نهر الليطاني.. شريان حياة الزراعة في لبنان
من قرية العُلّيق الصغيرة الواقعة بشمالي سهل البقاع، تبدأ مسيرة نهر الليطاني أحد أشهر أنهار لبنان، قاطعا مسافة 140 كيلومترا جنوبا، قبل أن يصب في البحر المتوسط.
يعد الليطاني أهم أنهار لبنان، ففي طريقه الطويل المتعرج، يسقي المزارع من حوله، ثم يكمل طريقه عبر سهول لبنان ووديانه، وتتغير في مساره تضاريس الأرض صعودا ونزولا.
بعلبك.. مدينة رومانية وُلدت من رحم النهرين
تعد مدينة بعلبك أهم المدن اللبنانية التي يسقيها نهر الليطاني، فهي أقدم وأكبر مدينة رومانية خارج أوروبا، ويأتيها السواح من جميع أنحاء العالم لما فيها من معالم وآثار باقية.
وترتوي بعلبك من أبرز مصادر مياه لبنان، وهما نهرا الليطاني والعاصي. ومن معالمها الشهيرة القلعة الرومانية، ومسجد بُني باسم امرأة تدعى خولة، وهي من السلالة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل السلام وأتم التسليم.
ولنهر الليطاني عدد من الروافد والجداول، ويقول أبو محمود -وهو مزارع سمك- إن عين شمسين وغيرها من العيون في سهل البقاع تسقي المزارع، ثم تكمل طريقها لتصب جميعا في نهر الليطاني.
ويمر نهر الليطاني بمنطقة تاريخية بالبقاع تدعى رياق، كان فيها مطار ومحطة قطار أيام الدولة العثمانية، وقد كان معظم سكانها من قبل يعملون في سكة الحديد، لكنها اليوم تعتمد على الزراعة، بسبب انخفاض سهولها ووفرة المياه.
على ضفة نهر الليطاني.. سلة الغذاء والنكهات المميزة
تسقي مياه نهر الليطاني أراضي شاسعة، وتزود بالماء مصانع المنتجات الغذائية التي أنشئت على ضفافه. كما يقع عدد من بلدات سهل البقاع الزراعية المجاورة للجبل على ضفة النهر، فيرويها بمائه العذب المتدفق.
ومن تلك البلدات بلدة تعرف باسم شتورة، تأتي منها غلة لبنان الزراعية وأشهر منتجاته الغذائية. فأزهار أشجار اللوز والبرتقال وغيرهما من زهور الربيع المنتشرة، تُكسب منتجات البلاد الغذائية نكهات مميزة، ومنها ماء زهر البرتقال، وهو مكمل غذائي شعبي معروف.
ففي مصنع صغير، يعمل محمد ديقة -وهو صانع ماء ورد وبرتقال- على صناعة ماء الزهر بعد تقطيره، لتوزيعه على محلات الحلويات والصناعات الغذائية على مستوى لبنان.
وأما الصناعات الغذائية في الجزء الشمالي من نهر الليطاني، فتلعب دورا رئيسيا في دعم الاقتصاد اللبناني، ففي مصنع المربى الذي يديره محمد أحمد صالح، تنتج أنواع المربى من الفواكه المختلفة وعصائرها من الفواكه الطازجة القادمة من سهول البقاع التي ترتوي من نهر الليطاني.
ومن مياه نهر الليطاني، يجني كثير من المزارعين وأصحاب المواشي قوت يومهم، فمصانع الألبان هناك قائمة على الحليب الذي يبيعه لها المزارعون من أغنامهم وأبقارهم.
ففي بقالة ومطعم إلياس، يصنع إلياس اللبنة من حليب البقر أو الغنم. ومن خبز الصاج الطازج، يعمل فطيرة شهية مكونة من اللبنة والزعتر وبعض المخللات، بحسب رغبة الزبون، وهي فطيرة تشتهر بها كل مطاعم لبنان على السواء.
بحيرة قَرعون.. تلوث يخيب آمال المزارعين والرعاة
يسير نهر الليطاني جنوبا تاركا سهل البقاع، فيصب في بحيرة صناعية تدعى بحيرة قَرعون، ذات مساحة تبلغ 11 كم مربعا، وهي تقع على حدود سد نهر الليطاني، حيث المراعي الخضراء والطقس العليل، والجبال الشاهقة حولها.
يقول سامر -وهو صياد سمك وصاحب مطعم- إن فرنسا هي من بنَت هذا السد الذي يرفد نهر الليطاني بعد أن يتجمع فيه ماء المطر، ومن تدفق مائه تتولّد الكهرباء. وتوجد حول السد مساحات زراعية كبيرة تستغل بشكل جيد.
وأما رعاة الأغنام، فعادة ما يأتون إلى السهول بعد شهر آذار/ مارس، وذلك بعد استكمال حصاد القمح، الذي يترك خلفه كثيرا من العشب القابل للرعي، فيكثر الحليب في ضروع تلك الأغنام والماشية. وحول الليطاني، يزرع الناس الخضراوات والحبوب، مع أن ماءه أصبح ملوثا، لكنه يظل مفيدا وأساسيا للزراعة، كما يقول أبو محمد عوض، وهو مُزارع وراعي غنم.
وسبب ذلك التلوث، أن سبع قرى مركزية في البقاع تصب مياهها العادمة ومخلفاتها الصناعية في مياه الليطاني، فينتهي بها المطاف في بحيرة قرعون. ومع أن مؤسسات البيئة تحتج وتحذر من العواقب طويلة الأمد التي يخلفها تلوث النهر، فإن السلطات اللبنانية لم تتخذ أي إجراء نافذ حتى الآن.
منتزهات الليطاني.. سياحة تستثمر الجمال الطبيعي
يجري نهر الليطاني جنوبا شاقا طريقه بين الجبال، ثم ينعطف غربا باتجاه البحر المتوسط في منطقة تعرف باسم “قاسمية رأس العين”، حيث مزارع البرتقال والموز المنتشرة بكثرة. ويقول حسن رمضان -وهو مزارع في القاسمية- إن لليطاني فضلا في مسيره في هذه المنطقة، فهو مكان نقاء وصفاء ومصدر رزق لا ينقطع، ومن زهره نصنع ماء الورد كذلك.
وأما علي فارس -وهو صاحب منتزه حول نهر الليطاني- فيروي أن إسرائيل حين غزت لبنان كانت تستهدف مياه الليطاني، وترغب بتحويلها إلى إسرائيل لفوائدها الكثيرة، وبعد انسحابها من الأراضي اللبنانية، بقي النهر لأهله.
يقول علي: وقد خطر ببالي أن من الضروري أن نستثمر هذا الجمال الطبيعي للنهر، لا سيما أن الناس تحب الخروج للتنزه، ففتحت مشروعي السياحي، وكان أول مشروع، واليوم أصبح هناك أكثر من 150 مشروعا سياحيا آخر حول النهر.
وفي آخر مطافه، وبعد أن يقطع القاسمية، يكمل نهر الليطاني طريقه غربا، حتى يلتقي بالبحر المتوسط، فتلتحق مياهه بأمواج البحر، لتصبح جزءا من مياه الأرض التي ستعود يوما على شكل مطر وثلوج، تغذي منابع النهر في الشمال، فتتدفق عبر سهول ووديان لبنان من جديد.