جسر طارق بن زياد.. مخاض عسير لطريق يربط القارات وينعش التجارة

نفق يغوص في عمق المياه الفاصلة بين أقصى نقطتين غربيتين من ضفتي البحر الأبيض المتوسط، الشمالية والجنوبية، يتلوى كثعبان البحر، أو جسر معلّق فوق أجنحة الأمواج والتيارات البحرية، لربط الصلة لأول مرة في تاريخ البشرية المعاصر، بين ضفتي مضيق جبل طارق.

حلم أشبه بالخيال سيجعل البشرية تعود إلى عصر ما قبل تحرك الصفائح التكتونية وانفصال القارتين الأوروبية والأفريقية، لتعبر البحر المتوسط دون حاجة إلى سفن ولا قوارب. كان في البداية مشروعا استعماريا قديما عبّر عنه مهندسو الاستعماريْن الفرنسي والإسباني للمغرب أواخر القرن 19[1]، في سياق التخطيط لبنيات النقل واللوجستيك اللازمة لتطوير واستغلال ثروات أفريقيا[2].

وقد حوّله الملكان السابقان للمغرب وإسبانيا نهاية السبعينيات إلى مشروع مشترك، وبعد سبات طويل، عاد إلى الواجهة محمولا فوق موجتي تحسّن نوعي في العلاقات المغربية الإسبانية ومشروع مشترك لتنظيم كأس العالم 2030 إلى جانب البرتغال.

مد الجسور.. رد متأخر على محاكم التفتيش

“لقد بصم الحضور العبري والعربي-الإسلامي في الأندلس تاريخ الغرب، وكل تقارب مادي بين الكيانين الجغرافيين سيكون بمثابة رد متأخر، لكنه مذهل، على محاكم التفتيش المتطرفة”.

هكذا يتحدث الكاتب والأديب المغربي الطاهر بنجلون، مضيفا في إحدى صفحات جريدة “ريبوبليكا” الإيطالية مستهل العام 2007: بناء جسر أو نفق رابط بين الضفتين لن يعني أن الحركة بين البلدين ستكون حرة وبلا حدود، لكن من البديهي أن هذا الانفتاح سيقلب السياسات الأوروبية التي أدارت ظهرها للجنوب في الآونة الأخيرة، كي تركز أكثر على الشرق.[3]

فقد شكّلت مضايق البحر الأبيض المتوسط، مثل البوسفور والدردنيل وجبل طارق على مر التاريخ، ملتقى لمفاهيم مركبة تجمع بين خاصة الحاجز والملتقى، الفصل والوصل، النعمة والنقمة، ولم يكن من الممكن أبدا أن تكون على وجه واحد. أي أنها حملت دائما ما يجعلها مصدر قوة ومصدر تهديد. كما تعتبر المضايق بطبيعتها مصدرا للمشاعر الاستثنائية التي تنتاب الإنسان، لأنها تجعله يعبر من بحر إلى آخر، في وقت يكون فيه واقعا بين ضفتي أراض متقاربة بكونها مختلفة، إن لم تكت متناقضة من حيث اللغة والثقافة والتاريخ.

يبلغ طول النفق المزمع إنشاؤه بين المغرب وإسبانيا 38 كيلومترا بعمق 475 مترا

ومع اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا مستهل العام 2022، وبروز عوامل انسداد قنوات النفاذ السياسي والاقتصادي نحو الشرق، عادت أفكار توطيد علاقات القارة الأوروبية مع الضفة الجنوبية للمتوسط لتتصدر برنامج أصحاب القرار الأوروبي، سواء لمد قنوات وأنابيب الإمداد بالطاقة، أو بناء ذلك الجسر الحلم الذي سيسمح لأول مرة بالعبور بين القارتين الأوروبية والأفريقية دون حاجة للإبحار في مياه المتوسط.

