“كوكب واحد”.. فرصة أخيرة لإنقاذ البيئة من بطش الإنسان

يوثق المصور الصحفي والسينمائي السويدي “يواكيم أودلبيرغ” في فيلمه “كوكب واحد، فرصة واحدة” (One Planet, One Chance) جانبا من المشاكل التي يواجهها كوكب الأرض وسبل حلها، من خلال كشف شدة ترابطها مع بعضها، وأن كل مشكلة بيئية تظهر في منطقة معينة من العالم تؤثر على بقية المناطق.

لهذا يحاول عبر جولاته في كوستاريكا وتنزانيا والكونغو واليونان وإندونيسيا توثيق حالات الخلل الحاصل فيها، ومقاربتها مع مثيلاتها في بلده السويد. ولأن عنوانه يتضمن أملا في حلها، فإنه يحرص على نقل تجارب ناجحة للحد من الخراب الذي يحل بالأرض ويضر بالإنسان ووجوده.

جزيرة كوكس.. مشروع إنقاذ قرش المطرقة من الانقراض

يُبدي صانع الوثائقي الموسع (156 دقيقة) أنه قبل وصوله إلى المناطق التي يريد البحث في مشكلاتها البيئية وتعرفه على التجارب المُعالِجة لها بنجاح، حرص على توثيقها ونقلها للمُشاهد بالصورة المعبرة عنها بدقة، لأن الصورة حسب قناعته كمصور فوتوغرافي وسينمائي هي الأقدر على توصيل الفكرة.

ولا سيما حين يتعلق الأمر بنقل عوالم بيئية يصعب على الناس عادةً الوصول إليها، مثل أعماق البحار، أو الولوج إلى داخل الغابات المطيرة، وغيرها من البيئات التي تتعرض اليوم إلى تدمير ممنهج يحتاج لإيقافه عملا توعويا ومشاركة فعالة من قبل الناس في كل مكان.

يتجسد هذا التوجه عمليا في رحلته إلى جزيرة كوكس في كوستاريكا، حيث تكاد أسماك القرش فيها -ولا سيما قرش المطرقة- أن تنقرض نهائيا، بسبب عمليات صيدها الجائر طمعا في الحصول على زعانفها وبيعها في الأسواق الآسيوية بأثمان غالية. لمنع ذلك قررت الحكومة إقامة محمية بحرية يُمنع الصيد فيها ولا يسمح لأحد بالاقتراب منها.

لفهم ما يجري يرافق صانع الوثائقي مجموعة من علماء البيئة حصلوا على موافقة لدراسة المحمية خلال أسبوعين لا أكثر، فينزل معهم إلى أعماق البحر، ويصور عالم القرش الآمن، ليدرك المُشاهد من خلال عدسات كاميرته ما الذي يعنيه مشروع حمايتها من الانقراض بيئيا، وليدرك بشكل جيد مدى تأثير المشروع في تقليل الاحتباس الحراري المهدد للأرض والإنسان.

شجعت هذه التجربة الناجحة العلماء على المطالبة بتأمين الممر البحري الطويل بين كوستاريكا والإكوادور، بنفس الأسلوب الذي حُميت به جزيرة كوكس، وأثمر عنه نمو متزايد لأعداد أسماك القرش، مما أدى إلى تعافي البيئة البحرية بأكملها في تلك الأنحاء.

“البحر المريض”.. تهديد الحياة المائية في البلطيق الملوث

يقارن الوثائقي بين تجربة جزيرة كوكس وبين ما يجري في المياه البحرية السويدية، من تخريب هائل يطال عموم بحر البلطيق الذي يصفه صانع الوثائقي بـ”البحر المريض”، وذلك لكثرة تلوثه واحتمال انقراض أنواع كثيرة من أسماكه بسبب الصيد التجاري.

يغوص مع كاميراته إلى أعماقه، وينقل مشاهد التلوث الحاصل فيه، بسبب تراكم المواد البلاستيكية وبقايا شِباك الصيد العملاقة التي تتسبب في موت ملايين الأسماك سنويا.

