الأنهار الجليدية في خطر.. تحذيرات من زوال توازن بيئي يدمر الأرض
على مدار آلاف السنين والدورات المناخية المتكررة ظهرت الأنهار الجليدية في جميع القارات، من سهول غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية، وصولا الى أعلى القمم في آسيا وأمريكا وأوروبا.
فبعد التراكم البطيء لطبقات الجليد طيلة مئات آلاف السنين، تشكلت الأنهار البيضاء العملاقة لتنحت الجبال وتحفر الوديان. كما تساعد الأنهار الجليدية في تنظيم المناخ وضبط مستويات المحيطات، وتشكل 80% من المياه العذبة في العالم.
ويكشف فيلم “الأنهار الجليدية في خطر” الذي بثته الجزيرة الوثائقية عن ظاهرة مرعبة تهدد الحياة على كوكبنا، إنها ظاهرة ذوبان الأنهار الجليدية وعواقبها الجيولوجية والبيئية المروعة.
ويتتبع الفيلم كيف تمكن العلماء من التنبؤ بتطورات هذه الأنهار الجليدية، وتوقعاتهم للأخطار على الكوكب بسبب التغيّر المناخي، خصوصا في آخر 15 عاما؛ إذ فقد هذا الكوكب الأبيض 700 مليار طن من الجليد كل عام.
ومن بين 200 ألف نهر على وجه الأرض، تُعد أنهار جبال الألب في أوروبا الوسطى من أكثر الأنهار الجليدية هشاشة وتأثرا بالتغير المناخي، حتى إنها قد تتلاشى نهاية القرن.
ففي فرنسا وسويسرا والنمسا، يُراقب علماء الأنهار الجليدية والمناخ وفيزياء الأرض هذه العمالقة المحتضرة بهدف قياس مدى تطورها، وفك تعقيداتها الداخلية، والتنبؤ بمستقبلها، لكنهم يحاولون أيضا استقراء التهديدات الجديدة التي تتربص بالوديان في الأسفل بسبب هذا الانحسار السريع.
وللوهلة الأولى، تبدو الأنهار الجليدية كتلا ضخمة ساكنة، لكن العكس هو الصحيح؛ فهي تطفو بسلاسة دون أن يلحظها أحد.
أنهار الجليد.. انحسار مخيف يفضي إلى كوارث
في “كانتون فاليه” بسويسرا يوجد نهر “أليتش” الجليدي -أكبر جبال الألب- حيث ينتشر 11 مليار طن من الجليد على مساحة 90 كيلومترا مربعا. وخلال القرن الماضي فقط، تراجعت هذه المساحة بأكثر من 3 كيلومترات.
يقول “غيوم جوفيه” من المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا، والذي درس الحركة الجليدية لهذا النهر خلال القرن الماضي للتنبؤ بمستقبله؛ إنه من أجل إنشاء نموذج لتطور نهر أليتش علينا وضع نموذج لديناميكيات الجليد، فهو يعتبر سائلا لزجا يتدفق ببطء بفعل الجاذبية، ولذلك يجب علينا أن ندرس ميكانيكا الموائع، ومن ناحية أخرى يجب علينا نمذجة ما يسمى بتوازن الكتلة، وهو الفرق ما بين التراكمي والذوبان.
ففي يومنا هذا ينحسر طول نهر أليتش بواقع 300 متر كل عام. ووفقا لأغلب التوقعات، لن يستمر هذا الانحسار فحسب، بل قد يتسارع. فقد أتاحت البيانات التي جُمعت فرصة محاكاة انحسار النهر الجليدي بناء على تغيرات مناخية متعددة في جبال الألب بحلول عام 2100.
ووفقا للسيناريو الأول ودون احتباس حراري إضافي، سوف يفقد نهر أليتش نصف حجمه. أما السيناريو الثاني الذي حددته اتفاقية باريس للمناخ والذي يقتصر على زيادة الحرارة بواقع درجتين مئويتين؛ فسيؤدي إلى انحسار بنسبة 60%، لكن السيناريو الأخير هو الاحتمال الأرجح.
ففي السيناريو الأسوأ سنرى زيادة في الحرارة من 4 إلى 8 درجات مئوية، وهو السيناريو المعتاد، حيث إننا لا نفعل شيئا للحد من انبعاث الغازات الناجمة عن الاحتباس الحراري. وفي هذا السيناريو سيختفي نهر أليتش تماما تاركا خلفه القليل من البقع الجليدية المتمركزة في أعلى المناطق.
