“صيد اللؤلؤ”.. رحلة استخراج الحجر الكريم من أعماق البحر

بلغت من العمر 85 عاما، ولا يزال يغوص في أعماق البحار بحثا عن اللؤلؤ، إنه القطري سعد إسماعيل الجاسم الملقب “غواص اللؤلؤ القديم”، وتروي سيرته قصة صيد اللؤلؤ في قطر، ويشرح لنا طريقة صيد اللؤلؤ بتفاصيلها، من تجهيز المحامل أو المراكب حتى إيجاد المحار واستخراج اللؤلؤ منها وبيعها للتجار.

نستعرض فيما يلي فيلم “قطر.. صيد اللؤلؤ” الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية ضمن سلسلة “ذكريات ملونة”، وفيها نحاول ترميم اللقطات الأرشيفية وإدخالها بعمليتي التلوين الآلي والدقيق، ثم سؤال الأشخاص التي عاصروها عنها، وهل اختلفت النظرة لها بين الأبيض والأسود والملون.

رحلة الغوص.. لؤلؤ البحر المكنوز بأعماق المحار

يقول سعد الجاسم خلال مشاهدته للقطات الأرشيفية بالأبيض والأسود: تستغرق رحلة صيد اللؤلؤ بين 3-4 أشهر، وتكون في الصيف لأن المياه في الشتاء تكون باردة، يجهز المحمل (القارب) للذهاب بعيدا في البحر، وعندما نصل إلى النقطة المحددة نستخرج عينة من مياه البحر، ثم ينزل الغواص ويأتي بالمحار إلى السفينة.

غواصون ينزلون تحت الماء بحثا عن المحار وهم مربوطون بحبال يسحبهم بها مساعدوهم

يفتح الغواصون المحار للحصول على اللؤلؤ، وهناك كثير من المحارات تكون فارغة، والمحار نوع من الحيوانات، وممكن أن تتشكل فيها لؤلؤيات بألوان مختلفة، وأغلبها الأبيض، والنادر منها الأبيض الذي يميل للاحمرار، فيجمع الغواصون اللؤلؤ التي صادوه وينتظرون “الطواش” أو تاجر اللؤلؤ الذي يأتي إلى المحمل لشراء اللؤلؤ. يفحص الطواش جودة اللؤلؤ وقطره ووزنه ثم يضعوه في الطوش (وعاء يفرز اللؤلؤ).

تحتوى المحارة عادة على لؤلؤة أو أكثر وبألوان مختلفة أحيانا، وربما تكون خالية منه أيضا

يقول سعد الجاسم: هذه الطوش معمولة لتغربل اللؤلؤ، الكبيرة تبقى فيها والصغيرة لا قيمة لها وحبة اللؤلؤ يجب أن تكون مليمترين، ويعرض الطواش السعر ويبدأ الفصال حول سعره، وهذا الطواش يبيعه لتاجر أكبر، أو يأخذونه إلى الهند ويبيعونه هناك، ثم يشترون أغراضا بالمال الذي يجنونه.

وبعد انتهاء الغوص يحتفلون ويغنون ويرفعون الشراع وهم عائدون فرحون بالعودة إلى البلاد.

ألوان جلدية ترسمها أشعة الشمس.. رجال البحر

تقول نوف جسيمان الفنانة التشكيلية القطرية متحدثة عن الغواصين: كانت بشرتهم بنية وقمحية، لأنهم يعملون تحت أشعة الشمس فترات طويلة، ويبقون في البحر ستة أشهر، ورحلتهم التجارية طويلة ومرهقة، والمراكب التي كانوا يستخدمونها كان لونها بنيا أيضا، وهي مصنوعة من الخشب الذي يصبغ من الأسفل باللون الأبيض، بسبب حيوان بحري يشبه الحلزون البني أو الأسود، وهذا الحيون يكره اللون الأبيض.

بحارة يرفعون الشراع ويغنون الأهازيج في طريقهم إلى مواقع اللؤلؤ .. صورة بين الأبيض والأسود والملون

لون اللؤلؤ أبيض يميل إلى الزهري، وكانوا يفرشون اللؤلؤ على قماشة مصنوعة من الحرير أو قماش مخمل الأحمر لإبراز لونه، وكان البعض منهم يستخدم القماش الأسود، البحر لونه من لون السماء، وفي الصيف يصبح أزرق فاتحا، ويتغير اللون وفق الطقس والبرودة، وفي الشتاء يصبح لون البحر داكنا.

“أنا في البحر منذ كنت طفلا”

نعود إلى سعد الجاسم ونعرض عليه اللقطات الأرشيفية بعد ترميهما وتلوينها آليا وبطريقة دقيقة، ويقول إن هناك فرقا كبيرا بين الأبيض والأسود وبين الملون، فالألوان جميلة جدا وواقعية، وبدأ يتعرف أكثر على أسماء الأشخاص الموجودين في اللقطات، وحتى لون الأرز لم يكن أبيض، بل لونه مائل للأحمر، ويطلق عليه “محمر”.

الغواص سعد إسماعيل الجاسم قضى حياته تحت ماء البحر يلتقط المحار

هناك عدة ألوان للؤلؤ، أغلبها يأتي باللون الأبيض والزهري (بين الأبيض والوردي)، وهو أجود أنواع اللؤلؤ.

يقول الجاسم: أنا في البحر منذ كنت طفلا مع أهلي وأجدادي وكانت بدايتي كبابا، وهو الولد الصغير الذي يوزع الماء، ويجلب الأغراض للغواصين، ويتعلم منهم، وكنت سعيدا، ولكنني أردت أن أجني بعض المال لمساعدة عائلتي، وقد غصت للمرة الأولى في أعماق 7 أمتار وبدأت أتطور حتى أصبحت غواصا.

وتستمر الرحلة من 3 إلى 4 أشهر، ويحتاج المركب يوما كاملا للوصول، لأنه ليست هناك آلة، بل يتحرك بالشراع وأيادي الغواصين، كنا نغوص بالأعماق، ونخرج المحار من البحر ونفتحه ونستخرج اللؤلؤ، ثم نعطيه للنؤخذة (مالك المركب وربانه)، ويعتمد عدد الموجودين على ظهر السفينة على كبرها، ولا يوجد على المركب الغواصون فقط، بل هناك أشخاص آخرون، وكل شخص له عمله على متن المركب.

حبات التمر والقهوة.. زاد الطاقة قبل الغوص إلى الأعماق

كانت المحامل (المراكب) تحمل أسماء، منها اللانش والسنبوك والبتيل والشوعي، وكلها تستخدم بالغوص، فينزل الغواصون إلى الأعماق، 5 من جهة اليمين ومثلهم من اليسار، ومعهم 10 أشخاص يعملون على سحب الغواصين.

لا يزال الغواص سعد الجاسم يمارس هواية الغوص حتى بعد أن بلغ من العمر 85 سنة

وأما لبس الغواصين فهو الشمشول والوزار، وهناك أمر آخر اسمه اللبس، ويجب أن يكون رماديا، وقبل الغوص في الصباح نأكل عدة حبات من التمر ونشرب قهوة ونأكل الرز المحمر (البرانيوش)، ويكون مطبوخا بالدبس، ويكون بديلا عن الملح حتى لا يظمأ الغواصون، فالدبس يعطي طاقة أيضا.

يقول حمد الجاسم: كنا نستخدم البوصلة والخارطة لتحديد الاتجاهات، وكل اتجاه كان له اسم، وأنا الآن عمري 85 سنة، وما زلت حتى الآن أغوص في أي وقت ليلا ونهارا.


إعلان