الألمانية ســوزان بـيــرمـــان : سينما ضد التيار

مواقف من الــسينــما البديــلة والفـلم الوثـائقي في برليــن

“السينما البديلة”، “سينما المقاومة”، ” الموجة المعاكسة” أو “السباحة ضد التيار” هذه التسميات ليست بغريبة في برلين، فعاصمة ألمانيا الاتحادية التي تعرف موجة سنمائية حداثية قوية، تُعرف كذلك بحركة سينمائية بديلة ترسخت منذ عقود ولازالت متماسكة تقاوم التيار الجارف. رائد هذه الحركة السينمائية البديلة هي قاعات السينما الصغيرة القديمة. فإلى جانب مئات القاعات الحديثة ذات الشاشات متعددة الأبعاد والؤثرات الصوتية الضخمة والتي تستوعب مئات الآلاف من المشاهدين سنويا، لازالت برلين تتوفر على عدد غير قليل من القاعات السينمائية الصغيرة التي تصارع من أجل البقاء واستطاعت حتى الآن أن تقف في وجه ريح الحداثة السينمائية العاتية.

سوزان بيرمان

ترتبط قاعات السينما الصغيرة هذه أولا بنمط العيش المحلي لسكان برلين. فهي مرتبطة بالاحياء التي توجد فيها وتندمج كليا في التركيبة الاجتماعية للمحيط الذي توجد فيه. فمثلا لا تعتمد هذه القاعات على لافتات إشهارية كبيرة ولا تتوفر على بنية تحتية حديثة. إلى ذلك فإن هذه القاعات لا تعرض الافلام الحديثة والشهيرة، لانها اولا لا تقدر أن تنافس في ذلك قاعات حديثة. فضلا عن كونها تسعى إلى هدف أسمى من الربح والتجارة وترسيخ نمط الحاة الجديد. فهدف هذه القاعات هو المساهمة في التوعية الاجتماعية للأحياء السكنية وترسيخ مبادئ التكافل الاجتماعي والوعي بمشاكل الانسان. وقد ارتبط هذه القاعات تاريخيا بالحركة الطلابية لأواخر الستينيات وما تبعها من تحولات اجتماعية.

من بين هذه القاعات تتفرد قاعة “زمن الثلج Eiszeit” التي توجد بحي كرويتزبرغ الشهير بطابع خاص وأسلوب متميز.  فقد مثّل حي كروتزبرغ موطنا للمهاجرين القادمين إلى ألمانيا والذين وجدوا في هذا الحي مكانا على حافة العاصمة يقل فيه مستور العيش ولكن يوفر فرصة لتلاقي ثقافات شتى، كما مثل هذا الحي موطنا للحركة الطلابية في برلين الغربية إلى ما بعد سقوط الجدار سنة 1989، وهو إلى الآن يحافظ على تقاليد عريقة في التكافل الاجتماعي والتمازج الحضاري. قاعة “زمن الثلج” تأسست في سنوات الثمانينيات 1983 وبالضبط مع حركة الاستحواذ على المنازل الشاغرة واحتلالها من قبل الطلبة وتحويلهم إياها إلى أماكن للاستغلال الاجتماعي الجماعي التي شهدتها برلين آنذاك. تأسست قاعة السنما هذه لغاية فكرية حضارية وهي توجد إلى الآن في شقة من عمارة بالحي المذكور أعلاه. أما اسمها “زمن الثلج” فهو يجسّد تاريخ هذه القاعة. ففي فترة تأسيس القاعة لم تكن هناك أجهزة تدفئة مركزية، لذلك  كان يطلب من كل من يرتادها أن يجلب معه غطاء يقيه من البرد.

تعيش هذه القاعة على إعادة عرض أفلام قديمة ذات توجه اجتماعي ومعرفي. وهي إلى ذلك تختص بعرض أفلام من بلدان أخرى. فأحد محاور هذه القاعة هو عرض أفلام الشرق الاوسط والعربية منها بالاخص، وهذا موضوع خاص بذاته. فالقاعة من بين القاعات القليلة في برلين التي تعرض ما ينتج في الشرق الأوسط وتعرّف به وتدعو النقاد والمخرجين العرب إلى النقاشات والمحاضرات. في الحوار التالي توضح سوزان بيرمان مديرة هذه القاعة تاريخ القاعة وتطورها ومكانت الفلم العربي فيها. 