وفي صيف بعد آخر، يذوب جليد أليتش ويتبدل امتداده الأبيض اللامع إلى حقول صخرية في وادي “شامونيه”.
قماش مشمّع.. محاولات يائسة لحماية الثلج من الذوبان
وعلى سفح جبل “مون بلون”، يُعد “بحر الجليد” مثالا حيا على التغيرات الطبيعية في جبال الألب. ففي كل عام يأتي آلاف السياح لزيارة النهر الجليدي الشهير، لكنهم يتفاجؤون برؤية سهل صخري رمادي اللون، فبعد تكسر الجليد يكشف النهر الجليدي عن قاعدته الصخرية، وتتم تغطية قطع رقيقة من الثلج السطحي المرصوص بالقماش المشمّع لحمايتها من صيف حارق آخر.
يقول عالم الجليد “لوك مورو” إن سُمك النهر في بعض الأماكن كان يصل إلى 300 متر من الجليد، وقد وصفه المستكشفون الأوائل بأنه بحر متجمد هائج، ومن هنا جاءت تسمية “بحر الجليد”. أما في الوقت الحاضر فلم يعد هذا البحر هائجا، بل بات أشبه ببحر من الصخور، إذ تتحول جميع أنهار الوادي الجليدية إلى لون داكن بسبب تضاؤل كتلتها وسرعتها.
ويُعتبر النهر الجليدي آلة رائعة لصنع الجليد؛ ففي كل شتاء يتراكم الثلج فوقه قبل أن يذوب في الصيف، لكن جزءا منه يبقى كما هو ويتحول إلى جليد على ارتفاع ثلاثة آلاف متر. وبسبب المنحدر ينزلق الجليد ويتدفق نحو الوادي، وجراء وزنه الهائل يبدأ النهر الجليدي في الجريان ببطء كحزام نقل هائل. وحين يذوب الثلج في الصيف يوم يقل الارتفاع عن ثلاثة آلاف متر؛ تصبح طبقة الجليد أكثر هشاشة حتى تذوب بالكامل في أخفض بقعة.
الاحتباس الحراري.. ما نفقده من الجليد أكثر مما نجنيه
في كل عام، ينتج النهر الجليدي في جهة ويفقده في أخرى، لكن ذلك النظام اختل عبر آخر 40 عاما بسبب الاحتباس الحراري، فأصبح النهر يفقد أكثر مما ينتج من الجليد. وإثر هذا الاختلال، تتقلص الأنهار الجليدية في جبال الألب طولا وسمكا.
وعلى مدار 30 عاما وفي كل أنحاء العالم، درس “لوك مورو” نهر “أرجنتييه” الجليدي في سلسلة جبال “مون بلون” محاولا قياس حركة الجليد، وعوامل التعرية، وخصائص المياه وكيفية تدفقها، وما يحدث تحت هذه الأنهار الجليدية، وكل ما لا يُرى من سطحها، وذلك بواسطة العشرات من أجهزة الاستشعار.
واخترع “مورو” آلة أطلق عليها مقياس التجويف، حيث يضم عجلة تقيس انزلاق النهر الجليدي. وأكثر ما تكشف عنه هذه العجلة إثارةً هو التغيرات في السرعة، فانزلاق الأنهار الجليدية يكون أكثر سرعة في الصيف منه في الشتاء، وضغط الماء يمكن أن يُسرّع تلك الحركة، وهذا مهم لأنه يؤثر على تدفق المياه. وإذا انزلق النهر الجليدي أكثر من ذلك فقد يخلق مساحات بين الجليد والقاعدة الصخرية تتدفق المياه من خلالها.
يقول لوك مورو: “بسبب الاحتباس الحراري وانحسار الأنهار الجليدية، يتغير تدفق المياه تحت الأنهار الجليدية، وينكمش السطح الجليدي، لكن خلال الثلاثين عاما الماضية كان لدينا الكثير من الماء في الصيف بسبب الفصول الدافئة وموجات الحر المتكررة، ومع انخفاض سطح الجليد ستقل كمية المياه ويختفي كثير من الأنهار الجليدية الصغيرة، وبما أن الأنهار الجليدية تُكوّن أنهارا، فإن هذه الأنهار ستختفي أيضا”.
وقد أدى انحسار حافة النهر الجليدي إلى فتح مخرج جديد لم يكن موجودا قبل عام. وكلما درسنا سمك الجليد اطلعنا على تاريخ النهر الجليدي والمناخ المحلي.
