داخل حديقة الحيوانات.. ألوان خلابة وتعارف صعب وصراع على الهيمنة

نتابع في هذه الحلقة من السلسلة التي تبثها قناة الجزيرة الوثائقية تحت عنوان “داخل حديقة الحيوانات” سبر أغوار حديقة حيوانات إدنبرا ومتنزه هايلاند للحياة البرية في أسكتلندا، لنتعرف على تفاصيل ممتعة عن حياة هذه الحيوانات المذهلة التي تقبع داخل أسوار هذه الحديقة.
فهذه الحديقة تعد الآن بمثابة موطن لمجموعة مذهلة من الثدييات والطيور والزواحف والبرمائيات والحيوانات الغريبة مثل عفريت الماء “السمندل” المهدد بالانقراض.
كما سنتعرف على 29 فصيلة فريدة من الحيوانات، وعلى أحد الحيوانات الآكلة اللحوم والمعرضة للانقراض، وهو نمر آمور أو النمر السيبيري، وكيف يساعد المحيط المثالي من سلسلة الجبال حول الحديقة للحفاظ عليها.
“دومينيكا”.. أم وحيدة تستقبل ضيفا جديدا في الحديقة
“دومينيكا” أنثى النمر في الحديقة وحيدة منذ رحيل أشبالها قبل خمس سنوات، وقد مات شريكها “مارتي” قبل عام ونصف، ومن حسن الحظ أن وجد لها المشرفون رفيقا جديدا مولودا في روسيا، إنه “بوتسمان”. فجميع فصائل النمور مهددة بالانقراض حاليا، لذا من المهم الاستمرار في إنجاح برنامج التكاثر، وهنا تكمن الصعوبة.
ولأن جمع شمل النمور للتكاثر لا يقتصر على إيجاد ذكر وأنثى على أمل أن ينجح الأمر، بل إنه أعقد من ذلك، فإيجاد التعارف بين قطين كبيرين يمكن أن يكون مثيرا للقلق ومكلفا، إذ يمكن أن لا يتقبل أحدهما الآخر، وحتى في شجار بسيط يمكن أن يقتل أحدهما الآخر أو يلحق أذى جسيما به.

فخلال الشهر الأول لم يقم المشرفون على الحديقة بأي عمل يخص التعارف الذكر والأنثى، لكن في الأسبوعين التاليين أخذوا يدخلون أحدهما على الآخر ويغلقون الباب، ومع مرور الأيام بدأ برنامج تدريبي للنمرين على تناول الطعام في منطقة مغلقة ذات أبواب ولها مزاليج، بحيث يسهل مكافأة النمر والتحكم به، والسيطرة على وجوده في المنطقة المغلقة.
تقلب المزاج.. بحث الأنثى عن مساحة بعيدا عن الذكر
رغم نجاح التدريب ونجاح التجربة، فإن “دومينيكا” لم ترغب بالاقتراب من النمر “بوتسمان” ولا بتناول الطعام، وبقيت طاوية المعدة جوعا، فلم تخضع لرغبات معدتها، فلطالما كانت أنثى قوية الإرادة، مما أفشل المحاولة الجادة التي بدأ النمر يستعد لها. ولكن بعد محاولات عدة يبدو أن الأمر مرشح للنجاح.

فقد ظهرت إشارات إيجابية على أن “دومينيكا” حامل، وتصرفاتها تقول له ابتعد عني، وربما هذه علامة حملها، فهذا أمر طبيعي أن ترفض الإناث البقاء مع الذكور خلال فترة الحمل، فهي تفضل البقاء وحيدة وتحتاج لمساحتها، لكن تصرفه الذكوري الرافض لهذا الصدود منها جعله يتصرف بشكل هجومي واستفزازي لها.
لذا قررت الإدارة فصل النمرين عن بعضهما، مما يعني أن “دومينيكا” ستتمكن من التركيز على نفسها والاستعداد لولادة الأشبال.
تحديات الغذاء والشمس والثلوج.. أجواء عالم الحيوان
الجو المشمس مثالي للحيوانات، وكلما زادت البرودة كان ذلك أفضل، إذ تشعر حيوانات مثل غزلان الرنة والدب القطبي بأنها في موطنها الأصلي خلال فصل الشتاء، وعندما يتساقط الثلج فإنه يفرض تحديا من نوع آخر على المشرفين.
ففي اللحظة التي يعلق فيها الثلج على الأرض ويغطيها يصبح كل شيء على الأرض كأنه غير موجود على الإطلاق، إنه ينمو لكنه مغطى بالثلج، وعلى المشرفين التأكد من أن الحيوانات الآكلة للعشب والمعتادة على الرعي الطبيعي ستحصل على ما يكفي من الغذاء.
وهي فرصة أيضا لتفقد بعض الحيوانات الخجولة مثل ثيران البيسون الأوروبية عن قرب، وما إذا كان أحدها مصابا بعَرَج، أو يبدو في وضع غير مريح، وأيها يأكل وأيها لا يأكل، على الرغم من أنها تبدو جميعا بحالة جيدة.

