كتاب الشاشة الوثائقية: صورة الوضع الراهن

Dokumentarisches Fernsehen Eine aktuelle Bestandaufnahmeجورج فايل

معز الخلفاوي – برلين

شهد الفيلم الوثائقي صحوة مفاجئة في السنوات الأخيرة أتت على عكس ما كان متوقعا، فهل تمثل هذه الصحوة تحولا وقتيا أم هي تغيير جذري في سيرورة الفيلم الوثائقي؟
هذا السؤال يحاول جورج فايل الإجابة عليه من خلال دراسة الفيلم الوثائقي الألماني ووضعه الراهن من خلال جمع عدد من المقالات والحوارات والنقاشات بين أهل الاختصاص والصحفيين والنقاد. ولعل ما يزيد من أهمية الكتاب هو الشكل الذي طلع به على القارئ، فهو يجمع الحوار والتفكير المجرد إلى النقاش المطول والأطروحة المفصلة.

صدر هذا الكتاب سنة 2003 وهو لا يزال موضوع درس وتعليق ونقد ليس في ألمانيا وحدها بل في أوروبا كلها لان الموضوع الذي يعالجه لا يزال مشغلا لكل من له اتصال مباشر أو غير مباشر بالفيلم الوثائقي. ويمكن تلخيص موضوع هذا الكتاب في ثلاثة محاور اهتمام : تعريف الفيلم الوثائقي، وفهم الوضع الحالي، والتكهن بمستقبل الفيلم الوثائقي. 


 حورج فايل

المؤلف: جورج فايل أستاذ الفنون والاتصال والعلوم السمعية والبصرية بجامعة ميونيخ بألمانيا يجمع في هذا الكتاب تجربة في التدريس إلى قدرته على النقاش والبحث عن البدائل. يمثل الكتاب مزيجا من العمل النظري العلمي الصرف والتجربة شبه العلمية العمومية. لا يهدف فايل في هذا الكتاب إلى التواصل مع المختصين فحسب وإنما يجمع في هذا الكتاب بين العلم الصرف والمعرفة المبسطة العامة. وهو بهذا يصنف ضمن كتب النقد والمعرفة العامة.

مواد الكتاب : يحتوي هذا الكتاب على خمسة فصول تتعلق بالمسائل الثلاثة المذكورة سالفا:
يقدم المؤلف في الفصل الأول المشاكل المطروحة والتي تتم معالجتها في الكتاب. فيطرح الأسئلة التالية: ماذا يجري في الحقيقة؟ أين هم المؤلفون؟ من ضد من؟ ما منتهى الأفلام الوثائقية التلفزية؟
جدير بالذكر هنا أن الكتاب لا يعالج موضوع السينما مطلقا وإنما يعالجه من خلال موضوع السينما الألمانية. فالكتاب بمثابة نظرة ثاقبة في واقع هذه السينما يمكن أن تقاس عليه حركة السينما العالمية ككل.

غلاف الكتاب

* فيما يتعلق بمستقبل السينما الوثائقية يتطرق الحوار بين جورج ستيفان تروله والمخرج فولكه ليلينتال إلى هذا الموضوع. إذ يرى تروله أن مستقبل الفيلم الوثائقي ونجاحه يكمن في تحوله إلى مزيج من الدراما والوثائقي.  ويقدم تروله فلمه “ّصور نفسك Selbstbeschreibung  ” مثالا لهذا الجنس الجديد. ويشير تروله إلى مخرجين كانوا يناقضونه هذا التوجه ولكنهم صاروا من مؤيدي هذا المزج وصاروا أصدقاء له بعد أن كانوا يقفون منه موقف المناقض. ويشير تروله في ذلك إلى أن المزج بين الصنفين يجب أن يتم بحذر شديد لألا يؤدي المزج إلى خروج الوثائقي عن الواقع وأن يتحول إلى بناء درامي يقوم على بطل.

