داخل حديقة الحيوانات.. تلقيح صناعي لتكاثر الباندا وتحديد لنسل القرود

إذا اجتمعت الإنسانية والرفق بالحيوان، وإذا اجتمع الشغف والإتقان كانت النتائج مبهرة. وهذا ما يحدث بالفعل في حديقة حيوانات إدنبرا ومتنزه هايلاند للحياة البرية.

في هذه الحلقة من السلسلة التي تبثها الجزيرة الوثائقية تحت عنوان “داخل حديقة الحيوانات”، سنتعرف على عمليات التلقيح الاصطناعي، أو ما يتعارف على تسميته بعمليات “أطفال الأنابيب” للحيوانات غير القادرة على التكاثر الطبيعي التلقائي الفطري.

وهذا ما حصل مع دُبَّي الباندا العملاقين “تشان تشان” و “يانغ وان” اللذين ستأتي قصتهما لاحقا.

طائر الشبنم العملاق.. ثلاثة عقود في الحديقة بلا فراخ

في حديقة حيوانات إدنبرا 40 فصيلة من الطيور، من أبرزها طائر الشبنم العملاق، وموطنه الأصلي شرق إندونيسيا وغينيا الجديدة وكوينزلاند. إنه يشبه إلى حد ما النعامة، ولكن بدون رقبة ولا سيقان طويلة، ويشبه الديك الرومي ذا العرف الملون، ولكن مع الأسف فإن هذا الطائر الجميل منذ أكثر من ثلاثة عقود لم يفقس له فرخ جديد في الحديقة، إذ لم يحدث تزاوج لهذه الفصائل في الحديقة منذ أكثر من 35 عاما.

طائر الشبنم العملاق، وموطنه الأصلي شرق إندونيسيا وغينيا الجديدة وكوينزلاند

وفي الحديقة زوجان من هذه الطيور التي لا تستطيع الطيران، وهما الذكر “بيلي” والأنثى “سيدني”، وهي في عامها السابع عشر، وتزن ما بين 70-80 كيلوغراما. إنها قوية فعلا، وحين تريد حماية نفسها تقفز إلى الأعلى وتستخدم قدميها كأداة دفاعية، إذ أن لأصابعها مخالب تشبه الخنجر، ويمكن أن تنمو لتصبح على شكل خنجر بطول 12 سنتيمترا.

ومع أنها تميل إلى تناول القوارض الصغيرة أحيانا، فإن المشرفين لاحظوا أنها تأكل الفواكه بطريقة البلع، فهي لا تقضمها بل تبتلعها كما هي، وتؤدي بذلك دورا حيويا في الحفاظ على التنوع في الغابات التي تسكنها، من خلال نشر البذور عبر روثها.

لكن “سيدني” لا تفكر فقط في الطعام الآن، إنها نشطة جدا، ولعلها متوترة بسبب اقتراب موسم تكاثرها، فرغم ارتفاع مستوى الهرمونات لديها فإنها مثل جميع إناث طائر الشبنم تكون هي المسيطرة، وليست لديها غريزة أمومة.

في حديقة إدنبرا زوجان من طيور الشبنم  التي لا تستطيع الطيران، وهما الذكر “بيلي” والأنثى “سيدني”

فحين تنتهي الأم من وضع البيض تتركه، ويقوم الذكر بكل العمل الشاق المتعلق باحتضان البيض، ويتحمل مسئولية ذلك، وهكذا سيرقد هو على البيض لمدة خمسين يوما، وكذلك عندما تفقس الفراخ ستكون تربيتها أيضا من مسؤوليته حتى تصبح يافعة.

موسم التزاوج.. خطة الفريق لإحياء غريزة التكاثر

تعيش طيور الشبنم منفردة في البرية، لذا فالمشرفون يبقونها منفصلة عن بعضها، ولكنهم لاحظوا أن زوجي الشبنم رابضان مع بعضهما على امتداد السياج، وهذا يعطي أملا بأن تبدر منهما سلوكيات أخرى تشير إلى أنهما مهتمان ببعضهما تجاه التكاثر، ليبقى موضوع التوقيت المناسب لجمعهما.

وبما أن كل شيء يعتمد على موافقة “سيدني” على “بيلي”، فسوف يبذل فريق المشرفين الجهد لتعريفهما ببعضهما، وما سيفعلونه هو أنهم سيدربونهما على الأكل قرب الباب المنزلق، كي يتمكنوا من فتحه أو إغلاقه بآلية تسمح لهم بالتحكم في حركتهما، ثم الجمع بينهما في قفص واحد.

المشرف “شون” يخطط للحصول على الفراخ بوضع بيضة قديمة مكان البيضة الجديدة

وبينما يراقب المشرف “شون” الطيرين، تقوم “سيدني” أخيرا بخطوتها نحو “بيلي”، لقد سارا بالقرب من بعضهما في تعارف هادئ، لذا فالأمور جيدة حتى الآن، وقد سار تعريفها ببعضهما بدون مشاكل.

