أمكنة ليلى الكيلاني الممنوعة

لم أسع للدخول إلى “الأمكنة الممنوعة” بدون “أصحابها”
المغرب: أحمد بوغابة

انتقلت “أمكنتنا الممنوعة” إلى مناطق عدة من العالم حيث عبرت الأقطار لتشارك في مهرجانات دولية منتزعة منها الإعجاب والتصفيق والأضواء.
فمن مهرجان الفيلم الوثائقي بمرسيليا إلى مهرجان بيروت مرورا بـ “أميان” في فرنسا و “سان سيباستيان” بإسبانيا وغيرها قبل أن ترسو بمدينة طنجة للمشاركة في الدورة العاشرة للمهرجان الوطني للفيلم (من 13 إلى 20 ديسمبر 2008).
“أمكتننا الممنوعة” هو الفيلم الوثائقي الوحيد المشارك في المسابقة الرسمية. مفارقة عجيبة، إذ إن مقاييس الفيلم الروائي كجنس سينمائي، طويلا كان أو قصيرا، تختلف عن جنس الفيلم الوثائقي الذي يملك خصوصياته في الكتابة السينمائية ومع ذلك تم إدراجه حتى يحظى بالوجود كما تقول إدارة المهرجان وعدم حرمان الجمهور منه.
وبما أن السينما المغربية احتفلت في الوقت ذاته بذكرى مرور50 سنة على تصوير أول فيلم مغربي (الابن العاق للراحل محمد عصفور سنة 1958) تم إحداث جائزة خاصة لم تكن مقررة من قبل حصل عليها فيلم “أماكننا الممنوعة” للمخرجة الشابة ليلى الكيلاني.
وهذه ثاني مرة يشارك فيها فيلم وثائقي مغربي في مسابقة رسمية إلى جانب الأفلام الروائية رغم تباين المكونات الفنية للجنسين. كانت المرة الأولى بالدورة الخامسة سنة 1998 بفيلم “في بيت أبي” للمخرجة فاطمة جبلي الوزاني، حصلت حينها على الجائزة الكبرى للمهرجان.
هذه وقفة قصيرة مع المخرجة ليلى الكيلاني. تتحدث عن فيلمها “أماكننا الممنوعة”. فهذه المخرجة التي دخلت السينما بالصدفة في جعبتها مجموعة من الأفلام الوثائقية لها صلة بقضايا اجتماعية وثقافية.
اشتهرت ليلى الكيلاني كثيرا بفيلمها “الحراكة” (سنة 2003) حول الهجرة السرية نحو أوروبا عبر مدينة طنجة إذ عُرض بعدد كبير من القنوات الغربية.
ليلى الكيلاني من مواليد مدينة الدار البيضاء لكنها ترعرعت بمدينة طنجة قبل أن تسافر إلى باريس لدراسة العلوم الاقتصادية ثم تاريخ وحضارات البحر الأبيض المتوسط لتجد نفسها تحمل الكاميرا حتى تؤرخ لمآسي فئات واسعة من الناس البسطاء المهمشين الذين لا يجدون مساحات التعبير الحقيقية دون أن تسقط ليلى في البساطة السينمائية.
  • بداية، نتمنى أن نعرف رأيك في الجائزة التي حصلت عليها من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة حيث تم استحداث جائزة خمسينية السينما المغربية التي تسلمتها عن فيلمك الوثائقي “أماكننا الممنوعة”؟ فهل لهذه الجائزة رمزية ما في نظرك؟
** لا أعتقد أن الجائزة موجهة لي شخصيا، سواء بشكل فردي أو بشكل رمزي للفيلم كمنتوج وثائقي على الأخص، وإنما هي شكل من أشكال فتح ثغرة لقول أشياء بطريقة ممكنة.
إن الجائزة، بالنسبة لي، هي إشارة للقول بإمكانية أن نشاهد ذاتنا، وإمكانية قراءة تاريخنا من زوايا مختلفة. وتناول هذا التاريخ بالنقد والتحليل وما الذي يمكننا فعله به.
