“الحرارة القاتلة”.. مستقبل أحفادنا الملتهب يطبخ على نار هادئة

كان 2018 العام الذي شعر فيه العالم حقا بالحرارة الناجمة عن الاحتباس الحراري، ولكن -بحسب الأمم المتحدة- لن تنتهي الظواهر الطبيعية بل ستزداد سوءا مع الأسف، فالحياة في الخارج ستكون بطيئة، وقد اكتشفت ما يفعله هذا العدو غير المرئي بأجسامنا، وهذا العدو قد يقتلنا، وعرفت أن الحلول الترقيعية لن تكون بردا وسلاما علينا إلى الأبد.
في فيلم “الحرارة القاتلة” من سلسلة “نظرة على” -التي عرضتها الجزيرة الوثائقية- يأخذنا الباحث السنغافوري “جوشوا ليم” في رحلة لاستكشاف أحدث التقنيات التي ستغير العالم، محاولين البحث عن أجوبة لأسئلة ظلت مستعصية على العلم لسنوات طويلة.
لقد بات العالم أكثر جنونا وأشد تعقيدا، ولذا فإن “جوشوا ليم” يساعدكم على فهم ما يجري من حولكم، وسيقربكم أكثر من الواقع، وسيروي قصصا أكثر إمتاعا، وسيمنحكم رؤية أعمق.
يقول “جوشوا ليم”: نحن شعب اعتاد الحَرّ، ولكن البيانات المأخوذة من الأقمار الصناعية، ووكالة ناسا تخبرنا بشيء مقلق لا يمكننا رؤيته، فدرجات الحرارة ترتفع في سنغافورة أسرع مرتين من بقية أنحاء العالم بمقدار درجة مئوية في كل عُقدة، أي أننا أصبحنا أكثر حرارة بدرجة واحدة مما كنا عليه في خمسينيات القرن الماضي.
“يمكن للطقس أن يكون قاتلا”.. مستقبل سنغافورة
يطلق مركز أبحاث المناخ بسنغافورة هوائيا في السادسة صباحا، وفي التوقيت نفسه مساء، لينقل البيانات على مراحل إلى جهاز الاستقبال الأرضي ويعرضها على الحاسوب، ويطلق بالون طقس لمسافة تتجاوز 30 كيلومترا في الغلاف الجوي لجمع بيانات حقيقية، ثم تدخل هذه الأرقام إلى حواسيب متطورة تعمل على مدار الساعة والأسبوع من أجل أن يتوقع علماء المناخ طقس الغد.

يدخل العلماء بيانات درجات الحرارة والرطوبة والرياح في نماذج الطقس لديهم، فهذه الأمور الثلاثة تتحكم بطقسنا. يقول كبير العلماء الباحثين في مركز المناخ محمد إكمال: أتفهم شكوك الناس ولكن من الصعب التنبؤ بالطقس في بعض المناطق -وخاصة الاستوائية- مثل سنغافورة، لأننا نشهد طقسا متقلبا، حيث يميل هطول المطر والعواصف الرعدية للتكون بسرعة كبيرة والتبدد بنفس السرعة أيضا، وكل ذلك يحدث في غضون ساعة أو ساعتين، مما يعيق تحديد مكان وزمان تكونها.
وليس فقط طقس الغد وبعده، بل يمكننا التوقع بالطقس سنوات قادمة أو بعد مئة عام من الآن، فإذا استمر معدل انبعاثات الكربون في ارتفاعه السريع، فقد تصل الحرارة اليومية العظمى في سنغافورة إلى 35 أو 37 درجة مئوية بحلول عام 2100.
لا يبدو أن هذه الدرجات تشكل خطرا، لأنه في بعض المناطق بالعالم تسجل 40 درجة، غير أن السؤال هو: هل يجب أن يقلق سكان الدول الذين يعيشون في جزر استوائية مثل سنغافورة؟ يقول محمد إكمال: بسبب موقعنا الذي يحيط به البحر سنعاني رطوبة عالية، ومع ارتفاع الحرارة ترتفع الرطوبة، وعندما ترتفع حرارة الجو يتبخر مزيد من ماء البحر ويبقى في الهواء، مما يجعل الهواء أكثر رطوبة.