تستقر “سيدني” بأمان في منطقة “بيلي”، بينما يكشف المشرف “شون” عن خطته للحصول على الفراخ، إذ سيضع بيضة قديمة لم تكن مخصبة، وقد أفرغت وملئت بالتراب وأغلقت فتحتها، وعندما تضع “سيدني” بيضتها، ستؤخذ إلى الحاضنة وتوضع البيضة الزائفة في العش، ولن يلحق بهما أو بالبيضة أي ضرر، فقد احتُضن بيض الطيور من قبل بنفس الطريقة، وفي النهاية سيعاد إلى العش عندما يقترب موعد فقسه.

وها هي ذي “سيدني” تنظر إلى العش، وهي علامة جيدة، فإذا بدأت في البحث وقررت أن هذه هي المنطقة المناسبة، فإنها من المحتمل أن تضع البيض فيها.

“سيدني” تضع بيضتها الأولى معلنة نجاحا لم يتم منذ أكثر من ثلاثة عقود

بعد أسبوعين ونصف الأسبوع حصل الفريق على أول بيضة، وهو أمر طال انتظاره، ومن حسن الحظ أنها وضعتها في الداخل، وهكذا بدأ الاهتمام بها في الحاضنة، بدلا من الاعتماد على الأب الذي أثبت في سنين سابقة عدم قدرته على الرقود والتفقيس.

وعسى أن يتحقق حلم هذا العام برؤية صغير طيور الشبنم، إذ لا يتطلب الأمر هذه المرة سوى القليل من الصبر.

بابون أبو قلادة.. كائن اجتماعي خرج نسله عن السيطرة

توجد في الحديقة مجموعة من الحيوانات أكثر اجتماعية من غيرها، إنها قرود بابون أبو قلادة، ويعيش منها في الحديقة 39 قردا في مجموعتين متماسكتين مع الزعيمين “نيجيس” و”أواكي” اللذين يضبطان الجميع.

وتسمى هذه الحيوانات غير العادية التي ترعى العشب في أثيوبيا باسم قرد القلب النازف، بالإضافة إلى لقب البابون الأسد بسبب لبدة الذكر الفاخرة التي تشبه لبدة الأسد.

ذكر قرود بابون أبو قلادة أو قرد القلب النازف

وتواجه بعض حيوانات الحديقة مشكلة في التكاثر، لكن الحال لدى قرود بابون أبي قلادة على عكس ذلك تماما، إذ تواجه إدارة الحديقة مشكلة بسبب زيادة تكاثرها، فقد أنجب زعيم القرود “نيجيس” 22 قردا صغيرا، وعمره 16 عاما، ولا تظهر عليه أي علامات على إبطاء الوتيرة.

لذا يعتبر من مهام إدارة الحديقة التحكم بأعدادها بمسؤولية، ومن أجل ذلك اتخذوا قرارا بإجراء عملية جراحية للزعيم “نيجيس” لربط الوريد المنوي عنده، دون التأثير على نشاطه وعاداته الحميمة، فقد قامت الإدارة بمثل هذه العملية مع حيوانات أخرى مرت بنفس الحالة من قبل بنجاح.

ومع بعض التشجيع استطاعوا فصل “نيجيس” عن القطيع، ووضعوه في مكان يمكن للأطباء فيه تخديره بأمان، ثم أجريت له عملية قطع القناة المنوية بنجاح، واستفادوا من وقت التخدير لمعالجة أسنانه أيضا.

قرود الكابوتشين والسنجاب.. كائنات صاخبة تتعايش في الغابة

يعمل مركز “ليفنج لينكس” التابع لحديقة الحيوان في إدنبرا بالشراكة مع الجمعية الملكية لعلم الحيوان في أسكتلندا وجامعة “سانت اندرو”؛ على رعاية نوعين من مجموعة من 38 قردا من قرود الكابوتشين البنية اللون، ومن مجموعة أخرى من 31 قردا من قرود السنجاب الأصغر حجما.

في الحديقة تعيش مجموعة من 31 قردا من قرود السنجاب الصغيرة

إنها تتعايش معا كما تفعل في الغابات، وبطبيعة الحال فليس سهلا تتبع هذه القرود المفعمة بالحيوية، لذا فإن لكل واحد منها قلادة هوية للمساعدة على تحديد معلوماته، ويجعل تفقدها أسهل. بعضها هادئ جدا، وبعضها الآخر عنيف، وبما أنها قرود نشطة فإنها في العادة تستمر في الصراخ.

نمور الآمور.. آخر سلالات القطط السيبيرية العملاقة

يعد متنزه هايلاند موطنا لاثنين من نمور الآمور، وهما “دومينيكا” و”بوتسمان”، وتعرف هذه الفصيلة باسم النمور السيبيرية، رغم أنها لم يبق أي منها في سيبيريا الآن. إنها الأضخم من بين جميع فصائل النمور، وبسبب صيدها فقد كادت أن تنقرض، ولم يبق منها إلا نحو 500 نمر، تتوزع عبر جنوب شرق روسيا والصين وكوريا الشمالية.

