كسوة الكعبة.. تاريخ من السيادة والتقديس
الكعبة قبلة لنحو ربع سكان الأرض في يومنا الحاضر، لم تنقطع أفكار تقديسها قبل الإسلام ولا بعد ظهوره، كان الاهتمام بكسوتها دليلا ساطعا على تمكنها من شغاف قلوب المؤمنين على مر العصور. فكيف بدأت حكاية كسوة الكعبة وإلى أي شيء انتهت؟
تروي الحكايات التاريخية أن “تُبّع” ملك اليمن مر بالكعبة في طريق عودته من فتح بعض المدائن في الجزيرة العربية، فطاف بها، ثم رأى في المنام أنه يكسوها ويجعل لها بابا ومفتاحا، فأوصى بكسوتها، وهو أول من فعل ذلك.
أصبحت كسوة الكعبة من أفعال الوجاهة عند العرب، وقيل إن أبا ربيعة بن المغيرة المخزومي -وهو من وجهاء مكة- كان يكسوها عاما وقريش كلها تكسوها عاما آخر، ثم انتقلت إلى قصي بن كلاب بعد أن تغلّب على خزاعة ودانت له مكة، وانتقلت إلى أبنائه وأحفاده من بني هاشم.
في يوم فتح مكة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بكسوة الكعبة بالبرود وهي أقمشة من اليمن إعلانا لخضوع مكة لحكمه. وفي عصر الفتوحات تولى الخلفاء الراشدون كسوتها، ثم تواصلت العناية بها بعدهم، وأصبح مركز الخلافة الرئيسي هو من يرسل الكسوة، ففي عهد الأمويين أُرسلت من دمشق، وفي عهد العباسيين أرسلت من بغداد.
لبست الكعبة ثوبها الأسود البهي منذ عام 622 للهجرة في عصر الخليفة العباسي الناصر، وفي عام 1250 ميلادية سيطر المماليك على القاهرة والحجاز فظلت مصر مهد صناعة كسوة الكعبة.
في عام 1299 ميلادية وضع عثمان الأول ركائز الدولة العثمانية، وتمكن العثمانيون من حكم مصر والحجاز بعد حرب مع المماليك، وأنشؤوا وكالات تجارية في مصر خاصة لتمويل كسوة الكعبة.
كانت الكسوة في البداية أربع قطع توضع على أربعة جوانب دون أي إضافات، ثم مع حركة إصلاح الكتابة التي تولاها ابن مقلة وابن البواب أصبح هناك مدخل آخر لوضع آيات من القرآن الكريم في طراز الكعبة.
كان حفل إرسال الكسوة الخاص يبدأ بما كان يعرف بـ”دوران المحمل”، حيث تطوف الكسوة بعد أن تُعد في القاهرة والفسطاط ويخرج الناس لرؤيتها، وقد أخذ المحمل بالإضافة للشكل الديني شكلا فلكلوريا متميزا.
أثناء حكم محمد علي لمصر وتحديدا عام 1925 اعترض حكام الجزيرة العربية على موكب المحمل وقالوا إنه “بدعة”، في العام التالي توقف المصريون عن إرسال الكسوة، فأمر الملك عبد العزيز بتأسيس دار لصناعة الكسوة في منطقة أجياد قرب مكة وظلت هذه الدار تقوم بصناعة الكسوة 12 عاما ثم أغلقت.
عادت مصر بالاتفاق مع السعودية إلى إرسال الكسوة، إلى أن توقف ذلك نهائيا بعد حرب اليمن عام 1962، وتولت السعودية كسوة الكعبة، ونُقل العمل في الكسوة إلى مصنع كسوة الكعبة المشرفة بمكة المكرمة، ولا تزال الكسوة الشريفة تصنع به إلى يومنا هذا.