وزادت أهمية المشروع بعد توقيع المغرب اتفاقيات مبدئية مع نيجيريا، القوة الطاقية الواقعة في قلب القارة الأفريقية، لمد أنبوب للغاز يسمح بوصول إمدادات طاقية جديدة إلى غاية أوروبا.[4]

كما ساهمت جائحة كورونا في الرفع من قيمة المشروع، على اعتبار أن الأوروبيين لمسوا أهمية الإبقاء على صناعاتهم بالقرب من مجالهم الجغرافي، مما يجعل المغرب أقرب المجالات المجاورة لإقامة الأنشطة الصناعية التي يتعذر قيامها داخل أوروبا، ومن ثم أهمية وجود ربط بري معه.[5]

اتفاقية الملكين.. مشروع مجمد منذ أربعة عقود

تعود الفكرة إلى نحو أربعة عقود، حين دخلت المملكتان الإسبانية والمغربية في مسلسل للتفكير في مشروع للربط القاري، بما يسمح لهما بالقيام بمبادلات تجارية بالنيابة عن القارتين الأفريقية والأوروبية، ثم جني فوائد اقتصادية كبيرة.

وبدأ التعبير عن الفكرة رسميا في منتصف 1979، حين التقى العاهلان المغربي الحسن الثاني والإسباني “خوان كارلوس الأول”، ومهّدا السبيل لتوقيع اتفاق ثنائي لدراسة الفكرة. وأسس المغرب بنية إدارية خاصة بهذا المشروع تحمل اسم “الشركة الوطنية لدراسات مضيق جبل طارق”، بينما تتوفر إسبانيا على بنية مماثلة هي “الشركة الإسبانية لدراسات الاتصالات الثابتة عبر مضيق جبل طارق”.[6]

خُمس سفن العالم تمر في مضيق جيل طارق كل سنة

ورغم جمود المشروع عشر سنوات، عاد اتفاق آخر وقّع في 1989 ليفتح الباب أمام تقدم الدراسات الجيولوجية والتقنية المتعلقة بالمشروع[7]، ثم اتُّفق في عام 1995 على حلٍ يقضي ببناء نفق تحت البحر للسكة الحديدية يسمح بنقل الأشخاص والبضائع بين القارتين.[8]

وفي الخلفية كان يحضر حدث تدشين نفق المانش الرابط بين فرنسا وبريطانيا الذي يصل طوله إلى 50 كيلومترا، ويربط بين الجانبين منذ العام 1994، أما مضيق جبل طارق فيختلف عنه بمسافته القصيرة (14 كيلومترا)، لكن مياهه أكثر عمقا، إذ يصل أقل المسارات عمقا إلى 300 متر تحت الماء، بينما يقع نفق المانش تحت بضعة وسبعين مترا فقط من المياه.[9]

ملتقى القارتين.. فضاء تلتقي فيه المصالح الدولية والإقليمية

بعد مرور أكثر من أربعين عاما على أول اعتماد رسمي لفكرة المشروع، ارتقى ملف الربط القاري بين المغرب وإسبانيا إلى صدارة برامج العلاقات بين البلدين، بعد الطفرة التي حدثت إثر تعبير مدريد عن موقف قريب مما ظل المغرب يطالبها به منذ عقود بخصوص الصحراء المغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة، فقد عبّرت إسبانيا عن تأييدها لمقترح المغرب بمنح الإقليم حكما ذاتيا، وهو ما يعني ضمنيا الاعتراف بالسيادة المغربية عليه.

وفي سياق الدورة الـ12 من الاجتماع رفيع المستوى بين المغرب إسبانيا التي جرت في فبراير/شباط 2023، كان مشروع الربط القاري ضمن جدول أعمال نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال المغربي ووزير التجهيز والماء، ومحمد عبد الجليل وزير النقل واللوجستيك، مع وزيرة النقل والبرامج الحضرية الإسبانية “راكيل سانشيث خيمينيث”. ونقلت الصحافة الإسبانية عن الوزيرة قولها: سوف نعطي دفعة للدراسات الخاصة بمشروع الربط الثابت لمضيق جبل طارق الذي بدأه البلدان منذ أربعين عاما.[10]

ويتطلّع القائمون على تحضير المشروع إلى دعم مالي سخي من جانب الاتحاد الأوروبي، لكون التوقعات الاقتصادية تشير إلى أن دول التكتل الأوروبي هي التي ستجني فوائد هذا المشروع، سواء من حيث تنقل الأشخاص أو تصدير السلع، أكثر مما سيحصل عليه البلدان المرتبطان مباشرة بالربط القاري، أي إسبانيا والمغرب. بل إن الفائدة التي يمكن أن يجنيها البلدان من هذا المشروع، ستكون آجلة وغير مباشرة، أي عبر استقطاب استثمارات أجنبية تراهن على موقعهما المركزي.[11]

بينما تتحدث بعض المصادر عن وجود ضغوط أمريكية في اتجاه الإنجاز السريع لهذا المشروع[12]، لما ينطوي عليه من تقوية لتماسك الحدود الشرقية للمحيط الأطلسي، الفضاء الجيوسياسي الحيوي بالنسبة لواشنطن.

