اكتشاف الطبيعة.. فهي مصدر الإلهام ولغز النجاة أو الهلاك

كوكب الأرض كنز لا يقدر بثمن، إنه موطننا الوحيد، وتشكل فيه ملايين النباتات والحيوانات تنوعا هائلا وتتشارك أراضيه ومحيطاته، ففي كل عام يساهم البحث العلمي بظهور الكثير من الاكتشافات متضمنة أشكال حياة جديدة.
ويبقى السؤال: هل هناك أمور لم تكتشف بعد؟
تبحث سلسلة “علوم كونية” المؤلفة من 6 أجزاء والتي عرضتها الجزيرة الوثائقية، الاكتشافات الرئيسية في أحدث الأبحاث وتقدم نظرة عامة غير مسبوقة على الإنجازات المذهلة التي تشكل العالم ومستقبله.
ويتناول فيلم “علوم كونية.. اكتشاف الطبيعة” الذي نحن بصدد الحديث عنه، التهديدات التي تواجهها الأرض منذ وجودها قبل 4 مليارات ونصف المليار سنة تقريبا، وكيف تؤثر الاضطرابات البيئية والانبعاثات والتغير المناخي على الطبيعة.
بعد 10 مليارات عام على الانفجار الكبير، بدأت الحياة بالظهور على الأرض، ومنذ ذلك الوقت تطورت الحياة وتقدمت بأشكال عدة واستعمرت كل النظام البيئي على هذا الكوكب. ويدرس العلماء من كافة أنحاء العالم التنوع البيولوجي الهائل، في محاولة لكشف أسراره.
تقول جين غودول وهي رائدة في دراسة سلوك الحيوان: “غصنا في أعماق البحر ومضينا بعيدا داخل الغابات، وبتنا نعلم الآن أن الأشجار تتواصل فيما بينها، والوقت الآن مناسب للاكتشافات المثيرة، وأخاف أن نفوت الوقت ونخسر التعرف على عجائب الطبيعة لأننا ندمرها بسرعة كبيرة”.
المستحاثات.. علم كاشف لتاريخ الأرض وأشكال الحياة فيها
ورغم خطر التغير المناخي، لا يزال العلماء يكتشفون أنواعا جديدة من الحيوانات ويشهدون لحظات نادرة وخاطفة.
ومنذ العصور القديمة اكتشفت البشرية علامات ظهرت مجددا من الماضي، ونسجت آلاف القصص والخرافات عن التنانين والمخلوقات العملاقة لإعطاء معنى لهذه الاكتشافات. ولم تكن هذه المستحاثات علما حتى القرن الـ18.

ويرى ريجيس ديبروين عالم المستحاثات الفرنسي، أن “علم المستحاثات يحاول تقديم شكل من أشكال فهم الأرض وأنظمتها والحيوانات والنباتات التي عاشت على سطحها وذلك من خلال تاريخها. ويمكن سرد التاريخ من المستحاثات والتحاليل التي تجرى عليها بشكل خاص. وعلم المستحاثات هو إعادة تكوين التاريخ بين هذه المستحاثات التي تربط كل الكائنات الحية بعضها ببعض ومصدر فريد للمعلومات التي ظهرت خلال علم الحفريات القديم”.
ويتابع أنه “في كتاب التطور العظيم يوثق علم المستحاثات بضع حقائق من هنا وهناك، لكن المستحاثات هي الشاهد الموضوعي في وقت ما على وجود مخلوق حي ما، ولم يسمح لنا عالم المستحاثات –في أي وقت- أن نعيد كتابة التطور لأن سجل المستحاثات ناقص بشكل كبير والمستحاثات وحدها لا تحمل أي معنى، ولكن من خلال علاقتها مع المستحاثات الأخرى من السلالة نفسها وعلم الأحياء الحالي، يسمح لنا بفهم تطور أنظمة الأرض والتنوع البيولوجي”.