وتعمل المياه على تشكيل النهر الجليدي من الأسفل، بينما يقوم النهر الجليدي بتشكيل الجبل ببطء عن طريق نحت التضاريس المحيطة به. ورغم أن هذه التغيرات طبيعية لا تُرى بالعين المجردة، فإنها تحدث بسرعة البرق جيولوجيا.
ولمراقبتها وفهم مداها الكامل، وضع عالم الأنهار الجليدية كاميرا تلتقط صورة كل ساعتين، وقد أظهرت الصور أن الجزء العلوي منفصل تماما عن الطرف الأخير من النهر الجليدي الذي تغطيه الصخور، لأنه لم يعد يشكل الجليد.
ولا يُقارن نهر “أرجنتييه” بأنهار “غرينلاند” والقارة القطبية الجنوبية العملاقة، غير أنه مقياس تخبرنا هشاشته بماضي ومستقبل الأنهار الجليدية.
الأنهار الجليدية.. تاريخ غني وحافل يوشك على التحول
في جبال الألب -مثل أي مكان آخر- هناك ماضٍ غني وحافل بالأحداث. ففي العصر الجليدي الأخير، كان جزء من أوروبا مغطى بالأنهار الجليدية، وكانت “جنيف” على حافة نهر جليدي عملاق، وبالقرب من “ليون” كانت هناك نهاية جليدية بعرض 30 كيلومترا. وفي “الألب” لم يكن يُرى سوى أعلى القمم فوق بحر من الجليد.
غير أن “سيلفان كوتيران” يبحث عن آثار ذلك الماضي، ويقول إن علماء شكل الأرض (المورفولوجيا) يقومون بتفسير المشاهد الطبيعية. وفي جبال الألب يُستخدم هذا العلم لتحليل تأثير الأنهار الجليدية على المشاهد الطبيعية، حيث شَكّلت 20 حقبة جليدية طبيعة جبال الألب مع ترسب كتل ضخمة من الغرانيت في الأنهار الجليدية في العصر الجليدي الأخير، وهي بمثابة البصمة الأخيرة للنهر الجليدي.
وبعد أن وصل نهر “رون” الجليدي إلى أقصى مدى له في العصر الجليدي الأخير قبل أكثر من 30 ألف عام، بدأ يصبح أرق مما مضى، فقد ترسبت كل هذه الكتل على الأرض، وانحسر النهر الجليدي إلى “كانتون فاليه”.
وقد أوجدت هذه الكتل نظرية تقول إنه كان للأنهار الجليدية مدى هائل في الماضي، فالأنهار الجليدية هي التفسير الوحيد المعقول لوصولها إلى هناك. وهكذا ولدت النظرية الجليدية في أربعينيات وخمسينيات القرن الـ19.
بعد 200 عام، قطعت النظرية الجليدية شوطا طويلا؛ ففي عصر الاحتباس الحراري بات علم الجليد مهما وضروريا.
ذوبان الجليد.. نحو انهيار خطير للجدران الصخرية
هل تؤثر الحرارة المرتفعة على الثلج المخفي تحت الأرض أو خلف الجدران الصخرية للمناطق الجبلية؟ وماذا سيحدث إذا ذاب؟
تدرس عالمة الجليد “فلورنس مانين” التربة الصقيعية، وهي جليد مخفي يغطي 20% من سطح الأرض، وتقول مانين إن هذه التربة أحد العوامل الرئيسية التي تسهم في ثبات الجدار الصخري. فعندما ترتفع حرارة التربة الصقيعية والصخور وتتغير خصائص الجليد الذي تحتوي عليه، يقل كثيرا ثبات الجدران الصخرية، وتزداد حدة الانهيار مع سقوط كتل أكبر من الصخور بشكل متكرر لا سيما خلال الفترات الدافئة.
وتعمل التربة الصقيعية عمل الإسمنت في الجدران الصخرية، حيث يقوم الجليد الموجود داخل الجدران الصخرية بجمع الأجزاء الصخرية معا فتصبح ثابتة بسبب الجليد وحرارته المنخفضة.
أما لب الجدار الصخري فهو أمر مهم جدا؛ فعلى المرتفعات العالية يحوي الجزء الداخلي من الغرانيت شبكة من الشقوق الممتلئة بالثلج منذ آلاف السنين، فيعمل عمل الإسمنت الذي يُثبّت الغرانيت. لكن مع الاحتباس الحراري ترتفع حرارة الجدار الصخري، فيبدأ الجليد الذي يملأ الشقوق بالذوبان ولا تعود الصخور متماسكة وتبدأ بالانهيار.