معبر التجارة.. نقطة حيوية للاقتصاد العالمي

يربط المضيق البحري الفاصل بين القارتين الأوروبية والأفريقية والبحرين المتوسط والأطلسي، في الوقت نفسه بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب، ويمرّ عبر مياه هذا المعبر البحري قرابة 20% من إجمالي التجارة العالمية، بينما يعبر قرابة ستة ملايين مسافر بين ضفتي المضيق سنويا.[13]

وتزداد أهمية مضيق جبل طارق مع ازدياد حركة التجارة العالمية وحرص الدول الكبرى على حماية مصالحها الإستراتيجية. فهناك أكثر من 100 ألف سفينة شحن تجارية تعبر هذا المضيق سنويا، ويتركز في جنباته عدد من القواعد العسكرية. وتكفي الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك منذ 1960 قاعدة عسكرية قريبة من المضيق هي قاعدة “روتا” التي تعتبر بوابة عبور الأساطيل العسكرية الأمريكية نحو البحر الأبيض المتوسط.[14]

وتزداد أهمية مضيق جبل طارق مع ازدياد حركة التجارة العالمية وحرص الدول الكبرى على حماية مصالحها الإستراتيجية. وتتجلى أهميته في كون استعمار المغرب من طرف فرنسا وإسبانيا في بداية القرن العشرين لم يكن كافيا، فقد فُرض على مدينة طنجة المطلة على المضيق وضع قانوني خاص جعلها منطقة دولية.[15]

طنجة.. معبر الغزاة وبوابة الحركة البحرية

ستصبح مدينة طنجة بفضل هذا المشروع، المدينة العربية والأفريقية الوحيدة المرتبطة بشكل مباشر بالأراضي الأوروبية، تستأثر بأكثر المواقع الجغرافية حيوية وحساسية من الناحية السياسية وعلاقة المملكة بالعالم على مر التاريخ، لكونها ملتقى البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، ولإشرافها على مضيق جبل طارق.

ففيها أقام الرومان مملكتهم الطنجية، وبها استقر مقام الحكم الاموي الإسلامي بعد الفتح، ومنها انطلق الزحف العربي-الأمازيغي نحو الأندلس بقيادة طارق بن زياد، وفيها ولد ومنها انطلق أشهر الرحالة على الإطلاق محمد بن عبد الله المعروف بابن بطوطة، ومنها تسرّب فيروس الاستعمار الأجنبي إلى المغرب.

لقد كانت طنجة قبل الإسلام بوابة الغزاة الآتين من الغرب، وأصبحت بعد الإسلام بوابة المغرب المسلم ومعه العالم الإسلامي كله إلى الغرب، وهي درة عقد الثغور الشاطئية المغربية على الأبيض المتوسط التي شكلت خط الدفاع الأول عن المغرب المسلم.[16]

ويعود الاهتمام الاستخباراتي الغربي الحديث بطنجة إلى وقت مبكر من القرن الـ19، فقد نزل بها الجاسوس الإسباني الذي بُعث إلى المغرب لإسقاط السلطان مولاي سليمان المتحالف مع بريطانيا من أجل جبل طارق، “دومنغو باديا” المعروف بلقب علي باي العباسي، وقد خلّف وصفا دقيقا لمدينة طنجة التي حلّ بها عام 1803.[17]

استفادت مدينة طنجة من موقعها المطل على مضيق جبل طارق وارتفعت الملاحة البحرية عبر المضيق

وقد استفادت مدينة طنجة من موقعها المطل على مضيق جبل طارق، خاصة بعد فتح قناة السويس المصرية عام 1869، حين ارتفعت الملاحة البحرية عبر المضيق، وراحت الشركات الأوروبية تحاول استقطاب السوق المغربية عبر ميناء طنجة بحثا عن زيادة مردودية خطوطها البحرية، فأصبحت المدينة الميناء الأول للمغرب والمنفذ البحري الرئيس لعاصمة المملكة حينها، مدينة فاس.[18]