ونشرت تنبؤات الدكتور محمد إكمال المقلقة في بحث عام 2015 ولكنها لم تلاقِ اهتماما يذكر، لأنه يصعب استيعاب خطورة الحرارة عند درجة 35 مئوية، فحرارة أجسامنا أعلى بدرجتين، لذا فالمشكلة بالرطوبة.
يقول محمد إكمال: عندما ترتفع الرطوبة والحرارة بدرجات كبير تكافح أجسامنا للتكيف، إذن هي الحرارة والرطوبة معا، فعند الرطوبة العالية يرتفع مستوى الإجهاد الحراري مع ارتفاع الحرارة، وسيكون الجو حارا جدا، وسنعاني للتأقلم معها، فيمكن للطقس أن يكون قاتلا.
تجربة المقياس المبلل.. محاكاة أجواء المستقبل الخانقة
أجريت محاكاة لعدد من أفضل الرياضيين في سنغافورة، ممن تدربوا في غرفة ذات حرارة ورطوبة أعلى من الخارج، وتحاكي هذه التجربة ظروفا شديدة الإجهاد لإعداد الرياضيين للمنافسة في بيئة حارة، ورغم أن سنغافورة حارة فإن الغرفة أكثر حرارة ورطوبة من الخارج. وتكون درجة الحرارة 35 مئوية والرطوبة منخفضة، وتراقب الغرفة بجهاز يقيس كل شيء.
كما تستخدم أيضا درجة حرارة المقياس المبلل مؤشرا أكثر دقة على مدى الشعور بالإجهاد الحراري. ولكن ما المقياس المبلل؟ ولماذا تشعر بأنك ترتجف من البرد بمجرد أن تبتل؟
يكمن السبب في أن الماء يخفض حرارة جسمك أثناء تبخره، وبنفس الطريقة يعمل المقياس المبلل الذي يحتوي على قطعة قماش ملفوفة حول البصيلة، وتشعر دائما بحرارة أقل مما تشعر به نظيراتها الجافة، فكلما انخفضت الرطوبة تراجعت حرارة البصيلة المبللة، ودائما ما يكون هناك فرق بنحو 9 درجات بين البصيلات المبللة وتلك الجافة.

يقول الدكتور “جيسن لي” خبير وظائف الأعضاء والمسؤول عن المحاكاة: هدف التجربة درجات الحرارة عام 2100، وللإحساس بشعور مماثل له علينا رفع الرطوبة في الغرفة كثيرا، ولكن بدرجة حرارة ثابتة، لمعرفة تأثير الرطوبة على أجسامنا.
دخل الباحث “جوشوا لي” إلى الغرفة لخوض التجربة، ثم تحدث عن النتيجة قائلا: بعد مرور 10 دقائق فقط اكتفيت من هذا المناخ المشبع بالرطوبة، وخرجت من هذه الغرفة، وقد أثرت الحرارة على دماغي، وعقلي يعمل ببطء. قضيت 10 دقائق فقط في تلك الظروف، ولهذا لا أتخيل مستقبلا يكون فيه هذا النمط اليومي.
حرارة سنغافورة.. عالم مرعب ينتظر الأبناء والأحفاد
قد نتساءل عن سبب ارتفاع الحرارة في سنغافورة بشكل أسرع من بقية العالم. يقول “جوشوا لي”: بحلول نهاية القرن عام 2100، يتوقع أن تكون سنغافورة حارة على نحو يشكل خطورة، وقد جربت ما يعنيه ذلك لعشر دقائق، وأدركت لماذا يقول الخبراء إن البقاء في الخارج لفترة طويلة قد يكون مهلكا.
قد لا يكون الأمر مخيفا بالنسبة للأجيال الحالية، لأنها لن تشهد هذا المصير المأساوي، أما أجيال الأحفاد فأمامها مستقبل مخيف. يقول “جوشوا”: لن أكون على قيد الحياة بحلول نهاية القرن، ولكن ابنتي الرضيعة وأبناءها سيكونون أحياء، ومن المحزن التفكير أن لا يكون بمقدورها التنزه بالحديقة في الخارج أو قضاء الوقت على الشاطئ، أريد أن أجنب ابنتي هذا المستقبل، ولكن أولا يجب أن نكتشف أسباب وصولنا إلى هنا.