يلاحظ رغم سوداوية المشهد أن العلماء ينشطون في السويد لحماية أنواع معينة من الأسماك المهددة بالانقراض من خلال مشاريع إعادة حضانة بيوضها في مختبرات خاصة، ثم القيام بإعادة المُفقسة منها ثانية إلى مياه البحر لمنع انقراضها بالكامل.

بحر البلطيق المريض يحتاج إلى معالجة

يتوقف الوثائقي عند حقيقة صادمة أكدها العلماء في كوستاريكا وفي السويد، وهي أن انقراض أي نوع بحري من الوجود سيؤدي إلى انقراض أنواع أخرى، وإلى تدمير بيئات نباتية بحرية بالكامل، وبالتالي سيحدث خلل بيئي لا يؤثر سلبا على البحار فحسب، بل يمتد تأثيره على الإنسان، ويهدد أيضا بزوال أحد أهم مصادره الغذائية.

أفيال تنزانيا.. كائنات استثنائية تحت رحمة الصيد الجائر

يذهب صانع الوثائقي إلى أفريقيا ليرصد ظاهرة صيد الحيوانات البرية والمُتاجرة بها بشكل غير قانوني، وهي تعد مشكلة جدية لا تتوقف تأثيراتها السلبية على الطبيعة فحسب، بل تصل إلى الإنسان نفسه.

يتوقف عند تجربة محمية “سيلوس” الطبيعية في تنزانيا، ويطلع على تفاصيلها من خلال حُماتها الذين يصفهم بالشجعان المطاردين للصيادين الذين يحاولون دخلوها وقتل أكبر حيواناتها حجما لأغراض ربحية جشعة.

يخبره أحد حماة الغابة أن الأفيال في تنزانيا قد تقلصت أعدادها بسبب موت حوالي 96% منها مقارنة بما كانت عليه قبل مئة عام، وذلك بسبب الصيد غير القانوني، لكنهم يعملون على إيقافه، لما يشكله من تهديد خطير للحياة البرية بأكملها.

تقارب مساحة المحمية مساحة الدنمارك، ويقدم حراسها تصورا عما أضحت عليه الآن بفضل تعاون سكان المناطق القريبة منها، فقد أدركوا أن وجودها يعود عليهم بالفائدة، من خلال تنشيط حركة السياحة المنظمة، واشتغال كثير منهم في قطاعاتها، إلى جانب مساهمتهم في مراقبة الصيادين الذين يأتون من أجل قتل حيوانات غاباتهم من دون رحمة.

الصيادون غير الشرعيين ينتزعون أنياب الفيلة لبيعها والحصول على المال منها

يعرض الوثائقي صورا محزنة لأفيال قتلها الصيادون المتسللون سرا إلى الغابات، وانتزعوا أنيابها لغرض بيعها لاحقا في أسواق سوداء بأسعار غالية، لكن مشاركة الناس في حمايتها أدت بشكل ملحوظ إلى إيقاف عمليات إبادتها.

غابات الكونغو.. مبادرة شعبية توقف الصيد وتنعش السياحة

في الكونغو وفي غابات بوندي تجري عمليات صيد وقتل لغوريلا الجبل من قبل الصيادين المتسللين إليها سرا، ومن أجل وضع حد لهم يقوم ناشطون بيئيون وبيطريون برعاية صغار الغوريلا بعد قتل الصيادين لأمهاتها، حفاظا على دورة بقائها.

تقليص مساحات الغابات بسبب قطع أشجارها من بين المشاكل المرتبطة بقتلها، فالغوريلا وبقية الحيوانات تضطر للبحث عن غذائها في مناطق قريبة من القرى، لكن اقترابها يزيد مخاوف الناس منها، فيلجؤون إلى إبعادها بالقوة وإلى قتلها أحيانا.

وقد نظم الناشطون حملة لتوعية السكان بالخطر الناجم عن انخفاض أعداد حيوانات الغابة، وللحد منها شُجّعوا على العمل في مجال السياحة الطبيعية، وأوكلت إليهم مهمة تنظيمها والحرص على إبقائها في الحدود التي لا تضر بغاباتهم وحيواناتها النادرة. وقد حققت التجربة نجاحا باهرا يحرص الوثائقي على توثيقها.