وحظيت طنجة، بفعل موقعها الجغرافي، بنظام دولي خاص بشكل سابق عن فرض الحماية الأوروبية على المغرب، حيث كان تصريح فرنسي-بريطاني مشترك قد نص على إقامة هذا النظام، وصادقت عليه إسبانيا لاحقا. كما نصت معاهدة الحماية التي خضع بموجبها المغرب للحماية الفرنسية سنة 1912 على أن تحتفظ مدينة طنجة “بالصفة الخاصة التي اعترف لها بها، والتي ستحدد تنظيمها البلدي”.

صخرة جبل طارق.. مضيق يجمع الممالك الثلاث

تبرز الأهمية الدولية لمضيق جبل طارق حاليا في الحضور المباشر لقوى إقليمية ودولية عدة. فإلى جانب المغرب وإسبانيا، تعتبر بريطانيا من الدول المطلة على المضيق، من خلال صخرة جبل طارق الواقعة جنوب إسبانيا.

ويعود الوجود البريطاني في المنطقة إلى حرب الخلافة على الملك التي نشبت في إسبانيا بداية القرن الـ18 إثر وفاة الملك خوان كارلوس الثاني، وتحول ذلك الصراع على خلافة الملك الذي لم يترك ولدا إلى حرب طاحنة بين أمير البوربون “فيليب الخامس” حفيد ملك فرنسا “لويس الرابع عشر”، وبين أرشدوق هابسبورغ “كارل السادس”.[19]

تخضع صخرة جبل طارق للسيادة الإسبانية

وبينما حاز الملك “فيليب” على دعم “لويس الرابع عشر”، نال “كارل” دعم دول مثل هولندا والنمسا وبريطانيا، وكلهم كانوا يخشون سيطرة فرنسا على أوروبا، وجاء انتقال جبل طارق رسميا إلى السيادة البريطانية ليكون واحدا من تداعيات هذه الحرب، وذلك إثر خسارة إسبانيا أمام الهجوم البريطاني الهولندي. ويعود الوضع القانوني الحالي للصخرة إلى معاهدة “أوتريخت” الموقعة بين إسبانيا وبريطانيا عام 1713.[20]

وعلى غرار تنافسها في مجالات عدة أخرى، تخوض القوى الأوروبية الحاضرة في مضيق جبل طارق سباقا نحو إنجاز فكرة الربط القاري مع المغرب، إذ كانت لبريطانيا طموحات دائمة بإنجاز الفكرة، عبر ربط صخرة جبل طارق الخاضعة لسيادتها، بالأراضي المغربية. وبات المشروع مطروحا أكثر بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2020، وفرض شبه عزلة على الإقليم التابع لها في الجنوب الإسباني.

ورغم مبادرة جامعات ومراكز أبحاث بريطانية، تزامنا مع الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي، إلى إنجاز تصاميم افتراضية ودراسات علمية حول أفضل الطرق الممكنة، لإنجاز ربط قاري بين صخرة جبل طارق والساحل الشمالي للمغرب[21]، فإن الأمر لا يعدو أن يكون جزءا من المناورات البينية داخل المجال الأوروبي، إذ لا يتوقع أن يتحقق هذا المشروع إلا بين المغرب وإسبانيا.

محمد السادس.. التفاتة إلى الشمال وصدامات مع إسبانيا

لقد ظل المغرب تاريخيا يَعتبر المحيط الأطلسي منفذه الرئيسي نحو البحر، مديرا ظهره للبحر الأبيض المتوسط، فميناء الدار البيضاء الذي جعله الفرنسيون منفذا اقتصاديا رئيسيا للمغرب خلال فترة الاستعمار، ظل إلى وقت قريب يحقق لوحده قرابة 36% من المبادلات التجارية للمغرب، بما يفوق 24 مليون طن من البضائع سنة 2007.[22]

في المقابل لم يكن ميناء طنجة -وهو الأكبر في الساحل الشمالي المطل على البحر الأبيض المتوسط- يحقق أكثر من 3.6 ملايين طن من البضائع في العام 2007، محتلا بذلك الرتبة السادسة بين الموانئ المغربية. وجاء ميناء طنجة المتوسط الأكبر في المنطقة، ليعيد التوازن بين الواجهتين الأطلسية والمتوسطية للمغرب.[23]