 
في الحوار التالي تجيب سزوان على أسئلة الجزيرة الوثائقية

* أين يمكن تصنيف “زمن الثلج” ضمن الساحة السينمائية في برلين؟
 في برلين – وفي ألمانيا عموما- يمكنني أن أقول إننا نظطلع بدور طلائعي جدا. فكم من مهرجان سينمائي شهد ولادته في هذه القاعة خذ على ذلك مثال مهرجان التبادل السينمائي، مهرجان الابداع السينمائي، مهرجان الفلم القرافيتي السينمائي، مهرجان فلم الأطفال والشباب السينمائي، مهرجان هونغ كونغ السينمائي مهرجان السينما المصرية ببرلين وغيرها كثير جدا. نحن نقوم بما لا تنهض به قاعات السينما الاخرى، استثنى من هذا القاعات المدعومة من المجالس البلدية المحلية. بالاضافة إلى ذلك نحن نحتضن مهرجان موسيقى الأفلام وذلك بعرض أفلام من الارشيف وكذلك أفلام حديثة إلى جانب دورات القراءات والابداع الأدبي المتعلق بالأفلام.  
في ما يتعلق بالفلم الوثائقي، ترتبط الأفلام المعروضة بالمحاور والمواضيع التي هي محور عمل قاعتنا. علاوة على كلّ هذا يمكنني القول إننا القاعة الوحيدة في ألمانيا كلها التي تقدم لتلاميذ فصلين دراسيين بانتظام ومنذ 3 سنوات مادة دراسية حول موضوع  ” صناعة السينما كإبداع فني”. في كلمة، إن “زمن الثلج” واحدة من القاعات النادرة التي تجرؤ على تجربة أشياء جديدة دون خوف.

* كيف تتمكنون من مواصلة العمل والسباحة ضد التيار ؟ 
أجل، بل قل إنّي أحيا فقط لأنني -أو بالأحرى- لأجل أن أسبح ضد التيّار. وهذا نقوم به أيضا لأننا سرعان ما نمل روتينية الحياة ودأبها المألوف فنريد المجازفة. ثم لأن أغلب القاعات، وهنا أتحدّث عن برامج القاعات التي نراها كلّ يوم هنا وهناك، هذه القاعات تعرض نفس العناوين تقريبا. نحن لا تحصل على هذه الافلام عادة، حتى إن حاولنا ذلك، فرغم أننا قاعة صغيرة جدا، تعامل على أننا منافس لشركات الاستهلاك العام.

* كيف يبدو لك مستقبل القاعة وبالأحرى مستقبل هذا النوع السينمائي؟
ج: متقلب وغير واضح. انا على رأس هذه القاعة منذ 20 سنة، طيلة هذه المدة لا نبرح مكاننا إذ ان دأبنا اليومي هو أن تستمر القاعة في الوجود لان بها وجودنا أيضا. في الٍلآونة الاخيرة صار يداخلني الشك، فالسينما لم تعد تقتصر على وجود المشاهدين، وإنما تقوم على وجود الربح الذي يمكن من الوصول إلى الافلام الجديدة. كما أن موازين القوى وظروف العصر كلها تعمل ضدنا. بصراحة كل يوم نعيشه في هذه القاعة يعتبر انتصارا يجب أن نحتفل به.

“زمن الثلج”.. بساطة المكان تخفي موقفا من السينما

* لزمن الثلج محور اهتمام خاص يتعلق بأفلام الشرق الاوسط، ما السّر في ذلك؟
ج: للشرق الاوسط منزلة في قلبي، لان لي أقارب يعيشون هناك، أشقائي عاشوا في إسرائيل مدة من الزمن، وكذلك لاني -مثل كثيرين آخرين- من أنصار حل الدولتين وأراه ضروريا، ثم لانني أرى أن الجانب الديني أمر خاص في الحياة ويجب أن لا يتم إقحامه في السياسة. هذا المضوع ليس حكرا على الشرق الاوسط فهو ينطبق على افلام شرق آسيا التي نعرضها كذلك والتي تعرض فيها المسيحية عرضا نقديا أيضا. 

* والفلم الوثائقي، أي مكانة له في برمجتكم؟
ج: الافلام الوثائقية بالنسبة إلي أفلام صادقة دونما حاجة إلى أن تسمي الاشياء باسمائها. فكل من يحاول فهم الافلام الوثائقية التي نعرضها سيجد نفسه مضطرا إلى أن يفكر هو شخصيا في ذاته. عندنا لا مجال “لأفلام الطماطم”. أطلق هذه العبارة على تلك الافلام التي لا تقوم سوى بتأكيد الوضع الراهن وترسيخ ما هو معروف بالضرورة. ليست لدينا أفلام لمن يبحث عن صورة تؤكد ما يعتقده وتبث في نفسه الدعة وراحة البال. أمثّل لهذه الافلام بالافلام التي تتحدث عن الاستهلاك الغذائي، عن الصحة، عن تجارة السلاح وغيرها، تلك الافلام التي تبث الرعب والدّعة في حين واحد، أعني الافلام التي تنتهي بأن يذهب المرء بعدها فيشتري الغذاء الصحي “البيولوجي” وينام هنيا مريا ضانا انه قد صار من الفئة غير المغضوب عليهم.

في كلمة: أفلامنا أفلام تبث الحيرة والتساؤل وتدعو إلى التفكير ولا تقدم الإجابات.


إعلان