ولمعرفة الأسباب يدرس الدكتور “ماتياس روث” من مختبر المناخ الحضري، مناخ سنغافورة منذ 19 عاما، إذ يجهز سيارته بأجهزة استشعار لدرجات الحرارة لتتبع الحرارة عبر الجزيرة، وتكون البداية من أقصى الشمال الغربي لسنغافورة، وتحديدا من حي توجد فيه الغابات المطرية والأشجار.
يقول “روث”: هناك أجزاء كبيرة من سنغافورة كانت تتمتع في خمسينيات القرن بجو معتدل ودرجة حرارة تصل إلى 25 مئوية، لأنها كانت أقل بنيانا مقارنة بالوضع الآن.
وكلما ابتعدت سيارة الدكتور “روث” عن البلدة المنعشة واتجهت نحو وسط المدينة ترتفع الحرارة بواقع 4 درجات وتواصل ارتفاعها، وتستمر المستشعرات في مراقبة درجات الحرارة من حولنا، وبعد ثلاثين دقيقة وصل الفريق إلى وجهته النهائية، ووصلت درجة الحرارة إلى أكثر من 29 مئوية، ورغم أن الموقعين يبعدان عن بعضهما نصف ساعة بالسيارة، فقد بلغ الفارق بين حرارتيهما 4 درجات مئوية.
زحف العمران.. تنامي السكان والأسمنت يخرج عن السيطرة
يحدد البروفيسور “روث” آليتين رئيسيتين؛ هما الاحتباس الحراري وتأثير الجزر الحرارية الحضرية، فقبل نصف ساعة كنا في الهواء الطلق والطبيعة الخلابة، أما الآن فنحن محاطون بمبان عالية، ومعظم الأسطح مغطاة بالأرصفة أو الأسفلت، وهناك نقص في الغطاء النباتي. يمكننا رؤية الأسمنت والزجاج والفولاذ في كل مكان، لذا فاختلاف البيئات يخلق تباينا كبيرا في درجات الحرارة.

قد لا تكفي إضافة صبغة بيئية على هذه التطورات، وزيادة عدد الأشجار في المدن، وزراعة حدائق على الأسطح والجدران، للحد من ارتفاع درجات الحرارة، فلم يظهر البحث أن هذه المبادرات الفردية قد حدت من التأثير الفعلي للجزر الحرارية الحضرية.
ففي خمسينيات القرن الماضي كان الطقس شديد البرودة في سنغافورة، ومع مرور السنوات بدأت تغزو المباني شوارع البلاد، كما أن النمو السكاني وزيادة الكثافة السكانية أجبرا السلطات على التوسع العمراني وتسريع بناء الشقق والمباني والأبراج السكنية. وسيتحول في الـ20 عاما القادمة 700 هكتار من مساحة الغابات المطيرة الثانوية إلى 42 ألف منزل جديد.
“لم أستطع إكمال الرحلة”.. حرارة تكسر الرياضيين المتمرسين
في مطلع 2018 عانت اليابان صيفا حارا واستثنائيا، وبلغت الحرارة 42 درجة مئوية، وبعد أسبوع فقط لقي 65 شخصا مصرعهم، مما يثبت أن الحرارة قد تكون قاتلة.
ويروي الطبيب وعداء الماراثون ديريك لي تجربة شخصية عن الحرارة وخطورتها قائلا: ذهبت مع أصدقائي في رحلة بالدراجة الهوائية لمسافة 120 كيلومترا، وكان الطقس حارا ومشمسا جدا، وبعد اجتيازنا مسافة 80 كيلومترا بدأت أواجه صعوبة في مجاراتهم، وأخذت سرعتي تتباطأ، وفقدت القدرة على التحكم بالدراجة، وشعرت بتصلب أطرافي، فباتت عضلاتي مشدودة، وأدركت أنني لن أستطيع الحفاظ على توازن الدراجة، واضطررت للتوقف ولم أستطع إكمال الرحلة بسبب الدوار، وكل هذا كان بسبب ارتفاع الحرارة، والأعراض أكدت إصابتي بضربة شمس.