وتعود المستحاثات التي تجلب انتباه العامة إلى الديناصورات. فخلال قرنين من أعمال التنقيب بحثا عن الحياة القديمة، حددت أكثر من 700 نوع من هذه الحيوانات المذهلة. وكشفت كل عملية تنقيب عجائب جديدة.
ففي صحراء غوبي شمال الصين، اكتشف أكثر من 200 أحفورة من المستحاثات ساعدت في التعرف على أنواع جديدة من الحيوانات التي لم تكن معروفة من قبل في المنطقة.
كما استقبل متحف “زول كروريفستاتور” في تورنتو ديناصورا مدرعا يبلغ من العمر 76 مليون سنة وهو أحد أكثر العينات اكتمالا في مجموعته، وقد حفظ جلده بحيث يمكن إخراج البروتين منه.
وتساعد دراسة ماضي الأرض على فهم حاضرنا بشكل أفضل ومعالجة عدة ثغرات لتعريفنا بتاريخ الحياة.
ولكن.. كيف تطور الإنسان منذ مليارات السنوات؟
يقول ريجيس ديبروين عالم المستحاثات الفرنسي إن “تطور الإنسان لم يكن يسير في خط مستقيم على الإطلاق، إنه أشبه بأدغال، وحتى فترة قريبة جدا أي في الأعوام الثلاثين ألفا الأخيرة كانت هناك عدة سلالات بشرية التقت على الأرض ونحن ندرك أكثر فأكثر اختلافها قليلا عنا من ناحية الشكل.

وبعبارة أخرى، استطاعت هذه السلالات من خلال هذه التبادلات أن تحقق تنوع السكان الذين استمروا حتى اليوم ونجوا منذ آلاف السنين وفي مقدمتهم الإنسان العاقل”.
ففي إثيوبيا اكتُشفت جمجمة بشرية عمرها 4 ملايين عام تعود للقرد الجنوبي الأنامي الذي يعد أحد الأنواع التي تمزج بين هيئتي القرد والإنسان، ولا تعطي هذه الجمجمة شكل وجه لهذه السلالة فحسب بل تقدم معلومات عن نظامها الغذائي وحجم دماغها، وهي السلف المباشر للقرد الجنوبي العفاري، وهي المستحاثة الشهيرة المعروفة باسم “لوسي”.
ومن خلال تجربة الرماح التي يبدو أن عمرها يبلغ 300 ألف عام، اكتشف الباحثون أن البشر البدائيين كانوا قادرين على اصطياد فريستهم على بعد 20 مترا، وهي ضعف المسافة المقدرة سابقا. وكان لأسلاف الإنسان هؤلاء سلاح صيد دقيق وفعال بالتأكيد.

وفي إسبانيا، قلب تحليل جدران كهف “لاباسييغا” تاريخنا البشري رأسا على عقب، حيث يُعتقد أن هذه اللوحات الكهفية تعود إلى نحو 65 ألف عام ورسمت منذ نحو 20 ألف عام، أي قبل وصول الإنسان العاقل إلى أوروبا.
وقد ترك البشر الأوائل بصمتهم على الأرض على شكل مستحاثات وأدوات ومساكن، لكن لم يترك أحد منهم دلائل أثرية كالإنسان العاقل.
كما اكتشف الباحثون في جنوب أفريقيا مدينة مفقودة تدعى “كوينييغ”، حيث يقال إنها كانت موطنا لأكثر من 10 آلاف شخص في القرنين الـ15 والـ19 قبل الميلاد، وغطت مساحة تقارب نحو 20 كيلومترا.
التغير المناخي.. 300 مليون إنسان في خطر
مع الأسف يترك البشر وراءهم أكثر من الكهوف والآثار، فإرث الإنسان العاقل موجود أيضا في المحيطات الغارقة بالبلاستيك. فالتنوع البيولوجي للأرض ينحدر بشكل كبير ويتغير المناخ بسرعة لا مثيل لها في تاريخ كوكبنا.
ويؤكد كيم هولمان عالم الأرصاد الجوي النرويجي والمهتم بالتغير المناخي والتلوث في المناطق القطبية، أن “ارتفاع حرارة الكوكب أمر حقيقي حيث نلاحظ جميعا ارتفاع حرارة المحيطات في العالم والغلاف الجوي وذوبان الأنهار الجليدية. وإذا نظرتم إلى عينات اللب الجليدي أو حلقات الأشجار أو الترسبات في قاع المحيط، فستتأكدون من الارتفاع الكبير في درجات الحرارة خلال الأعوام المئة الماضية”.