النمر “بوتسمان” يتسلق الشجرة في محاولة للحصول على وجبته اليومية

توفر الخطوط المميزة على ظهورها تمويها لهذه المفترسات، وكل واحد منها فريد بخطوطه، لذا أوجد الفريق في المتنزه ظروفا مثالية لهذين الزوجين للعيش كعائلة، لكن ليس الاقتراب من نمري الآمور “دومينيكا” و”بوتسمان” ليس سهلا، لذا يعمل المشرف “روبي” معهما في محاولة منه لتدريبهما بالصوت وبالعادة، فالقطط الكبيرة مخلوقات تحكمها العادة.

والنمور لا تحب التغيير، بل هي مثل أغلب القطط تحب الدَّأَب (الروتين)، وعندما تنتقل من مكان إلى آخر فإنها تشعر بالخوف أيضا، نعم هذا الحيوان الكبير الذي يزن 170 كيلوغراما يشعر بالخوف أيضا.

مكافأة الطاعة.. أسلوب من الترويض للتحكم بقياسات النمور

باستخدام النقر يشير المشرف “روبي” للنمر عندما يقوم بعمل جيد، ليبني ارتباطا إيجابيا بين صوت النقر والمكافأة التي تتزامن وتترافق معه. إنها طريقة النقر والمكافأة، وهذا النوع من السلوك هو ما يجعل النمور تتحرك إلى وضعيات تناسب المشرفين، لمعرفة أوزانها وحالتها العامة، وجعلها تفتح أفواهها لفحص أسنانها، وهي نفس الطريقة التي تستخدم مع الدببة أيضا.

بسبب التدريب المستمر، يستطيع البيطريون الحصول على الفحوصات اللازمة كقراءة الوزن

ومع تقدم التدريب، يزداد الأمل في تعاون النمرين قريبا على تنفيذ ما يُطلب منهما، وبينما يتفوق النمر الذكر في التدريب، فلا يزال أمام الأنثى “دومينيكا” طريق طويل للطاعة.

يتعاون المشرفان “روبي” و”صوفيا” معا لقياس وزن “بوتسمان”، للتأكد من أنه لا يخسر وزنا، وهذا ينطبق على كثير من الحيوانات، إذ يجب التأكد من أنها لا تكتسب الكثير من الوزن، ولا تخسر الكثير منه أيضا، وهذا يعني أنها ستبقى في حالة صحية جيدة. إن قياس وزن نحو 170 كيلوغراما من الفراء والمخالب والعضلات ليس عملا بسيطا.

تلقيح الباندا.. حيوانات منوية قادمة من أقصى الشرق

يقيم دُبّا الباندا العملاقان “تشان تشان” و “يانغ وان” في حديقة الحيوانات منذ عشر سنوات تقريبا، لكنهما لم ينجبا أي صغار خلال هذه المدة.

فقبل ثلاث سنوات وبعد تشخيص “يانغ وان” بسرطان الخصية، تلاشت جميع الآمال بالجمع بينهما، وهكذا فإن أفضل فرصة أمام “تشان تشان” كي تصبح أُمّا من جديد، هي استخدام التلقيح الصناعي، إنها الآن في عامها السابع عشر، ويمكنها الإنجاب مجددا.

تحضيرا لعملية التخصيب المنتظرة لدبة الباندا، يتم إطعامها شرابا حلوا من أجل الحصول على عينة بول

ولا تكون إناث الباندا في فترة خصوبتها قادرة على الإنجاب إلا مرة واحدة في العام، ولا تتجاوز فترة إخصابها يومين أو ثلاثة، لذا فإن التوقيت مهم للغاية، ويتطلب مراقبة حثيثة ودقة في الرصد، لذا تحتاج إلى اختبارات بول دورية لمعرفة مستوى الهورمونات ومتابعتها، وإذا نجح التلقيح الصناعي فسيكون هذا أول دب صغير يولد في المملكة المتحدة للباندا العملاقة، وهو ما سيعتبر حدثا مميزا.

ففي مختبر تخصيب الباندا تختبر عينات البول، ومع انخفاض مستويات الهرمون تشير العلامات إلى أنها قد مرت بفترة تبويضها، وستكون في قمة خصوبتها خلال ساعات، وستكون مستعدة للتلقيح الصناعي، ولديها فرصة واحدة في العام لمعرفة هذا التوقيت بدقة، لأنها قد تكون فرصتها الأخيرة لتنجب صغيرا.

فريق من الأطباء البيطريين يقوم بنقل الحيوانات المنوية من دب باندا غريب إلى الباندا الأنثى الموجودة في الحديقة

لقد اتُّخذ القرار بإجراء عملية التلقيح فورا، وجهزت غرفة عمليات مؤقتة، أثمن ما فيها قارورة من حيوانات منوية مجمدة لباندا جلبت جوا من الصين.

وبعد فك تجميد الأنابيب المجمدة التي تحتوي على الحيوانات المنوية المخزنة في درجة حرارة تبلغ 200 درجة مئوية تحت الصفر، وضعت كل الحيوانات المنوية التي فك تجميدها في حقنة واحدة. ورغم إجراء العملية بنجاح، فليس بمقدور أحد أن يعرف إن حصل الحمل أم لا، إلا بعد عدة أشهر، وما على الجميع حتى ذلك الحين سوى الانتظار.


إعلان