غزة.. صورة الألم وألم الصورة 2/2
غزة وجع في الخاصرة.. ودم ينزف بلا ثمن سوى ثمن الكرامة وبؤس القيم الكونية الطاغية.. وصورة غزة لا مثيل لها في وجدان الذاكرين للتاريخ كلما أرادوا العبرة أو البكاء.. ولما عزّ مثيل غزة في الضمائر لا بد لصورة غزة أن تظل رمزا لبطش الانسان بالإنسان وشاهدا على إرادة البقاء رغم ما في الصورة من خواء..
بهذه الكلمات نفتح ملف غزة من زاوية وثائقية لنستمع إلى مواقف بعض المخرجين العرب ورأيهم في ألم الصورة وبؤس الواقع ورائحة الموت والبقاء يتمازجان في مشهد واحد..
ماذا أقول عن غزة..؟؟
عبد السلام شحاتة
مخرج فلسطيني
أيقظنى تلفون يحمل كودا دوليا (974) وأخذت استذكر الدولة صاحبته، حيث ظهرت فى شاشة جوالي في الايام الاخيرة الكثير من الاكواد حتى اختلطت علي الدول والاكواد وكأنى اصبحت لا أعرف أيا منها. سمعت صوتا عربيا يسألنى عن أحوالى وأحوال غزة والأهل والأقارب ورامتان قلت له: إن شاء الله خير، الله يحميهم.
قدم المتحدث نفسه لي أنه حسن المرزوقى من الجزيرة الوثائقية.. ودارت بيننا الأحاديث وكان مسرعا في اللقاء وذكر ما يريده مني بسرعة مدروسة. و أنا أستمع و أحاول التركيز، و هو يحاول انتزاعي من صور غزة المبثوثة في التلفزيون. و أبلغني عن الموقع الإليكتروني الجديد لقناة الجزيرة الوثائقية، ولخص لي أشياء كثيرة، أنهاها بطلبه أن أكتب عن غزة، عن مشاعري وأحاسيسي وحبي وبلدي وحارتي ومدرستي، أمي وإخوتي وأصدقائي وجيراني، أحبهم جميعهم.
غزتي رامتان وشباب رامتان الذين يجرون في النهار والعتمة، في البرد والخوف وتحت رحمة طائرات الهليوكبتر ومقاتلات الـF 16 . غزة يلفها صوت الصمت والبكاء لأنه لا وقت لتسليم الروح اذ إن اسرائيل تحسم الموقف سريعا بقذائفها القاتلة التي تفتت كل شيء.
ماذا عن غزة يا حسن و حلمي هناك، وحبي هناك، وولادتي هناك، وقصتي البريئة هناك…
غزة عمر المختار، الوحدة، النصر والزيتون والصبرة… غزة جباليا، خانيونس وبيت حانون، التي أصبحت أعرفها جيدا وأعرف قصصها التي رواها لي صديقي قاسم ابن بيت حانون.
غزة رفح مرتع صباي وشبابي، رفح حدودي وبوابتي.
ماذا أقول عن غزة؟ الجنوب، الفقر، التهميش، الشموخ والثورة. غزة اللجوء والهجرة، غزة الـ48 وغزة الـ56 وغزة الـ67 وغزة الـ 87 و2000 و2007 وغزة الـ 2008.
عن أي غزة أحكي، عن ماذا أحكي؟؟؟ غزة يا عزيزة، يا كريمة، يا حلوة، مشتاق لك أكثر من الجنة. أبكيك من داخلي ولا أرتاح، يعصرني الانقباض أمام صورك في الفضائيات.
أذكر هدوء البال في غزة الصبا والدفء والحب والحضن الحنون.
أذكر غزة القسمة التي خنقتني وأجبرتني على الخروج من غزة قبل أربعة أشهر من اليوم، علي أن أجد متنفسا لي ولعائلتي. اختنقت من الشر والكره والتشرد والعنف الذي أصاب الاهل والاصدقاء والجيران وفتت اللحمة والالتحام الذي عاشه أهل غزة طوال تاريخهم.
عماذا أحكي؟ عن راياتنا التي أصبحت أكثر من الخبز في غزة والتي أكلت علمنا الذي كنا نغني له ولم يتبق لنا منه الا ألوان باهتة.
عماذا أحكي؟ عن غزة زمان ولا غزة الحاضر؟ صار العيش في غزة صعبا، كبر الأولاد، وأصبحت لا أعرف ماذا أفعل؟؟ غزتهم حزينة ودميمة، غير غزتي الجميلة الوادعة.
غزتي صورها جميلة، تركتها معلقة في صالون بيتي وفي مكتبي في رامتان، مبعثرة ولكنها موجودة ومحفوظة.
عماذا أحكي؟؟ وأنا خارج حزين وغضبان ومجبور على الخروج. أمي وأختي وإخوتي يحتاجونني وأحتاجهم. أصدقائي فقدتهم، كاميرتي أصبحت غير قادر على حملها، وأخجل من الصور التي قد تسجلها. صور قتلنا لبعضنا البعض، ولا صور تشتتنا وتمزقنا.
قبل خمسة عشر عاما قلنا جاء السلام وبدأنا نبني بيوتنا حجرا على حجر ونوقف الدبابة عن قتل أولادنا، ونوقف الطائرات عن تخويفنا، ولكننا لم نتمكن ولم نعرف. وبعثرنا أشياءنا بأيدينا
عماذا أحكي؟؟ تعبت وهناك الكثير لأحكيه، ربما يكون كلامي عن غزة هو فيلمي القادم الذي يدور بخاطري.