وأوضح أن “الأرض الصقيعية تحتضر، وهناك حركة في التربة ومنازل تتشقق وتغيرات في الحرارة. وارتفعت درجات الحرارة في فصل الشتاء بأكثر من 10 درجات مئوية في الأعوام الثلاثين الماضية. ولهذا يختلف فصل الشتاء كثيرا مقارنة بما كان عليه في السنوات الماضية”.
ووفقا لتقرير صادر عن مجلس القطب الشمالي، يذوب كل ثانية نحو 14 ألف طن من الجليد في القطب الشمالي وحده. وأضافت الدراسة أنه منذ 2006 ارتفعت مياه المحيطات نتيجة لذلك بمعدل تقريبي يبلغ 4 مليميترات في العام الواحد. وقد لا يبدو الرقم كبيرا ولكن إن لم تتغير النسبة، فستتعطل حياة 300 مليون شخص خاصة في آسيا والصين والهند وبنغلاديش بحلول عام 2050.
الغازات الدافئة.. من إسهامات البشر في زيادة التغير المناخي
لطالما كان المناخ يتغير ويستمر في التغير اعتمادا على أشياء مختلفة كالشمس ودوران الأرض وموضع القارات، وهناك أسباب طبيعية عدة تجعل المناخ يتغير، ولكن من الصعب تغيير درجة الحرارة خلال الأعوام الخمسين الماضية دون الإشارة إلى الغازات الدافئة التي يتسبب بها الإنسان في الغلاف الجوي.
وبحسب عالم المستحاثات الفرنسي ريجيس ديبروين، فإن “التغير المناخي الذي يسببه الإنسان نتيجة تكثيف أنشطته البرية والمستوطنات البشرية يحدث بشكل أسرع بكثير من كل التغيرات المناخية الأخرى التي أتاحتها لنا الكشوف الموثقة لعلم المستحاثات.

وما لا نعرفه هو مدى قدرة الحيوانات والنباتات والبكتيريا على تحمل سرعة التغيرات، ولكن ما نعرفه بشكل جيد هو أنه كلما حدث تغير بشكل أسرع زادت تأثيراته على الكائنات الحية الأكثر تعقيدا أي أن الكائنات الأكثر حساسية ستكون نحن والثدييات الكبيرة والطيور”.
وقبالة سواحل أمريكا الشمالية، يعد بحر ساركاسو موطنا لتنوع بيولوجي استثنائي، وهو المكان المفضل للسلاحف البحرية، لكن اليوم تعاني الحياة في المحيط بسبب موجة عارمة من النفايات البلاستيكية.
ولهذا تحاول مهمة بقيادة منظمة السلام الأخضر في بحر “ساركاسو” فحص مدى التلوث، وأظهرت المهمة أنه “إن لم يُتخذ أي إجراء لحماية محيطاتنا فقد تحتفي عدة أنواع من الأسماك وكثير من أصناف المحار بحلول عام 2040”.

وأكثر من ذلك، قد تنتهي الحياة في المحيطات لأنها غارقة في البلاستيك وملوثة نتيجة أعمال التنقيب عن النفط ومستنزفة بسبب الصيد الجائر ويزداد الحمض فيها بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
ويحذر “الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة” من احتمال فقدان المحيطات للأوكسجين، ولن تحظى بعض المناطق المحرومة من الأوكسجين بحياة بحرية باستثناء البكتيريا وقناديل البحر، وعلى الأرض أيضا ينذر الوضع بالخطر.
تغيرات كارثية.. أنواع حيوانية كثيرة يتهددها الانقراض
في الأمازون، يشكل تغير المناخ وإزالة الغابات والحرائق تهديدا خطيرا لحياة ملايين الأنواع النباتية والحيوانية. إذ دمرت رئتا الكوكب بنسبة 20% وفقا لبيانات الحكومة البرازيلية. وبعد سنوات من إزالة الغابات كانت المنطقة الحيوية البيئية للغابات المطيرة شديدة المقاومة ولكنها قد لا تكون قادرة على تحمل التغيرات المشتركة لتغير المناخ والانتهاكات البشرية.