ورغم أنه رياضي متمرس وطبيب لم يدرك “ديريك لي” الخطر الذي كان يحدق به، ورغم أنه رياضي ويتدرب مرتين يوميا لستة أيام في الأسبوع، فقد احتاج للتعافي من ضربة شمس أسبوعا كاملا.
وقد تعمق باحثون في جامعة هاواي بدراسة حالات سابقة لتحديد الطرق التي تصبح فيها الحرارة الشديدة قاتلة:
- الدماء تصل إلى سطح بشرتك، محاولة التخلص من الحرارة، مما يحرم أعضاءك الداخلية منه.
- إذا كنت تجري فمن الممكن أن تبدأ عضلاتك بالانهيار، مطلقة سموما تضرب الكلى.
- قد تثقب بطانة الأمعاء الدقيقة، مما يسمح للجراثيم والسموم الموجودة في القولون بالتسرب، وبالتالي تفشي الالتهابات.
- قد تسخن خلاياك وتموت.
هذه 4 طرق مروعة للموت بسبب الحرارة، بينما وجد الباحثون 27 طريقة تستهدف 7 أعضاء رئيسية في الجسم، ورغم أن الموت بضربة شمس أمر صعب فإنه ليس مستبعدا.
سباق المناطق الحارة.. أجواء تؤثر على الأداء والدماغ والعضلات
يتحدث د. “ديريك لي” عن ارتفاع الحرارة في المستقبل، وعن أن الطقس سيصبح حارا أكثر وتزداد الرطوبة، قائلا: ارتفاع متوسط درجات الحرارة سيكون تدريجيا، وهذا يمنحنا فرصة للتكيف مع ارتفاعها، فعندما نرى تقارير عن ارتفاع عدد الوفيات بسبب الحر في الخارج، فسيكون بسبب درجات حرارة غير متوقعة، وقد يكون لديك شتاء شديد البرودة، ويتطور فجأة إلى صيف حار. فالحرارة لن تقتل ولكنها بالتأكيد ستؤثر على وظائف أعضاء الجسم، إذ أكون أبطأ بنحو 25 دقيقة في الماراثون الذي يقام في سنغافورة عن السباقات التي تجرى في الشتاء أو خارج البلاد.

واللافت أن الأرقام القياسية في ماراثونات سنغافورة تشهد أبطأ السرعات في العالم، فهي أقل بعشر دقائق من الرقم القياسي العالمي، لأن الحرارة تؤثر على أطرافنا وأدمغتنا.
وكشفت دراسة لجامعة هارفارد على المدارس الأمريكية أن نتائج الاختبارات تنخفض في الطقس الحار، ربما نعلم أسباب ذلك بالفطرة، لكن دراسات كثيرة تظهر أننا لا نأكل ولا نمارس الرياضة ولا ننام جيدا في الطقس الحار.
جهاز استشعار الحرارة.. حاسوب في أعماق أجسادنا
هناك اختراعات تزعم أنها قادرة على مساعدتنا على التكيف مع الحرارة، مثل بعض المباني والتكنولوجيا والسلع، ولكن هل هي مفيدة؟
يحاول د. “فابيان ليم” وهو أستاذ مساعد في جامعة نانيانغ التكنولوجية، أن يفند كل المنتجات التي تزعم هذا، عبر التأكد من فعاليتها. ويقول: لدينا جهاز استشعار للحرارة بحجم حبة دواء، وهي إحدى تقنيات وكالة ناسا، تبتلع في الليلة السابقة لتصل إلى الأمعاء في اليوم التالي، وكأنك تبتلع حاسوبا دقيقا كاملا.
وقد ابتلع المشاركون في الاختبار الحبة في الليلة السابقة للاختبار، لتسجل درجة حرارة أجسامهم وترسل المعلومات إلى الحاسوب، ولتوليد الإجهاد الحراري سيركض المشاركون 5 كيلومترات تحت أشعة الشمس الحارقة. وأسباب الركض هو أنه لا يدرك كثيرون أن الأمر لا يتعلق بالحرارة التي نمتصها من البيئة فحسب، بل بالحرارة التي تتولد داخليا عند ممارسة الرياضة، فهي سبب الإصابة بالإنهاك الحراري حتى في الليل والجو البارد.
