريبة الشكل، وعند وضعها تحت المجهر وجد أنها تتمتع بسمات غير متماثلة، وذلك نتيجة التعرض للإشعاع. وللمزيد من التعرف على تأثير الإشعاع قام بفحص بعض الفئران وطائر السنونو في منطقة الإشعاع، حيث نصب شبكة لاصطياد السنونو في حظيرة قديمة، وفحص بشكل دقيق أي تأثير قد يكون أحدثه الإشعاع على بنية الطائر وصفاته.

يقول “نيموثي” واصفا الطائر: ثمة بقعة بيضاء غير اعتيادية في العنق، حرارته مرتفعة قليلا، حجم الغدة البولية غير مناسب.

هذا بالإضافة إلى قياسات دقيقة لوزنه وطول جناحه وذيله، وأي ملاحظات على جسد الطائر قد تكون نتجت عن طفرات جينية، وأخذت العينات لتحليلها في المختبر، وتبين أن حمضها النووي متضرر بمستويات عالية، وهذا يشبه ما يحصل للبشر عند تعرضهم للإشعاع.

يطور العلماء بعض أنواع البكتيريا القادرة على مقاومة الملوثات الإشعاعية في التربة

ترياق البكتيريا.. أضعف المجهريات في وجه أعتى المدمِّرات

في فرنسا يمهِّد مرصد “كاداراش” -التابع لهيئة الطاقة الذرية- طرق البحث حول المشاكل النووية، ويعمل العلماء على إتقان وسائل جديدة لمكافحة الإشعاعات في البيئة، ورغم بعده عن تشرنوبل فإن الإجراءات في هذا المختبر صارمة، من ملابس خاصة وقياس دقيق لمستوى الإشعاع وغرفة معادلة الضغط.

تفحص تركيبة التربة المستوردة من المناطق المشعة -وخاصة الكائنات الدقيقة فيها- من قبل الباحثة “شابوه” التي تقول: زرعنا بعض البكتيريا القادرة على النمو في المختبر رغم وجود اليورانيوم، ثم عايناها تحت المجهر، ودرسنا نموها بوجود اليورانيوم.

وخلافا لما يرى العلماء، فإن كثيرا من أنواع البكتيريا موجود في تربة تشرنوبل، والتحدي هو دراسة الأسباب التي جعلتها تصمد.

دلّت الأنماط المتعددة لشرائح البكتيريا على تنوعها في تربة تشرنوبل، واستطاعت بعض الأنواع الصمود في مناطق الإشعاع على اختلاف شدة تعرضها. لقد طوّرت بعض هذه الكائنات الدقيقة ميزات مذهلة للتعايش مع البيئة الملوثة بالإشعاع. تقول الباحثة “شابوه”: جعلنا البكتيريا تنمو بجانب اليورانيوم، ورأينا تشكل قشرة، وأجرينا تحليلا كيميائيا، لقد تحول اليورانيوم والفوسفات إلى معدن.

يبدو أن البكتيريا “إيه 9” (A9) قد طوّرت ترياقا لمنع اليورانيوم من إتلافها، وبتحليل محتوى هذه البكتيريا وجد الباحثون بروتينا رئيسيا تستطيع البكتيريا بواسطته حماية نفسها من اليورانيوم. والواقع أن البكتيريا طورت آليتين للدفاع، فإذا كان تركيز اليورانيوم منخفضا فإنها تحتجزه داخلها دون إمكانية إلحاق ضرر بها، وإذا كان عاليا فإنها تبني جدارا عازلا من البروتين يمنع دخول العنصر المشع.

يبحث العلماء عن الاستفادة من هذه البكتيريا في تحييد العناصر المشعة ومنع انتشارها، وهذه خطوة أولى، يتبعها استخراج الملوثات. وفي المستقبل الأبعد ومع تقدم العلم، فقد يمكن إنشاء كائنات معدلة وراثيا قادرة على حماية نفسها من الإشعاع أو ربما القضاء عليه.

تمثل الديدان أكبر كتلة حيوانية على وجه الأرض، وتعمل على تهوية التربة وخصوبتها

ثنائية الديدان والبكتيريا.. حلف في باطن الأرض لامتصاص المواد المشعة

إن ثلث الأرض عقيم، وفي كل عام يدمر 24 مليار طن من التربة بسبب الزراعة المكثفة والاستخدام المتكرر للمبيدات، ويمكن رؤية هذه العواقب في “بريتاني”، فالتربة ملوثة بمواد كيميائية خطرة، فقد استخدم المبيد الحشري “الأترازين” على نطاق واسع في الخمسينيات، وهو جزيء فعال عند رشه في حقول الذرة للتخلص من الأعشاب الضارة، لكن أدرك الناس أنه سام للبيئة وللإنسان، ووقع حظره في 2003.

