إدارة الكوارث والأزمات.. تقنيات توجيه البوصلة في الأوقات العصيبة

على حين غرّة ومن دون سابق إنذار ضرب زلزالٌ مدمّر الأراضيَ الواقعة في جنوب وسط تركيا وشمال سوريا، بقوّة بلغت 7.7 بمقياس “ريختر”، حاصدا وراءه ضحايا تجاوز عددهم 10 آلاف ضحية، ومتسببا بإصابة أكثر من 50 ألف شخص، ومخلّفًا دمارا كبيرا على مستوى عدّة محافظات، مما دفع الملايين من المتضررين إلى النزوح إلى مناطق أكثر أمانا، لتعيش البلاد اليوم أزمةً هي الأقسى في تاريخها الحديث، كما ذكر ممثلون عن حكومة أنقرة.
قد تأخذ الأزمات أشكالا وأنماطا عدّة تفتك بالإنسان والحيوان والجماد، ابتداءً بالكوارث الطبيعية مثل الزلازل والبراكين والفيضانات، وهي الأكثر شيوعا على كوكب الأرض، ومرورا بالانهيارات الاقتصادية والجوائح والأوبئة الفتّاكة التي تشلّ سير عجلة الحياة.
ووجود مثل هذه الأزمات مرتبط بوجود الإنسان منذ القدم، لذا كان لزامًا على البشرية ابتكار أساليب واستراتيجيات تخفف أثر الأزمة ووطأة الحدث، وتحافظ على الناجين، وتعزز القدرة على النهوض مجددًا وسط أصعب التحديات، وهذا ما يُعرف اصطلاحًا بـ”إدارة الأزمات”.
ومهما وصل الإنسان من تقدم معرفي وتكنولوجي، فإنه معرض دائما لمواجهة إحدى الأزمات التي يختلف تأثيرها السلبي باختلاف المكان، سواء كانت عالمية كما هو الحال مع وباء فيروس كورونا (كوفيد-19)، أو على نطاق جغرافي أصغر، والأمثلة والشواهد عليها كثيرة.
وتتطلب إدارة الأزمات والكوارث دائما وجود خطط مسبقة قابلة للتنفيذ الفوري، وهذه الخطط ترسم الخطوط العريضة التوجيهية والإجراءات اللازمة الفورية، فتسهّل عمل المسؤولين والمختصين والعاملين في هذا الحيّز، وفي هذا الفضاء نستعرض أهم العناصر الضرورية المطلوبة في جدول أعمال إدارة الأزمات لضمان نجاعة وكفاءة أكبر.
خطط إدارة الأزمات.. إجراءات تواكب وقوع الكارثة
الإجراءات الاستباقية تُعد عاملا رئيسا في إظهار كفاءة وقدرة المؤسسات في التعامل مع الكوارث والأوقات العصيبة، إذ ينبغي على المنظمات مراجعة خططها في إدارة الأزمات بشكلٍ دوري، فضلا عن تدريبات مستمرّة ودورية للعاملين فيها، للتأكد من الجاهزية والاستعداد التام للتعامل مع أيّ ظرف، ولكي يبقى كلّ فردٍ على بيّنة من دوره وعمله. وهذه التحضيرات تشمل الآتي:
تحديد مكامن الخطر والسيناريوهات المحتملة من قبل المنظمات التي قد تنتهي بحدوث أزمة حقيقية، مثل الكوارث الطبيعية أو الأوبئة أو الانهيار المالي أو الهجمات الإلكترونية أو أيّ حالاتٍ مشابهة. تحديد الأدوار وتوزيع المهام عن طريق إنشاء فريق مختص ميداني لإدارة الأزمة، مع صلاحيات واضحة لسلطتها التنفيذية وقدرتها على اتخاذ القرار الفوري. كما يجب أن يكون الفريق متعدد الوظائف ويضم ممثلين من مختلف الأقسام، مثل الشؤون القانونية والمالية والاتصالات وغيره، وهذا من شأنه تعجيل اتخاذ القرارات بشكلها السليم وتنفيذها بأسرع وقت ممكن. تطوير خطة تواصل، بحيث يُعوَّل على قسم الاتصالات في وضع استراتيجية واضحة وموجزة معنية بالتواصل مع الجهات المسؤولة، وهذا من شأنه إبقاء السلطات والشارع على دراية فعلية بالواقع. إجراء تدريبات منتظمة وتمارين دورية تعزز التعرف على مكامن الضعف وتحديد القدرة الاستيعابية، وعليه يأتي التطوير والتحسين بما يتوافق مع الخطة.