وقد اختلف الوضع مع مطلع القرن الحادي والعشرين، إذ كان رِبح التنافس على بسط السيادة على مضيق جبل طارق أحد أهم رهانات مرحلة انتقال المُلك من الملك الحسن الثاني إلى ابنه الملك محمد السادس نهاية القرن العشرين، فالحكومة اليمينية التي كانت تقود إسبانيا في تلك الفترة هي نفسها التي كادت تفجّر حربا مدمرة مع المغرب في السنوات الأولى لحكم الملك الجديد، وذلك بسبب الخلاف على جزيرة صغيرة غير مأهولة تسمى جزيرة ليلى.[24]

بسبب الخلاف بين المغرب وإسبانيا على جزيرة ليلى، كادت حرب تنشب بين الجارتين

بل إن التوتّر في العلاقات مع إسبانيا -الذي ميّز اعتلاء الملك محمد السادس العرش عام 1999- تحوّل إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين المملكتين صيف العام 2002، وقد تطلّبت تدخّلا مباشرا من الخارجية الأمريكية في شخص وزير الخارجية حينها “كولن باول” لنزع فتيل المواجهة.

فالاهتمام الذي أبداه الملك محمد السادس بالواجهة المتوسطية للمغرب، كان يجمع بين تطلعات جيوإستراتيجية كبيرة، وأخرى سياسية شديدة الحساسية داخليا. وإلى جانب ميناء طنجة المتوسط القريب من مدينة سبتة المحتلة من طرف إسبانيا، بادر الملك محمد السادس إلى إطلاق أشغال بناء ميناء الناظور غرب المتوسط، القريب من مدينة مليلية شرق السواحل المتوسطية للمغرب.[25]

تقليص المسافات.. أحلام كبيرة معلقة على النفق الحلم

تُقلص فكرةُ الربط القاري بين ضفتي مضيق جبل طارق مدةَ عبور المسافة الفاصلة بين القارتين إلى 30 دقيقة، أي المدة اللازمة لقطع مسافة 28 كيلومترا الفاصلة بين النقطتين البريتين، ورغم أن أقصر مسافة فاصلة بين جانبي المضيق لا تتجاوز 14 كيلومترا، إلا أن هذا المسار يصادف أكثر المناطق عمقا، إذ يصل إلى غاية 900 متر.[26]

ويقوم الأمين العام للأمم المتحدة بتقديم تقرير باسم المجلس الاقتصادي والاجتماعي بشكل دوري حول تقدّم الدراسات بشأن المشروع. وجاء في التقرير الأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، والعائد إلى عام 2017: هذا المشروع يشجع على إقامة منطقة اقتصادية أوروبية متوسطية متكاملة، وإنشاء محور أساسي للنقل ضمن شبكة برية متكاملة بين أوروبا وأفريقيا، وسيسهم على نحو كبير في توازن المنطقة وإنعاشها الاقتصادي بتسهيل حركة تنقل الأشخاص والبضائع بين أوروبا وأفريقيا.[27]

ويتوقع أن يسهم المشروع في تنقل ما يناهز عشرة ملايين شخص بين القارتين سنويا، وما يفوق سبعة ملايين طن من البضائع، في أفق العام 2030، الموعد المتوقع لإتمام مشروع الربط القاري. كما سيكون المشروع منصة لروابط اقتصادية أخرى حول الطاقة والتيار الكهربائي.

وقد كانت فكرة المشروع في البداية تدور حول نفق يربط بين القارتين، ويمر تحت مياه البحر الأبيض المتوسط. وكان يفترض أن يربط النفق بين منطقة مالابطا في طنجة المغربية، وبين بونتا في مدينة طريفة الإسبانية، وذلك على طول 28 كيلومترا، وعلى عمق 300 مترا تحت المياه البحرية.[28]

في أبريل/نيسان 2023، طفت على سطح المشاورات الجارية حول المشروع، فكرة الاستعاضة عن النفق وإقامة جسر معلق يربط بين ضفتي مضيق جبل طارق، وقالت وزيرة النقل الإسبانية “راكيل سانشيث” للصحافة الإسبانية: بعد عدة اعتبارات يتبين أن إنجاز الجسر أكثر معقولية من النفق.[29]

منطقة الزلازل الجغرافية والسياسية.. تحديات المشروع

تتعلق أهم التحديات التي يواجهها المشروع بالخصائص الجيولوجية للمنطقة، باعتبارها ملتقى للصفيحتين التكتونيتين الأوروبية والأفريقية، وتعرف بالتالي نشاطا زلزاليا كبيرا، مع احتمال حدوث هزات وانزلاقات كبيرة.