وهذه الجائزة لم تكن مقتصرة على الفيلم في حد ذاته وإنما للسينما المغربية والدور الذي يمكن أن تضطلع به. وكذا لتاريخ المغرب وعن الصيغ التي بها يمكن طرح أسئلة عن تاريخنا. وفيلمي ما هو في الواقع سوى محاولة لطرح السؤال في قالب سينمائي وثائقي، لذا ينبغي إنجاز مئات الأفلام حول تاريخنا بوجهات نظر مختلفة فلا ينبغي غلق الباب عند الفيلم، فهو في نهاية المطاف مجرد محاولة ووجهة نظر خاصة ذاتية وفردية في آن واحد. ينبغي – بالأساس – فتح المجال للتعبير لمئات بل آلاف الآراء الممكنة.
لا يمكننا إطلاقا إنجاز فيلم واحد حول تاريخ المغرب بل ينبغي أن تتجدد الرؤى باستمرار وأن لا تتوقف. يجب أن يعبر الجميع عن آرائه ويسرد تجاربه مهما اختلفت لأن في الاختلاف تنوعا صحيا يخلق الحوار وبالتالي التقدم والتطور للاقتراب من فهم محيطنا.
أكرر استحالة الاكتفاء بفيلم واحد حول سنوات الرصاص بل ينبغي أن تكون لنا أفلام كثيرة حول الموضوع بكل تناقضات التاريخ، إنها حاجة ملحة فما دامت تلك الأفلام ليست صوتا رسميا فهي مهمة جدا.
وأنا لا أقبل التنازل عن مواقفي أو ألبي طلبات غيري في أفلامي لأن الأفلام التي يقع فيها التنازل المبدئي هي أفلام إشهارية ينفضح أمرها بسرعة.
  • قلت بضرورة إنتاج أفلام كثيرة حول تاريخنا. فهل لديك مشاريع في هذا الإطار؟
** لدي مشروع فيلم وثائقي جديد أشتغل عليه حول “حرية التعبير” في العالم، يشكل المغرب جزءا منه. كما لدي مشروع فيلم روائي تدور أحداثه بطنجة.
وأنا أنطلق دائما في مشاريعي من تحديد سؤال جوهري يخصني، يعني أين أنا كفرد ومثقفة وسياسية من الفضاء الذي سأتحرك فيه وأحكي عنه. أقصد بسؤالي ماهية إمكانياتي للحديث عن موضوع دون غيره.
أحداث كثيرة عرفها المغرب تستحق الوقوف عندها كالتي حصلت سنة 1973 ونضالات المجتمع المدني في أبعادها المختلفة وغيرها من المواضيع التي وسمت التاريخ المغربي. من المنطقي معالجة هذه المعطيات التاريخية من زوايا عدة من طرف رؤى لمخرجين آخرين بهدف إغناء النقاش حولها إذ ليس من المعقول أن تسود رؤيتي الشخصية فقط. نحن في حاجة ماسة للمشاركة الجماعية لأن ما وقع هو فعل جماعي.ادعو المؤرخين للانضمام إلى حلبة النقاش حول تاريخنا
وأدعو بالمناسبة المؤرخين للانضمام بدورهم إلى حلبة النقاش بمساهمتهم في قراءة تاريخنا برؤيتهم الأكاديمية.
  • كيف ذلك؟ كيف ترين دور المؤرخ في الإنتاج السينمائي؟
** ما أريد قوله هو أن لا يبقى تاريخنا مجرد عرض لوقائع عاشتها بلادنا وإنما التاريخ مادة حية ينبغي أن تصبح موضوعية بكتابتها بعد قراءتها وتحليلها بمنهج العلوم الاجتماعية وأن يكون تاريخنا مجالا علميا خصبا.
  • كيف ولدت لديك فكرة إنجاز فيلم عن سنوات الرصاص بالمغرب؟
** إن الفكرة الأولى التي انطلقتُ منها ترجع إلى سنة 2002. كنت قد فكرت في إنجاز فيلم حول الإصدارات الممنوعة بالمغرب سواء في مجال الصحافة أو الكتب الروائية والبحوث العلمية التي تعرضت للمصادرة والمنع. وكان فيلمي سيعتمد على شهادات للأشخاص الذين عاشوا فعليا مراحل المنع والتضييق على الحريات في الإعلام والإبداع حيث حددت خريطة العمل التي ستعتمد على استحضار الفضاء العمومي وقراءته إلى استجوابات حميمية. كما انطلقت في البحث عن مواقع التصوير وتحديد اختياراتها وهو العمل الذي أخذ مني سنتين من العمل. لكن حين قررت الشروع في التصوير سنة 2004 تم الإعلان عن “جلسات الاستماع العمومي”. هذا الحدث خلق عنصراً درامياً جديداً ينبغي أخذه بعين الاعتبار بمعنى لا بد من التعامل معه واستيعابه إذ لا يمكن إخراج فيلمي عن “الإصدارات الممنوعة” في الوقت الذي يتم فيه الإعلان رسمياً عن الإنصات للتاريخ.