ومن الحيوانات التي لا تحتاج إلى المساعدة في التغذية حيوانات إلكة المتنزه ذات القرون الشبيهة بالأيل، ويبدو أنها سعيدة بتناول ورق الصنوبر المتساقط، وهي تجرّد الأشجار من لحائها وتأكله، فهي تتغذى على اللحاء والأوراق البرية، وسيكون كل شيء على ما يرام مع الإلكة.
أما قرود الليمور التي تنحدر من مدغشقر فهي تأكل أي شيء يقدم لها، بدءا من النباتات وحتى الفقاريات، لذا فإن تلبية احتياجاتها الغذائية يعتبر من التحديات الصعبة.
حظيرة الببغاوات.. طيور ساحرة ذات عادات غريبة
من بين أكثر الأماكن امتلاء بالألوان نجد حظيرة الطيور المذهلة، فهي موطن 62 طائرا من 11 فصيلة، منها حمام نيكوبار الذي يُعتبر أقرب الطيور الحية إلى طائر الدودو المنقرض.
ومن هذه الطيور المميزة أيضا ببغاوات لورو كيت قوس قزح الأربعة والعشرين، ذات الصفات الغريبة والمتفردة، ففي العادة تنزل على رؤوس الناس، وتقف على أكتافهم، ثم تنقر آذانهم أو مؤخرة رؤوسهم بشكل مزعج، ولذا قررت إدارة الحديقة ترحيلها من هذا المكان ونقلها إلى مكان آخر، بسبب استضافة الحديقة لنوع من الحيوانات النادرة الجميلة، إذ ستحل محلها حيوانات لم تستضف هنا من قبل، إنه حيوان الكسلان الجميل.

وقد أصبح معرض الطيور المذهلة هادئا على نحو غير المعتاد بعد نقل جميع الببغاوات كي تنضم إلى المجموعة الجديدة، لكن التأخير الذي حصل في نقلها منح بعض الأزواج فرصة لوضع البيض مجددا، والإنجاب مرة أخرى، ففقست ثلاثة فراخ جميلة. وستبقى فراخ ببغاوات اللورو كيت بعيدة عن الأعين حتى تكبر، وبدلا من إعادتها إلى معرض الطيور ستتدرب لتشارك في العروض المباشرة.
حيوان الكسلان.. كائن منطقي ليس له نصيب من اسمه
ما كان حظيرة طيور مذهلة، سيصبح مكانا لحيوان الكسلان الذي سيكون مركز الاهتمام الرئيسي، وهذه هي المرة الأولى التي يستقبل فيها حيوان الكسلان في حديقة حيوانات إدنبرا، وموطنه الأصلي هو أمريكا الوسطى والجنوبية، وعندما تنظر إلى وجوهها فسترى أنفا كبيرا جميلا وعيونا ساحرة، لذا سار اعتقاد لدى العاملين في الحديقة أن هذين الزوجين من حيوان الكسلان سيجلبان كثيرا من الزوار، لأنه لا يمكن رؤية حيوان الكسلان في أي مكان آخر في أسكتلندا.
يعد زوجا الكسلان آخر الحيوانات وصولا إلى الحديقة، وقد استُقدم كل واحد منهما من حديقة حيوانات مختلفة في أوروبا، فالأنثى أتت من شتوتغارت بألمانيا، والذكر جاء من حديقة حيوانات أكوا في هولندا.