وبعد مرور 15 عاما على حظره لا يزال الجزيْء في التربة الزراعية، وتواجه الحيوانات والنباتات البرية مشكلة العودة لهذه الأراضي بسبب التلوث، بل حظرت زراعتها، وإذا لم نفعل شيئا فمحكوم عليها بالنسيان. وفي مختبرات “إيكوبيو” يقوم العلماء بتحديد نوع البكتيريا التي يمكنها إنهاء المبيدات الحشرية.

يصل عدد البكتيريا في التربة إلى مليار جزيء لكل غرام من التربة، ووظيفتها تفكيك المواد العضوية بما فيها التحليل البيولوجي للمبيدات. ولإزالة التلوث بشكل أكبر تحتاج البكتيريا إلى مساعدة ديدان الأرض، فهي تحفزها حين تتفاعل معها، وهذا يدمر الميدات والأترازين.

ولقد أجريت تجارب مخبرية على التربة والديدان والأترازين، ولوحظ تحلل الأترازين بيولوجيا بفعل الديدان والبكتيريا. بعد إضافة المبيد تبدأ البكتيريا الموجودة في التربة مهمتها، وبقياس ثاني أوكسيد الكربون (CO2) المنطلق يعرف تحلل الأترازين، ويظهر تأثير الديدان عندما يزداد انطلاق ثاني أوكسيد الكربون.

تمثل الديدان أكبر كتلة حيوانية على وجه الأرض، وتؤدي وظيفة أساسية في النظام البيئي، وعليه يجب رعايتها والحفاظ عليها، وعدم تدميرها بالحراثة المكثفة. وتلفت بعض التحقيقات الانتباه إلى تطبيقات في الهندسة الحيوية تقوم على استخدام الطبيعة نفسها لإحياء البيئة، وهذه البدائل للمبيدات قد بدأت تستخدم بالفعل، لتخفيف حجم الدمار الذي يصنعه الإنسان.

يستغل العلماء قدرة النمل على إعادة توزيع بذور الطبيعة في التربة المهجورة

هندسة النمل.. كائنات صغيرة تقدم يد المساعدة

في أغسطس/آب 2009 عانت محمية لاكرو بجنوب فرنسا بسبب تضرر أنبوب نفط، بعد تسرب أربعة ملايين لتر نفط أغرقت خمسة هكتارات من الأراضي الغنية التي تشكل موطنا لعدد من النباتات النادرة. وبعد ست سنوات من الحادثة، لا تزال التربة مشبعة بالنفط، ومتحجرة جدا، فالنفط مميت بالفعل.

ولإعادة التربة إلى ما كانت عليه، أزيلت الطبقات المشبعة بالهيدروكربونات. ولإنعاش هذا التنوع البيولوجي الفريد قرر العلماء إعادة إدخال أنواع من الكائنات الحية. إنه ذلك المهندس البيئي الفريد، منهمك في العمل، يخرج من جحوره صوب النباتات، يجمع بذورها وبقاياها ويعود إلى مخازنه، وفي طريقه يعيد توزيع أنواع مختلفة من البذور.. إنه النمل.

ففي الأنفاق، ينظم النمل احتياطات البذور الخاصة به، وعلى السطح يعيد توزيع أنواع البذور المختلفة، ويقوم العلماء بتجارب لقياس مدى تأثير النمل على إعادة صياغة البيئة. وقد وقع التأكد من أن 70% من أنواع البذور قد أعيد توزيعها بواسطة النمل.

بالإضافة إلى جهود الديدان والنمل والكثير من الكائنات الحية في إعادة التنوع البيئي، تصنع بعض النباتات الفارق، إنها تمتص الملوثات وتعيد الخصوبة إلى التربة، إذ أن في الطبيعة نباتات قادرة على امتصاص أنواع من الملوثات، ففي مونتريال، تجري فرق الحديقة النباتية أبحاثاً تقوم على المعالجة النباتية لإعادة إحياء التربة بالنباتات.

تجارب على نباتات قادرة على امتصاص الملوثات من التربة والاحتفاظ بها في سيقانها وأوراقها

امتصاص الملوِّثات غير العضوية.. صفقة الإنسان والنبات

هنالك أكثر من 300 نبتة معروفة بقدرتها على امتصاص الملوثات غير العضوية، وذلك من أصل 500 ألف نوع معروف على هذا الكوكب، وهذا عدد قليل جدا، فعندما نزور الحدائق النباتية فإننا نسعد برؤية معرض الأزهار، ولكن نسعد أكثر بذلك التقدم في البحوث الناجح عنه اكتشاف نباتات أخرى قادرة على المعالجة البيئية، وفعّالة في امتصاص الملوثات.

بعض أنواع السرخس مفيدة في إزالة التلوث، فلقد طورت نظاما جينيا يجعلها فعالة في امتصاص بعض الملوثات، خاصة الزرنيخ، ويمكن استخدام أزهار الزينة الخطمي (زهرة الختمية) لاستخراج المعادن الثقيلة بكميات كبيرة، وهي قادرة على النمو في أشد البيئات تلوثا، وعند انتزاعها يمكنك استخراج كميات كبيرة من الملوثات مثل الزنك والنحاس والرصاص.