وأيضا في أستراليا، تسببت حرائق الغابات غير المسبوقة بالقضاء على أكثر من 100 ألف كيلومتر مربع (مساحة أكبر من البرتغال) وقضت النيران المشتعلة على حياة عشرات آلاف من الحيوانات. وتمكنت كائنات كانت محظوظة من النجاة وإيجاد ملجأ لها مع السكان المحليين.
ووفقا لأكاديمية العلوم في الولايات المتحدة، فإن نحو 50% من الثدييات الأسترالية على وشك الانقراض أو مهددة في البرية.
وتسببت هذه الحرائق بخسائر لا يمكن تعويضها للحيوانات والنباتات الفريدة في هذه القارة، حيث لا يوجد كثير منها في أي مكان آخر على الأرض. وحتى في الأماكن التي لا تحترق فيها الطبيعة تستمر الأخطار الأخرى كالنحل المهدد بالانقراض بسبب مبيدات الآفات، فإذا اختفى النحل سيواجه الإنسان مجاعة غير مسبوقة.
وبحسب جمعية السلام الأخضر فإن 75% من إنتاج الغذاء في العالم يعتمد على هذه الحشرات الصغيرة.
هل هناك أمل.. الحياة هشة ولكنها مرنة
لحسن الحظ لم نخسر كل شيء بعد، فتدابير حماية التنوع البيولوجي تمنحنا الأمل، فقد صدر قانون يحظر الصيد الكهربائي في الاتحاد الأوروبي اعتبارا من يوليو/تموز 2021، وكانت فرنسا السباقة بحظرها لهذه الطريقة من الصيد في 2019، وهذه انتصارات للطبيعة.
ففي الإكوادور عثر على سلحفاة أنثى عملاقة لم تظهر منذ 1906 وتبلغ من العمر 100 عام وقد لا تكون هذه السلحفاة هي الناجية الوحيدة، إذ بفضل برنامج التربية يمكن أن يزداد عددها قريبا.
وفي كينيا صُور فهد أسود أفريقي نادر لأول مرة منذ 100 عام.

وقبالة سواحل أستراليا يمكن أن تنقذ دراسةٌ الشعاب المرجانية المحتضرة، فمن خلال بث صوت شعاب مرجانية سليمة استجابت الأسماك وعادت إلى تأسيس نفسها مجددا في هذه المناطق المهجورة مما أدى إلى تنشيط المياه لتزهر الشعاب المرجانية مرة أخرى.
ويؤكد عالم الأرصاد الجوي النرويجي كيم هولمان، أنه “لم يفت الأوان حتى ينتهي كل شيء، دائما هناك ما يمكن فعله لحماية هذه الطبيعة، فما زال هناك كثير من الجمال والتنوع البيولوجي ويوجد أيضا الكثير من البشر الذين يستحقون حياة كريمة، أظن أنه يمكننا فعل شيء وعلينا ذلك”.
ويتابع “فهمنا النظام جيدا ولكن ما زال هناك أشياء لا نفهمها، ولهذا يجب أن نكون متواضعين لأن الطبيعة معقدة”.

ومؤخرا، أصبحت دراسة الطبيعة كسباق مع الزمن، وما زالت الأنواع الحيوانية والنباتية التي تسكن الكوكب تشكل ألغازا للعلماء حتى في القرن الـ21.
بدورها تكشف الأخصائية الأميركية في المحاكاة الحيوية دينا باوماستير “أننا نعلم بوجود ما يصل إلى 30 مليون نوع وفصيلة من الكائنات، وهناك 700 ألف نوع وفصيلة لا نعرف عنها شيئا، ولهذا يمكننا تعلم الكثير. وفي كل عام نكتشف بين 30 و50 ألف نوع جديد، ورغم ذلك لدينا الكثير لاكتشافه”.
الطبيعة.. مصدر إلهام البشر وإبداعهم
من خلال تدمير الكوكب والأنواع التي تعيش على سطحه يقضي الإنسان على مصدر إلهام لا حدود له. ونتيجة لأفعالنا هذه، يهلك مستقبلنا، ويمكن اعتبار الطبيعة أفضل مختبر بحث وتطوير في العالم، إذ طور الطبيعة عمليات شبه مثالية في بيئة العمل وإدارة الطاقة والإنتاج وتصنيع المواد.
وتستوحي أعظم الابتكارات التكنولوجية كالقطارات عالية السرعة والروبوتات والطائرات من دون طيار وعنفات الرياح، إلهامها من العالم الطبيعي وتسمى هذه الظاهرة “المحاكاة الحيوية”.