وتقول نعيمة حمومي، الأستاذة في كلية العلوم التابعة لجامعة محمد الخامس في الرباط، والخبيرة التي تعاونت مع “الشركة الوطنية لدراسات مضيق جبل طارق” لسنوات؛ إن المنطقة تشهد حركة باتجاه الشمال الشرقي للصفائح الأفريقية بمقدار 2.15 سم سنويا، مما يعني تعقيدات إضافية أمام المشروع.[30]

ويُستحضر في الغالب نفق قناة المانش الرابط بين فرنسا وبريطانيا كمثال شبيه بما سيكون عليه نفق مضيق جبل طارق. فإذا كان نفق المانش قد كلف حوالي 15 مليار يورو، فإن تكلفة بناء النفق المغربي الإسباني لم تتحدد بعد، علما أن هناك تقديرات تشير إلى أنها ستكون في حدود 10 مليارات يورو أو أكثر بقليل.[31]

لكن المقارنة مع نفق المانش لا تقتصر على الجانب الجيولوجي فقط، بل تتعدى ذلك إلى الجانب الاقتصادي الذي يكشف نقطة ضعف أخرى في مشروع الربط القاري الأفريقي الأوروبي. فحجم المبادلات والتنقلات بين المملكة المتحدة وفرنسا وما بعدها من دول أوروبية، لا يمكن مقارنته بالمبادلات القائمة بين المغرب وإسبانيا.[32]

ويبدو العجز كبيرا في الجانب المغربي، فلا يمكن مقارنة حجم اقتصاده واقتصاد القارة الأفريقية من ورائه بفرنسا وما يليها من أوروبا. ويزداد الوضع تعقيدا حين نعلم أن الحدود البرية بين المغرب والجزائر مغلقة منذ قرابة ثلاثة عقود، مما يعني أن القسم العربي (الشمالي) من القارة الأفريقية خارج معادلة النشاط الاقتصادي المنتظر من هذا الربط القاري، ووحده المنفذ البري الجنوبي للمغرب معبر الكركرات، يفتح الباب أمام طريق يراد لها أن تصل حتى أقصى جنوب القارة الأفريقية.

 

المصادر

[1] https://medias24.com/2022/10/19/ce-que-lon-sait-du-projet-du-tunnel-de-gibraltar-reliant-le-maroc-a-lespagne/

[2] https://www.jeuneafrique.com/1167686/politique/tunnel-maroc-espagne-le-retour-du-serpent-de-mer/

[3] https://www.courrierinternational.com/revue-de-presse/2007/01/31/un-tunnel-pour-relier-l-europe-et-l-afrique

[4] https://constructionreviewonline.com/biggest-projects/strait-of-gibraltar-morocco-spain-tunnel-project-updates/

[5] https://www.youtube.com/watch?v=xqpobITA8TU

[6] https://alarab.co.uk/الربط-القاري-بين-المغرب-وإسبانيا-يعود-إلى-الواجهة

[7] https://alarab.co.uk/الربط-القاري-بين-المغرب-وإسبانيا-يعود-إلى-الواجهة

[8] https://www.asharqbusiness.com/article/48624/الجيولوجيا-أبرز-تحديات-الربط-القاري-بين-المغرب-وإسبانيا/

[9] https://www.jeuneafrique.com/1167686/politique/tunnel-maroc-espagne-le-retour-du-serpent-de-mer/

[10] https://www.hespress.com/المغرب-وإسبانيا-يشرعان-رسميا-في-مناقش-1117293.html

[11] https://www.courrierinternational.com/revue-de-presse/2007/01/31/un-tunnel-pour-relier-l-europe-et-l-afrique

[12] https://www.bladi.net/tunnel-detroit-gibraltar-etats-unis-pression,90197.html