أما في جبال الألب فثمة أمر لا يُصدّق لكنه يتكرر، حيث تنهار الصخور وتسقط الكتل وتتشقق الجدران الصخرية، وهذا كله خطر على أي شخص موجود على الجبال. أما إذا بلغت هذه الصخور الوديان فستكون العواقب كارثية. لذا فإن مراقبة التربة الصقيعية أمر حاسم، خاصة في قمة “ميدي” على ارتفاع 3800 متر، حيث تشرف في الأفق على مدينة “شامونيه”.
تقول عالمة الجليد “فلورنس مانين” إن التربة الصقيعية تذوب أسرع بثلاث إلى خمس مرات مقارنة بالمعدل العالمي.
وجبال الألب حساسة جدا للتغير المناخي، ففي جميع أنحائها تؤدي الزيادة الحالية للحرارة إلى تعطيل الآليات الجليدية فائقة الدقة، ومن المفترض أن تبقى الحرارة تحت عتبة الصفر المئوية على مدار العام.
ويبدو أن كتلة “مون بلون” بأكملها تعاني فصول الصيف الحارة، وشتاء أقل برودة. في الإطار الجديد لتغير المناخ، أصبح الفهم الدقيق لتطور الأنهار الجليدية وحركتها قضية عالمية. وما يحدث اليوم للأنهار الجليدية الهشة في جبال الألب يعطينا فكرة عما تشهده الأنهار الجليدية في مكان آخر.
في جبال الألب.. تقلص طول وسماكة 5 أنهار جليدية
جاء عالم الجليد “كريستيان فنسنت” وفريقه إلى نهر “أرجنتييه” لدراسة ما هو أبعد من مجرد الأنهار الجليدية، حيث يأملون بالعثور على رابط بين الانزلاق الجليدي وارتفاع مستوى سطح البحر. ويقول إن حالة من عدم اليقين تحيط بالقارة القطبية الجنوبية بسبب نقص معرفتنا بقوانين احتكاك الغطاء الجليدي القطبي أو النهر الجليدي بقاعدته.
نظريا، يجب أن تكون الآليات القائمة تحت هذا النهر الجليدي هي ذاتها في كل مكان، بما في ذلك أسفل القمم الجليدية، حيث يكون التأثير كبيرا على المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر، لكن تبقى أغلب التفاصيل الدقيقة مجهولة كسرعة الانحراف والانزلاق، وهي أمور مهمة جدا لفهم هذه الآليات ونوع الفيزياء الذي يحدث في قاعدة النهر الجليدي.
ويُوضّح “فنسنت” أن العلماء يراقبون عن كثب 5 أنهار جليدية في جبال الألب الفرنسية، وكذلك الحال في سويسرا والنمسا وإيطاليا. ويؤكد أن ذوبان الثلوج ازداد طوال العقد الماضي، وقد ازدادت نسبته منذ منتصف الثمانينيات، وازدادت أكثر وأكثر منذ عام 2003.
واليوم وعلى ارتفاع 2400 متر تذوب 6 أمتار من الجليد سنويا، بينما كانت تذوب 4.5 أمتار في السنة قبل عام 2003.
أما في “تيرول” في النمسا، وعلى جبل “كيتس شتاين هورن”؛ يدرس “إنغو هارتماير” من جامعة “سالزبورغ” ألغاز أعماق الأنهار الجليدية، حيث بدأت الحرارة في الارتفاع خصوصا في الصيف، ويؤكد أن الاحتباس الحراري لا يؤدي إلى تقليص طول الأنهار الجليدية فحسب، بل إلى تقليص سماكتها أيضا. لكن الأكثر إثارة هو اكتشاف أنه بالنسبة لأقسام الجدران الصخرية التي تقع عند انحسار الأنهار الجليدية، فإن الاحتباس الحراري يؤدي إلى تبريد الجدران الصخرية.
“الجيب المائي”.. انفجار مدمر لمئات الأطنان من الماء
لا تزال الأنظمة الجليدية تحتفظ ببعض الأسرار، وتكشف تدريجيا عن أسئلة وتناقضات جديدة، لكن الخطر حقيقي. ويمكن أن تكون لهذه الاختلافات المتزايدة في حرارة أسطح الأنهار الجليدية ومركزها عواقب وخيمة. والقاطنون في وادي “شامونيه” سبق أن دفعوا الثمن ذات مرة، ففي ليلة 12 يوليو/تموز من عام 1895، انفصلت موجة ضخمة من نهر “ثويتس” الجليدي، ولم تُبق ولم تذر في طريقها إلى قاع الوادي، لتجرف منتجعا فاخرا، وتطمس جميع المنازل، لتودي بحياة 175 شخصا في غضون ثوان. في اليوم التالي، عُثر على ثقب كبير في النهر الجليدي، مما أدى إلى اكتشاف ظاهرة “الجيب المائي”.