هذا العنصر الجديد، إذن، أضاف قوة أخرى لفيلمي فراهنت عليه من خلال تغيير المسار الذي اشتغلت عليه منذ سنتين لصالح هذا المعطى الدرامي والاستثنائي.
يعتمد فيلمي بالأساس على أشخاص لهم علاقة بما جرىقررت على إثره أن أواكب الحدث بمتابعتي إياه لكن ليس بالتصوير التقليدي لرصد الأحداث فحسب بل بزمن تاريخي مواز لأن المغرب قرر أن ينظم ذاكرته التاريخية بشكل عمومي.
وعليه، فإن “هيئة الإنصاف والمصالحة” وفرت فضاء عموميا وطنيا به عناصر دراماتوجية من منطلقات أنتروبولوجية وسيميولوجية بينما أنا اقترحت على أشخاص معينين عناصر سينمائية للخروج من الفضاء العمومي إلى كنه واقعهم الحميمي.
  • وهنا أريد أن أسألك عن مقاييس اختيارك لتلك الشخصيات لإبرازها دون غيرها؟
** أعترف بأنها مقاييس ذاتية وعفوية إذ لم أفكر في تحديدها أو تبريرها لأنني لست صحفية ولم أقم بعمل صحفي. ولكن كلها عناصر وعائلات غير معروفة لدى العامة بل لم يتداولوا ما وقع لهم حتى بين أفراد أسرتهم فمثلا محمد الرحوي الذي اختُطف لمدة 9 سنوات لم يفلح في حكي ما جرى له لوالدته طيلة تلك السنوات بعد رجوعه إليها.
ما همني في هذه الحالات التي اخترتها هو ما يمكن أن ينتجه هذا الواقع المبني للمجهول داخل الأسر والتي لم يسبق لها أن ناقشت بين أعضائها اختفاء أفراد منها.
إن الاختطاف والاختفاء في نظري قد تفوق على العائلات لمدة سنوات طويلة في بعده الإبستيمولوجي عندما لا يتم استعادة التاريخ الشخصي للعائلة. فحين لا يحضر الأشخاص المختطفون والمختفون في النقاش العائلي بشكل عادي جدا بل يتم التغاضي عنهم وكأنهم لم يكونوا موجودين أصلا يعني بالنسبة لي أن العنف السياسي قد نجح في مهمته بشكل كبير بامتداده إلى داخل الأسر من خلال غلق أفواهها وسيادة الصمت حول ما جرى. أذكر على سبيل المثال ما جرى مع الجد النقابي الذي تم مسحه من ذاكرة الأسرة نفسها طيلة ثلاثة أجيال إذ لم يعد له مكان فارتأيت أن أعيد صورته إلى مكانها العائلي خاصة وأن الجيل الثالث لا يعلم شيئا عما جرى جسدته بشكل جيد الحفيدة التي ناقشت أمها وجدتها عن سبب إخفاء الحقيقة عنها حين تسأل عن جدها فحاسبتهما على صمتهما.
تأثرت كثيرا لذلك الصمت حول مصير النقابي إذ لا يوجد في الأسرة نوع من السخط أو القلق أو النقمة وإنما فراغ لا يتحدث عنه أحد. وهنا أؤكد أن العنف السياسي بحمولته القمعية تمكن من الاستيلاء على خصوصيات الناس وحميميتهم في عقر دارهم في أدق خلية أسرية.
إن الصمت الذي ساد أسر كثيرة ساهم في محو ذاكرة نضالية لأشخاص ناضلوا من أجل مغرب حر.
بن بركة مثلا لم يتمكن العنف السياسي من محوه من ذاكرته لأنه بقي متداولا في الأسرة السياسية المغربية بينما عبد السلام بن الشيخ نُسي من طرف عائلته وهو ما اعتبرته شخصيا مزعجا وقلقا وغير محتمل فكان منطلق تساؤلي وكذا تساؤل حفيدته. إننا كنا (أنا وحفيدته) في نفس موقع الغضب وغياب أدنى معلومة لمساءلة التاريخ.
