وطن مهمل لذاكرة مستعملة

معرض قتل في المنامة

 المنامة: علي الجلاوي

الصورة سيرة المكان، وشهادة الموجودات على نفسها، والصورة حديث العيون، وامساك لحظة زمنية ووضعها في إطار، أو ملء الإطار بشحنة دلالية تشير إلى مكان ما، الصورة هي ذاكرة الإنسان الأولى، وناره المجوسية التي تضيء طريقه للأشياء.
 

اضغط لتكبير الصورة
ورولا حلواني التي كانت تعرض ذاكرة وطنها، وتسرد سيرة كل قصة، كانت تعرف القتلى، والذي سقط أمامها بأكثر من سبع رصاصات في صدره، جعلها تؤمن بألا سلام يمكن أن يتسلل لمثل هذا الوطن، كأنها التي كانت تبحث عن بيتها أمام البيوت المهدمة، هل كان يجب أن يقول لها عابر ما أن بيتك لم يعد موجودا، لكن الأكيد أن رولا كانت تسرد جزءا من ذاتها، لأنها تعتقد أن ما يحدث من حولها يحدث لها.
 
ولدت رولا تحت الاحتلال، في مدينة “الصلاة” القدس، في عام 1964م، وظلت تمارس الولادة مع كل لحظة، كانت مشبعة بوطن يتقاسمه القتلة، حيث تصبح الضحية مدانة بتهمة حيازتها قلب، أص��بت مرتين بالرصاص وهي تضع أصابعها على آلة الذاكرة الفوتوغرافية “الكاميرا”، معتبرة أن مفهوم التعبير الفني لدى الفلسطينيين هو التعبير عن الواقع “الاحتلال”، فهو الكامن في أعمالهم، والعفوية التي تخرج فيها.
 

اضغط لتكبير الصورة

كانت تؤمن بمشروع “السلام”، لكنها حين التقطت صورة القتيل الذي صادقته، يمسك بالحجر وفي رأسه تسكن رصاصة، جعلها تعيد النظر في هذا المشروع، وستعتبر السلام مرحلة مؤقتة لمسك الموت عن حصد إخوتها في وطن “مستهلك”، تقول أن الإنسان أغلى من الأرض، ولكن هناك ثقافة تنتشر في الشارع وفي أجساد يخترقها الرصاص، ثقافة تؤمن أن الأرض بنفس قيمة الإنسان، أو قد تكون أغلى.

في المعرض الذي أقيم بصالة الرواق للفنون التشكيلية في المنامة، كانت رولا تسرد قصتها، قصة شعب يبحث في جيوبه عن قطعة وطن، كانت تسرد وجعها الذي يسافر معها، وترتبه في أمتعتها، لتحوّل هذا الألم إلى فن، وشهادة حية على آلة الموت، هي محاولة لزرع الحلم في عيوننا، وهي محاولة لكشف الحقيقة، الحقيقة التي نعتقد أنها لم تعد صالحة!.

 
شاركت رولا في هذا المعرض كل من الفنان طارق الغصن، مواليد فلسطين، يقول: “إنني دائماً أشعر بأن عقلي غربي، ولكن قلبي عربي جداً. وإذا أمكن استحضار هذين النقيضين معا… فلا شك أنه أمر شيق جداً”، كما شاركه الفنان الأسباني باسكال غوريز، الذي اعتبر أن مشهد المستوطنات بعد سنة من الانسحاب مقفر، مثل ثقب أسود في ملامح قطاع غزة، يغطي الدمار هذه المناطق، والذي على أثره كما يقول باسكال تحول الاهتمام الدولي إلى تجاهل للخراب والدمار، معتبرا أن ما يقدمه شهادة على الواقع، فهذا التعايش مع الخراب امتد لأكثر من ثلاثين عاما”.
اضغط لتكبير الصورة
 
أخيرا كانت الفنانة الألمانية أندريا كونزغ، التي وجهت جل اهتمامها بعد تخرجها من برلين إلى قضايا المرأة، فزارت الكثير من الدول سعياً لمساعدة المرأة والطفل، كما عملت مصورة لعدة منظمات حقوقية منها اليونيسيف، تقول: “مهمتي ترجمة الأحداث العالمية، والحصول على صورة حقيقية وصادقة كشاهد على البربرية، واجبي هو الحفاظ على جعل التصوير الفوتوغرافي باعثا لتغيير الظلم يوما ما”.

إعلان