يقيس الجهاز ما يعرف بدرجة الحرارة المركزية، وهي حرارة الأنسجة المرتبطة بأعضائنا الداخلية، ولا يمكن قياسها إلا بتلك الحبوب. ويحدث الإجهاد الحراري عندما تصبح الحرارة المركزية عالية جدا.
وتقنية التبريد الأولى ستكون عبارة عن ارتداء أحد المشاركين أكماما خلال الركض، وسيكون الآخر عنصر مراقبة ومقارنة، فعندما تضع أي طبقة على بشرتك، فأنت تمنع العرق من التبخر في البيئة، وهي الآلية الأساسية لتبديد الحرارة أثناء التمرين، وإذا واجهت أجسامنا مشكلة في تبخر العرق، فسنعاني للحفاظ على اعتدال حرارتنا.
قمصان الرياضة.. خدعة تستهدف نفسية المستهلكين
تسوق العلامات التجارية الرياضية تقنيات تزعم أنها تمتص الرطوبة، وقد ظهرت لأول مرة عام 1996 وتساعد على امتصاص الرطوبة بشكل أسرع، وهذه تقنية التبريد الثانية. ومن المعلوم أن العرق يزيل الحرارة من أجسامنا عندما يتبخر، ونشعر ببرودة أكثر، وثمن القميص الرياضي الذي يحتوي على هذه التقنية يزيد بنحو 8 دولارات عن نظيره القطني، وتثبت النتائج أن فارق الحرارة لا يذكر بين من يرتدي قميص بتقنية “دراي فيت” وقميص قطني.

يقول د. “فابيان ليم”: من يشعر بأن هذه التقنية تساعده في الرياضة فهذا مرده إلى العلاج الوهمي، فعندما ترتدي شيئا تعتقد أنه مفيد، فإنك تميل للشعور بفائدته، ولهذا فإن القياس بموضوعية هو الأساس. ومشكلة سنغافورة هي رطوبتها الفائقة، فعندما أجرينا التجربة هذا الصباح كانت الرطوبة 80% ولذا لا يهم إذا ارتديت خامات ترفع العرق إلى السطح، فإذا كانت الرطوبة مرتفعة، فإن الحرارة المبددة ستبقى محدودة.
وحتى بمساعدة قميص “دراي فيت” باهظ الثمن، فحين يستغرق العرق وقتا طويلا للتبخر، فإننا نعاني في فقدان الحرارة ونبقى مهددين بالإصابة بالإجهاد الحراري.
آخر شيء سنجربه هو مشروب “الخليط الثلجي” الذي قد تستورده سنغافورة قريبا، وهو مشروب رياضي مخلوط بالثلج، وتقول النظرية إن بلورة الثلج الصغيرة توفر مساحة أكبر للمشروب لتبريدك من الداخل بسرعة. غير أن النتائج أظهرت أن ليس هناك فارق في درجة الحرارة المركزية بين من شرب هذا المشروب وبين من لم يشربه.
هذه السلع مفيدة بدرجات متفاوتة، ولكنها لا تؤدي الغرض المأمول منها، فأحد أسباب الإصابة بالإجهاد الحراري هو الشعور الزائف بالأمان جراء استخدام هذه المنتجات، فقد نظن أننا في مأمن من تلك الإصابات ولكن نحن لسنا كذلك حقا.
مكيف الهواء.. آلة التبريد التي تصنع الجزر الحرارية
مكيف الهواء شائع جدا في سنغافورة، وهو مسؤول عن كثير من الأمور غير المنطقية في العالم، فقد سمح لثلاثة ملايين نسمة بالسكن في مدينة ذات مبان شاهقة وسط الصحراء، وقدم أول دب قطبي يولد بمنطقة استوائية.