الحفيدة لم تكن تملك معلومة ما عن جدها. وسعيد لم تكن له مقبرة ليترحم على والده وغيرهما كثيرون حُرموا من عناصر معرفة ذويهم المختطفين والمخفيين حتى يصيغوا تساؤلات عن جزء من تاريخهم وهذا هو العنصر المشترك بين كثير من أشخاص الفيلم.
  • لكن حسن ألبو على ما أعتقد يشكل عنصراً مختلفاً في ما أقدمت عليه من حكي؟
** حسن ألبو بدوره من اختياراتي العفوية، فهو وجه معروف في وسط مناضلي اليسار ويحمل في جسده ندوباً من تجربة قاسية جدا إذ فقد الوعي داخل السجن. يمكنني أن أقول بأنه فقد في الواقع قدرته على تحليل ما جرى بشكل علني ونقله إلى داخل أسرته. يعتقد البعض بأنه أحمق فيما اخترت أن أشتغل معه رغم صعوبته في ظل ظروفه الشخصية. لقد سجلت معه مئات الساعات. وكنا نلتقي يوميا لنتحدث في مواضيع شتى بغرض اكتساب ثقته فهو لم يكن يرغب في الحديث، جل وقته كان غارقا في الصمت وكأنه مضرب عن الكلام، وذلك منذ سنوات، لذلك فضلت أن أشتغل معه حسب ظروفه ومزاجه فكان العمل متقطعاً معه إلا أننا نجحنا في النهاية حيث تحدث مرارا عن آرائه التي مازال يؤمن بها. كان يؤمن بها في صمت داخل جسده. وكان حديثه مع ابنتي أخيه من أقوى لحظات البوح بكل ما صمتت عنه سنوات من الانغلاق على ذاته. 
شخص عايش مرحلة صعبة من تاريخ المغرب والذي يمكننا اعتباره قد انكسر فيها كشخص لكن تمكن من جديد المصالحة مع ذاته.
  • لنتحدث قليلاً عن عنوان فيلمك؟ ما هي دوافع اختيارك لعنوان “أماكننا الممنوعة”؟
** سأقول لك الحقيقة: العنوان أصبحت له أهميته الرمزية بحكم الواقع. حين شرعت في الاشتغال على الفيلم كنت مهووسة بتلك الأمكنة كقلعة مكونة وأكدز ودرب مولاي الشريف … جميع أمكنة الاعتقال التعسفي. لقد تمكنت هذه الأمكنة التي كانت مجهولة لدى عامة الناس، من خلق إشاعات وأساطير وصور في مخيلتنا وحول ما تعرض له المعتقلون بها.
كما أن مكاناً ما ممنوعاً هو أيضا مكان رمزي لأنه لن نتمكن إطلاقا بشكل صحيح وموضوعي من معرفة ما جرى بداخله أو عرضه في صورته الحقيقية. إنه من المستحيل حكي ما جرى في تزمامارت أو درب مولاي الشريف مثلا؟ لهذا تخلصت منها تدريجيا أثناء عملية المونتاج لأحتفظ فقط برمزية الأمكنة.
لن نتمكن من معرفة ما جرى داخل “أماكننا الممنوعة” وهي أمكنة ممنوعة أيضا على أسر الضحايا وعائلاتهم. فمن الناحية الأنتروبولوجية هي أماكن سرية وبالتالي فهي ممنوعة علينا.
  • وهذا ما لاحظته في فيلمك حيث لم ترسلي كاميراتك لولوجها والتقاطها من الداخل إذ اكتفيت دائما بتصويرها في لقطات عامة خارجية وأحيانا من بعيد وكأنك خائفة من الوصول إليها أو  الاقتراب منها؟
** لقد تعمدت ذلك. فتلك الأمكنة كانت مجهولة من لدن الناس ولم يُسمح لهم بدخولها حتى بعدما أصبحت معروفة. لقد بقيت مغلقة بمآسيها وتاريخها ومقاومة الضحايا الذين تعذبوا بها. في نظري، الضحايا وحدهم هم الذين يمكنهم الحديث عنها.
والآن ماذا ستحكي تلك الأمكنة بعدما أصبحت فارغة؟ ولنفترض أني تمكنت من الدخول إليها في الوقت الذي لم يزرها معظم المغاربة فما هي القيمة المضافة التي سأحملها لهؤلاء المغاربة؟. لا شيء على الإطلاق. لهذا قررت أن أقف في موقف الشعب المغربي الذي لم يتخيل أن تلك الأمكنة التي تعذب فيها مناضلون ومات بعضهم فيها وخرج منها آخرون بأمراض وعاهات صحية ونفسية كانت موجودة حقا ببلادنا.