[13] /reports/2019/8/18/%D9%85%D9%8A%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%B7%D9%86%D8%AC%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D9%85%D8%B1%D9%81%D8%A3-%D9%85%D9%8F%D9%84%D9%83-%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85-%D9%88%D8%A8%D9%88

[14] /reports/2019/8/18/%D9%85%D9%8A%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%B7%D9%86%D8%AC%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D9%85%D8%B1%D9%81%D8%A3-%D9%85%D9%8F%D9%84%D9%83-%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85-%D9%88%D8%A8%D9%88

[15] /reports/2019/3/27/%D8%AC%D8%A8%D9%84-%D8%B7%D8%A7%D8%B1%D9%82-%D9%87%D9%84-%D9%8A%D8%AC%D8%AF%D8%AF-%D8%AD%D8%B1%D9%88%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D8%9F

[16] أحمد بنسودة، مستشار الملك المغربي الراحل الحسن الثاني، ضمن كتاب “طنجة في التاريخ المعاصر 1800-1956″، من منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ومدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة، دار النشر العربي الإفريقي، 1991

[17] /reports/2021/9/22/%D8%B7%D9%86%D8%AC%D8%A9-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%B9%D8%B1%D9%88%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%BA%D9%86%D9%91%D8%AC%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7

[18] محمد عز الدين الرفاص، أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ضمن كتاب “طنجة في التاريخ المعاصر 1800-1956″، من منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ومدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة، دار النشر العربي الإفريقي، 1991

[19] /reports/2019/3/27/%D8%AC%D8%A8%D9%84-%D8%B7%D8%A7%D8%B1%D9%82-%D9%87%D9%84-%D9%8A%D8%AC%D8%AF%D8%AF-%D8%AD%D8%B1%D9%88%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D8%9F

[20] /reports/2019/3/27/%D8%AC%D8%A8%D9%84-%D8%B7%D8%A7%D8%B1%D9%82-%D9%87%D9%84-%D9%8A%D8%AC%D8%AF%D8%AF-%D8%AD%D8%B1%D9%88%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D8%9F

[21] https://www.theengineer.co.uk/content/news/new-uk-bridge-designs-could-connect-europe-and-africa-across-the-strait-of-gibraltar/

[22] /reports/2019/8/18/%D9%85%D9%8A%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%B7%D9%86%D8%AC%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D9%85%D8%B1%D9%81%D8%A3-%D9%85%D9%8F%D9%84%D9%83-%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85-%D9%88%D8%A8%D9%88

[23] /reports/2019/8/18/%D9%85%D9%8A%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%B7%D9%86%D8%AC%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D9%85%D8%B1%D9%81%D8%A3-%D9%85%D9%8F%D9%84%D9%83-%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85-%D9%88%D8%A8%D9%88

[24] /reports/2019/8/18/%D9%85%D9%8A%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%B7%D9%86%D8%AC%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D9%85%D8%B1%D9%81%D8%A3-%D9%85%D9%8F%D9%84%D9%83-%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85-%D9%88%D8%A8%D9%88

[25] /reports/2019/8/18/%D9%85%D9%8A%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%B7%D9%86%D8%AC%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D9%85%D8%B1%D9%81%D8%A3-%D9%85%D9%8F%D9%84%D9%83-%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85-%D9%88%D8%A8%D9%88

[26] https://medias24.com/2022/10/19/ce-que-lon-sait-du-projet-du-tunnel-de-gibraltar-reliant-le-maroc-a-lespagne/

[27] https://www.asharqbusiness.com/article/48624/الجيولوجيا-أبرز-تحديات-الربط-القاري-بين-المغرب-وإسبانيا/

[28] https://alarab.co.uk/الربط-القاري-بين-المغرب-وإسبانيا-يعود-إلى-الواجهة

[29] https://www.assahifa.com/المغرب-وإسبانيا-يستقرّان-على-إنجاز-جس/

[30] https://www.asharqbusiness.com/article/48624/الجيولوجيا-أبرز-تحديات-الربط-القاري-بين-المغرب-وإسبانيا/

[31] https://www.asharqbusiness.com/article/48624/الجيولوجيا-أبرز-تحديات-الربط-القاري-بين-المغرب-وإسبانيا/

[32] https://www.courrierinternational.com/revue-de-presse/2007/01/31/un-tunnel-pour-relier-l-europe-et-l-afrique