“حي المغاربة”.. حارة أهداها صلاح الدين للمجاهدين ودمرها الاحتلال

حي المغاربة هو حي فاطمي أهداه صلاح الدين الأيوبي إلى المغاربة أثناء الحروب الصليبية، ليسكنوا فيه، وليحافظوا على الحرم من الجهة الجنوبية لمدينة القدس، لأنهم اشتركوا معه في تحرير بيت المقدس.

ذكرياتنا في هذا الفيلم من مدينة القدس، وتحديدا من الحي الذي هدمه الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، بذريعة توسعة ساحة حائط البراق (المبكى).

وفي فيلم “فلسطين.. هدم حي المغاربة” الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية ضمن سلسلة “ذكريات ملونة”، نحاول ترميم اللقطات الأرشيفية بعمليتي التلوين الآلي والدقيق، وسؤال الأشخاص التي عاصروها عنها، وهل اختلفت النظرة لها بين الأبيض والأسود وبين الملون.

أبنية الحي المغاربي.. قبب تزين أجمل مناطق التجارة

البداية مع الدكتور في الكيمياء عبد الكريم اللبان المغربي، أحد أبناء الجالية المغاربية في القدس، وقد شاهد لقطات لحي المغاربة بالأبيض والأسود. ويقول: كانت الأبنية في الحي المغاربي على شكل قبب، لأن المنطقة كانت تتميز بالقبب، والحي كان جميلا، وفيه بناء في المنتصف، وشارع يلتف حول جميع الأبنية، وكان هنا جنود إنجليز، أما الدور فكانت تعد أجمل مناطق التجارة، وقد هدمتها إسرائيل بالكامل.

حي المغاربة قبل وبعد الهدم سنة 1967

ثم يشاهد لقطات لرفع العلم الإسرائيلي بعد احتلال القدس الشرقية عام 1967، ويقول: هؤلاء يهود، بعد عام 1967 عملوا على قدم وساق، وخلال 24 ساعة كانت هناك جرافات لهدم الحي، وكانت المنازل القريبة من الحائط (البراق) أول ما هدموه وبشكل سريع جدا وبمشاركة الجرافات.

وبعد مشاهدته لمشاهد هدم الحي، وحلقات الرقص في ساحة حائط المبكى التي أقيمت على أنقاض منزله، يقول د. عبد الكريم: قبل أن يُهدم الحي المغربي كانت المسافة بين حائط البراق وأقرب منزل 3 أمتار، على طول 20 إلى 25 مترا فقط، وبعد الحرب كان اليهود يوجدون في حي المغاربة باستمرار، وأصبحت الساحة المحيطة به كبيرة جدا، وكانوا يرقصون ويغنون ليلا نهارا في الساحة وشوارع القدس أيضا.

ملابس القدس.. مدينة تجمع كل الأزياء الفلسطينية

يستعين خبراء ترميم اللقطات الأرشيفية والتلوين الآلي والدقيق بالباحث والمؤرخ الفلسطيني فخري أبو ذياب الذي يشرح أن القبة الخارجية صنعت من مادة الرصاص الممزوج بالفولاذ، وبقيت حتى رممت وحولت إلى اللون الذهبي المعروف.

تنوع في الملابس بين داخل مدينة القدس والقرى المحيطة يظهر في لباس الناس المتواجدين في القدس

يقول الباحث: مبنى باب المغاربة في هذه المنطقة الملاصقة للمسجد الأقصى كانت حجارته قديمة من الطين، ولهذا لون المبنى أقرب للبني، ويغلب عليه لون التربة والطين.

ويتحدث عن الأزياء وألوانها قائلا: كان هناك تنوع في الملابس بين داخل مدينة القدس والقرى المحيطة، وكانت ملابس الرجال القادمين من القرى هي حطة والعقال الملون مع جلباب رمادي اللون، وكان أشخاص آخرون يرتدون بدلة سوداء أو كحلية مع حطة بيضاء وعقال، وسكان مدن أخرى كنابلس ورام الله مثلا يرتدون عباية وجاكيت، ويضعون الطربوش العثماني، وكان البائع يرتدي اللباس التقليدي القديم، وكان هناك مثقفون يرتدون بدلات عادية، وكانت الألوان أسود أو بنيا أو رماديا.

“رأيت بيتنا كومة من الحجارة”

بعد ترميم اللقطات وتلوينها آليا وبشكل دقيق، عُرضت على د. عبد الكريم اللبان، فعاد سريعا بذاكرته ليروي بالتفاصيل كيف هدم الاحتلال حي المغاربة.

باب المغاربة وحارة المغاربة المؤدية للمسجد الأقصى

يقول اللبان: هذه أول بداية الدمار، بدؤوا من هنا أذكرهم وهم يحفرون، أتذكر المأساة حين كنا أطفالا، نلعب مع بعضنا كأقارب، ثم تفرقنا وغدا كل واحد منا في منطقة وفقدنا طفولتنا. تخيل أن يهدم بيتك، تماما كما يحدث اليوم في معظم المناطق العربية، يكون لديك بيت وتفقده في الصباح، لديك أهل وأصدقاء، ثم تصبح من دونهم في الصباح. هُدم الحي خلال 24 ساعة، رأيت بيتنا كومة من الحجارة، ولم يكن بيدي أي شيء لأفعله.