تلتقط جذور هذه النباتات الملوثات المدفونة في باطن الأرض، وتنتشر في أوراقها وسيقانها، وبقطع بعض الأوراق نكون قد فصلنا بعض الملوثات، بينما تستمر الجذور بالتقاط الملوثات من داخل الأرض.

ستجرى تجارب جديدة في موقع قديم كان يؤوي مصنعا للبتروكيماويات، أكثر من 12 هكتارا تشبعت بالمعادن الثقيلة لسنوات كالنحاس والسيلينيوم والهيدروكربونات التي يمكن إزالتها بواسطة نباتات اختارها العلماء، وسيشكل تطهير التربة بهذه الطريقة أهمية في ترميم المواقع الصناعية القديمة، ويختارون نباتات لها خاصية النمو وانتشار الجذور بسرعة، وميزة أخرى هي تبرعمها ثانية بعد قطعها.

في كل عام يمكننا استخراج كمية كبيرة من الملوثات عن طريق حصاد هذه النباتات، مثل بذور الكتان والبرسيم والنفل وأعشاب أخرى أظهرت أفضلية في التبرعم في بيئة صخرية ملوثة. تؤخذ عينات من الأوراق والسيقان والتربة بانتظام ويقع تحليلها في المختبر، وهناك تفصل الجذور عن التربة، وللتحقق من فعالية الامتصاص يقاس مستوى الملوثات في الجذور والسيقان والأوراق.

يحتفظ بنك بذور الألفية في ضواحي لندن على أهم مجموعة بذور في العالم

بنك البذور.. إرث نباتات الأرض للأجيال القادمة

إن إحياء التنوع البيولوجي بتطهير التربة الملوثة قد أظهر نجاحا أوليا، وبسبب التهديدات التي تتراكم في التربة فإن ما بين 60-100 ألف نوع من النباتات على حافة الانقراض، وللحفاظ على الموارد الحيوية لكوكبنا أُطلِقت مشاريع رائدة كحماية التنوع الحيوي، وهو برنامج إنقاذ يمكن أن يكون سفينة نجاة لتفادي وقوع كارثة عالمية.

وفي ضواحي لندن جنوب إنجلترا نجد أهم مجموعة بذور في العالم، بنك بذور الألفية، أحد أكبر البنوك وأفضلها تنوعا في العالم، إذ يحتوي بذورا برية وتقليدية من كافة أنحاء العالم، وهي أساسية لمقاومة أسوأ التغيرات في التربة أو درء أزمات الغذاء المستقبلية.

إن كثيرا من النباتات البرية مهددة بالانقراض، ويعمل البنك مع الشركاء لجمع هذه البذور وتخزينها، واستخدامها في الأغذية والتطوير، وكذلك لإنتاج الأوكسجين، ويخزَّن في البنك نحو 80 ألف عينة من 38 ألف نوع مختلف، فهناك مثلا عينة من السودان، وهي نبتة برية قريبة من السورغام، وتُجمَع في مشروع للأقارب البرية، وهذا النوع مهم للغاية لأنه استطاع التكيف مع ظروف قاسية كارتفاع الحرارة وملوحة التربة.

بالإضافة للبذور يحصل البنك على عينات الأعشاب، وبيانات كثيرة عن النبتة من المنشأ، ثم تؤرشف في قاموس ضخم. ويجري تخزين العينات في غرفة باردة، (-20° مئوية)، ولكن يجب الحذر من تجمُّدها حتى لا تفقَد للأبد، ثم تبقى خاملة في هذه الثلاجة الضخمة لعقود، وتؤخذ عينات للإنبات من هذه الثلاجة كل عشر سنوات، وذلك للتأكد من صلاحيتها. ثم تجرى تجارب الشيخوخة المبكرة على عينات محددة، من أجل تحديد أعمار النباتات التي يصل بعضها إلى مئات السنين.

وبعد حادثتي تشرنوبل وفوكوشيما، يخشى العلماء وقوع كوارث ضخمة أخرى، وهناك تحديات مثل إزالة الملوثات المعدنية والنظائر المشعة، ولذا يجب ضبط إجراءات المعالجة الحيوية، واستخدام النباتات والبكتيريا لتنظيف التربة من الملوثات.

منذ آلاف السنين، تعلمت الكائنات الحية التعايش مع الظروف المتغيرة للكوكب، واليوم يسعى العلماء لمعالجة المشاكل الملحة وإيجاد تقنيات جديدة لإزالة التلوث، من أجل إعطاء الطبيعة فرصة للصمود. ولا تزال التربة -وهي أساس الحياة- تحوي كنوزا يجب الحفر لاكتشافها وإنقاذها بشكل أفضل.


إعلان