تنتمي حيوانات الكسلان إلى الفصيلة التي تنتمي إليها حيوانات المدرع التي تشاركها الحظيرة، وبينما يتغذى حيوان المدرع على الحشرات الغنية بالسعرات الحرارية والمغذيات التي تمنحه الطاقة، تتغذى حيوانات الكسلان على كمية صغيرة من الأوراق ذات السعرات الحرارية المنخفضة.
وليس له من اسمه نصيب، فحيوان الكسلان ليس كسولا كما قد يعتقد، ولكنه يستعمل المنطق في المحافظة على طاقته، ويمكنه التنقل بسرعة كبيرة إذا كان هناك سبب أو دافع لذلك، ولكنه طالما يتناول القليل من السعرات الحرارية، فإنه يحرص على عدم حرقها، وبالتالي اللجوء للبحث عن الطعام من جديد.
ويقضي حيوان الكسلان جزءا من حياته معلقا بالمقلوب، لأن الكمية الهائلة من الطعام غير المهضوم قد تحطِّم حجابه الحاجز، فهي حيوانات لا تخرج إلا مرة في الأسبوع، وحينها فقط تُنزل أقدامها. ورغم أن الحظيرة مزودة بالكاميرات، ولكن حركة حيوانات الكسلان أبطأ من أن تشغل حساسات الكاميرا لتصويرها.
تدريبات الصندوق.. حذر حول حيوان خطر من الفئة الأولى
وقد خضع حيوانا الكسلان لتدريب طويل على دخول الصندوق، جنبا إلى جنب مع تدريب المشرفين على قُدرتهم على إدارتهما وتحريكهما وجعْلهما يتسلقان طوعا الى ذلك الصندوق، وينقل الكسلان يدويا، لكن ليس من السهل الإمساك به باليدين وتحريكه، فهو مصنف على أنه حيوان خطر من الفئة الأولى، وهو بلا شك بخطورة نمر أو أسد، فلديه أسنان حادة ومخالب ضخمة. وسيكون غاضبا جدا إن سقط، إنه لأمر مخيف.

وأخطر التهديدات التي تواجه حيوان الكسلان في البرية ليس حيوانا مفترسا كبيرا يفترسها، بل هي الصدمات الكهربائية، وبما أنه يتأثر بالزحف البشري وحركة الناس من قطع لأشجار الغابات والتدخل في مكان سكناه، يضطر حيوان الكسلان الانتقال من مكان إلى مكان آخر بالتسلق على كابلات الكهرباء، بدلا من استخدام الأشجار والفروع، وهو ما قد يعرضه للصعق بالكهرباء.
وبعد مدة من الزمن، تعارف زوجا الكسلان الجديدان وبدآ يتأقلمان جيدا في قفصهما المشترك، ويتطلع المشرفون إلى خطوات أخرى صغيرة بينهما على طريق التعايش المشترك، وإذا شعرا بالراحة والثقة فسيقومون بنقلهما إلى المكان الجديد.
قرود الشمبانزي.. ضجيج ولكنات في مجتمع مختلط
خصصت الحديقة معرضا خاصا بالشمبانزي، إنه معرض “بودونغو تريل” للشمبانزي الذي يمثل موطنا لسبعة عشر قردا منها، وقد سُمي المعرض على اسم المنطقة، للحفاظ على برية بودونغو في أوغندا التي ارتبط بها هذا الحيوان ارتباطا وثيقا على مدى الأعوام الخمسة عشر الماضية.
ومع أن قرود الشمبانزي هي من سلالة أفريقية، فإنها تحصل على وجبة فطور أسكتلندية هي عبارة عن لِفت مشوي ساخن، وهي تُصدر أصواتا مختلفة حسب نوع الطعام، وكذلك حسب جودته، فإذا لم تستمتع بالطعام فستصدر صوتا معينا، وإذا كان لذيذا فستصدر أصواتا أخرى.