حين يصبح الطقس أكثر دفئا يذوب الجليد السطحي ويتسرب من خلال الشقوق إلى داخل النهر الجليدي. لكن عندما يصل الماء إلى القاع البارد، فإنه يواجه جليدا صلبا يغطي القاعدة ويمنع تسرب الماء، مما يؤدي إلى تراكمه وإيجاد “الجيب المائي”. وحين يصبح الضغط مرتفعا جدا، ينفجر هذا “الجيب” قاذفا مئات الأطنان من الماء.
ومنذ ذلك الحين، ولمنع هذه الفيضانات وسقوط الكتل الجليدية، بُنيت سدود خرسانية مسلحة ضخمة عند سفح النهر الجليدي، وبمقدور هذا الهيكل الواقي الأكبر من نوعه أن يمنع انهيارا يتكون من 200 مليون متر مكعب من الجليد، لكن هل يمكنه أن يصمد أمام موجة مدمرة كموجة عام 1895؟
في الوقت الحاضر يُراقب العلماء ذلك عن كثب. ففي عام 2011 وجد “كريستيان فينسنت” جيبا جديدا في باطن نهر “ثويتس” الجليدي، فقام العلماء بحفر ثقب في الفقاعة العملاقة وتصريف 20 ألف متر مكعب من الماء على منحدر النهر الجليدي على ارتفاع 3500 متر في عملية استغرقت عدة أيام لإفراغ هذا الخزان الطبيعي الهائل. وبذلك تم تجنب الخطر، لكن بشكل مؤقت، فليس هناك ما يضمن عدم تراكم المياه في المستقبل في المكان نفسه أو في أي مكان آخر في النهر الجليدي.
ومن المفارقات أنه كلما ارتفعت حرارة المناخ زادت كمية الجليد البارد.
ومن “تيرول” في النمسا إلى كتلة “مون بلون” الصخرية، توصل العلماء إلى الاستنتاج نفسه، وهو أن الجليد البارد يزدهر في أعماق جبال الألب، لكن هذا ليس كارثة بالضرورة للبعض، بل إنه يمثل أملا كبيرا.
اختفاء الأنهار الجليدية.. واقع لم يعد بعيدا
مع تشكل الأنهار الجليدية ببطء على مدى آلاف السنين، احتجز الجليد فقاعات هواء صغيرة. ويحاول مشروع “ذاكرة الجليد الدولي” إنقاذ هذا التراث الذي تقدمه لنا الأنهار الجليدية التي تعد سجلا لتاريخ المناخ.
سيستغرق المشروع سنوات حتى يكتمل، حيث يجب جمع الجليد في جميع القارات؛ من جبال “الهمالايا” إلى جبال “الأنديز”، ومن جبل “كليمنغارو” إلى جبال الألب، قبل أن تختفي أنهارها الجليدية.
ولن يفلح هذا في إنقاذ الأنهار الجليدية، فهي ستختفي وسنتذكرها من خلال الصور واللوحات، لكن ستبقى بضع قطع من الجليد في شكل أسطوانات قطرها 10 سنتيمترات. هذا هو كل ما سنسلمه للأجيال القادمة، وستبقى الآثار الأخيرة لثلوج “كليمنغارو” في هذا الأرشيف.
وأمامنا اليوم مسؤولية، فلا يزال جيلنا يُنتج الكثير من الغازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري، وفي الوقت نفسه فإن البيانات العلمية النفيسة الموجودة داخل الأنهار الجليدية آخذة في الاختفاء، ونحن من يتحمل مسؤولية تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة للحد من الاحتباس الحراري في المستقبل، والحفاظ على هذه المواد النفيسة.
أما زال بإمكاننا إنقاذ أنهار جبال الألب الجليدية؟ ربما لا، والتأثير الجيولوجي والبيئي لتلافيها الوشيك سيؤثر علينا، لكن من رحم معاناتها تزيد الأنهار الجليدية في جبال الألب معرفتنا بشكل كبير، وتمنحنا الفرصة لفهم أفضل لمستقبل الجليد والمناخ على كوكبنا.