وسائل التواصل.. تقنيات التنسيق خلال العمل الجماعي
يُعد التواصل الفعّال أحد العوامل المحوريّة في إدراة الأزمات، لا سيما في ما يتعلّق بالتواصل بين أفراد المؤسسة، لما يترتب عليه من تفادي الالتباسات والإشكاليات، من أجل ضمان عمل جماعي أكثر تنسيقا وترتيبا. ويحدد فعالية التواصل المحاور الآتية:
إنشاء نقطة اتصال مركزية تكون موكّلة لفريق أو جهة لإدارة عملية التواصل في أثناء لحظة وقوع الأزمة أو الكارثة. وتكون هذه الجهة مخوّلة بنشر المعلومات الصحيحة لجميع الأشخاص المعنيين والتنسيق بين الأقسام الداخلية، وكذلك المنظمات الخارجية، وفق بروتوكولات يتحقق منها مسبقا. تطوير استراتيجية رسائل (صوتية أو مكتوبة) واضحة وموجزة يمكن تحديد المعلومات بواسطتها دون لبسٍ أو سوء فهم، ذلك لأن الأماكن المنكوبة قد تكون عرضةً لانقطاع الشبكات بين الحين والآخر، فالحديث المختصر والإشارات المختصرة قد تعني الكثير في هذه الحالات. تعدد طرق التواصل المستخدمة لضمان وصول الرسالة المعنيّة، سواءً كان بالاتصال الاعتيادي أو عبر الأقمار الصناعية، أو بالبريد الإلكتروني، أو مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى الاستعانة بالأشخاص المحليين القادرين على إيصال المكاتيب والرسائل، بسبب إدراكهم ومعرفتهم بمداخل ومخارج أماكن الكوارث. بناء منصة موثوقة تسمح بمشاركة عموم الأفراد لإيصال الرسائل العاجلة والمهمة إلى الآخرين، مع توفير أسس الحماية المعلوماتية.
صناعة القرار.. سرعة الاستجابة ومرونة التكيف
في أثناء لحظة وقوع الكارثة تُعد الاستجابة وسرعة اتخاذ القرارات وتنفيذها أمرًا بالغ الضرورة والحساسية، مع أهمية وجود المرونة الكافية للتكيّف مع المتغيرات الحاصلة مهما بلغت شدّتها واختلافها. وبناءً على ذلك تتخذ المؤسسات والمنظمات قراراتها وفق المعلومات المتوفرة لديها بأفضل شكلٍ ممكن، وهذا يقتضي وجود عاملين حاسمين وهما:
تحديد آلية محكمة لاتخاذ القرارات على أن تكون واضحة المعالم، مانحةً أصحاب القرار تحمّل كافة المسؤولية والعواقب. السبق في الحصول على المعلومات بحيث تكون هناك قدرة كافية للحصول على البيانات الحساسة، من دون الاصطدام بأيّ عراقيل وعقبات، وعلى هذا النحو يمكن اتخاذ القرار بفعالية وسرعة أكبر.
ما بعد الأزمة.. توفير البيئة الحاضنة للتعافي النفسي
بعد أن تهدأ العاصفة وتنقشع الأعمدة الدخانية فتتضح الرؤية، تبدأ آثار ونتائج الكارثة بالظهور، ويتضح حجم الدمار الواقع الذي عادةً ما يفوق الأرقام المسجّلة، وهنا يظهر دور المؤسسة أو المنظمة في تسخير جهودها نحو التعافي الذي قد يستغرق شهورا أو ربما سنوات، فالدمار الحاصل على نطاقات واسعة لا يقف فقط على مستوى البناء فحسب، بل على المستوى النفسي والاجتماعي والاقتصادي كذلك.
والتعافي من الأزمات هو آخر المراحل التي يُناط أمرها بالمؤسسات المسؤولة، وتلعب هذه المرحلة دورًا حاسما في إعادة بناء المجتمع ودفعه على العودة إلى الحياة، ويتضمن هذا التعافي استعادة الخدمات الأساسية وتوفيرها من مأكلٍ ومشرب ومأوى، ومساعدة المتضررين وتوفير الحماية اللازمة لهم، بالتنسيق مع المنظمات المختصة لرعاية المتضررين.
وجنبا إلى جنب، تتجلى الحاجة إلى وجود بيئة حاضنة من المجتمعات نفسها غير المتضررة، وهو أمرٌ بالغ الأهمية ينم عن الشعور بالمسؤولية اتجاه الفرد، ويعزّز قدرة المتضررين على التخطي، وهذا ما قد تفتقر إليه المؤسسات الهرمية التي تعتمد آلية معيّنة في تنفيذ مسؤولياتها تجاه المجتمع على الصعيد النفسي والاجتماعي.
وختاما نقول إنّ إدارة الأزمات لا يمكن اختزالها في عرضٍ فردي بطولي، ولا في قدرة الفرد الواحد على اتخاذ القرارات، بل الأمر معني أكثر باختيار الأشخاص المناسبين لاتخاذ القرارات المناسبة.
مصادر:
[1] محررو الموقع (2007). إدارة الأزمات والاتصالات. تم الاسترداد من: https://instituteforpr.org/crisis-management-and-communications/
[2] محررو الموقع (التاريخ غير معروف). إدارة الأزمات والتعافي من الكوارث. تم الاسترداد من: https://managementstudyguide.com/disaster-recovery-and-crisis-management.htm
[3] محررو الموقع (التاريخ غير معروف). أنظمة وخطط إدارة الأزمات والكوارث. تم الاسترداد من: https://climate-adapt.eea.europa.eu/en/metadata/adaptation-options/crises-and-disaster-management-systems-and-plans