بعيدا من أفريقيا هناك تجربة مشابهة تجري في جزيرة زاكينثوس اليونانية، حيث يعمل الناشطون البيئيون على حماية نوع نادر من السلاحف، من خلال العمل على إبعاد السياح عن المساحات التي تضع بيوضها داخل رمالها.

سكان المحميات الأفريقية يساهمون في حماية غاباتهم الغنية

وعلى الرغم من اعتماد الجزيرة اقتصاديا على السياحة، فقد قرر سكانها منع القادمين إليها من السباحة ليلا، لأن السلاحف عادة ما تضع بيوضها في هذا الوقت من اليوم. يصنف الناشطون السياحةَ خطرًا بيئيا ينجم عنه هروب السلاحف بعيدا عن السواحل، مما يهدد دورة حياتها بالتوقف.

نخيل الزيت.. تجارة تدمر مصدر الأوكسجين في سومطرة

لطالما كانت الغابات المطيرة في سومطرة الإندونيسية مصدرا مهما لتزويد الكرة الأرضية بالأوكسجين، وعاملا فعالا في تقليل الاحتباس الحراري، لكنها في السنوات الماضية باتت مهددة بالزوال، مما يشكل خسارة فادحة لواحدة من أهم مصادر الأوكسجين في الأرض.

السبب الرئيس كما يوثقه “يواكيم أودلبيرغ” خلال زيارته لسومطرة، يعود إلى زراعة نخيل الزيت المستخدم لأغراض صناعية وتجارية، مثل صناعة الصابون ومواد التجميل وغيرها على نطاق واسع، وعلى نفس الأراضي التي كانت تنبت فوقها أشجار الغابات المطيرة.

تكشف مقابلاتُه لعدد من سكان سومطرة الخرابَ الذي أحاط بحياتهم جراء زوال غاباتهم الطبيعية التي كانت توفر لهم كل ما يحتاجونه تقريبا، فقد كانت توفر لهم الغذاء والدواء، واليوم عليهم شراء الأدوية عند المرض، ولدفع أثمانها عليهم العمل في حقول نخيل الزيت.

أدت إزالة الغابات إلى تشريد حيواناتها وتعرضها لأخطار جمة، ومن المتضررين من زوالها القرد البرتقالي النادر، فهو بسبب بحثه عن غذاء بديل في حقول النخيل دائما ما يُقتل برصاص أسلحة حراسها.

نخيل الزيت يقلل نسب الأوكسجين في الأرض

للحفاظ على القليل الباقي منها يحرص سكان سومطرة على حمايتها داخل غابات طبيعية بعيدة يصعب الوصول إليها. إزالة الغابات الطبيعة في سومطرة يحدث مثلها في السويد، وتؤثر على حياة مربي غزال الرنة في المناطق الشمالية الباردة من البلاد.

السامريون.. تدمير الغابات يربك حياة السكان الأصليين

ينقل الوثائقي عمليات قطع الأشجار الجارية على نطاق واسع بحجة توفير مصدر طبيعي للطاقة بديلا عن النفط ومشتقاته. يقابل مجموعة من السامريين سكان المناطق الشمالية الأصليين، ويسمع منهم شكواهم من التغيير الحاصل فيها بسبب زوال الغابات، فهو يغير نمط حياتهم التي اعتادوا عليها وتكيفوا معها منذ آلاف السنين.

وبسبب التغيرات المناخية اليوم، ترتبك حياتهم وحياة مواشيهم التي ما عادت تعرف مواعيد فصول السنة كما اعتادت من قبل، فقدوم الشتاء في غير موعده مثلا يتسبب في تجمد الأعشاب التي تتغذى عليها، وللتعويض عنها تذهب إلى مناطق أخرى، وعلى مربيها اللحاق بها وترك مساكنهم دون رغبة منهم.

كما تؤدي عمليات قلع الأشجار إلى تخريب التوازن البيئي، وتحرم السكان الأصليين من الحصول على الثمار البرية الضرورية لأجسامهم، لهذا يطالبون الحكومة السويدية اليوم بإقامة محميات طبيعية في مناطقهم، وعدم السماح لشركات تجارة الأخشاب بإبادة غاباتهم الجميلة.


إعلان