ونظرا إلى أن هذه المجموعة الموجودة في المعرض تتألف من قرود شمبانزي إدنبرا التي عاشت في أسكتلندا طوال حياتها، فقد لاحظ المشرفون على الحديقة أن قرود الشمبانزي الهولندية التي انضمت إلى المجموعة قبل عشر سنوات كانت لديها لهجات مختلفة في نداءاتها الخاص، ولكنها غيرت لكنتها لتصبح أكثر شبها بقرود الشمبانزي الأسكتلندية.
إن هذا يشبه ما يحدث مع البشر، فعندما يأتي شخص من دولة أخرى، ويعيش عند قوم ليسوا من بلده ولا يتحدثون بلهجته، فإنه بعد بعض الوقت سيبدأ باكتساب اللكنة المغايرة، وهو ما حدث مع قرود الشمبانزي الهولندية.
صراع الهيمنة.. شجارات عنيفة تحدد رأس النظام الهرمي
تتبع قرود الشمبانزي نظاما هرميا مميزا ويتمحور مجتمعها حول ذكر واحد مهيمن، وفي الحديقة يتربع الذكر المهيمن “كافسي” على رأس مجموعة قوية من 16 قردا هنا، لكن مكانته بدأت تتزعزع مؤخرا، فهو يشعر بأنه لا يزال يُحافظ على مكانة الذكر المهيمن، لكن من المؤكد أن “لايبيرياس” القرد الأكبر يسعى إلى هذه المكانة، ومع أنه أكبر قرد شمبانزي في المجموعة، فإنه لا يحظى بدعم مماثل من البقية كما يحظى “كافسي”.

ولا تفتقر باقي قرود الشمبانزي إلى السمات المميزة، وخاصة القردين اللَّذين أقصاهما “كافسي”، فهما مُسِنّان، ولكنهما لا يزالان يحبان الشجار، وعندما تقع مشاجرة فإنهما يظهران قدراتهما في ذلك.
وهناك واحد من المجموعة يشكل أكبر تحد “لكافسي”، إنه المراهق “فيلو” ذو السنوات الست، فهو متوحش نوعا ما، ويزعج كثيرا من كبار السن، فهو سريع ورشيق ويضرب الآخرين ويهرب بسرعة، وفي كل مرة ينجو بفعلته، ومن الصعب على كبار السن الإمساك به.
وهنالك حالة أخرى كذلك، إنه المراهق “ماديلي” ذو الأعوام العشرة الذي يمثل تحديا لمشرفيه، بسبب حالته الفريدة نوعا ما، فقد كان عدائيا جدا نحو جميع الإناث والصغار في المجموعة التي ولد فيها، لذا أعطي الفرصة الأخيرة بنقله من تلك المجموعة إلى هذا المعرض، وهي فرصته الأخيرة قبل التفكير في دراسة خيار الموت الرحيم له.
موسم التزاوج.. فوضى تحدثها الأنثى في عالم الذكور
منذ أن وصل “ماديلي” إلى المعرض، أصبح الجو متوترا أكثر مما يكون عليه في العادة، فقد ازداد تراجع بناء الرابطة بينه وبين المجموعة. ومن الأمور التي تزيد التفكك في المجموعة ذلك الشجار حول أنثى تظهر عليها علامات موسم التزاوج، حتى وإن كانت كبيرة في السن وذات رتبة عالية في المجموعة.
وقد حضر الطبيب “سايمون” لتثبيت مانع الحمل لإحدى الإناث التي تظهر علامات التورم الدالة على موسم التزاوج عليها، إنها “إيديس” التي تدخل في موسم التزاوج، رغم أنها لا تستطيع الإنجاب، ورتبتها العالية تجعلها شريكة تزاوج مثالية، وستحدث خلافات بين الذكور إن رغبت في التزاوج. وباستبدال مانع الحمل بمانع حمل جديد يأمل المشرفون منع باقي المجموعة من الشجار حولها.

وعندما تدخل الإناث المهيمنة ذات الرتبة العالية مرحلة الدورة التناسلية وتورماتها يحدث الكثير من الاضطراب في المجموعة، وتتنافس الذكور معا للتزاوج معها حتى وإن كانت من الأمهات، وهكذا كانت “إيديس” تسبب كثيرا من المشاكل، كما أن كل هذا الانتباه من الذكور يسبب لها إزعاجا.
لذا فقد أجريت لها عملية زراعة مانع الحمل بنجاح، وبعد بعض الوقت تغيرت ديناميكية المجموعة قليلا من العدائية إلى الحياة السهلة.
أما القرد المشاكس “ماديلي”، فمع مرور الأيام ومع المزيد من التدريب استرد ثقته بنفسه وتحسن سلوكه، وذلك بعد أن فاز بقلوب المشرفين بسبب ذكائه ومرحه، ويأمل الفريق أن يتمكن قريبا من الانضمام إلى باقي مجموعات الشمبانزي.