في بضع ساعات كانت السلطات الإسرائيلية هدمت حي المغاربة كاملا

ويتحدث عن أصول عائلته قائلا: ولدت في القدس، وعائلتي من تونس تسكن العاصمة، وجئنا مع صلاح الدين الأيوبي لمواجهة الحروب الصليبية، ولنا ما يقارب ألف عام في بيت المقدس، هناك عائلات مغربية جاءت من مراكش كعائلة الفيلاني، وأخرى جزائرية كعائلة الزواوي، ونحن (عائلة اللبان) قدمنا من تونس، إضافة إلى عائلات ليبية.

“كانت أحواض الورود تحيط بالمنزل”.. ذكريات الدار

يتحدث د. عبد الكريم عن طراز منزله الشامي قائلا: كنت أعيش مع أقاربي، لأنهم كانوا مغاربة، وجاء كذلك أولاد خالتي من الجزائر، وكان تصميم بيتنا على الطراز الشامي، كانت فيه غرف وساحة كبيرة في المنتصف، لدرجة أن كثيرا من أقاربنا وأصدقائنا كانوا يقيمون حفلات الزواج في هذه الساحة.

عبد الكريم اللبان أحد سكان القدس شاهد على نكسة حزيران/يونيو 1967

كأننا نعيش في الشام، فبيتنا شامي فيه غرف وساحة، وكانت أحواض الورود تحيط بالمنزل من كل الاتجاهات، كما كانت هناك بئر ماء عميقة وكانت الحياة الاجتماعية بين العائلات المغربية استثنائية، وكانوا يصنعون الأكلات الشعبية -مثل الكسكسي- في المناسبات الاجتماعية.

وكانت هناك محلات تبيع الحلويات المغربية التي تعرف باسم الزلابيا، وكان هناك تناسق وترابط بين أبناء الجالية بشكل جيد جدا.

يوم الهدم.. ساعة ونصف لإخلاء المنزل من التاريخ

يتحدث د. عبد الكريم عن يوم هدم حي المغاربة والأسباب التي دفعت إلى ذلك، قائلا: في ثالث أيام حرب عام 1967، قرر الاحتلال هدم حي المغاربة بشكل سريع، قبل وقف إطلاق النار.

في ذلك الوقت منحوا سكان الحي المغربي ساعة ونصفا، ثم بدأت الجرافات بهدم الحي، إذ كانوا يريدون هدم أكبر مساحة ممكنة، وكان هدفهم الأساسي من هذا الهدم توسيع ساحة المبكى.

جرافات الاحتلال تهدم حي المغاربة الملاصق لحائط البراق

أُخلي كل الحي في ساعة ونصف، وبدأ الأهالي يأخذون من البيت كل ما يقدرون على حمله كمرتبة ولحاف، وانتشرت الفوضى في المكان. وأصبح بعضهم يصعدون الشاحنات وآخرون يتجهون بالسيارات إلى أريحا أما أنا فصعدت بسيارة خاصة لوكالة غوث اللاجئين.

“نحن أهل القدس لا نحب إلا مدينتنا”

يقول د. عبد الكريم عن يوم الإجلاء: لم أحمل معي أي شيء، لا وثيقة ملكية للمنزل أو بطاقة هوية لدرجة أنك حين تنظر إلى هويتي تجد تاريخ ميلادي من دون اليوم أو الشهر، فقط السنة.

قبل أن يهدموا الحي كانت الحياة جيدة وحلوة، وبعد الهدم أصبحت الحياة فيها يأس وإحباط، لأن كل واحد فقد بيته، إذا كان غنيا أصبح فقيرا، وتفرقت العائلات التي تسكن حارة المغاربة في أنحاء العالم، فمنهم من ذهب إلى عمّان كإخواني وأولاد عمي وخالتي، وآخرون رجعوا إلى المغرب، وفريق ثالث بقي في بيت المقدس.

عائلات مغاربية كانت تعيش حياتها مطمئنة في القدس قبل تهجيرها من بيوتها

ذكرياتي كذكريات أي شخص عاش في البلدة القديمة، فالقدس مدينة صغيرة وأجمل ما فيها البلدة القديمة، كنا نذهب إلى المسجد الأقصى وندرس في ساحاته، ونحن أهل القدس لا نحب إلا مدينتنا، وعندما أكون في بيت لحم أو رام الله لا أشتري شيئا، وأنتظر عودتي إلى مدينتي، ولا أرتاح إلا فيها حتى ولو نمت على الحجارة، فأنا لست الوحيد في هذا، ولكن كل أهل القدس مثلي.


إعلان