وتكشف دينا باوماستير أن “القطار السريع كان يعاني من مشكلة عند مروره عبر الأنفاق ويخلق موجة من الضغط تسبب دوي صوت للجانب الآخر من النفق، وهذا ما لم يكن القرويون سعداء به، وفي ذلك الوقت كان أحد المهندسين مهتما بطائر يدعى “الملك فيشر” كان يغوص في الماء قادما من الهواء للإمساك بسمكة وعليه فعل ذلك دون خلق أي موجة، وطلب هذا المهندس بأن تصمم مقدمة القطارات السريعة على شكل منقار الطائر، فنجح الأمر، إذ لم يقضوا فقط على اختراق حاجز الصوت بل وفروا استهلاك الوقود بنسبة 3%”.
وفي جامعة مانشستر البريطانية، تمكن العلماء -من خلال المسح بالأشعة المقطعية- دراسة حيوية العنكبوت “القافز” الاستثنائية، حيث يمكن لهذا العنكبوت القفز لمسافة أكبر من طوله بنحو 6 أضعاف مقارنه بالإنسان الذي يستطيع القفز إلى مسافة أكثر من طوله بمرة ونصف.
ويهدف المهندسون إلى تطوير نوع جديد من الروبوتات رشيقة للغاية بناء على محاكاة العنكبوت “القافز”.
وفي السويد، يدرس العلماء الديناميكية الهوائية لتحليق الخفافيش، حيث توفر الخفافيش ضعف الطاقة عن طريق الطيران على ارتفاع منخفض، وهذه النتائج تساهم في تطوير تكنولوجيا الطائرات من دون طيار.

وقبل استغلالها والاستفادة منها، يجب أولا دراسة هذه الكائنات وفهمها، فعلم التشريح وعلم الأعضاء وحتى سلوك الحيوانات وكل جانب من جوانب حياتها تفك رموزها من قبل العلماء.
وتلفت الخبيرة البريطانية في علم السلوك وعلم الرئيسيات جين غودول، إلى أنه “نحن لسنا الكائنات الوحيدة على هذا الكوكب الذي نمتلك الشخصية والعقل والعاطفة. أعتقد أن الوقت الآن هو الأكثر إثارة للشباب الراغبين في دراسة العالم الطبيعي وسلوك وذكاء الحيوانات، إنه علم مذهل”.
وتابعت “من المهم للغاية أن ندرك أننا جزء من مملكة الحيوان وغير منفصلين عنها وأننا جزء من العالم الطبيعي، حيث يحاول الناس اليوم فصل أنفسهم والقول إن الطبيعة مختلفة عنا وإننا نعيش في المدينة”.
الطحالب والفطر.. مخلوقان ضعيفان قد يكون فيهما نجاة البشر
تتضمن الطبيعة ما هو أقوى من مملكة الحيوان فقط، فالنباتات البسيطة كالطحالب تمكننا من محاربة التلوث أو إطعام البشر.
وتراهن شركة أمريكية على الطحالب لإطعام الكوكب، فالقيم الغذائية كالفيتامينات والمعادن واليود كثيرة فيها، وفي المستقبل قد تحل الأعشاب البحرية محل اللحوم الموجودة في أطباقنا، والأهم من ذلك أن الطحالب كالأشجار تمتص ثاني أوكسيد الكربون من الهواء وتحوله إلى سكر أثناء عملية التركيب الضوئي ومن ثم تطلق الأوكسجين.

وفي إنجلترا، قام الباحثون بفك شيفرة الآلية الخلوية وراء الكفاءة الفريدة لهذه العملية في الطحالب. ويهدف فريق البحث إلى تطبيق هذه الآلية على محاصيل الأرز والقمح على سبيل المثال والتي كانت قدرتها محدودة على التقاط ثاني أوكسيد الكربون حتى الآن ويمكن أن تزيد هذه العملية من إنتاجية المحاصيل الموجودة وبالتالي إطعام ملايين الناس.
وقد تساعد الطحالب في حمايتنا من أشعة الشمس بشكل غير متوقع لأنها تحتوي على الأحماض الأمينية التي تعمل كبديل فعال لمرشحات الأشعة فوق البنفسجية الصناعية في المنتجات الواقية من الشمس.
كما يمكن استخدام الطحالب البحرية لتطهير التربة عن طريق امتصاص الزرنيخ. ويحاول الباحثون في جامعة أستوكهولم توسيع حل المعالجة النباتية هذه ليشمل أجزاء أخرى من العالم ملوثة بالمعادن الثقيلة.
أما الفطر، فهذا المخلوق الإسفنجي الغريب الذي لا يعد نباتيا ولا حيوانيا، فإن البحث بتأن حوله قد يساعد في إنقاذ الكوكب.