* في ما يتعلق بقيمة الفيلم الوثائقي وتعريفه يطرح القسم الرابع من الكتاب السؤال “ماذا يعني الفيلم الوثائقي بالنسبة إلينا؟”. يتناول هذا السؤال بالتحليل والشرح عدد من السينمائيين يتداولون النقاش فيما بينهم (ص157- 194). يبادر ماركوس شاشته ممثلا عن القناة التلفوية ZDF إلى اعتبار أن لا فرق بين الفيلم الوثائقي والدراما بناء على أن الفيلم الوثائقي والدراما كلاهما يحكي قصة. فالقنوات التلفزيونية في نظره محتاجة إلى أفلام طويلة بقصص طويلة وهي إلى ذلك محتاجة إلى قصص قصيرة وأفلام وثائقية وكل بحسب المناسبة والوقت فنهاية الأسبوع مثلا تتطلب النوع الأول فيما بقية أيام الأسبوع تكون الأفلام قصيرة أكثر إقبالا. ويجمع المتحاورون جميعا على أن الفيلم الوثائقي الألماني، بعد انتعاشته القوية في السبعينيات بفضل ما أثمرته مدرسة شتوتغارت، قد ركد نهاية الثمانينيات. ويصطلحون على ذلك بعبارة “سبات المخرجين الألمان”. أما تحليل ذلك فهم يعودون به إلى المقارنة بين الفيلم الوثائقي الألماني ونطيره الأمريكي أو الانجليزي. فالفيلم الألماني قد توفر على إمكانيات ضخمة لكنه لم يطورها ليجعلها عالمية فبقي محليا لا يقدر على مجاراة نسق الانتاج العالمي لا على مستوى التكلفة ولا على مستوى الانتاج والترويج.

* في سياق مستقبل الفيلم الوثائقي يؤكد المشاركون في هذا الحوار مدى عمق الفرق بين الفيلم الوثائقي الألماني ومثيله في بعض البلدان الأخرى. يرجع الفرق إلى مستويي التمويل من جهة ومستوى اللغة من جانب ثان. فالأفلام الألمانية لها مواضيع جيدة ومتميزة غير أن استعمالها اللغة الألمانية يجعلها غير قادرة على اكتساح الأسواق العالمية. غير أن تطور تكنولوجيات الدبلجة والترجمة قد جعل هذه الصعوبة سهلة التذليل.
يبقى المشكل الثاني وهو المتعلق بتمويل الأفلام الوثائقية. يلاحظ المشاركون أن تمويل الأفلام الوثائقية الألمانية يمر بطريق صعب طويل. فتمويل الأفلام يمر عبر لجان متعددة ويتطلب صبرا وجهدا ومتابعة. بالمقارنة مع هذا الوضع فإن تمويل الأفلام الوثائقية العالمية الشهيرة أصبح أمرا من شأن الشركات العالمية النافذة التي تتكفل بالترويج والإشهار أيضا.
يلاحظ هانز روبرت أيزنهاور في هذا الصدد أن قول البعض إن التعاون بين الشركات المحلية والعالمية هو مفتاح تطوير الفيلم الألماني وأن الفيلم الألماني غير قادر على مجارات النسق العالمي غير صائبة ووجه خطأ هذا الرأي هو أن موضوع الأفلام لا يجب بالضرورة أن يكون ألمانيا صرفا، بل يمكن أن يكون المشكل المطروح ألمانيا عالميا في نفس الآن وذلك في رأيه هو مفتاح تطوير الفيلم وإخراجه من المحلية إلى العالمية.

* يطرح الكتاب مشكلا آخر يتعلق بسوق الشغل. يتمثل ذلك في العدد الهائل من الراغبين في تعاطي النشاط السينمائي في ألمانيا. ففي كل عام يتخرج ما يزيد على مائة مختص في السينما بين مخرج وتقني وممثل من الجامعات وأكاديميات السينما. إلى عهد قريب كانت سوق الشغل تستوعب هؤلاء في اختصاصات التلفزيون والإنتاج السمعي البصري. غير أن انكماش سوق التلفزيون في السنوات الأخيرة جعل هؤلاء يمثلون عبئا بالنسبة إلى حقل الإنتاج، بيد أن هذا قد يكون عاملا من عوامل النجاح إذا ما أحسن استعمالهم بالطريقة المثلى. فالإنتاج العالمي الحديث يتطلب علما وتكوينا حديثا لا يتوفر إلا لدى المتخرجين الجدد.  

      
عموما فإن الكتاب رغم مرور بعض السنوات على صدوره لا يزال مستعملا مرجعا مهما حول السينما الألمانية والعالمية يرجع إليه الطالب بحثا عن العلم كما يطالعه أهل الاختصاص لمزيد التعمق اما من يجمع الثقافة العامة فله فيه زاد ثقافي وأسلوب سجالي رائق.


إعلان