إنني مثل كل الناس، لم أتعرض للاعتقال في درب مولاي الشريف أو تزمامارت، وبالتالي لن أدخل إلى تلك الأمكنة بقوة الكاميرا التي أملكها لكي أحكي أشياء من المستحيل حكيها أو نقلها. لا يمكن حكي التعذيب أو تشكيل صورته لكن يمكننا في المقابل رصد تأثيراته على الأشخاص وهو ما حاولت عرضه في فيلمي. إننا لسنا في حاجة لمشاهدة الدم والتعذيب لنفهم ما تعرض له المعتقلون بل يكفي التواصل معهم للإحساس به.
  • أنا أعتقد أن العنوان يخدم منطقيا جوهر الفيلم وبأننا ما زلنا عند عتبة القراءة التاريخية لما جرى؟
** سأعطيك مثالا من الفيلم. لقد حام سعيد حول معتقل تزمامارت دون أن يدخله فلو دخله لتبعته بدوري بالكاميرا. ستكون لهذه الأخيرة مشروعية ذلك لأن سعيد هو جزء من المكان بحكم أن والده مر من هناك ومات فيه دون أن يعرف مكان دفنه.
يعتمد فيلمي أساساً على أشخاص لهم علاقة بما جرى فهم الذين يحددون مساره. لا يمكنني القفز عليهم للدخول إلى عوالم تشكل جزءاً منهم وأتركهم هم خارجه. لست في فيلم روائي حيث الخيال يزيح كل شيء، إنني ضمن فيلم وثائقي.
  • لقد قررت الدولة المغربية أن تحول بعضاً من تلك “الأمكنة الممنوعة” كدرب مولاي الشريف وقلعة مكونة مثلا لفضاءات ثقافية فما هو رأيك أنت في هذا القرار؟
** إن التقييم التاريخي لتلك الأمكنة لا يسمح بتحويلها حاليا إلى فضاءات ثقافية، لا أتفق مع هذا الاختيار لأن تلك “الأمكنة” في نظري ذات حمولة تاريخية قوية وقوية جدا فلا يمكن تحويل مسارها ببساطة نظرا لرمزيتها. ليس لدي حلول.. كل ما أحس به أن شيئا لم يحصل بعد ما بين الضحايا ومجموع الشعب المغربي للاستيلاء على تلك “الأمكنة” وتحويلها لفضاء ثقافي دون اتفاق مع المعنيين به، مع من “سكنوها” بالقوة ورغماً عنهم.
  • هل يمكننا الحديث عن ليلى الكيلاني كمخرجة ملتزمة؟ ففي جميع أفلامك السابقة نجدك إلى جانب الضحايا (الهجرة السرية، حرية التعبير، المهمشون، إلى آخره…)
** أعتقد أنني أنجزت فيلماً ملتزماً بما يحمله من وقائع تاريخية تحكيها تلك العائلات بنفسها عن نفسها ضمن وجهة نظر سينمائية حددتُها والتي قد تكون صدمت بعض الناس حيث تعددت ردود الأفعال تُجاه الفيلم، خاصة وأنني اخترت شخصيات للحديث عن تجاربها وعن ذويها من المختطفين لم تكن تتحدث عنهم من قبل لمدة ثلاثة أجيال. ولم يكن لهؤلاء الكلمة أو يوجدون في واجهة الأحداث التي ناقشت الاعتقال والاختطاف. إن الإنسان الذي يجد أن تاريخ والده وصورته قد تم إلغاؤهما ومسحهما من الوجود أعطيه الكلمة للحديث عما فقده طيلة حياته وهو موقف سياسي أتحمل مسؤوليته.
إن السينما الملتزمة، في رأيي، تتحدد بمواضيعها وأسلوب معالجتها الفيلمية. أحاول دائما أن أُسلم شاشتي لأناس لم ولن تتوفر لهم إمكانية حكي بالسينما عن همومهم وما يشغل بالهم.
أعترف بأن أفلامي هي سياسية ولكن ليس بالبعد الفرجوي وإنما كموضوع للتفكير وللنقاش.                 

إعلان