ففي إنجلترا لا يعيد الفطر تدوير الزرنيخ، إنما البلاديوم الموجود في مياه الصرف الصحي ويستخدم هذا المعدن النادر من بين أشياء أخرى في أنظمة عادم المركبات للحد من الانبعاثات، ويمكن للفطر إنشاء جزيئات نانوية من البلاديوم التي يمكن استخدامها في خلايا الوقود.
كما حاول باحثون سويسريون رسم خريطة لشبكة عالمية تحت الأرض لـ38 نوعا معروفا من الفطريات، ويمكن أن يساهم هذا العمل في مكافحة تغير المناخ حيث إن الفطريات -كالنباتات- تلعب دورا مهما في التقاط ثنائي أوكسيد الكربون وهو أحد الغازات الدفيئة الموجودة على كوكب الأرض.
البكتيريا والحمض النووي.. عالم مختلف وجد حلولا لمشكلات نعاني منها
الحيوانات والنباتات والفطريات مهمة ولكن هذا ليس كل شيء، فهناك عالم مختلف تماما للحياة قد يؤدي إلى التقدم العلمي وهو عالم البكتيريا.
وفي هذا السياق تقول دينا باومايستر الأخصائية الأمريكية في المحاكاة الحيوية إن “الحياة كانت موجودة على الكوكب منذ أكثر من 3 مليارات عام، وفي أكثر من ثلثي ذلك الوقت كانت الكائنات عبارة عن وحيدة الخلية، وكانت لديها القدرة على التطور بسرعة، فبينما تصعب رؤيتها بالنسبة إلينا ونعتقد أنها مخلوقات مخيفة فإنهم سادة الحياة على هذا الكوكب، ولهذا يجب أن ندرس البكتيريا والكائنات أحادية الخلية ونسألها كيف وجدتِ الحلول”.

وقد فحص علماء إسبان نحو مليار فيروس وعشرات الملايين من البكتيريا التي تسقط من السماء لكل متر مربع يوميا، كما يدرس العلم اليوم باستمرار الحمض النووي وهو أصغر من البكتيريا.
إن التقدم الأخير في التسلسل الجيني يجعل من الممكن فهم الأنواع التي تعيش معنا بشكل وثيق أكثر من أي وقت مضى وفهم تطورها وتكاثرها وتأمين حماية أفضل لها في النهاية.
ويقول ريجيس ديبروين عالم المستحاثات الفرنسي إن “علم الأحياء التطوري يعتمد على التحليل السلوكي وتحليل علم وظائف الأعضاء وعلم التشريح وعلم المستحاثات والبيولوجيا الجزئية وهو عبارة عن الروابط كلها التي جمعت هؤلاء الباحثين معا والتي تسمح لنا اليوم بأن نكون قادرين على تعزيز المسارات الناجحة، ولكن هذا لا يعمل فقط على وصف ما حولنا، إنما يقترح مسارات لبقاء الإنسان وبيئته في ظروف أفضل.
بدورها تنصح عالمة الفيزياء الإيطالية كيارا ماريوتي بأن “يكون العلم تعاونيا عالميا لأسباب عدة، إذ لا تستطيع كل أمة تحمل تكاليف هذه التجارب المعقدة والمركبة، كما أنه من وجهة النظر الفكرية فإن التجارب معقدة للغاية لدرجة أنك لن تجد في بلادك الكفاءات المطلوبة جميعها، فمن المهم العمل في جميع أنحاء العالم وربط الكفاءات معا”.
قد يستغرق البحث العلمي عن المعرفة عقودا والكشف عن أسرار الطبيعة والكون أجيالا من الباحثين، لكن كوكبنا اليوم في خطر، لأن الاحتباس الحراري والتلوث والنظم البيئية المدمرة تهدد عالمنا، ولهذا فإن العلماء يحاولون البحث عن حلول وإيجاد أجوبة لكثير من الأسئلة قبل فوات الأوان.