هذا النوع من الكائنات يثير إعجاب الشرفاء
جان شمعون
مخرج لبناني
ما يحدث اليوم، يدفع المواطن العربي الصادق لجذوره وللدفاع عن كرامته, أمام تنوّع وسائل التعبير، وتحديدًا، تأثير أهميّة وحقيقة الصورة. كل ذلك يعطي دفعًا ويوحي بانطلاقاتٍ وجدانية تساهم في تشكيل معنوياتٍ تنعش الذاكرة.
إنّ ما يثار من كوارث في قطاع غزّة، هو مثالٌ للتاريخ من أجل أن نكون أكثر تمسكًا بتراثنا وتاريخنا، ومن أجل الدفاع عن كرامة ووحدة أبناء فلسطين والمساهمة في سبيل بناء مستقبلٍ أفضل لهم. إنهم لا يزالون يعانون المآَّسي منذ حوالي ستّين عامًا.
إن الصراع القائم والدائم يظهر المسافة بين الصدق والباطل.
اغتصاب فلسطين ومحاولة سلب كامل هويتها، افتعالٌ وتعدٍ على جوهر الحقيقة التاريخية.
تعمل وسائل الاتصال, السمعية والبصرية, على محاولة التعبيرعن الواقع بكافة مستوياته:
فالصورة السينمائية تعبّّر عن ديناميكية الواقع لأنها تكوّن عاملاً بصريًا وفكريًا ينعش أبعاد الذاكره ويدخل في خدمة الوعي الوطني-الإنساني.
ولكن، بقدر ما تكوٍن هذه الصورة المتحركه أو الثابته, أداة تشويه للذوق والانتماء، بإمكانها أن تصبح عامل انتعاش إيجابي للذاكرة البصرية والفكرية.
تعمل الصورة الفوتوغرافية واللقطة السينمائية على ضم تنوعات الواقع والأحاسيس: الفرح والحزن والصمود والأمل. يحدث ذلك عبر أزمنة ومراحل تاريخية, تحفظها الأجيال.
خلال ما يشابه مثل هذه المراحل الحساسة والخطيرة: إنني أعمل كسينمائي، على اللقاء بشخصيات تعيش هذا الواقع: أكتشف امتيازها بروح الفهم الواعي لما يجري.
هذا النوع من الكائنات الإنسانية، يثير إعجاب الشرفاء. ويتحمّل مراحل العذاب التي يعانيها وينتصر عليها برؤيته الواعية للمستقبل.
كل هذه الملاحظات تجعل من صورة غزة سواء كانت متحركة أو ثابتة أو حتى محكية، صورة مستعادة لألم جماعي وصورة بطولية لبطولة نستعيدها بالقوة في انتظار تحققها بالفعل.
لك الله يوم استغثت بقوم وجودهم كالعدم..
يوسف الشيباني
مخرج قطري
غزة هي معركة الفصل بين الحق والباطل .. بين الحياة والموت .. بين البقاء والعدم..
شعب أعزل .. محاصر يقابل أقوى قوة على الأرض…
إن المتابع والمتأمل لما يجري من الأوضاع والأحداث على أرض غزة ليكاد قلبه أن يتفطر.. ولسانه أن يتعثر.. وقلمه أن يتكسر.. وهو يحاول التعبير عما يحدث هناك..
سَألتُ غُثاءَ السَيلِ والعينُ تَدْمَعُ *** أَحَقّاً عبادَ اللهِ ما أُحِسُّ وأَسمعُ
ليتني استطيع أن أصور كل لقطة مما يحدث على أرض غزة العزة لكي أجعلها وصمة عار في جبين الإنسانية.. قتل واستباحة للدماء..
لك الله يا غزة الصمود لك الله يا عرين الأسود لك الله يا أرض العزة لك الله يا مدينة الشهداء لك الله يا دار الإباء لك الله يوم تخاذلنا.
لك الله يوم شغلتنا أموالنا… لك الله يوم صرخت ولا معتصم… لك الله يوم استغثت بقوم وجودهم كالعدم… مليارهم لا خير فيه… كأنما كتبت وراء الواحد الأصفار.. أمة المليار يا غزة … نعم نحن أمة الأصفار.. واحد كتبت وراءه الأصفار
تسعة الأصفـار تبقى أمة تلهو وتلعب
أَدُمى نحن؟! رجـال من عجين نتقولب
أم ظهور ومطايا كل من يرغب يركب؟!
دمُنا يرخص كالماء ولا كالْمـاء يُشرب
إن تكن تعجب من كثرتنا فالجبن أعجب
قد يخيف الذئب من أنيـابه مليار أرنب
أين كانت العدالة الأمريكية والتحركات العالمية حينما قُتلت عائلة الطفلة هدى أمامها على شاطئ غزة؟! بل أين كان العدل الدولي عن الاختراقات التي يحدِثها اليهود في حدود محادثات السلام المزعومة التي يرعاها ويشرف عليها المجتمع الدولي؟!
لقد صدق من قال:
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفـر ** وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر!
ذات يوم وقف العالم يدعو لحقوق الكائنات، كل إنسان هنا أو حيوان أو نبات، “كل مخلوق له كل الحقوق”، هكذا النص صريحًا جاء في كلّ اللغات، قلت للعالم: شكرًا اعطني بعض حقوقي، حقّ أرضي وقراري والحياة، فتداعى العالم من كل الجهات، وأتى التقرير: لا مانع من إعطائه حق الممات.