وبفضل التكييف -أيضا- يمكن للسنغافوريين تجاهل حرارة منتصف النهار ليكونوا منتجين طوال اليوم، ولكن رغم فوائد تكييف الهواء، فإنه يستهلك 60% من الطاقة الموجودة في مبانينا.

ويستطيع السنغافوريون التغلب على درجات الحرارة العالية ولكن بثمن باهظ، فمكيفات الهواء التي تستهلك الكثير من الطاقة تساهم في إنشاء الجزر الحرارية الحضرية، وهذا هو سبب ارتفاع درجات الحرارة في سنغافورة أكثر بدرجتين من باقي أنحاء العالم الأخرى. ولهذا أطلق البروفيسور “غيرهارد شميدت” مبادرة تبريد سنغافورة التي تهدف إلى جعل طقس سنغافورة أكثر اعتدالا من خلال الحد من تأثير الجزر الحرارية الحضرية.
ويقول البروفيسور “شميدت” أستاذ هندسة المعلومات ومدير مركز سنغافورة للاستدامة البيئية العالمية: نريد العمل بحرية في المدينة، وأن نمارس الرياضة والجري، وهذا أمر جيد، فمن الصحي أن يكون بمقدورك التجول في الأرجاء، ويجب أن يكون السنغافوريين تعودوا على أن عدم الخروج من المنزل هو مصدر قلق، وإلا ستقضي حياتك بأكملها بين الجدران في المستقبل.
“يمكن للأفراد فعل الكثير”.. إنقاذ البلاد من خطر التكييف المحدق
ينتج تأثير الجزر الحرارية الحضرية عن الحرارة المحتبسة من ناطحات السحاب الحديثة، والحرارة الناجمة عن الأنشطة البشرية، وأحد أكبر المتهمين هو مكيفات الهواء. وقد يبدو مكيف هواء واحد أمرا عاديا، ولكن كومة كاملة منها يمكن أن تنفث عامود حرارة ساخن للغاية، ويؤدي إلى رفع درجة حرارة محيطنا.
ويتحدث “شميدت” عن المكيفات -وهو غير مناصر لها- قائلا: كانت جيدة في الأيام الخوالي، فمكيفات الهواء اختراع عظيم حين لم تكن سنغافورة مكتظة بالسكان، وكانت أشبه بغرفة كبيرة تضم ثلاجة صغيرة، ولكن مع الكثافة السكانية زاد كل شيء، وبقيت الغرفة بنفس الحجم مع كثير من الثلاجات، والجو سيكون باردا داخلها، لكنك ستشعر بالحر الشديد إذا خرجت منها.

وختم “شميدت” بنصائح وحلول للمستقبل يمكن أن تحدث فرقا، فيقول: يمكن للأفراد فعل الكثير، فعدد سكان سنغافورة نحو 6 ملايين، وإذا فعل كل منهم شيئا فيمكن أن يحدث ذلك فرقا كبيرا. ويتحكم كل فرد بسنغافورة بـ 30% من إجمالي الطاقة التي تنتج في البلاد، ويمكنك تغيير وسيلة نقلك واستخدام المواصلات العامة التي تعمل بالكهرباء والاستغناء عن السيارات، وكذلك نظام التكييف في منزلك، فإذا رفعته درجة واحدة فسيحدث ذلك فارقا يصل إلى 5% من كلفة التكييف. وإذا حصل ذلك فالمكاسب مذهلة وسيكون التأثير مضاعفا وتراكميا.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، أصدرت الأمم المتحدة بحثا حددت فيه موعدا نهائيا لتحركنا، فأمامنا 12 عاما فقط لخفض انبعاثات الكربون بمقدار النصف، أو ترقب حدوث كارثة مناخية.
ويلخص “جوشوا ليم” كل ما سبق بالقول: ما زلنا قادرين على الاستمتاع بالهواء الطلق، وحتى لو بات طقس سنغافورة أكثر حرارة، فإن التكيف لن يكون مستحيلا، ويمكننا التفكير بقبة يمكن التحكم بمناخها، ويبقى قضاء حياتنا بين الجدران خيارا قائما، وليس هذا المستقبل الذي أريد العيش فيه، ولكن هناك متسع من الوقت لفعل شيء حيال ذلك.